“ستديو بيروت” مع جيزيل خوري – حكومة جسر الشغور
س- أنت كنائب بيروت هل تشعر ان هناك نوع من الظلم تجاهكم لأن الحكومة ضمّت أربعة وزراء من طرابلس؟
ج- أولاً بيروت غير ممثلة سياسياً، وثانياً العدد السني ليس عدداً طائفياً، لأني أعتقد ان كل الوزراء المسلمين في هذه الحكومة سواء كانوا سُنة أو شيعة، هم من طائفة سياسة واحدة، وهم من اتجاه سياسي واحد. وعلى كل حال رغم كل محاولات تجميل هذا الأمر بالعدد الذي حصل، أنا أعتقد ان اتجاه الجميع هو اتجاه الشيعية السياسية وليس اتجاهاً طائفياً أو مذهب أو مدينة.
طرابلس تستأهل هذا العدد من الوزراء وأكثر، ولكن هل فعلاً هؤلاء الناس يُمثّلون طرابلس؟ هذا ظهر من ردود الفعل التي صدرت.
س- يعني هناك آل كرامي، نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي، وهنا في بيروت وليد الداعوق من عائلة بيروتية معروفة؟
ج- أنا أقول انهم أشخاص محترمين بكل المعاني، أنا لا يمكن أن أناقش بالمسألة الشخصية، أنا أتحدث بالمعنى السياسي، هؤلاء الناس لا يحق لهم، والأيام ستوضح ذلك، ان هؤلاء فعلاً لا يُعبّرون عن الرأي العام الإسلامي الوطني، ومع الوقت سيظهر ذلك أكثر وأكثر، فهذه مسألة تفصيلية بالتمثيل السياسي، وهذه محاولات تجميل فولكلورية لواقع سياسي مختلف تماماً لاعلاقة له بالمذاهب والطوائف.
س- في مقابلة مع وزير الداخلية الجديد مروان شربل، قال لنا ان الوزراء الثلاثين هم وزراء رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهناك أيضاً ما يدعم رأيه، إذ أن بيان “كتلة الوفاء للمقاومة” الذي صدر حول الحكومة أخذ نفس الشعار الذي هو شعار: الرئيس، الشعب، الجيش والمقاومة؟
ج- هذه من أخطاء الحكومة السابقة ومن أخطاء الحكومة ما قبل السابقة، ما ورد في البيان الوزاري لحكومة الرئيس السنيورة بعد اتفاق الدوحة، وما ورد في بيان حكومة الرئيس الحريري الثانية بعد اتفاق الدوحة بهذا المعنى، هو عقل ينم على غياب الدولة، وهذه ليست المرة الأولى التي أقول فيها هذا الكلام، بل أثناء هاتين الحكومتين أنا قلت هذا الكلام. هؤلاء كيانات ثلاث مستقلة أم يُمثّلون دولة واحدة؟ من هو الذي يُمثّل الجيش والشعب والمقاومة؟ هذه ليست ثلاث كيانات بل كيان واحد اسمه الدولة اللبنانية، وبالتالي مكوّنات الدولة لا توضع بشكل مستقل. لذا لا يجب اللعب على الألفاظ، عندما نُعبّر عن هذه الكيانات بطريقة مستقلة ومنفردة، يعني إننا نُعبّر عن ان لكل منهم كيان مستقل عن الآخر.
س- كلا، هذا يعني ان الشعب هو مع الجيش ومع المقاومة، يحتضن الجيش والمقاومة؟.
ج- لا شيء يحتضن الجيش ولا الشعب ولا المقاومة غير الدولة، هذه الكيانات لا تلتقي إلا في مكان واحد هو الدولة اللبنانية.
نعود الى موضوع السلاح، ياسيدتي، نحن نلف وندور حول الموضوع، ولكن الموضوع ليس كذلك. هذه الحكومة هي قرار سياسي له علاقة بنفس العقل العسكري والسياسي الذي قرر التمديد في العام 2004.
س- ولكن هذا أدى في الـ2004 الى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هل هذا العقل سيؤدي الى اغتيال؟
ج- أنا لا أسمح لنفسي بالدخول في المسائل الأمنية، لأن هذه المسألة يلزمها “بصارة”، وأنا لا أملك هذا الإستنتاج الأمني، أنا أملك استنتاج سياسي. عندما هذه الحكومة تُشكّل بقرار سوري رغم كل المبالغات التي توصف الحكومة بأنها قرار لبناني، هذه حكومة تقُرّرت في العشرة أيام الاخيرة، في نفس التوقيت الذي قُرر فيه الحسم العسكري في سوريا بوجه الشعب السوري، فلماذا نعطيها أوصاف وأشكال مختلفة؟ وأنا ليس من باب النكتة أو الصدفة سمّيتها حكومة جسر الشغور، أنا سمّيتها بهذا الإسم لأني قصدت ذلك، لأن جسر الشغور هو جزء من قرار الحسم العسكري في سوريا بمواجهة الشعب.
