كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في عشاء تكريمي على شرفه أقامه الحاج أحمد ناجي فارس
كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق
عشاء تكريمي على شرفه أقامه الحاج أحمد ناجي فارس
الشبانية – 7 أيلول 2017
هذا بيت خير بتاريخه وحاضره، والحاج أحمد ناجي فارس وعائلته هم من اهل الخير الذين يفعلون ولا يتكلمون، انهم في المكان المناسب دوما، من القلائل الذين يمتازون بالعقل المنظم، بحيث ينظمون الامور بطريقة عاقلة ومنطقية تحقق الغرض ولا تحملهم حملا ثقيلا، وتوصل الى الخير الى كل من يستأهله سواء من مؤسسات اسلامية او من افراد او اشخاص، زادهم الله خيرا.
زاد عليَ الأخ كمال الأوصاف وحمَلني أكثر مما أستطيع أن أتحمل، وفي الحقيقة انا واحد من هؤلاء الناس، أحمل خبرة اربعين سنة ولا اعلم ان كانت هذه الخبرة خدمتني ام ارهقتني، لربما يقول قائل “نيال اللي ما بيعرف”. فالمعرفة تتعب حاملها. لكن من يؤمن بثوابته لا يمكن أن يشعر بالضعف بل يستمر على صلابته وموقفه وصموده”. انا تعلمت اشياء كثيرة في السنوات العشرة التي اذكرها واهمها مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تعلمت فيها الكثير وافادتني كخبرة في كيفية التعامل مع الصعاب والالتفاف حولها ومواجهتها حين تكون المواجهة ضرورية.
أريد التحدث بموضوعين، الاول: لقد سمعتم ما قيل على لسان اهالي العسكريين الشهداء بما يتعلق بي، وانا قابل ومتقبل ومتفهم، انهم اهلنا، شهداؤهم شهداؤنا، جيشهم جيشنا، انهم يتألمون ونحن يجب علينا ان نصبر على المتألم وتفهمه وتقبله، ونتفهم وجع كل “حاجة” كانت في ساحة رياض الصلح، انها كوالدتنا او اختنا، ولا بد ان يستعيدوا صوابهم. لقد اصدرت بيانا في هذا الموضوع اوضح فيه النقاط على نحو علمي، ولقد تأكدت أن فحص الحمض النووي DNA أثبت أن قتل العسكريين تم بعد أشهر من عملية تحرير سجن رومية ، وبالتأكيد ليس هناك من رابط بين العملية وقرار إعدامهم.
ما اقوله هو ان هذه الرواية لم تصدر بالامس، ولا أهالي العسكريين تذكروها بالامس، لانني استقبلتهم مرات عدة. هناك جهة لا بد من الاعتراف والقول انها خبيثة وكفوءة، يصح فيها صفة “أتفه الرجال وأكثرهم غدراً”، لانها زرعت في الوقت المناسب شكوكاً ملفقة برواية ووقائع غير صحيحة على الاطلاق ربطت بين عملية تحرير سجن رومية واعدام العسكريين. انما الاهم هو انهم يريدونني ان ادفع ثمن وقوفي الى جانب الجيش والى جانب الدولة ومع فكرة الدولة التي مهما ضعفت يجب ان نبقى الى جانبها فكيف اذا أظهرت قوتها. لان هذا الجيش هو جيشنا، ولاول مرة منذ العام 1990 اي منذ اتفاق الطائف يقوم هذا الجيش بعمل عسكري بناء على اوامر محددة وخطة محددة مسبقا. كل العمليات التي قام بها سابقا كانت رد على اعتداء، سواء في نهر البارد او في جرود الضنية او حتى في صيدا. من منا لا يتذكر ان الجيش التحق بقواته المجوقلة بالساعات الاخيرة من معركة صيدا وبالتالي لم يكن هناك من قرار. وعندما اتخذ القرار السياسي قام الجيش بعمله بنجاح ووقفنا الى جانبه من دون تردد وجدل ومن دون قبول بأن هناك اي طرف آخر مسلح او غير مسلح، مساوم له او ندّ له او قريب له حتى. يجب ان يكون هذا واضحا في ذهننا وفي فكرنا لان هذا القرار هو بداية تحول كبير في قراءة الدولة لدورها تجاه اللبنانيين. فلسنوات طويلة كان دوما هناك من يفرض دفتر الشروط، اما اليوم فالجيش اللبناني والقيادة السياسية سواء الرئيس ميشال عون او الرئيس سعد الحريري او كل اعضاء مجلس الدفاع الاعلى، اتخذوا القرار ونفذه قائد الجيش بنجاح من الدرجة الاولى. هذا تحول في فكرة الدولة اللبنانية، بان الدولة قادرة وتملك ادوات تنفيذية فاعلة وناجحة، واريد ان اقول لكم ان هناك احد عشر ضابطا متقاعدا من كبار الضباط صعدوا الى الجرود للوقوف الى جانب معركة الجيش”.
