المشنوق يرفع الصوت عالياُ: على 14 آذار أن تبادر
إيلي الحاج، النهار
تقدّم قوى 14 آذار أداءً في الملمّات يقرّبها من مشهد مركب تؤرجحه العواصف المفاجئة ذات يمين وذات يسار، وكثيراً ما يدور حول نفسه ويراوح مكانه. فيما السلاح مصوّب إلى رؤوس أفراد الطاقم والركاب المفترض أن يمتثلوا لموجبات الحوار ويبتسموا للكاميرات لإشاعة أجواء الإستقرار. في بعض الأوقات تظهر في المركب أعطال تحمل على الإعتقاد أنه الضياع ولا يعزّي القول إن 8 آذار تعاني ظروفاً داخلية أسوأ. الجديد أن بعضهم بدأ يفكر بينه وبين نفسه في الجدوى واحتمال وجود وسائل أخرى لبلوغ الأهداف.
أكثر من يعبّر عن معالم الضيق بأحوال التحالف السيادي المتهافتة نائب بيروت نهاد المشنوق، لكن غيره من البارزين في فريق 14 آذار لا يخفون قلقاً يُساورهم هم أيضاً من دون أن يصلوا إلى الإستنتاجات التي يطرحها من خلفيته الواثقة، ذراعاً يُمنى، سنوات طويلة في السياسة والإعلام للرئيس الشهيد رفيق الحريري. فالمشنوق ابن البيت السياسي العريق والتجربة المتراكمة الغنية يستعين بالمقارنات ليخلص إلى نظرة فوقية إلى الأحداث والرجال. “لم يعرف لبنان سوى ثلاثة رؤساء حكومة استثنائيين: رياض الصلح، صائب سلام، ورفيق الحريري”. ماذا عن الباقين أستاذ نهاد؟
ميزة 14 آذار تعدد الرأي والأفكار، والتفاعل في ما بين قياداتها وشخصياتها البارزة لطالما أنتج في ما مضى مواقف وسياسات موحدة ومنسجمة. إلا أن الوضع اختلف لاحقًا، فمنذ محاولة اغتيال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في 24 نيسان الماضي توقفت الإجتماعات القيادية التي كانت تُعقد في “بيت الوسط” واستعيض بقنوات اتصال ولقاءات أخرى، على ما يكشف لـ”النهار” نائب غير المشنوق يدأب على محاولة تقريب وجهات النظر غير المتباعدة ولكن غير المنسقة أحياناً حيال بعض القضايا بين المسؤولين في التحالف. وأكبر مثال قضية مياومي الكهرباء.
ولا يقتصر التراجع على مستوى التفاعل في 14 آذار بل يصل إلى افتقاد المبادرة الهجومية والركون إلى التكيّف مع الواقع. صوت النائب المشنوق يرتفع عندما يتحدث عن التعامل مع قضية “المياومين”: “هل تستحق مقاطعة لمجلس النواب والحكومة، في حين أن تشكيل حكومة بقوة السلاح وصدور القرار الإتهامي في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم محاولة اغتيال الدكتور جعجع وبعدها محاولة اغتيال النائب بطرس حرب لا تستحق قراراً في هذا المستوى؟ بعضنا أيّد موقف حلفائنا المسيحيين ولكن…”.
كان يجب وضع معايير للتثبيت تطبق على الجميع وفق حاجات المؤسسات ولكن ليس هذا الموضوع، يقول المشنوق مستاءً وعارضاً السؤال المحيّر: “لماذا وصلنا إلى هنا؟”. كان يجب الفصل تماماً بين قضية المياومين وطائفيتها وبين ادارة جلسات مجلس النواب.
وليس تفرق القيادات مكانياً وحسابات سياسية ما يولّد هذا الإرباك بل مشكلة في القرار. يقول المشنوق الذي يحتفظ بملاحظات كثيرة على أداء الفريق الذي ينتمي إليه إن “ناسنا ما عادوا يصدقون وهم ينتقدوننا. أنا أتصدى لهم بالوقائع في المساجد والجمعيات، فالسلاح مسيطر في بيروت وغيرها. ولكن علينا ألا نخاف. هم يريدون أقوالاً تقترن بالثبات، وهذا يُفسّر التجاوب المضمر مع ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، وليس بين أبناء الطائفة السنية وحدها. الأسير الذي لا أقر اسلوبه الشخصي في تناول الآخرين يعبر عن أزمة سياسية لدى جمهور 14 آذار وليس عن أزمة سير في صيدا. على 14 آذار أن تبادر فلا يجوز أن تبقى حكومة تغطي سلاح القتل ومحاولات القتل. قلت ذلك خلال الإجتماع في منزل النائب حرب يوم تعرض لمحاولة الإغتيال وعادة لا أتكلم في مثل هذه الإجتماعات”.
أضاف في الإجتماع أن مهمة هذه الحكومة قائمة على استباحة البلاد أمنياً وسياسياً من الحدود حتى مكتب الشيخ بطرس حرب. وانها ليست حكومة عادية يمكن مواجهتها بمعارضة عادية. وسأل الحضور “متى سترفعون الصوت وتستردّون جمهوركم، قبل دفن شهيد جديد منكم أو بعد الدفن؟” كثر من الحاضرين في منزل النائب حرب أيدوا المشنوق في موقفه، لكنهم قالوا لا بد من العودة الى المراجع العليا.
يحض النائب المشنوق على إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بضغط 14 آذاري يبدأ بالعصيان الدستوري ولا يوفر وسيلة ديموقراطية، وما أسخف ذريعة أن لا بديل منها في رأيه. فلتبقَ حكومة تصريف أعمال إذا تعذر تأليف غيرها فهذا أفضل.
لا يتوقف نقد نهاد المشنوق عند حدود، ربما لأن مسار حياته عبارة عن حركة صعود وهبوط، بروز وانكفاء بلا توقف ولا هوادة. لا يؤمن بالتنظيمات الحزبية، ليس لسنّة لبنان الذين لا ينضوون إلى أحزاب هم المشدودون عضوياً إلى قضايا الأمة الكبيرة. يفكر بخطوة ما جريئة ولا يتردد في الإعلان أن ثمة جديداً في سياسة المملكة العربية السعودية في لبنان و”إنهم لم يعودوا معنيين باستمرار الحوار مع حكومة الاغتيالات، والقرار يعود للقيادات اللبنانية التي لبّت في جلستين سابقتين للحوار دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين”. التعبير هنا لمسؤول سعودي والكلام للمشنوق.