لا ضمانة من دون مواجهة
كيف تستطيع وزيرة الخارجية الأمريكية وزميلها وزير الدفاع طمأنة دول المنطقة العربية حين يصلان إليها في نهاية هذا الشهر؟
بالتأكيد ليس بالجواب الذي أدلى به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عندما سئل عن نتائج انسحاب القوات الأمريكية من العراق في شهر أبريل المقبل كما تحدّد في القرار المبدئي غير الملزم لمجلس النواب الأمريكي الذي اتخذ في الأسبوع الماضي. قال المالكي إن القوات العراقية قادرة على حفظ أمن العراقيين على أرضهم.
ربما أخذ في الاعتبار أن عدد اللاجئين العراقيين خارج بلدهم سيزداد من أربعة ملايين إلى عشرة، فيصبح الأمن مناسبا للكثافة السكانية التي يغلب عليها المذهب الواحد.
إذ إن تشجيعه لعمل المليشيات المذهبية وتجنّب اتّخاذ أي إجراء قانوني أو أمني بحق أعضائها مهما فعلوا، كفيل بإكمال هجرة العراقيين إلى الحد الذي يناسب نظرته الأمنية.
إذا ما هو الخيار الآخر لمنع الفراغ الأمني في العراق في حال انسحبت القوات الأمريكية منه؟
لا شك أن الحملة العسكرية في العراق تتسع وتزداد انتشارا في الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية. فليس هناك من هو على استعداد للدفاع عن عملية عسكرية فاشلة، ولا تحرز القوات الأمريكية أي تقدّم فعّال يمكن تقديمه إلى الرأي العام الأمريكي لتبرير إبقاء القوات. هذا مع العلم أن قادة القوات الأمريكية في العراق يقولون إنهم حققوا تقدما ملحوظا في خطتهم الأخيرة لضبط الأمن في العراق.
ليست هذه سياسة انتخابية أمريكية فقط، بل هي أيضا شعور وطني بإبعاد خطر الهزيمة المعلنة عن قواتهم العسكرية.
تحار وأنت تقرأ تعليقات كبار المحللين الأمريكيين وصنّاع الرأي في واشنطن. كلهم يحثّون على الانسحاب ولكن كل على طريقته. دون أن يحدّدوا الثمن السياسي لهذا الانسحاب.
– “مايكل هايدن” رئيس المخابرات المركزية الأمريكية يقول على طاولة الاجتماع في البيت الأبيض إن عدم قدرة الحكومة العراقية على الحكم ثابت ولا عودة عنه.
– “راي تكيّة” الباحث في مؤسسة واشنطن للدراسات الاستراتيجية يدعو إلى مزيد من المفاوضات الأمريكية-الإيرانية، وفي الوقت نفسه اتخاذ قرارات دولية بعقوبات جديدة تسبّب مزيدا من المتاعب الاقتصادية للشعب الإيراني. ومناقشة التخصيب النووي الإيراني في مفاوضات متعددة الجنسيات وليس ثنائيا كما حدث من قبل.
– “ماثيو ليفيت” في “الوول ستريت جورنال” يريد لإيران أن تشعر بالألم قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات معها.
– “مايكل جاكوبسون” يدعو إلى فرق مراقبة مستقلة في إيران، كما فعلت الادارة الأمريكية في السودان وليبيريا والصومال.
– دنيس روس المفاوض الأشهر على الجبهات السورية-الفلسطينية-الإسرائيلية ومساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يدعو إلى احتواء إيران الجارة للعراق بإعطائها حصة في السياسة العراقية تلزمها بحمايتها.
– نايل كرمبتون وسامي الفرّاج ومهدي قلعجي على طاولة مستديرة في مؤسسة واشنطن للدراسات الاستراتيجية يدعون إلى مقارنة النوايا الإيرانية بالقدرات المتاحة للحكومة الإيرانية.
ليس في هذا الكلام ما يطمئن أحدا في الشرق الأوسط. بل على العكس فإنه يعد بقوة إقليمية تفرض أول ما تفرض نظرتها السياسية والأمنية على المنطقة، المشتبكة مع كل القرارات الدولية.
من كانت تنقصه الوقائع الإيرانية فقد زوّده بها حسين شريعة مداري مندوب المرشد الأعلى في مؤسسة” كيهان” الصحفية.