س- وبمواجهة المجتمع الدولي أيضاً؟
ج- وبمواجهة المجتمع الدولي والمجتمع العربي، وسيظهر خلال أيام ان هذه المسألة أوسع بكثير وأكبر بكثير مما نحن نتطلّع إليها، باعتبارها مسألة لبنانية بحتة وتفصيلية تتعلق بعدد الوزراء أو طوائفهم أو مذاهبهم.
س- نحن على كل حال في “استوديو بيروت” سنتحدث عن مشروع القانون البريطاني-الفرنسي في مجلس الأمن لإدانة الممارسات السورية، ولكن الفرنسيين فضّلوا أن لا يتحدثوا هذا الأسبوع لأن الموضوع لم ينضج بعد لعرضه على مجلس الأمن؟
ج- أعتقد انه قبل أن نصل الى الفرنسيين والبريطانيين، دعينا نبدأ بالعرب، أين الضمير العربي مما يحصل وأين الموقف السياسي؟.
س- امين عام الجامعة العربية كان له موقف؟
ج- سمعت رأيه، وهذا كلام يُقدّر عليه، ولكن أنا أتحدث تحديداً عن السعودية ومصر، حيث لا موقف عربي خارج السعودية ومصر. لذلك السؤال الى متى يستمر غياب هذا الضمير العربي مما يحدث في سوريا وتبعاته في لبنان؟ دعينا نكون واضحين.
س- لكن هناك أردوغان؟
ج- قبل أن أدخل الى الإستديو الآن، كلمّني صديق وأبلغني بأنه سيتم فرض حظر جوي أوائل الأسبوع المقبل، ولاحقاً حظر أرضي بين تركيا وسوريا، ولكن هل هذا هو المطلوب؟ وهل المطلوب ان تركيا تكون المعنية بمصير الشعب السوري بينما العرب يتفرجون؟.
عل كل حال، لا أريد أن أذهب بعيداً، أنا لا أقرأ هذه الحكومة غير من منظور سياسي وليس من منظور طائفي أو منظور مذهبي، هذه الحكومة هي قرار سياسي مماثل لقرار التمديد لرئيس الجمهورية في العام 2004.
بعد الإستماع الى وزير الإعلام وليد الداعوق يلقي البيان بعد جلسة الحكومة الأولى وقوله ان رئيس الجمهورية قال ان هذه الحكومة لبنانية مئة بالمئة.
الأستاذ نهاد يقول: الآن الحكومة لبنانية مئة بالمئة، ولكن أين كانت هذه اللبنانية في الخمسة اشهر الأخيرة؟ ولماذا لم تُشكّل هذه الحكومة؟
س- ولكن لماذا تريد سوريا الآن تشكيلها؟
ج- الأمر واضح جداً، وهو اتخاذ قرار الحسم العسكري في كل مسألة المواجهة مع الشعب السوري، يوازيها في نفس الوقت الحسم السياسي في لبنان بتشكيل حكومة قادرة بطبيعتها وبتشكيلتها وباتجاهها السياسي على مواجهة رأي عام لبناني، ومواجهة مجتمع عربي ورأي عام عربي، ومواجهة مجتمع ورأي عام دولي.
س- هناك حكومة وحدة وطنية؟
ج- فشلت فشلاً ذريعاً.
س- غير حكومة وحدة وطنية دعنا نقول الأكثرية لـ”14 آذار” هل باستطاعتكم أن تحكموا؟
ج- أنا أعرف انك استنتجت من كلامي هذا الشيء، أنا لا أدعو لحكومة من “14 آذار” ولا أدعو لحكومة وحدة وطنية كالتي فشلت في البلد، هناك أزمة سياسية كبرى في البلد وهناك صراع عربي داخل سوريا وعلى سوريا، أما القول بأننا لا نتأثر بما يحدث في سوريا فهو كذبة كبيرة.
س- نحن لا نتدخل وليس لا نتأثر؟
ج- أولاً إذا نحن لم نتدخل فهم تدخلوا في الحكومة، وهم من أتوا إلينا ولسنا من ذهب إليهم.
س- لكن رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة المكلّف، رئيس مجلس النواب ومن يُمثله من طائفته و”حزب الله” وميشال عون أنتجوا هذه الحكومة؟
ج- أنا لم أقل أنهم لم ينتجوا هذه الحكومة، ولكن أنا عندي سؤال أتمنى الإجابة عليه: لماذا لم ينتجوها منذ الأسبوع الأول إذا كانت نتاج طبيعي لهذا التحالف؟ فماذا كان يفعل خلال أربعة أشهر ونصف إذا كانت هذه الحكومة لبنانية مئة بالمئة؟.
س- لا بأس فالرئيس السنيورة استغرق أكثر من ستة أشهر لتشكيل حكومته؟
ج- ياسيدتي، الرئيس السنيورة كان لتوّه خارج من اتفاق الدوحة، وكان هناك صراع عنيف بين مختلف القوى حول تشكيل الحكومة التي أخذت شكل حكومة الوحدة الوطنية قبل الإنتخابات النيابية.
