من يخون الذكرى الاولى للحرية على لبنان؟
الذكرى الأولى للحرب مراجعة جدية لمجريات الأحداث التي بدأت بالتمديد لرئيس الجمهورية واغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، إلى حرب إسرائيلية كشفت عورات القوى السياسية اللبنانية وعجزها؟
لا يكفي إحياء ذكرى البطولات والتضحيات وهي أكيدة، والتفتيش عن حائط تعلّق عليه المؤامرات، فما جرى على الامتداد اللبناني من آثار اجتماعية واقتصادية وانقسام سياسي في الجسم الضعيف للنظام اللبناني لا تزال آثاره تحفر عميقا حتى الآن. فإذا بالمعارضة تريد من الحرب مدخلاً لتعديل في الميزان السياسي الداخلي، تحت شعارات التخوين.
ألا تلاحظ قيادة حزب الله ورئيس مجلس النواب أن الكلام عن مرجعية الرئيس فؤاد السنيورة يأتي في الوقت الذي تتشكل فيه مرجعية عسكرية إرهابية في لبنان هي “القاعدة”، يبارك الرجل الثاني فيها أيمن الظواهري الاعتداء على “اليونيفيل” في الجنوب، حيث للحزب قدرات معلوماتية وسيطرة على الأرض وما فوقها وما تحتها لو أراد. ثم يناشد الظواهري المسلمين اللبنانيين بتحطيم حلقة الحصار المفروضة عليهم.
كنت أفترض أن لدى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي ما لدى غيره من اعتراضات تقليدية على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. إلى أن نشر مقالا في الذكرى الأولى لحرب – يوليو – حمّل فيه السنيورة ، ما هو مخالف للنص السائد منذ سنة عن أهمية التنسيق السياسي بين الرئيسين في الحرب والذي أدّى إلى القرار 1701 الراعي لنشر قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان.
أخرجت المقالة ما كان مختبئاً فصار ضروريا سرد الروايات التي تناولت الرئيس السنيورة وصوّرته على أنه شريك استراتيجي للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
لا بد من التحديد أولاً بأن الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي ترى في الرئيس السنيورة الشخصية الأكثر فعالية بين أقرانه في الشرق الأوسط. وهذا ليس بفضل تصرفه أو رغبته فقط، بل بسبب التحالفات السياسية التي دعمت وصوله إلى رئاسة الحكومة والتي استمرت ـ وعلى رأسها سعد الحريري ـ في حماية قرارات الرئيس السنيورة وبقائه سيداً للسرايا الكبيرة.
لذلك تجاوز الرئيس السنيورة واقعتين شارك في واحدة منهما وعرف بالثانية بالتأكيد. الواقعة الأولى أن رئيس الوزراء نقل إلى الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام للحزب تحذيراً من وزارة الخارجية الألمانية، جاء فيه أن إسرائيل سترد بقسوة شديدة عسكرياً إذا ما قام الحزب بعملية خطف لجنودها ، وتبين من الحديث بين السنيورة وخليل أنه سبق للألمان أن أبلغوا الحزب مباشرة بهذا التحذير.
الواقعة الثانية أن زعيم كتلة تيار المستقبل سعد الحريري أبلغ المسؤول الحزبي نفسه رسالة من الرئيس جاك شيراك شخصياً يحذّر فيها من نتائج عملية خطف للجنود مماثلة للتي حدثت في غزة.
لم تجد قيادة الحزب في هذين التحذيرين الصديقين، غير تجاهلهما والاستمرار في تنفيذ قرار عمليات سابق.
أول الاتهامات ـ الافتراضات حدثت نتيجة زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية دايفيد والش إلى بيروت للتفاوض على وقف إطلاق النار، والتي تم فيها صياغة القرار 1701 بالشراكة بين الرئيسين بري والسنيورة.
الرواية التي سمعتها من الحاج حسين خليل والرئيسين فؤاد السنيورة ونبيه بري، تقول إن الرئيس بري كان مجتمعاً مع الحاج حسين خليل وقد أغلق باب مكتبه من الداخل بالمفتاح منعاً واقعياً لدخول أحد عليهما. فإذا بأحد مساعدي بري يبلغه هاتفياً بوصول الرئيس السنيورة فطلب من الحاج حسين فتح الباب من الداخل لرئيس الحكومة.
لم ينتبه الرئيس السنيورة إلى وجود الحاج حسين. إلى أن تقدم الحاج حسين من السنيورة مصافحاً. المهم أن الاجتماع الثلاثي تناول الورقة الأمريكية ولكنه كان قصيراً، بعد أن أذاعت محطة “العربية” نبأ الاجتماع الثلاثي واضطرار الحاج حسين إلى المغادرة خوفاً من قصف إسرائيلي لدارة رئيس المجلس النيابي.
