مقدمة لكتاب”زلزال الدولة” للدكتور فوزي زيدان معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 52
يفاجئني الدكتور فوزي زيدان في كل مرة اقترب منه.
تعرّفت اليه في المرة الاولى – على ذمة ذاكرتي – في أروقة قريطم حين صار منزل الرئيس الحريري مقراً للحركة السياسية البيروتية فضلاً عن اللبنانية بالطبع.
الدكتور زيدان كان ولا يزال كثير الحركة والحضور، قليل الكلام، خفيض الصوت يدخل ويخرج معه حرصه على ان لا يثير ضجة في حركته.
اعترف هنا انني اعتقدت يومها ان لقب الدكتور الملتصق بإسمه ينتسب لفرع الاداب والعلوم السياسية لا الطبابة كما هو واقع الأمر.
المفاجأة الثانية لاحقاً هي الكتابات التي كنت أقرأها في “النهار” وصحف بيروتية اخرى بتوقيع فوزي زيدان. اسأل عن صاحب التوقيع فأعرف انه الدكتور نفسه الحاضر بهدئه في أروقة قريطم. اختار الدكتور زيدان الكتابة للتعبير عما في نفسه من خواطر وما في عقله من افكار.
المفاجأة الثالثة هي جمع المقالات في كتاب بعد ان ظننت انه اكتفى بما فعل من شهادات في السياسة العامة تعبّر عن عمق القهر الذي يحز في نفسه بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري. وتكشف الشهادات – المقالات نفسها عن شجاعة قلّما تظهر على من لا يحترف الكتابة او يعلن عمله العام.
إلا ان قراءة ثانية لما كتبه الدكتور زيدان اضاءت لي على محطات يعرفها الكثيرون غيري بالطبع عن ان اهتمامه بالشأن العام في محيطه وبيئته يعود الى الايام المبكّرة من شبابه.
الاهم فيما فعله الدكتور زيدان انه اعتمد الكتابة وسيلة للتعبير عن رأيه بإعتبارها الوسيلة الأكثر رقيّاً مدنياً ومدينية، فكان صادقاً مع نفسه ومع مدينته ومع مجتمعه ومع عروبته معبّراً عنهم جميعاً بانتصاره للدولة ولحقه في الاعتراض عليها من داخل بنيانها.
جاء عنوان كتابه “زلزال الدولة” أكثر تعبيراً من أي عنوان آخر عن الهدف من اغتيال الشهيد رفيق الحريري.
لم يكن اغتيال الرئيس الحريري انتقاماً وثاراً من ماضٍ يحتمل خلافاً بينه وبين اي جهة سياسية. بل كان الهدف واضحاً منذ اللحظة الاولى وهو ازاحته من أمام مشروع قادم على لبنان يهدف اولاً الى القضاء على الدولة فكراً وعقيدة لانتظام الحياة في لبنان.
من يريد الدليل على ذلك يستطيع العودة الى تظاهرة الثامن من أذار في العام 2005 التي حملت في شعاراتها كل ما يباعد بين لبنانيين ابناء دولة واحدة. وإن لم يكفه هذا الدليل فلديه السابع من أيار هذا العام واتفاق الدوحة ببنوده المخالفة لأبسط قواعد انتظام عمل الدولة وادارة الوطن.
ليس فيما قلق اتهاماً جنائياً، بل سرداً لوقائع سياسية لم تهدف ولن تهدف إلا للقضاء على فكرة الدولة ولو تدريجياً.
لن اضيف شيئاً جديداً اذا ما تعمّقت في الحديث السياسي فكتاب الدكتور زيدان يحتوي على الكثير الكثير مما أود قوله في المسألة العامة.
الأهم ان الطبيب الذي اختار الكتابة للتعبير عن رأيه في كل ما يدور في اذهان الناس. هو الدليل الأكثر فعالية على قدرة المدنيين والمدينيين على مقاومة الظلم مهما تعددت انواعه. فكيف اذا كانت تعبّر عن مفهوم الدولة في وجه الفوضى ؟
كلمات الكاتب فوزي زيدان مباشرة، شفافة، صادقة ودافئة ايضاُ، حين يتحدث عن افراد من اهله ومحيطه.
شكراً له على كل ما فعل وكتب وشكراً للناشر بشّار شبارو الحريص بفعالية هادئة ايضاً على اصدارات تعيد للمواطنين العاديين مثلنا ثقتهم في قدرتهم على التعبير عن رأيهم في كتاب.