س- أول مرة لا نشاهد الوزراء في الصورة التذكارية باللباس الأبيض بل بالأسود؟
ج- ربما هناك آراء بروتوكولية مختلفة حول هذا الموضوع، ولكن ليس هذا الموضوع فليلبسوا ما يريدون، وأنا شخصياً كنت أفضّل الحفاظ على التقليد أياً يكن هذا التقليد، لأن التقليد هو الذي يعمل أصول وجذور، فليس كل يوم نخترع صورة جديدة للحكومة اللبنانية.
على كل حال، أنا أعود وأقول ان القرار السياسي لهذه الحكومة، مع احترامي لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة المكلّف ولكتلة الوفاء للمقاومة وللعماد ميشال عون، هذه حكومة ستتحول خلال اسابيع قليلة الى حكومة مواجهة لبنانية وعربية ودولية، لأن ما يحدث في سوريا كبير الى درجة انه لا يمكن إلا أن تكون له تداعيات، ومطلوب من لبنان أن يكون جزءا من المواجهة السورية للمجتمع العربي والمجتمع الدولي في عملياته العسكرية والسياسية.
وهنا دعيني أوضّح فكرة لأن هناك جدل دائم حول حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الإتجاه الواحد، نحن في أزمة سياسية كبرى، وهذه الأزمة تستوجب أكبر قدر ممكن من التعقل والهدوء، وهذا التعقل والهدوء كان يجب ترجمته بحكومة اختصاصيين تعمل من أجل الناس، وتترك السياسيين يوقّعوا على طاولة الحوار.
س- عندما يصدر القرار الإتهامي ماذا يفعل هؤلاء الإختصاصيين؟
ج- يأخذوا نفس القرار الذي يحقق العدالة الدولية للشهداء الذين سقطوا، وفي نفس الوقت الإستقرار . فمن قال ان هذه الحكومة رغم كل قوتها الظاهرة الآن أنها تستطيع أن تواجه المجتمع الدولي؟ هي تستطيع ولكن بعزل لبنان كما حدث في العام 2004 عزل لبنان وسوريا.
س- أنت تعرف الرئيس ميقاتي جيداً وهو حريص دائماً على المحافظة على علاقاته الدولية، كيف برأيك سيتمكن من التوفيق بين الحفاظ على علاقاته الدولية ومراعاة ما يُسمّى أجندة “8 آذار”؟
ج- سيقول كلام في البيان الوزاري، وفي النقاش السياسي وفي المقابلات مخالف لقدرته ومخالف لمستقبل موقفه، لأنه سيقول كلاماً متفاهماً مع المجتمع الدولي، الى أن يأتي أي استحقاق سواء في مجلس الأمن الدولي أو بالقرار الظني أو بأي استحقاق آخر يجد نفسه مُلزم، لأن هذا العقل الذي قام بالتمديد، والذي شكّل هذه الحكومة لا يمكن إلا أن يجر لبنان وسوريا، وخاصة لبنان الى مزيد من المواجهة الدولية.
س- لكن هذا كان موجوداً، إذ كان هناك قرار في مجلس الأمن لعقوبات ضد بعض الشخصيات السورية، ومع وجود سعد الحريري رئيس حكومة تصريف أعمال، ومع وجود ميشال سليمان الذين تصفونه دائماّ بالحياد، ورغم ذلك مندوب لبنان في الأمم المتحدة صوّت ضد هذا القرار؟
ج- أولاً، الرئيس الحريري لم يتدخل وليس له علاقة بهذا الموضوع.
س- لكن كان يجب أن يتدخل؟
ج- كان يجب أن يتدخل، وهناك أمور كثيرة كان يجب أن يتدخل فيها، ولكنه لم يفعل. على كل حال، هذا الأمر حدث وكان يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتقبّل منا ذلك لأننا في فترة انتقالية، وان ما نأخذه من مواقف هو نتيجة الفراغ الحكومي. أما الآن فالمجتمع الدولي لن يتقبل منا الوقوف على الحياد.
س- ماذا سيفعل المجتمع الدولي؟
ج- يقوم بنفس الشيء الذي يقوم به تجاه الدول التي تُخالف قراراته، ولبنان لا يمكن أن يتحمل العيش في عزلة دولية، والصراع داخل سوريا وعلى سوريا سيؤدي الى المزيد من الحصار والعزلة لسوريا، وهذا الأمر سينعكس على لبنان، وبالتالي نحن سنمارس نفس الدور وستتحقق لنا نفس النتائج من حيث المواجهة العربية والدولية، وسنجد أنفسنا أيضاً مرة أخرى بانقسام حاد جداً داخل المجتمع اللبناني، ومواجهة بين عقل السلاح الذي يريد أن يفرض على اللبنانيين منذ 7 أيار سياسته كل مرة بشكل من الأشكال، مرة بإسقاط الحكومة، ومرة بتخريب الحكومة، ومرة بتشكيل حكومة مواجهة، هذا عقل السلاح لا يمكن إلا أن يوصّل إلا الى مزيد من الإنقسام داخل لبنان، والى المزيد من المواجهة بين لبنان وبين المجتمع الدولي، التي غالبية اللبنانيين لا يوافقون عليها ولا يستطيعون تحمّلها، وبالتالي لماذا نلف وندور حول وقائع نعرفها وجرّبناها.