خطاب منح الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري

كلمات 09 ديسمبر 2009 0

هل من جديد في البيان الوزاري ؟

الجواب بالمبدأ نعم. فالحكومة في بيانها اعطت لدورها الصفة “التنفيذية” بدقّة محدّدة الفعالية والزمن.

خفض سن الاقتراع الى ثمانية عشر عاماً خلال ستة أشهر.

قانون انتخابات نيابية جديد خلال ثمانية عشر شهراً ومشاركة المغتربين للمرة الاولى.

خفض نسبة الفقر المدقّع الى 50 بالمائة بحلول العام 2015 .

استكمال حاجة لبنان من الكهرباء في نهاية العام 2010 ؟

قد يكون هذا البيان واحد من النصوص القليلة منذ الاستقلال الذي يعترف بانه يعطي الاولوية في اهتماماته الى حاجات الناس وليس اسئلة حول سياساتها الكبرى. لذلك فالصفة الثانية للبيان هي الصراحة. اذ ان روحية البيان لا تظهر الاجابة على هذه الأسئلة ليس لأنها لا ترغب. بل لأن تركيبة الحكومة الممثلة لكل الطوائف، لكل الاحزاب ، لكل الاتجاهات ، لكل الأوراق الموضوعة في صناديق الانتخابات، الرابح منها والمستور (ولا أحد يمتلك فضيلة الاعتراف بالخسارة)، هذه الحكومة آتية من دروب واعراف في تشكيلها تريد التأكيد ان الاستثناء هو القاعدة لا العكس .

سوف اتحدث عن نقاط اربعة بقدر ما يسمح لي الوقت .

أولاً: في السياسة

لقد تدرّجت حياتنا السياسية دستوريا من عنوان “المشاركة المفقودة” بعد خروج وزراء حزب الله وحركة أمل من الحكومة الى “الديمقراطية التوافقية” نتيجة لاتفاق الدوحة الى ان وصلنا اليوم الى الغاء الطائفية السياسية مقابل التخلي عن الديمقراطية التوافقية.

بداية كانت الديمقراطية التوافقية ترجمة لإتفاق سياسي جرى في الدوحة نتيجة اعمال عسكرية في بيروت . ثم تطوّرت الترجمة الى انها تفسير للدستور استناداً الى نتائج الانتخابات باعتبار ان المادة 95 من الدستور تنص على تمثيل الطوائف بشكل عادل في الحكومة ضماناً للعيش المشترك دون الاجابة على السؤال : ماذا لو تغيّرت موازين نتائج الانتخابات المقبلة وكانت هناك اكثرية في طائفة كبرى خارج حزبها الرئيسي . وليس كما هو الحال الآن ؟ ماذا نفعل بالديمقراطية المقترحة ومن يدخل الى التوافق الحكومي ومن لا يدخل.

جاء الجواب بالغاء الطائفية السياسية مقابل العودة عن الديمقراطية التوافقية.
وصرنا الآن امام مثلث سلاح المقاومة والديمقراطية التوافقية مقابل الغاء الطائفية السياسية.

نظريّاً هذه بنود للمناقشة. عملياً هذا تعليق للدستور.

لكن لا بد من الاخذ في الاعتبار ان تأليف لجنة وطنية لدرس مقترحات الغاء الطائفية السياسية هو نص دستوري وليس اقتراحاً للتعديل كما هو سائد.

يرِد اتفاق الطائف في البيان الوزاري في مجال التزام مبادئ الدستور واحكامه وقواعد الميثاق الوطني وتطبيق بنوده . لكن ما نراه امامنا اليوم تسوية سياسية استثنائية – أكرّر تسوية سياسية استثنائية وليس نصاً دستورياً او عرفاً يعتدّ به ويستند اليه.

اتفاق الدوحة ليس نصاً رضائياً وما بُني عليه مؤقت ولا يستمر مهما كان حجم القوة التي تدعمه ، وان كانت التسوية جزءاً من حياة اللبنانيين لكنها ايضاً تقوم على الرضى وليس على الإرغام.