أولا كتب شريعة مداري في “كيهان” مقالا جاء فيه: “في ظل النظام الاستراتيجي الذي برز في الشرق الأوسط، صار واجبا أن يكون للشيعة في لبنان، وليس للشيعة اللبنانيين، أكبر حصة في المؤسسات الحكومية والرسمية. وعلينا أن نرى ونتابع كيف تتطوّر الأمور. إن لبنان يواجه تطورات لا تستطيع الحكومة الراهنة أن تعالجها. لهذا، من الضرورة تغيير المؤسسات فيها، وأول ما يجب تغييره هو اتفاق الطائف”. ويضيف شريعة مداري: “أن الشيعة يمثلّون اليوم 40 % من السكان اللبنانيين ويشغلون 40 % من الأرض اللبنانية وهم المجموعة الأكثر وحدة وتوحدا فيه، وصارت قوتهم العسكرية الأقوى في تلك المنطقة من العالم العربي. لذلك يجب أن يكون لهم التمثيل الأكبر والأوسع في الحكومة وفي البرلمان في كافة المؤسسات اللبنانية “.
المعلومات الواردة في المقال والتوصيفات المعطاة لقواعد التغيير تأتي على طريقة من يقف في مكانه ويقول هنا نصف الدنيا ومن لم يعجبه فليبدأ بالقياس.
ثانيا : عن الخليج العربي قال شريعة مداري في مقال آخر إن حكومات دول مجلس التعاون أنشأها التدخل المباشر للقوى الاستكبارية ولم يكن للشعوب أي دور في تعيين حكوماتها ورسم سياساتها. ثم أكد على وجود أدلة على ملكية إيران للجزر الإماراتية الثلاث “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى” التي احتلّتها إيران في أيام الشاه.
أكمل شريعة مداري فضل بلاده على العرب بإعلان البحرين أرضا إيرانية، ولا بد من استرجاعها. بالطبع جاء وزير الخارجية الإيراني إلى البحرين أول من أمس شارحا “حرية الصحافة” في إيران وأن ما جاء في مقالات “كيهان” لا يعبّر عن وجهة نظر الحكومة. لذا لا مبرّر لاعتذار حكومته عن رأي ورد في وسيلة إعلامية استغلّت “الحريات” التي يعيش عليها الشعب الإيراني. فالصحيفة المعنية “دينية” الارتباط وليست رسمية بينما صحف المعارضة بما فيها الإصلاحية يجري تعطيلها منذ صدور العدد الأول مبدئيا.
لكن هذا لا يلغي على الإطلاق الطبيعة الاستراتيجية للقرار في المنظومة الإيرانية.
العقيدة الإيرانية قائمة على السيطرة معنويا على منابع النفط العربي ولا غرابة أن تطالب إيران بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي في وقت لاحق. أما الهدف الثاني فهو المشاركة الاستراتيجية في وسائل التعامل مع النزاع العربي-الإسرائيلي بسبب انتشارها عبر حلفائها في لبنان وسوريا على الحدود الإسرائيلية. هذا دون اعتبار انقلاب حركة “حماس” في غزة جزءا من الاستراتيجية الإيرانية حتى الآن.
هذا في المضمون. أما في الشكل فإن الحركة الإيرانية تأخذ منحى جديدا. فللمرة الأولى يعلن مسؤول إيراني رفيع المستوى هو الجنرال محسن رضائي سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري أن بلاده لا تمانع بتعليق مؤقت للتخصيب النووي وهو اقتراح كان تقدّم به مدير عام الوكالة الوطنية للطاقة.
اعتبر رضائي في حديث للواشنطن بوست أن المحادثات الأمريكية-الإيرانية في بغداد إقرار متأخر جدا من بوش بوجوب التعامل مع النظام.
المتخصصون في السياسة الإيرانية يقولون إن كلام رضائي قنبلة دخانية يراد منها تنفيس منطق المواجهة العسكرية الأمريكية مع إيران والتي لا يزال لها أنصار في الإدارة الأمريكية. ويقارنون هذه السياسة بما تقوم به القيادة السورية من اندفاع غير طبيعي وغير مبرّر نحو المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية وذلك إضعافا للمنطق المتداول في واشنطن أيضا وبنسبة أقل في إسرائيل عن ضرورة توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا لمنعها من المساهمة العسكرية في الفوضى العراقية ووقف إمداد “حزب الله” في لبنان بالأسلحة والذخائر.
مرة أخرى هل تستطيع رايس وزميلها جيتس طمأنة أحد في الشرق الأوسط؟
ما لم يكن هناك رادع سياسي وعسكري للدور الإيراني الحالم بالانتشار عند العرب فلا قيمة لأية ضمانات. وخاصة الأمريكية منها…