يوم التضامن مع شعب الإمارات العربية المتحدة: نعيش صراعاً بين هُويّتين ليستا منّا، ولايةُ الفقيهِ التقسيميّ والفكر التكفيريّ

كلمات 21 نوفمبر 2015 0

صعبٌ الحديثُ بعد سموِّ الشيخ نَهيان وقبلَه أيضاً.
إذا تحدّثتَ قبلَه وضعتَ أوراقَكَ على طاولةِ صدقِ كلماتِهِ،
وإذا تحدّثتَ بعدَه صرتَ أسيراً لنُبلَ تعابيرهِ .

نتشرّفُ بكَ سموَّ الشيخْ نَهيان أخاً للّبنانيينَ وحاضناً لهُم وراعياً لمصالحِهِمْ، رُغمَ شُهرَتِنَا بكثرةِ الأحمالِ التي نُلقيها على إخواننا العرب.

الكلمة المكتوبة هذه هي قبل ان يتحفنا صاحب السمو بثنائه على لبنان بكلمات يشعر الواحد منا بالفخر، وبأنها ليست من الماضي انما هي من الحاضر ومن المستقبل وذلك بفضل الاخوة للبنان بقيادة دولة الامارات والشيخ نهيان، وبفضل السيدات والسادة الموجودين في هذا الحفل الذين يعبرون عن النجاح بفضل جهودهم واشغالهم وصبرهم وقدرتهم على ان يكونوا دوما مصدرا للاستقرار لهذا البلد الذي يعيشون فيه وبالطبع خيرا للبنان وطنهم الذي لا ينتهي.

أيُّها الأحبّة،
لا يَحمِلُ الآتي من بيروت إلا المزيدَ من الهموم، وآخرَها عودةَ التفجيرات الانتحارية إليهِ، على خلفيةِ الصراعِ المذهبيّ المندلعِ في المنطقة، وخلفيةِ تفاقمِ الأزمة السورية وإصرارِ فريقٍ لبنانيٍّ على أوهامِ الأدوارِ الكبيرة وأوهامِ الحسمِ فيها، عَبر التدخلِ المسلّحِ لحمايةِ نظامٍ قاتل.

 تحضُرُني وأنا أتحدثُ إليكم من عاصمةِ دولةِ الاماراتِ العربيةِ المتحدة، مفارقةٌ حَيَال فكرةِ الأدوارِ ونتائجِها وتبعاتِها.

صفاتٌ كثيرةٌ سيذكرُها التاريخُ عن أبِ الإمارات العربيةِ المتحدة الرئيسِ الراحلِ الشيخ زايد بن سلطان آل نَهيان، لكن من بين أبرزِ هذه الصفاتْ هو تأسيسُ الراحلِ لنظريةِ الأدوارِ الكبيرة للدولِ الصغيرة. وهي أدوارٌ قائمةٌ على رعاية الاستقرار والتنمية وخَلقِ فرصِ التقدّمِ، وتقديمِ الحِكمةِ على النَزَق والصبرِ على التسرُّع، وتقديمِ استراتيجيةِ الإخاءِ والتفاهمِ على عقليّة التعبئة وتنميةِ الأحقاد.

لقد أسّس الراحلُ الكبيرُ الشيخ زايد لدور الإمارات على قواعد الفعلِ الطيّبِ والوقائعِ الملموسةْ وليس على الضجيجِ الإعلاميّ والخِطاباتِ التحريضية. كما أنّه لم يُعطِ  دروساً في العمل العسكري على ذمة صديق صاحب السموّ الشيخ سيف بن زايد ولم يستبدل يوماً السياساتِ العاقلة بالمواقفِ الارتجالية، والعملَ الدؤوبَ باللغوّ العقيمِ والاستعراضِ على الشاشات في كلّ كبيرةٍ وصغيرة .

هذا هو المسارُ الطويلُ الذي أسَّسَ لسلامة الأدوارِ الكبيرةِ وانسجامِها مع المصلحةِ الوطنية.

بعده قدّمتِ القيادة السياسية للدولة برعاية رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، والإدارةُ الميدانية للشيخ محمد بن زايد في اليمن نَموذجاً في الدفاع عن الأمن القومي العربي من بوّابة حماية أمنِ الخليج ومصالحِ العرب الحيوية في اليمن.
وهو دورٌ فاجأ الجميعَ في كَفَاءتهِ وفعاليتِهِ واستراتيجيّتهِ على مستوى المِنطقة، بالمعنى الواسع للكلمة.

