مواجهة التطرف : تصور كامل لمكافحة الارهاب مؤتمر روما ل”حوارات متوسطية : ما بعد الاضطرابات، أجندة ايجابية “

كلمات 11 ديسمبر 2015 0

السيدات والسادة ،
قبل الغوص في اضطرابات الشرق الاوسط اسمحوا لي أن اوجه شكري العميق الى المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية لاتاحته لي هذه الفرصة كي اتوجه اليكم ايها الحضور الكريم.
اود ايضا ان اشكر الحكومة الايطالية ورئيس المعهد السيد جورجيو نابوليتانو على دعوته هذه.
السيدات والسادة ،
نشهد فصلا جديدا من عصور الظلام ، حيث العنف والارهاب تحولا الى الى قوة جذب غير مسبوقة.
ايديولوجية الارهاب التي ينشرها تنظيم “داعش” في العراق وسوريا تحت مسمى “الاسلام والشريعة” ، خصوصا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، نجحت في الاشهر ال12 الماضية في تجنيد 30 الف مقاتل ينتمون الى 92 بلد مختلف.
من بيروت الى باريس ، من بغداد الى باماكو ، ومن انقرة الى كاليفورنيا ، يبدو العالم عاجزا في مواجهة “داعش” وغيره من التنظيمات والمجموعات التي ترتكب افعالا بربرية وترهب الاقليات الدينية والاتنية.
وقد شَن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اكثر من 5400 غارة ضد اهداف “داعش” في العراق منذ اب 2014 واكثر من 2700 هجوم في سوريا منذ ايلول 2014.
روسيا بدأت هي ايضا بتوجيه ضرباتها داخل سوريا منذ ايلول 2015.
ورغم كل الجهود الدولية العسكرية وعمليات التحالف ضده ، لا يزال “داعش” يزداد قوةً وانتشاراً.
ويسيطر “داعش” حاليا على اراض اكثر مما فعل اي تنظيم ارهابي في التاريخ. من سوريا الى العراق فليبيا يدرب وينشر المقاتلين ويجند اخرين للقيام بعمليات ارهابية.
مع ميزانية تتجاوز الملياري دولار ، كما جاء في عدة تقارير صحافية ، اصبح “داعش” التنظيم الارهابي الاكثر ثراءً في العالم.