ثمن الروايات الخبيثة التي ركبت هو ثمن الايمان بالجيش وثمن بداية تحول كبير في قراءة الدولة لدورها تجاه اللبنانيين. انها البذرة الاولى الجدية من حيث القدرة التنفيذية ويجب ان نكون كلنا على استعداد للتضحية دعما وتأييدا.
ليس هناك من لبناني اذا استعمل ضميره الوطني للحظة، حتى ولو كان من تيار سياسي او عسكري مقتنع انه اقدر من الجيش وفعال اكثر منه، ليس هناك من لا يفرح بالجيش وبعلمه. من يعرف الجرود يعرف طبيعتها الصعبة وقاسية. تحمل الجيش المعركة بمزيد من الاقدام والاحتراف والدقة، والدليل عدد الشهداء الذي سقط والذي يُعدّ قليلا قياسا إلى طبيعة مثل هذه المعارك، وكلهم سقطوا في ألغام. اما بالنسبة الى التسوية التي حصلت فلن اتحدث عنها، لانها مسار جدل كبير، ولست في صورتها الدقيقة للتعليق على التحفظ او الدعم.
أما الموضوع الثاني الذي أرغب التحدث عنه، هو اننا بقرارنا السياسي اتخذنا قرار بربط النزاع ولكن لم نتخذ قرارا بربط الكرامات، لان اللغة التي تستعمل في السياسة تطال كرامات كبير مسؤولينا. لن نرد باللغة نفسها، لكن نقول انّ صلابتنا وقدرتنا وصمودنا هو اكبر رد على التطاول الذي حصل، وبصراحة اكثر، على دولة رئيس مجلس الوزراء الذي هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو لا ينتظر احدا ليعطيه دروساً. نسمع كلاماً لا يُحتمل لا في السياسة ولا في المنطق ولا في العقل ولا في الاخلاق، وأقل ما يُقال إنه كلام بلا اخلاق سياسية.
على كل حال، من يتطاول على رئيس الحكومة وصلاحيته يجب ان ينتظر كلاما من هذا النوع، لأنّ رئيس الحكومة لم يعتدِ على احد، بصرف النظر على الشكل السياسي الذي اخذه منحى كلامه، بل قال كلاماً دقيقاً جداً ومحدداً له فيه رأي سياسي، ولم يطل كرامات الناس. لكن عندما يستسهلون التعرض لكرامة رئيس الحكومة فهذا يعني أنّهم يستسهلون التعرض لكرامة كل لبناني مؤمن بالدولة، ومؤمن بجيشه ومؤسساته، وليس لشخص سعد الحريري، مع حفظ الالقاب، بل للموقع الذي يشغله سعد الحريري. إنّها مسؤولية كل لبناني ان يحافظ على موقع كل مسؤول بحرص على ألا يُطال بطريقة حادّة غير مبرّرة وغير عاقلة وغير مقبولة.
هذا ينطبق أيضاً على الكلام بحقّ الرئيس الصامت الصابر تمام سلام، الذي تحمّل لثلاث سنوات جبالاً من الخلافات السياسية والاستهتار الدستوري في ظلّ الفراغ الرئاسي. “ما حدا بيطلعلوا يستوطي حيطنا” لا بتمام بك ولا بغيره. نحن نفخر بحفظنا لعرسال وأهلها وبجيشنا الوطني. لم يفعل العماد قهوجي إلا ما أملاه عليه ضميره الوطني ومناقبيته العسكرية. ولا كان الرئيس سلام إلا حمّالاً لرسالة حفظ السلم الأهلي. وذلك في ظلّ توترات عشناها سوياً لسنوات التزمت خلالها كثير من الأطراف، “المتفرعنة” هذه الأيام، بتعطيل “الوطنية اللبنانية” بكل الوسائل.
وايضا نرفض التطاول على دولة مثل السعودية، لم نرَ منها الا الخير بكل انفتاحها على كل الاطراف السياسية وفي أصعب الاوقات. لا يمكن ان نقارن بينها وبين نظام في سوريا استعمل الكيميائي ضد شعبه عشرين مرة، ولا مقارنة بين مملكة لم تقدم الا الخير للبنان والرغبة بالانفتاح على كل الاطراف والقدرة على الحوار مع كل الناس والمواجهة المستمرة لحفظ العروبة والاسلام وبين نظام لم يقدم الا التفجيرات والتخطيط لقتل المدنيين الابرياء، وليكن واضحاً أننا لن نقبل بالتطبيع مع النظام السوري.
.