ليس هذا فقط… لمن لا يعلم… القيادة الشابة في الامارات هي المبادرة الأولى لعمليةِ استعادةِ مِصرَ عروبَتَها بعد انكفاءٍ دام عشرات  السنوات.
كما أنّها الداعمُ الفاعلُ والمساندُ في سبيل إحقاق الحقّ لأصحابهِ في كلٍّ من المواقع الأربعة للحرائق العربية: في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

لقد استطاعتِ القيادةُ الشابةُ الإماراتيةُ أن تحافظَ على توازنٍ في علاقاتها الدَّولية في موسكو وواشنطن حتّى حين تتواجهان، وفي باريس ولندن حتّى لو اختلفت الأولويات.

في الداخلِ الإماراتي – وليسمحْ لي الأخوةُ في الإمارات – ضاعفت الهويةُ الوطنيةُ بَريقَهَا وصارَ لها جيشٌ تفتخر به، يراكم خِبرةً حتى حين تتعثّر خَطَوَاتِهِ، وصار  لهذا الجيشِ شهداءٌ نفتخرُ بهِمْ جميعاً   رَحِمَهُمُ اللهُ وأسكنهُم فسيحَ جَنَّاتِهِ.

لا أقول هذا من باب الشهادةِ لأهلِ الإمارات، وهم  ليسوا بحاجة لشهادتي.  ولا من بابِ الفخرِ، يكفيهم فخرُهُم بأنفسهم، بل لأؤكدْ على هذه الثوابت من جهة والوقائع من جهة أخرى، التي لا نستطيع بعدها الا ان نرى فيها التجربة المتواضعة الخفيضةِ الصوت، الكبيرةِ بالأفعال… نرى فيها مِثالاً يُحتذى بَدلاً من الصغار الغارقين في الاستعراضات ومن الكبار المتردّدين في حَمل لواء الحقّ.

هذا غيضٌ من فيضِ العروبةِ النقيّةِ الحكيمةِ التي أسّسَ لها الراُحلٌ الكبيرْ الشيخ زايد بن سلطان وجعلَ منها إتحاداً للإمارات العربية  صمدَ وعاشَ وتطوّرَ على أُسُسِ الرصانةِ وإدراك المصالح المشتركة وتطويرَ هُويّةٍ وطنيةٍ راسخة، لكلّ مواطنٍ فيها الحصةُ الأكبر.

لماذا تَكرارُ الحديثِ عن العروبةِ في وقتٍ تعوّد المواطنون في كلّ دولةٍ عربيةٍ على الحديث عن “دول المنطقة”  و”القوى الاقليمية”  وكأنْ لا هُويَّة مشتركة لهذه الشعوب؟

ببساطة ودون اختصار،  نحن نعيش صراعاً بين هُويّتين ليستا منّا  ولسنا منهما:

ولايةُ الفقيهِ التقسيميّ للمجتمعات العربية وخِلافَةُ الفكر التكفيريّ.
هناك تحولات عقائدية وسياسية أعادت طرح الدولة الدينية باعتبارها مشروعاً جديّا، والواقع أنّ دخول الدين في الدولة يظلم الدين والدولة معاً، فيقسّم المجتمعات، ويهدد المواطنة، ولذلك لا بد من مكافحة هذا المشروع الخطير صوناً للدين والدولة معاً.

نكاد ننسى عروبَتَنا باعتبارها، تاريخياً، عنواناً للتمدُّدِ الأمني المصري على الارض العربية وسلاحَ اعتداءٍ للبعثيينَ من سوريا والعراق على الانظمة العربية.

للمرّة الأولى في التاريخ الحديث تكون عروبَتُنا رديفاً للاعتدال وعنواناً للاستقرار وهُويّةً نمتشِقُها في وجه الانشقاقات المذهبية التي تحاصر مُدُنَنَا وحَوَاضرنا وعَوَاصمَنَا، من بيروت إلى بغداد إلى دمشق إلى صنعاء، حتّى إلى قلب الخليج، وتهدد مصالحنا ومسقبلنا، وذلك في خدمة مشروع الهيمنة والتوسّع الذي تقودُه السياسة الايرانية.

لنَكن واضحين معَ أنفسنا أيّها الأخوة، وألتمسُ انتباهَ صاحب السمو الشيخ نَهيان.

لا يُواجَه هذا المشروعُ، بافتراضِ أنّهُ مشروعٌ مذهبي، وأن الوقوفَ في وجهِهِ يتم عبر تعبئةٍ مذهبية مُضادّة، لأنّ مُؤدّى ذلك تكريسُ الانشقاقاتِ داخلَ مُجتمعاتنا وتغذيتُها، وهذا ما سَعَت وتَسعَى إليهِ ولايةُ الحقِّ الحصري.

