أبرياء الروهينغا ثمن جرائم «طالبان» ؟
كتب محمد علي فرحات في الحياة: تشير مأساة أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار إلى وجه آخر للرهبان البوذيين، يقوم على العنف ضد الآخر لا على التضحية بالذات في سبيل ما يعتبره حقاً.
يبدو أن زمناً انطوى كان فيه الراهب البوذي يؤذي نفسه لإظهار هدف عادل يتبنّاه ولحث الناس على النضال لتحقيقه. أحرق رهبان بوذيون أنفسهم في شوارع سايغون للاعتراض على الطغمة الحاكمة والجيش الأميركي الذي يدعمها، ولم يكن هناك تنسيق بين الرهبان والشيوعيين الفيتكونغ الذين خاضوا حرب عصابات أرهقت الأميركيين ودفعتهم إلى الانسحاب وانتهت بتوحيد فيتنام. ومثلما في سايغون كان رهبان بوذيون يشتعلون في الصين احتجاجاً على إلغاء الحكم الذاتي للتيبت، ولم يقدّر لهذا الحكم العودة، لكن زعيمه الدالاي لاما بقي جوالاً في عواصم العالم وعضواً في نادي الشخصيات البارزة.
على رغم الأنباء الشحيحة عن مأساة الروهينغا، تصل إلى العالم صور أبرياء يهربون من الموت تحت المطر ويعبرون الأنهار فيموت على الطريق أطفال وعجائز وشبان ينزفون من ضربات تهدف إلى محو هذا الشعب من الوجود. مأساة تصنعها قوات حكومة ميانمار وتجمّعات المتعصبين البوذيين الذين ازداد عدوانهم بعد انتصار الديموقراطية فيما كانت عواطفهم السلبية حبيسة نفوسهم في عهد الديكتاتورية. هذا مثل على أن حرية الشعوب تطلق الشرّ إلى جانب إطلاقها الخير، ويحتاج الأمر وقتاً مديداً لتبلور الديموقراطية نظامها وتدفعه نحو حفظ حقوق الإنسان والاعتراف بالآخر المختلف.
في تناول المأساة التي يراها العالم لا بد من الإشارة إلى أن الروهينغا حاولوا إنشاء كيان خاص بهم في إقليم راخان، وكانت نخبتهم المتمسكة بالإسلام السياسي متأثّرة بالزلزال الذي أدى إلى تفكك الهند الكبرى وإنشاء دولة دينية إسلامية اسمها باكستان. وأحدث ما قامت به هجوم مسلح الشهر الماضي ضد جيش ميانمار، أدى إلى حفلات الانتقام الدموية التي نشهدها.
لا عذر لمن يقتل الروهينغا ويطردهم من ديارهم، لكن العالم يضج بعمليات إرهابية ترتكب باسم الإسلام، وفي هذا ما يحدّ من التضامن مع الروهينغا والدفع لوقف مأساتهم وحفظ حياتهم الطبيعية في بيوت جرى إحراقها والمطلوب إعادة بنائها.
وإلى جانب الصورة السلبية للمسلمين التي ينشرها تنظيما «داعش» و «القاعدة»، هناك جرح عميق تسببت به «طالبان» للبوذيين بالذات، ربما يكون في خلفية انتقال رهبانهم من ضفة السلام إلى ضفة الحقد والعنف وكراهية الآخر، ذلك الجرح هو تحطيم وتفجير تمثالي بوذا الكبيرين في منطقة باميان الأفغانية، وهما أبرز رمزين دينيّين للبوذيين الذين يعدّون بمئات الملايين.
في ربيع 2001 أطلقت «طالبان» على التمثالين مدافع مضادة للطائرات ثم وضعت في قاعدتيهما ألغاماً مضادة للدبابات ليكتمل التدمير الذي قال عنه زعيم «طالبان» الملاّ عمر بخفة: «يجب أن يفخر المسلمون بتحطيم الأصنام ويجب أن نحمد الله على أننا دمرناها لهم». و «لهم» هذه تعني البوذيين وقد دفعتهم إلى موقع العدو. ربما كان الملاّ عمر يعلم أو لا يعلم أن التمثالين الكبيرين المفرغين من الداخل كانا أهراءً للقمح في عهد الخليفة المأمون، وأن مسلمين متدينين في تلك البلاد أكثر حكمة حافظوا على تماثيل بوذا مئات السنين ولم يعتبروا تدميرها واجباً. إنها الخفة، أقل الأوصاف لقادة متطرفين شوّهوا صورة الإسلام والمسلمين.
وللتأكيد، لا عذر لأحد في مأساة أبرياء الروهينغا.