يوم المختار: احتفالاً بخميرة الدولة اللبنانية
أيها السيدات والسادة، أيها الحفل الكريم،
شرفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان راعي الإحتفال السنوي ليوم المختار تمثيله في هذا الحفل ونقل تحياته بالطبع إلى جميع المختارين في لبنان.
إن الإحتفال بهذا اليوم هو احتفال بخميرة الدولة اللبنانية ونواتها الأولى. فقد سبق وجود المختارين وجود الجمهورية التي نعرفها اليوم. بل شكل موقع المختار ولا يزال أول مداميك تعزيز السلم الأهلي في المجتمع المحلي من خلال دوره في فض النزاعات وحلها، مستندا الى ما يتمتع به من علاقة مباشرة مع الناس ومعرفة دقيقة بأحوالهم وأطباعهم وحاجاتهم، وهو قلما توفر لأي دائرة من دوائر الدولة والسلطة في نظامنا وفي كل الأنظمة السياسية.
ولا أبالغ في القول أن المختار هو ملمح الدولة الذي يرافق المواطن اللبناني ويلتصق بكل تفاصيل نشاطاته وحياته ويومياته من وثيقة الولادة حتى شهادة الوفاة وما بينهما.
غير أن القرب بين المختار والمواطن لا يقتصر فقط على هذا المعنى ، بل يتعداه إلى معاني اخرى، إنسانية تعكس كل القيم النبيلة في العلاقات بين الناس.
ففي محيط كل منا من نسبغ عليه لقب مختار او مختارة تحبباً، وإن لم تكن لهم علاقة مباشرة بمهمة المخترة. بل نسميهم كذلك لكثرة علاقاتهم ومعارفهم واطلاعهم على تفاصيل الآخرين وحيازتهم حب وتقدير المحيطين بهم.
هذا ليس غريباً على منصب أو مقام أو وظيفة أو دور يتحدر اصلاً من دور شيخ القبيلة في المدن والبلدات والقرى. وكان يلقب في العهد العثماني بـ “شيخ صلح”، وهي عبارة لا تزال تستخدم إلى اليوم لوصف الأوادم ومن يستثمرون هيبتهم ومحبتهم ومونتهم وعلاقاتهم لخير الآخرين. ومن ثم اتخذ المختار لقبه مع الإنتداب الفرنسي ليتوسع دوره مع مرور الزمن بحيث بات له يوماً يحتفل به كل عام.
طبعا هذا دور المخاتير وعلى رأسهم المختار بشارة غلام الذي يقول أن الرئيس الحريري أسس وهنا يجب أن أقول أن هناك فضل كبير أيضا للمختار غلام الذي يتصل بي بشكل يومي منذ انتخابي للنيابة.
المختار هو وجه الدولة المنتخب على الصعيد المحلي، ويلعب دوراً أساسياً في تنظيم سجلات النفوس ودوراً مساعداً في شؤون الإدارات العامة المختلفة. ويؤدّي المختار أيضاً دوراً تنسيقياً بين الأهالي والمؤسسات الحكومية والأهلية والتجارية من جهة وبين المواطنين في ما بينهم من جهة أخرى. فلا يستقيم عمل إدارات الدولة إلا بتعريف من المختار الذي يمهر بختمه لتأكيد الأوراق الثبوتية، أي أنه صلة الوصل بين المواطن والدولة. وهو التأكيد العملي واليومي أن لا بديل عن الدولة حين غابت الدولة لأكثر من سنوات . فالدولة أولا والدولة ثانيا والدولة أخيراً، لا ينوب عنها قبضايات لا على مستوى حي ولا على مستوى الوطن.
أيها السيدات والسادة، أيها الحضور الكريم،
لا يمكننا أن نلتقي في مثل هذه مناسبة وبوجود هذا الحضور الكبير من المختارين من دون أن نأتي على ذكر اللامركزية الإدارية الموسعة. لا شك أن اللامركزية الإدارية تُساهم بشكل أساسي في تعزيز المشاركة السياسية وتعزيز المساءلة وتأمين التمثيل الصحيح على الصعيد المحلّي المصغر. وهنا يبرز ويتعزز دور المختار الاجتماعي والسياسي باعتباره قائدا للرأي في مجتمعه المحلي ومؤثرا في توجيه الرأي العام. كما من شأن اللامركزية الإدارية تعزيز دور المخترة في زيادة الشفافية في صنع القرار وتحسين نوعية الخدمات العامة. المختار هو نواة اللامركزية الإدارية، وسوف يترسّخ دوره أكثر واكثر في ظل اللامركزية الإدارية الموسعة نظراً لأهمية مكانته وخصوصيته بالتعريف عن المواطنين ومساندة الضابطة العدلية وتوثيق العلاقة بين المواطن والشرعية.
لقد تعهدت أن تعمل وزارة الداخلية والبلديات على إيلاء موضوع اللامركزية الإدارية كل الأهمية، وسوف نعمل مع جميع الشركاء والمعنيين لخلق نقاش جدّي وموضوعي وبنّاء وعلمي حول اللامركزية الإدارية وسوف نبذل جميع الجهود لكي يأخذ هذا المشروع القانون مساره المؤسساتي الدستوري بشكل سليم وسريع.
السيدات والسادة،
إننا في وزارة الداخلية والبلديات نعمل جاهدين على تعزيز دور المختارين وتأمين الآليات والتسهيلات للقيام بدورهم بشكل أفضل ولتلبية حاجات المواطنين في مختلف البلدات والمدن والقرى اللبنانية. وقد عملنا في الفترة السابقة اي منذ حوالي الشهرين وبالتعاون مع مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية الصديق نبيل دوفريج على ترميم معظم سجلّات القيد العائدة للمديرية العامة للأحوال الشخصية تلزيما و تصحيحا ومكننة وعلى نسخ تلك القيود وتصويرها وحفظها. واعد هنا أن يأتي دور أقلام النفوس حيث سيجري العمل قبل نهاية هذه الحكومة. كما نعمل على الإنتهاء من درس ومراجعة نماذج الإفادات والطلبات الخاصة بالمختارين التي سوف نُحيلها فورَ جهوزها على إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية لأخذ موافقتها. وهذا الأمر سيتم خلال وقت قريب جدا. وفي شأن الضمان الصحي للمختارين سألت زميلي في الكتلة الدكتور أحمد فتّفت وأؤكد أن كتلتنا ستسعى بأن يكون للمختارين حق الضمان الصحي.
ختاماً، وبالنيابة عن فخامة رئيس الجمهورية راعي هذا الإحتفال الكريم، أؤكد على إلتزامنا دعم وتعزيز دور المؤسسة العامة للصندوق التعاوني لمختاري لبنان وتأمين جميع المستلزمات من أجل دعم مسيرة المختارين وتطويرها من أجل أن يصبحوا صلة وصل أكثر فاعلية بين الدولة والمواطنين في لبنان. وقد تحدثت إلى الرئيس سلام في كل ما ورد في خطابي سواء ما يتعلق بالقيود والضمان الصحي وهنا أنقل تحيات الرئيس سلام وأؤكد أنه معنا في كل هذه المطالب.
عشتم وعاش المختار وعاش لبنان
وزير الداخلية والبلديات
نهاد المشنوق