السيدات والسادة ،
لقد اصبح واضحا لنا جميعا : الاستراتيجيا الحالية لم تعد تجدي نفعا.
وفي هذا الاطار اعتبر وزير الدفاع الاميركي السابق ليون بانيتا اخيرا ان ” الضربات الجوية لن تكون كافية لتبطىء توسع داعش في سوريا…الضربات الجوية شيء رائع …لكن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية لننتصر هناك”.
كل واحد منا يسأل السؤال نفسه : ماذا يمكن ان نفعل لنهزم “داعش” او على الاقل لنحد من توسعه ومن مصادر تمويله ؟
لا استطيع الادعاء انني املك اجوبة حاسمة لكل هذه الاسئلة. اما الاكيد منه هو اننا في كل الاحوال لا يمكننا الحاق الهزيمة ومحاربة التطرف من دون ان نملك استراتيجية شاملة لمكافحتهما.
ارغب في التوقف قليلا عند الوضع في سوريا ، ليس من خلال اطار سياسي بل فقط من خلال واقع جغرافي . لا اعتقد ان عملية الانتقال السياسي ستنطلق على اساس مبادىء جنيف 1 او على اساس ان بشار الاسد سيشارك في عملية الانتقال هذه الا من خلال ممارسة ضغط فعلي على دمشق.
وفي عودة الى لبنان ، فبالرغم من كل التحديات الاقتصادية ، وكل الاعباء التي يلقيها عليه 1,3 مليون نازح سوري والتي تجعل من لبنان البلد الذي يستقبل اعلى نسبة من معدل النازحين على عددالسكان في العالم ، وبالرغم من مرور 550 يوما من دون رئيس للجمهورية وتأزم الاوضاع السياسية ، بالرغم من كل ذلك استطعنا ان نحد من المخاطر الامنية والعسكرية الاتية من سوريا وذلك من خلال وضع استراتيجية ترتكز الى ثلاثة عناصر :
أولا : المحافظة على الحد الادنى من الوحدة الوطنية.
ثانيا : تدعيم وتعزيز قدرات اجهزتنا الامنية والعسكرية.
ثالثا : الشراكة مع رجال دين مسلمين معتدلين ومتنورين من اجل استيعاب المتطرفين الدينيين.
منذ تعييني وزيرا للداخلية في الحكومة الحالية في شباط 2014 ، بت مقتنعا بانه في لبنان :
1- لا يمكن ان ننجح من دون الاعتماد على الحد الادنى من الوحدة الوطنية بين المواطنين ، بمعزل عن الانتماءات السياسية ، في مواجهة الارهاب والمنظمات المتطرفة.
2- ايضا لا يمكن ان ننجح من دون مواصلة تطوير القدرات التقنية والمعلوماتية والاستخباراتية. انها حرب عقول وليست حرب عضالات.
3- كذلك لا يمكن ان ننجح من دون الاعتماد على جهود المراجع الدينية والروحية المعتدلة ودعمها وجعلها شريكة خصوصا وانها يجب ان تكون في خط الدفاع الاول لتفكيك خطاب داعش والمنظمات الارهابية الاخرى.
ان الاستقرار النسبي الذي ينعم به لبنان حاليا اضافة الى عدم وجود بيئة حاضنة للمنظمات الارهابية هو نتيجة مباشرة لهذه الاستراتيجية.
واستنادا الى ارقام استطلاعات الرأي نشرها معهد الدراسات “بيو” ان 99 في المئة من اللبنانيين لا يؤيدون “داعش” اطلاقا.
السيدات والسادة ،
قبل ايام قليلة ، قام احد الاسلاميين المشتبه بهم واسمه محمد حمزة بتفجير نفسه عندما داهمته قوة من الجيش اللبناني شمال لبنان ، فلقي حتفه وقتل معه امه وابنة شقيقه وجرح زوجته وعددا من افراد عائلته.
فالارهابيون ارتكبوا جرائم ومجازر ضد المسلمين اكثر بكثير مما ارتكبوه بحق غير المسلمين.
والمفاهيم المغلوطة عن الدين هي السبب الاساسي لنمو الارهاب والتطرف. لذلك ان الوقت مناسب للتأكيد على اهمية تجديد الخطاب الديني.
وهنا نحتاج الى الاستثمار في العديد من رجال الدين المعتدلين والشجعان في العالمين العربي والاسلامي وعلينا ان نساعدهم في المعركة ضد “داعش”.
ويجب ان يترافق هذا الامرمع تنظيم حملات توعية واستراتيجيات اعلامية ومؤتمرات ، اضافة الى خلق منصات الكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي,
واذا اردنا كسب المستقبل ، علينا ان ننجح في استعادة الخطاب الاسلامي الذي شوهه “داعش” .
وهنا انتهز هذه الفرصة امام هذا الحضور المتنوع من اجل التأكيد على ان للقطاع الخاص في الدول الاسلامية خصوصا وفي العالم عموما دورا اساسيا ورياديا يؤديه في دعم القيادات الدينية والروحية لتكون في خط الدفاع الاول لتفكيك خطاب “داعش” وغيره من المنظمات الارهابية.
ذلك ان القطاع الخاص ونموه يحتاجان الى السلام والامان والاستقرار. لهذا انصح مؤسسات القطاع الخاص بأن تؤسس برعاية الامام الاكبر للازهر صندوق تمول من خلاله مبادرات استراتيجيات لدعم هؤلاء المعتدلين الذين يتمتعون بالصدقية في المؤسسات الدينية.
السيدات والسادة ،
الارهاب مشكلة عالمية والرغبة في الانتصار عليه يجب ان توحد العالم.
ويجب ان تدفع التفجيرات من انقرة وباريس وبيروت وباماكو و كاليفورنيا في اتجاه تشكيل تحالف عالمي ضد الارهاب.
لكن جهودنا لمحاربة التطرف تبقى مرتبطة بقدرتنا على انهاء أزمتي سوريا والعراق.
ارغب هنا بالاستشهاد بتعليق ورد في صحيفة “كوريري ديلا سيرا” وذلك في اليوم التالي لهجمات باريس ، حيث كتب معلق الصحيفة الايطالية في افتتاحيته :”منذ الليلة الماضية (ليلة الهجمات) ، بتنا نعرف ماذا تعني الحرب داخل قلب المدينة. منذ الليلة الماضية بتنا نعرف اننا قد نموت في باريس كما قد نموت في بغداد ، بيروت او طرابلس (الغرب)”.
في النهاية ، النازحون السوريون والعراقيون هم النتيجة المباشرة للأزمة في هذين البلدين ، وقد اثبتوا ان سوريا والعراق هما اقرب الى اوروبا من الاميركتيين.
ان لبنان هو من بين القليل من دول المنطقة التي نجحت في القيام بعمليات استباقية كثيرة ضد الخلايا الارهابية النائمة.
ليس هناك من سر لنجاحنا. فمن الواضح ان المسلمين المعتدلين في لبنان المنتخبون بطريقة ديموقراطية هم خط المواجهة الاول في التصدي للتطرف. تعلمنا من تجربتي العراق وسوريا باننا لا نستطيع الرهان على التطرف لمحاربة التطرف.