ندوة حول كتاب” مكافحة الارهاب” للسفير السعودي علي العسيري في معرض الكتاب العربي- بيروت
تعرفت الى علي عواض عسيري سفيرا” في بيروت . اتذكر معه منطقة عسير التي جاء منها . وهي في جبالها وثياب اهلها الزاهية الألوان في سوقهم الاسبوعي التي تجعل العين تفرح من رحابة الطبيعة ولطافة اهلها .
قرأت عنه عسكريا” التحق بعدد كبير من الدورات التدريبية وهي من كثرة تشعّب اختصاصاتها تجعل الناظر اليه يكاد يرى فيه غرفة عمليات امنية سياسية متنقلة.
اليوم جاء دور الحديث عن الكاتب في شخصيته ولو كان النص اطروحة أكاديمية عنوانها مكافحة الارهاب.
هناك خط عريض يجمع بين الصفات الثلاثة للعسيري نسبة الى اهله . وهو ان في حديثه وطرائق تفكيره وحركته السريعة استقامة تخاطب العقل الآخر وتصدمه احيانا” . اي انه مباشر في كل ما يفعل في وقت تحتاج فيه الدبلوماسية السعودية الى هذا الاسلوب اكثر من اي وقت مضى . فكيف والشأن العام في لبنان معرّض كل يوم الى اجتياحات مختلفة من المداورة حول تعريف الحقيقة والوطنية وحتى الجغرافية .
لقد صوّب السفير العسيري في احاديثه الصحافية على ندرتها الكثير من الالتواءات حول المساعي السعودية الدائمة في لبنان وفتح افاقا” محددة وواضحة ودقيقة في حواراته الخاصة مع السياسيين اللبنانيين .
هذا عن الشخص جاء الآن دور الحديث عن الاطروحة :
ما يزال العالم يستفيق كل يوم تقريبا” على حدث او اكثر يوسمه بل يوصمه بالارهاب . وهو في الاصل يشمل الاعمال العنيفة ضد المدنيين وضد النظام العام .
لكنه بلغ منذ عدة عقود درجة من التركيب والتعقيد وتنوّع القطاعات ، بحيث استدعى الامر انشغال المؤسسات الدولية به ، فضلا” عن الاجهزة المختصة في كل دولة .
لا يعبّر بشكل كلف عن فظاعته وامتداداته القول انه صار ظاهرة دولية . فهناك من فلسف اشكالية في حقبة الحرب الباردة ، واراد التأكيد على التفرقة بين ممارسة العنف في اعمال المقاومة والتحرير ، وممارسة الاعمال العنيفة من جانب افراد وجماعات تنال من البشر ومن المرافق الحيوية للناس والدول دونما هدف الا ونشر الخوف وعدم الأمن . والواقع ان احداث العقدين الاخيرين ما تركت مجالا” للاشتباه في هوية الاعمال العنيفة ، سواء أتت من جهة الدول او من جهة تنظيمات سرية بغية فرض اهدافها بالقوة والعنف ، مثل ديمومة الاحتلال شان ما يحصل من جانب اسرائيل في فلسطين او ما يحصل من جانب تنظيم القاعدة في سائر أنحاء العالم .
لقد اردت من هذا التقديم في الحديث عن كتاب السفير عسيري في مكافحة الارهاب التنبيه الى ما صار معروفا” جدا” اذ صار الارهاب مشكلة عربية ومشكلة اسلامية بقدر ما هو مشكلة عالمية . ويكفي للتدليل على ذلك تذكر احداث 11-9-2001 والتي تسبّبت بها منظمة القاعدة وذهب ضحيتها زهاء الثلاثة الاف مدني بحجة مكافحة الامبريالية او الهيمنة او ما شابه . فضلا” عن احداث العراق اللاحقة التي اعتمدت الحق المطلق في الظلم والاعتداء .
كتاب السفير عسيري والذي يقدم للموضوع بشكل مفصّل يعالج في اكثر اجزائه دور المملكة العربية السعودية في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة على امن المملكة وامن العرب وامن المسلمين وسمعة الاسلام في العالم . اذ انه يستند في دراسة ظاهرة الارهاب الى مصادر ومراجع اكاديمية واستراتيجية وهو يتأمل نشوءه وتطوراته ودوافعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية . ثم انه لا يشعر بالحرج عندما يقرّ بوجود نتوء بارز في اوساط المسلمين المعاصرين ، يمارس الاعمال العنيفة لتحقيق اهدافه والتي يصبغها بصباغ ديني او ينسبها الى معادلة سياسية ونضالية .
وحين ينظر السفير عسيري الى الامر في ضوء المصادر الاصلية فلا يجد ما يدعم هذه الوجهة المتطرّفة بل على عكس ذلك ، فالنص القرآني الكريم يعتبر الاعمال العنيفة تلك من ” الفساد في الارض ” ويطلب من المؤمنين مكافحتها لحفظ امنهم وسلامهم وامن العالم وسلامه . ولذا فان المملكة عندما قررت مواجهة تلك الاعمال العنيفة ضد امنها وامن العرب والمسلمين والعالم كانت تقف على ارض صلبة لعدة جهات : لجهة الواجب الوطني ، والواجب الاسلامي ، وواجب التعاون العربي والدولي . فللدولة السعودية التزامات تجاه مواطنيها وتجاه امتها وتجاه العالم . لكن لديها ايضا” وبشكل خاص واجباتها تجاه الاسلام الذي عانت سمعته كثيرا” نتيجة اعمال تلك القلة ممن يدّعون الانتساب الى الاسلام .