آنَ لنَا أنْ نستلهمَ عُروبةَ الشيخ زايد، الأصيلةَ والرحبةَ والحقيقيةَ لإسقاط مشروعَيْ الولايةِ والخلافةِ معاً.

نعم،

فالولايةُ والخلافةُ وجهانِ لعملةٍ واحدة ومدخلان متلاصقان إلى جنون التطرفِ نفسهِ الذي يُدمرُ فِكرةَ الدولة قبل تدمير مُجتمعاتنا.

الولايةُ والخلافةُ جَنَاحَا مشروعٍ واحدٍ في نتائجهِ على العرب، وهي نتائجُ مُدمِّرة، ما زال بوسعنا إسقاطُها والتغلبُ عليها بالعقلِ والحكمةِ وبإعادة الاعتبار للعروبة.

ليس صدفةً أنّ الإماراتِ العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولاً عربية أخرى تصارع الآن، فيما نحن نتحدث، منتجاتِ الولاية والخلافةِ معاً في أرض اليمن وفي سوريا، وتدفعُ الأثمانَ الباهظة من دماءِ خيرة أبنائها ومن أرواحِهم وأعمارهم.

فهل نريدُ دليلاً أوضحَ من شَهادة هؤلاء لنؤمنَ بأنَّ الدفاعَ عن عروبتنا قَدَرٌ لا مفرَّ منهُ؟

حان الوقتُ للمجاهرة بحقيقةٍ مزدَوِجَةٍ ولإطلاق صرخةِ مُدوّية.
لا مشروعَ الولايةِ التقسيمية في المجتمعات العربية، الذي غيب بتمدده حضارةً تاريخيةً لشعبٍ عريقٍ هو البديلُ المرغوب.

ولا مشروعَ الخلافةِ التكفيري الدموي الذي شوّهَ دينَ الرحمةِ والتسامح هو النظامُ المطلوب.
حانَ الوقتُ لكي نقولَ بأعلى الصوت: لا للولاية…  لا للخلافة…

ونعم لعروبة الاعتدال.

وكما نسعى للمصالحة مع عروبتنا كذلك حان الوقت لكي نعمل على المصالحة مع جيراننا على قواعد الاستقرار السيادي لنا ولهم.

في يوم التضامنِ مع شعبِ الامارات الشقيق، وهي مناسبةُ لقائنا اليوم كلبنانيينَ نشارك أهلَ هذه البلاد في مصيرٍ واحد، أسمح لنفسي وباسمكم بالقول إنّ شهداءَ الشعبِ الإماراتي، بمِقْدَار ما هُم شهداءُ الإمارات، فهُم أيضاً شهداءُ مِصرَ وسوريا والعراقَ واليمنَ وفي ما يعنينا كلبنانيين مجتمعين، هم شهداءُ لبنانَ أيضاً.

هؤلاء الشهداءُ هم ببساطةٍ شهداءُ العروبةِ العزيزةِ التي لا يُكْسَرُ سَيفُها لأنّها عروبةُ حقٍّ وعدالةٍ وإنصافٍ وكرامةٍ وإباء. عروبةٌ منفتحةٌ حضاريةٌ كلّ ما فيها صحيٌّ لأبنائها ولجيرانِ أبنائها مِمَّن يحترمونَ إرادات الآخرين وثقافاتِهِم ومصالحِهِم.

ونحن حين نتضامنُ كلبنانيينَ مع الشعب الإماراتي الكريم إنّما نتضامنُ معَ أنفسنا أوّلاً باسم لبنانَ العربيَ الذي لا يُسقِطُ أحدٌ هُويَّتَهُ مهما تجاسرَ وبالغَ في أوهام الاقتدار.
أختمُ بالقول: “لا فضلَ للبنانيٍّ على لبنانيٍّ إلا بمدى عروبَتِهَ وانتمائِهِ لمصالحِ العرب”.

واختتم الحفل بأغان وطنية للفنانة اللبنانية هبة طوجي وتكريم العميد شامل روكز حيث قدم السفير اللبناني هدية تذكارية للمناسبة اهداه روكز بدوره الى اهالي العسكريين المخطوفين في عرسال واهالي الشهداء العسكريين، مؤكدا ان الجيش هو ضمانة الاستقلال والشعب اللبناني.

أبو ظبي، جامعة السوربون