احتفال تكريم البطريرك صفير- برمانا
صاحب الغبطة
السادة الحضور
سألني الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ اقل من عقدين من الزمن عن حوار طويل جرى بينه وبين صاحب الغبطة أطال الله في عمره . سألني : ما انطباعك عن فحوى الحديث .
أجبته دون تردد أننا أمام سنديانة عريقة . في ذاكرتها مئات السنين من الحرية . عميقة الجذور في لبنانيتها .لا تغيّرها الفصول بل تزيدها ثباتاً في الأرض .
هزّ برأسه موافقاً ،وكأنني عبّرت عمّا يدور في داخله .
كانت المواقف السياسية السائدة في زمن القهر السوري تشبه الورد دون جماله . كثيرة ألوانه . قصيرة حياته . تسقط أوراقه صباح كل يوم وفي كثير من الاحيان أكثر من مرة في النهار .
سقطت كل القلاع . إلاّ قلعتك يا صاحب الغبطة . إذ أنك اعتمدت في صمودها على الكلمة . ألم يقل الكتاب المقدّس : في البدء كان الكلمة ؟
بنيت على الكلمة الصادقة .الواثقة. الأمينة . القلعة التي شهد لها مجد لبنان . فإذا بكل كلمة تمسك بالأخرى لترفع بناءً وطنياً ثابتاً في مواجهة الهزّات , وما أكثرها .
دافعت عن اللبنانية الصعبة والعروبة الأصعب في زمن التسويات التاريخية التي إحتاجها اللبنانيون لوقف حروبهم فما عدنا نفرّق بين بطريرك الطائف أو طائف البطريرك .
فكلّ شجرة تُعرف من ثمرها كما يقول أيضاً الكتاب المقدّس . فأي شجرة مباركة يكون ثمرها دستور الطائف بما هو استقلال ومصالحة ما لم تكن أنت راعيها يا صاحب الغبطة . أليست التسوية قدر الشجعان ؟
لم تغيّر ثوابتك ولم تعترف ولو للحظة واحدة بالترجمة الأمنية السورية المشوّهة للاستقرار الدستوري اللبناني ولا قبلت بالتخّلي عن مبدأ تداول السلطة في موعدها . فإذا بك الحارس الوحيد لهيكل الاستقرار .
معك ارتفع الالتزام السياسي والأخلاقي الى مرتبة الصلاة . فجعلت من القضية اللبنانية رسالة الى العالم فكان الإرشاد الرسولي الذي سيبقى ولزمن طويل الوثيقة الأشجع للعيش اللبناني الواحد بين المسلمين والمسيحيين .
لم تأت الوثيقة ترجمة لخوف أو ذعر بل جاءت لتضع أمام المسلمين والمسيحيين على السواء تحدياً مشرقياً من أجل إيجاد الأطر المناسبة لابتكار تفاعل خلّاق عنوانه خدمة المواطن وحريّته وكرامته .
لو عاد الزمن الى الوراء لكتب غبطته “الشعب يريد…” عنواناً لوثيقة الاستقلال الثاني التي كتبها في العام 2000 مطالباً بخروج الجيش السوري من لبنان , مطلقاً الربيع اللبناني بالكثير من الايمان والأكثر من الصبر فكان للشعب اللبناني ما أراد من استقلال وحرية وكرامة .
ذهب الى الجبل على درب المصالحة والمسامحة مؤمناً ، صادقاً بأنه يستطيع – وقد استطاع- تأسيس صفحة بيضاء في تاريخ جبل لبنان
هناك الكثير الكثير من المواقف التأسيسية , لكننا هنا لا نكتب التاريخ بل نتحدّث عن المستقبل . فالاستقلال والسيادة والحرية والكرامة التي أعلنها غبطته حقاً للبنانيين ليست من الماضي بل هي حاضر ومستقبل .
لذلك كنت وستبقى يا صاحب الغبطة إسماً مرادفاً لكل المعاني النبيلة للّبنانية الصعبة الصادقة المخلصة . والعروبة الأصعب المنفتحة الديمقراطية . وتجربتك ستبقى كما هي دائماً بوصلة لا تخطئ الاتجاه ، شاهدة على الحق والحقيقة .
تكريم لنا اليوم ان نكون في حضرتك في لحظة مشرقيّة نحتاج فيها أكثر ما نحتاج لإتّزان العقل . وأنت في إيمانك بما فعلته أعقل الرجال في أنطاكيا وسائر المشرق .