اقترح على من لا يقبل بهذا الكلام ان يعود الى كتاب تاريخ لبنان وسيجد ان التعنّت المستند الى القوة ، شرعية كانت ام غير شرعية ، لا يؤدي الا الى الحروب ، التي لا أريد لأحد منا ان يسعى اليها.

أعود الى سلاح المقاومة.

سمعت بالأمس زميلاً يقول ان هذا السلاح حقيقة اقليمية لا نستطيع تغييرها من الداخل اللبناني. ممكن. لكن لماذا لا نحاول لبننته ؟

المقاومة حاجة لبنانية دفاعية كما جاء في نص وثيقة حزب الله . لا يختلف على هذا الوصف اثنان من اللبنانيين . لكنه حاجة من ضمن الدولة وليس من خارجها. لا يستقيم التوافق على قاعدة الحزب داخل النظام والسلاح خارج الدولة.

حان الوقت لان نعترف جميعا ،دون استثناء، انه حصل ارتباك في نظرة الكثير من اللبنانيين لدور هذا السلاح في الحياة المدنيّة وفي التطوّرات السياسية. واذا كانت الشكوى من غياب الدولة القوية كما هو النص الرسمي فالمعادلة بسيطة. صياغة مقاومة في اطار الدولة يجعل منها دولة قوية لأن جزءاً رئيسياً من صورة ضعف الدولة لا يأتي من فسادها او تفكك ادارتها فقط بل لأنها دولة تلتزم قراراً سياسياً بمواجهة اسرائيل ولو في حالة الدفاع دون ان يكون لديها عدّة ولا عديد.

لا أريد لأحد من الزملاء ان يعطي لما اقوله صفة المواجهة. بل هو تفكير بصوت عالٍ لما يمكن ان يحقّق المزيد من الاستقرار للبنانيين ولسلاحهم المقاوم. نحن نعيش في منطقة متغيّرة باسرع مما نرى او نعلم . فلماذا نكرر تعريض تجربتنا الى متغيّرات لا نعرف مداها ؟

ثانياً : في العلاقات السورية – اللبنانية

ورد في البيان تطلّع الحكومة الى علاقات أخوية ترتقي بالعلاقات الى سماء التاريخ وأرض المصالح المشتركة والمساواة والسيادة والاستقلال وتبادل الاطمئنان.

لقد عشنا عصراً من الوجود العسكري السوري سيكتب التاريخ مساره وشهدنا خمس سنوات من الصراع السياسي والاتهامات المتبادلة التي لم تترك نصاً يعتب عليها.

فهل نستطيع الانتقال فوراً من الاشتباك الى الأخوة فيسبقنا اعتداء قضائي أو ثأرية مستدامة ؟ لقد علّمني عجوز حكيم ان لا أطمئن مسبقاً ولا أطمع لاحقاً وأن اسعى الى علاقات طبيعية تتدرّج نحو ما نريد من استقرار في العلاقات بدلاً من نصوص يختبئ وراءها عمرٌ من الإحباط . فنكون قد احترمنا عقول اللبنانيين وصَدَقنا السوريين القول.

هذا ليس انتقاصاً من الرغبة في امتياز للعلاقة بين البلدين ، لكنه رغبة في تدرّج هادئ ورصين ثابت الخطوات وصولاً الى معالجة الملفات العالقة وما اكثرها في النفوس وليس في النصوص فقط.