يكمل الرواة أن الرئيس السنيورة لم يتبنَّ ما جاء في الورقة الأمريكية ولا تخلى عنها، بل ناقش بنودها مع رئيس المجلس والمسؤول الحزبي للخروج باتفاق يحفظ للبنان حقوقه دولياً بعد الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي على أهله وبنيته التحتية.
الرواية الثانية تتحدث عن شاحنة ذخيرة للحزب متوسطة الحجم قادمة من الهرمل عن طريق الجبل. أوقفها الجيش اللبناني على حاجز له في كفر ذبيان وصادرها. اتصل مسؤول أمني في الحزب بمدير المخابرات طالباً الإفراج عنها، فأجابه مدير المخابرات أنه لا يستطيع الإفراج عنها إلا بتعليمات من رئيس الوزراء. اتصل المسؤول الأمني نفسه برئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي طالباً تدخله لدى الرئيس السنيورة للإفراج عن الشاحنة. بالفعل ذهب رئيس شعبة المعلومات إلى رئيس الحكومة في مكتبه طالباً تدخله. ارتأى الرئيس السنيورة أنه ليس باستطاعته طلب ذلك هاتفياً، إذ إن مكالماته بالتأكيد مرصودة ومساعد وزير الخارجية الأمريكية يصل في صباح اليوم التالي إلى بيروت، فكيف يسجل على رئيس الحكومة أنه أفرج شخصياً عن ذخائر وسلاح وهو يفاوض على وقف إطلاق النار؟
طلب رئيس الحكومة من رئيس شعبة المعلومات إبلاغ مدير المخابرات باسمه شخصياً ضرورة الإفراج عن الشاحنة. وهذا ما حصل في الليلة نفسها.
الرواية الثالثة تتناول ما نشر عن رغبة الرئيس السنيورة بنزع سلاح حزب “الله” في منطقة جنوب الليطاني بعد صدور القرار 1701 الراعي لنشر قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان. وهذا الأمر صحيح إذ لا يمكن للقراءة الأولى للقرار الدولي إلا أن تعني أن ألا سلاح في جنوب الليطاني لا ظاهرا ولا مخبأ. والرئيس السنيورة لم يخف موقفه هذا أمام كل من ناقشه في نص القرار بما في ذلك قيادة الجيش. لم يغيّر الرئيس السنيورة موقفه بناء على طلب جهة لبنانية أياً كان موقعها. بل إن سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن هم الذين أبلغوه في السرايا أن قراءتهم للقرار الدولي لا تبرر نزع سلاح الحزب في جنوب الليطاني.
الرواية الرابعة تحدثت عن جهد قام به رئيس الحكومة لنشر قوات متعددة الجنسيات على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. وهذا غير صحيح إطلاقا إذ لا يحتاج قرار من هذا النوع إلى معرفة سياسية ودبلوماسية عميقة. فالقوات المتعددة الجنسيات تعني صلاحيات عسكرية تنقل الاشتباك إلى الداخل اللبناني. وقد سبق للبنان أن جربها في عام 83 إثر الاجتياح الإسرائيلي وشهد شعبه نتيجة ذلك حروبا ودمارا. فمن هو “العلاّمة” الدبلوماسي الذي سيطالب بها مرة أخرى. بالتأكيد ليس الرئيس السنيورة.
الرواية الخامسة تحكي قصة النقاط السبع ، التي كانت الأساس في بنود القرار الدولي 1701، وهي معروفة لدى جميع المتابعين وعلى رأسهم الرئيس بري الذي تولى تعديل أولوياتها وإقرارها في مجلس الوزراء.
الرواية السادسة تتحدث عن اتصالات خارجية قام بها سعد الحريري مطالبا بنزع سلاح المقاومة. إذا كان هذا الافتراض صحيحاً فما هو تفسير الموقف الفرنسي الصديق للحريري والداعي إلى إخفاء السلاح في جنوب الليطاني دون نزعه. أما التزامه اللاحق بالموقف السعودي المعترض على توقيت الحرب فهذا ليس مفاجئا، ويدخل في باب الضرورة السياسية وليس في باب التآمر الخارجي.
هذا غيض من فيض من روايات الحرب التي إذا ما افترضت سوء النية عند الطرف الآخر، يصبح التآمر حاضراً دون منافس أو مفسر، إذ إن طبيعة الاشتباك الإقليمي الحادة والمنتشرة على عدة جبهات تسهل الاتهام بالتآمر وتكرّم التخوين.
فهل من يتعّظ؟