الخْواجه ريمون …..
لم يخطر في بالي وأنا أسمّي ريمون عودة منذ أسابيع الدكتور في الذوق أنني سأقرأ في الصحف لاحقاً ان الجامعة اللبنانية الأميركية منحته دكتوراه فخرية عن نجاحه في عمله المصرفي ونجاحات أخرى.
في سيرة حياة الخواجة ريمون كما أناديه انه مصرفي عريق شارك مع والده وشقيقيه جورج وجان في تطوير مؤسسة عائلية، صارت الآن في الموقع الثاني بين المصارف اللبنانية. لكنك عندما تتعرّف اليه عن قرب تكتشف أن نجاحه المصرفي هو ما فعله في السابق. قبل أن يتفرّغ لما يحبه ويهواه.
ماذا يمكن أن تطلق على رجل مال يجعل من منزله العائلي في صيدا متحفاً عالمياً للصابون؟ ويشارك في ترميم المتحف الوطني باعتباره جزءاً من هواه؟ ويفتش عن التراث لكي يعطيه من معرفته واهتمامه وحرصه؟ ثم يعلّم الناجحين ويلحق بعلاج الاطفال في المستشفيات؟
يفعل كل ذلك وهو يبتسم. ماذا يمكن أن تطلق عليه غير دكتور في الذوق؟
عرفته منذ سنوات طوال. وفي كل مرة لاقيته أو تحدثت إليه يكون الموضوع إضافة جديدة إلى مجموعاته الفنية، أو إلى المجموعات التي يحب أن يراها وهو داخل إلى عمله في المصرف.
هكذا فعل في المصرف في باريس. وفي نيويورك. وفي بيروت حيث الأعمال الفنية تُذهل الداخل فلا يعرف ما إذا كان داخلا ليدفع ما عليه أو ليتفرّج على الممرّات فينسى سبب زيارته. كذلك في فقرا حيث يعدُّ أوراق الورد.
يريد الجمال له ولغيره، مثلما الخير في نفسه. يرشدك إلى ما قد تكون نسيت من أعمال فنية. يخبرك عن معشوقته الجديدة في دير القمر. وعن التي سبقتها في فقرا وعن الأولى في بيروت التي قرر ان يجعلها مركزاً للمعارض الفنية. أقصد قصر عودة في حي السراسقة في بيروت.
لا تغيب عن ذاكرته معرفة فنية ولا عن رغباته كل جديد في الفن، الخارج من تحت الأرض بعد آلاف من السنوات، والأحدث الذي يصيب عينك حين تراه بالصدمة، قبل أن تكتشف جماله بتمهّل.
مرة أخرى، يفعل كل ذلك بهدوء صامت وابتسامة فتعلم أن كل ما يفعل هو جزء من داخله الجميل.
لا تظهر الأزمات على وجهه مهما كانت حادة. ولا يجعلك تشعر انه مهتم بالتقلبات النقدية. فهو تجاوز هذه المرحلة ليس بسبب نجاح المصرف المسمى باسم عائلته. بل لأنه حريص على نشر الطمأنينة حيث يستطيع. بنى مجد مصرفه على صداقاته العربية من الكويت والسعودية ثم مصر والأردن، لكنه لم يرتبك مرة بلبنانيته، حين كان الاشتباك بين لبنان والعروبة قائماً.
نعود إلى الدكتور في الجمال. كنا سوياً مرة إلى مائدة عشاء تكريماً لضيف رسمي كبير، وقفنا تحية للضيف الذي دخل برفقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فإذا بي أسمع همساته المبتسمة لجميلته مي. رأى في يدها حقيبة يد صغيرة للسهرة جميلة لم يرها من قبل. فصار ملحاً في السؤال: متى اشتريته؟ من أين؟ حلو كتير! لم يستطع أن ينتظر مرور الضيف الكبير ليسأل عن جمال رآه في يد جميلته. ضحكت حتى التفت إليّ صاحب الدعوة فأمسكت نفسي.
هذه هي حاله مع الجمال أينما رآه. فعل ذلك حين شاهد متأخراً الابتسامة الساحرة لجميلته مي. اعتقد أن باستطاعته ضمّها إلى مجموعاته الفنية. فإذا به يستسلم أسيراً لعينين خضراوين ضاحكتين تغطيهما حين تبتسم فرحة جميلة.