ثالثاً : في موضوع التوطين

لقد اتخذّت المؤسسات الدستورية اللبنانية كل الخطوات اللازمة لجعل التوطين متعذّرا ان لم اقل مستحيلاً. والحساسية اللبنانية العالية جداً تجاه التوطين ضمانة كافية لإعاقة تقدّم أي قرار دولي يتبنّى هذا العنوان في لبنان . فلماذا الإلحاح على استعمال هذا الشعار في وجه الفلسطينيين باعتبارهم متهمّين بالرغبة في التوطين ؟

لقد صارت الوطنية اللبنانية عنوان مواجهة وإلا فما معنى استمرار التعامل مع فلسطينيين لاجئين في ظروف حياتية تخلو من الانسانية وكأنهم الخطر على الصيغة اللبنانية ؟

لقد أقرّ المجلس النيابي في العام 2002 قانوناً يمنع الفلسطينيين من التملّك في لبنان باعتبار ان التملّك خطوة نحو التوطين.

في احصائيات المؤسسات الدولية المستندة الى الدوائر الرسمية اللبنانية ان نسبة تملّك الفلسطينيين في محافظتي جبل لبنان والجنوب لا تتعدّى الاثنان بالمائة وفي محافظة الشمال أقل من واحد في المائة . حدث هذا التملّك خلال 54 سنة بين عامي 1948 و2002 حين كان التملّك مسموحاً . فهل يمكن لهذه النسبة ان تكون جزءاً من توطين منظّم او مرغوب من الفلسطينيين ؟ كيف نقبل بلاجئ يعيش في أسوأ ظروف الحياة ان يبقى في مخيّمه المهين انسانياً ولا نقبل بفلسطيني مالك لشقة تجعله أكثر تعلقاً بتطبيق القوانين ؟

لا رد على هذا السؤال الا النظر بعين العدل والعقل الى اعطاء هؤلاء اللاجئين كامل حقوقهم المدنية دون حساسية مفتعلة او استعمال سياسي.

رابعاً : في الاقتصاد

قرأت على” قدرِ خبرتي الاقتصادية” محاضرة القاها معالي وزير الاتصالات منذ اشهر قليلة ، أكد فيها على أمرين . الأول ان الدولة اذا ما احسنت الادارة تستطيع الحياة مع الدَين العام شرط ان لا تتجدّد ظروف الدَين بحسناتها من مشاريع وسيئاتها من فساد وسرقة . النقطة الثانية التي ترد في محاضرة معالي وزير الاتصالات انه عندما تستدين الدولة لكي تستثمر بشكل ذكي تزيد ديونها لكنها تزيد بالكمية ذاتها اصولها وبالتالي لا تجد نفسها في وضع اسوأ من الذي كانت عليه من قبل ، بل على العكس . بالمقارنة يؤكّد ذلك ان وضع الدولة الاقتصادي لا يتحسّن بتطبيق الخصخصة لأن بيع الاصول ولو باسعارها الصحيحة لا يزيد الدولة غنى ولا فقراً بل تبقى عند النقطة ذاتها من وجهة نظر ميزانيتها الاجمالية.

يرِد تعبير الخصخصة في البيان الوزاري مرات متكررة استناداً الى مقررات باريس “ثلاثة” . ويتحدث عن هيكلة قطاع الاتصالات تحديداً وتحريره ، على عكس محاضرة الوزير . فهل ضمنت الحكومة قدرتها على الشفافية في وجه نظام سياسي اعتاد ان يسأل عن حصته قبل ان يسأل عن الجدوى الاقتصادية لاي مشروع؟ وهل ستتحقق الحكومة من عدم تجدّد ظروف الدَين العام ؟ أم سيجري “احتلال” القطاعات المحددة للخصخصة بدلاً من تحريرها ويبقى حال الدولة على ما كانت عليه قبل ذلك ، كما في محاضرة معالي الوزير نحاس.

لا أدّعي الخبرة ، ولا أمتلك الجواب ، لكنني انتظر من الحكومة الجواب في نهاية جلسات مناقشة البيان الوزاري.

جاء وقت الحقيقة بعيداً عن وقائع الحياة الوزارية. يقول الله في كتابه الكريم : “ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً. ” صدق الله العظيم

قناعتي أن الرئيس سعد الحريري من هؤلاء الرجال ونحن معه لذلك أمنح الحكومة الثقة.