لقد جاءت مقاربات المملكة – كما يعرضها السفير عسيري – شاملة . فهناك الجانب المحلي في الجانبين :
الوقاية والمكافحة . ثم هناك الجانب العربي بالتعاون مع الدول العربية بشكل ثنائي ومع مؤسسات الجامعة العربية . وهناك اخيرا” جانب التعاون الدولي الثنائي والعام من خلال المؤسسات الدولية .
غير ان المملكة ما اقتصرت جهودها في مكافحة هذه الظاهرة المدمّرة على الجوانب العملية والمادية ، بل تجاوزت ذلك للقيام بمبادرات لتغيير الرؤية الى المشكلة والى الاسلام .
المعروف ان هناك جهات دولية اقبلت تحت وطأة ايديولوجيات صراع الحضارات على اعتبار الارهاب ظاهرة اسلامية حصرا” . وقد واجهت المملكة الامر بمبادرات لخادم الحرمين الشريفين لحوار الاديان والثقافات . انعقد المؤتمر الاول بمكة المكرمة ، وانعقد الثاني بمدريد ، وانعقد الثالث في الامم المتحدة . وهكذا فان مكافحة ما صار يعرف بالارهاب الاسلامي اخذت ابعادا” عدة على مدى العقد المنصرم . وما انقضى ذلك الارهاب غير الاسلامي بالفعل ، لكن استيعابه بفضل كل تلك الجهود صار ممكنا” في الأمد البعيد . انما المطلوب متابعة الجهة المحلي والعربي ،
والمطلوب استمرار العمل على المستوى الدولي بالمبادرات لتغيير النظر والنظرة ، وتحقيق الهدف الاعلى في الامن من جهة والوقاية من استمرار التجنيد والتحشيد .
لا يمكن الا الاعتراف بالجهد الذي قام به الامير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي وغيره من المسؤولين من متابعة حثيثة وعلمية وحديثة للاصلاحات الواسعة النطاق في القطاعات المصرفية والمالية والادارية والمعلوماتية وخاصة وقبل كل ما سبق التعليمية . اذ ان الاصلاح عبر الاولاد الذين سيصبحون رجال المستقبل ونساؤه هو الذي يؤسس لمجتمع سليم معافى من امراض التطرّف .
وهنا يسجّل لخادم الحرمين الشريفين اقدامه الجريء في عقلنة المؤسسات الدينية بما يتلاءم ما العصر واحتياجات النجاح والاستقرار في المجمتع السعودي .
الا ان هذا الاعتراف بالجهود السعودية الرسمية لا ينفي اشكالية اساسية تعيش في عمق تفكيرنا وانتمائنا ونشوئنا السياسي والانساني ايضا” .
هذه الاشكالية قائمة على ان هناك احتلالا” اسرائيليا” مستمرا” لأرض عربية وهناك شعب يناضل منذ ستة عقود ليحصل على حقه في دولة مستقلة هو الشعب الفلسطيني . وفي الوقت الذي يثبت العدوان الاسرائيلي اليومي والدائم انه الاقدر على عرقلة المساعي الدولية بل تجاوزها وكأنها غي موجودة وآخر الادلة ما يحدث في مدينة القدس العاصمة الاولى في الذاكرتين العربية والاسلامية . فضلا” عن التقاعس العربي المتمادي في مواجهة هذا العدوان لولا قلة من الدبلوماسية الفعّالة وندرة من العمل المقاوم المدعوم من قوى غير عربية لاستغلاله في نشر سياسة خارجية تحمل العلم الفلسطيني لتنشر الانقسام في المجتمعات العربية طائفيا” ومذهبيا” .
ولبنان هو المثل الاصح لهذه المدرسة . ما لم يعد الحق الفلسطيني الى اهله ضمن اطار القرارات الدولية المعترف بها مرارا” وتكرارا” لا جواب عميق وجدي وفعال على هذه الاشكالية في عقولنا نحن المعتدلين مهما كان اعتراضنا صارخا” على الارهاب فكيف بغيرنا ممن يصعدون السلم الديني المتعرج الاجتهادات .
أعود لوقائع كتاب السفير عسيري لأقول وقائع العمل السعودي طوال العقد الماضي ، من اجل ضرب ظاهرة الارهاب في ديارنا وفي عقول وتصرفات فئة من شبابنا . غير ان منطق اطروحة السفير انه وبغض النظر عما تقوله هذه الجهة او تلك ، فان ضرب الارهاب بشتى اشكاله فيه مصلحة كبرى للعرب والمسلمين . وفي سبيل بلوغ هذا الهدف لا ينبغي التردد . لدينا مطالب محقة في التحرر والتحرير والامن والسلام والعدالة . وعلينا واجبات والتزامات تجاه انفسنا وامّتنا وتجاه العالم .
شكرا” للحضور وتقديري الكبير للجهد الذي يقوم به العزيز بشار شبارو في كل مجال خير وعلم . اوله النشر وآخره ما يحتفظ به لنفسه على عادة ايمانه العميق .