يتّمتمونا يا أهل لبنان…

مقالات 03 سبتمبر 2007 0

أقف على مدخل الباب 52 في مطار شارل ديغول الفرنسي أنتظر انهاء الاجراءات الأخيرة للدخول الى الطائرة الذاهبة الى مدريد.
المطار مليء بالوجوه من مختلف قارات العالم. فالشهر الماضي هو شهر الاجازة في أوروبا، وفيها يذهب أهلها الى مدن الشمس، وإلى عواصمها، وأُولاها باريس يأتيها الناس من دول العالم المختلفة.
أنظر خلفي في المقلب الآخر من القاعة لأجد باب الطائرة الذاهبة الى بيروت مفتوحا يستقبل الركّاب العائدين الى وطنهم بعد غياب، فأتمعّن في الوجوه بحثا عن وجه أعرفه أو عن انطباع لوجه عائد الى لبنان: كم هو مقبل، راغب، أو متردّد في العودة الى عاصمة الاشتباكات السياسية اليومية.
تقترب من حيث أقف سيدة عربية جليلة في العمر، رصينة في الحركة، على وجهها آثار جمال غابر وعليها أناقة هادئة بما فيها الحجاب الذي يلفّ الرأس. وراءها عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من السيدات من حاشيتها. تنظر في وجهي وهي تتكئ على عصاها، لأسباب صحية وليس لتقدّم في السن، تفتتح الحديث من دون تردّد: “كيف حالكم يا أهل لبنان؟ ”
أجيب: “الحمد الله، خلافاتنا سياسية وليس هناك من شأن أمني يشغل البال. الى اين تذهبين يا سيدتي؟”
“الى برشلونة. صرنا نذهب للسياحة الى باريس وبرشلونة. تصوّر ماذا فعلتم بنا وماذا فعلتم بأنفسكم؟ بدلا من ان نذهب الى بلادكم الجميلة، وأهلكم الأجمل، ندور في العواصم الاوروبية حيث الغربة لا المتعة هي الاحساس.”
“اللبنانيون يحبّونكم ايضا، وينتظرونكم. لماذا لا تذهبين يا سيدتي الى لبنان؟ ليس هناك من أمر أمني يمنع زيارتكم. الكلام في السياسة عادة لبنانية وليس خطرا على الزوّار. ستجدين ما يسرّك من استقبال واهتمام. ”
“انتم لا تعون خطر المعارك الكلامية التي تخوضونها. تظنّون انكم جزيرة معزولة، فلا يتأثّر بكم أحد ولا تتأثّرون بأحد.”” تعالي يا ابنتي” مخاطبة واحدة من مرافقاتها “ساعديني على الجلوس”. تقدّم عصاها الى الأمام وتجلس متعبة. وتتابع الكلام: “لم تعرفوا ماذا فعلتم بنا. لقد يتّمتونا يا أهل لبنان .”
تُنهي السيدة العريقة في شكلها وحركتها الحديث بأوجع ما يمكن ان يقال، بينما المضيفة تنهي انتظاري وتدعوني للدخول في النفق القصير المؤدي الى داخل الطائرة.
بماذا يمكن للعرب ان يتّهموا المجتمع السياسي اللبناني بأوقع من الجريمة التي وصفتهم بها السيدة العريقة في الشكل والحركة؟
بالتأكيد، هناك الكثير من العاطفة الصادقة في كلام السيدة العريقة. لكن هناك ايضا ما لا يمكن تجاهله من دقة في وصف الظلم الذي يوقعه المجتمع السياسي اللبناني بحق اهله ووطنه. إذ ان النص السياسي لهذا المجتمع لا يتورّع عن استعمال اقسى النعوت وأفضح الكلمات في حق اعضائه حين يختلفون. فلا يرد الديِّن أهله وحزبه حين يصلون في حديثهم الى الخلاف السياسي. ولا تردّ الدنيا المتمتّع بخيراتها، من يظلم أفرادا كانوا حتى الأمس شركاء معا في ملذّاتها، لولا طاقة من الأمل فتحها الرئيس نبيه برّي في الاسبوع الماضي، بعد ان مارست فرقة الردح السياسي خاصته ما يكفي من هواياتها، ولو ردا على فريق من 14 آذار لا يرى في اثبات قوته وسيلة، إلا القسوة المطلقة في الكلام، وفي اطلاق الاحكام.
لا يريد هذا الفريق وعلى رأسه وليد جنبلاط ان يعترف للرئيس برّي برغبته وقدرته على كتابة تاريخه من جديد، والرئيس برّي يفعل ذلك منذ اغتيال الرئيس الحريري وحتى الآن… بل يريدون حصر هذا الحق في التغيّر للصالح الوطني في رغبتهم وقدرتهم فقط لا غير. لم يلاحظ وليد بك انه لو اراد الرئيس برّي ان يتمثّل بما وُصف به بأنه ناقل للرسائل، لكان قاطع أول من قاطع، وليد بك نفسه. اذ ليس هناك من ورقة مربحة عند النظام السوري مثل الانقطاع عن جنبلاط سياسيا، بل ان مهاجمته تزيد في رصيد المهاجم. لم يفعل ذلك رئيس المجلس النيابي، لا في اتجاه جنبلاط ولا في اتجاه سعد الحريري ولا أي رمز سياسي من رموز قوى الرابع عشر من آذار، بل حافظ على صفة واسطة العقد التي تحمي البيت اللبناني مع الجميع، ما عدا الرئيس فؤاد السنيورة، الذي لا بد من التضحية بالتعاون معه على مذبح السياسة السورية وحلفائها في لبنان، بصرف النظر عن جدية أو عدم جدّية الطروحات المتعلّقة بدستورية هذه الحكومة ورئيسها.
جعل الرئيس برّي للتسوية سمة الشجاعة وسط الشمولية في الحركة السياسية اللبنانية وقبلها ودائما في السياسة السورية، تخوينا وإعداما معنويا وسياسيا لمن يخرج عن طائفته، فحمل في يده دائما الحد الضامن للبنانية حركته ولعروبة سياسته فلم يترك الدعوة الى التجاوب مع السياسة السعودية في عز اغلاق الأبواب بين دمشق والرياض. أخذ برّي ب خيار الضرورة وهو اسلوب قانوني في ضرورة احتواء الدور الايراني في المنطقة بدلا من البحث في وسائل مواجهته، من وجهة نظره على الأقل.
***
ما هي رواية مبادرة الرئيس برّي؟
في فرنسا، دخل رئيس جديد الى قصر الاليزيه منذ ثلاثة أشهر هو نيكولا ساركوزي. لمعرفته، لا بد من قراءة ما قاله عنه الروائي فيليب لابرو الذي دُعي الى الغداء الى طاولة الرئيس ساركوزي في الاسبوع الاول من تسلّمه الرئاسة. يقول لابرو انه بعد انتخاب ساركوزي عمدة لضاحية نويي الباريسية في العام ,93 قام مختلّ عقليا باحتجاز اطفال في مدرستهم، مهددا بتفجير نفسه اذا حاولت الشرطة انقاذهم. دخل ساركوزي وحده الى المدرسة وبدأ بالحديث الى القنبلة البشرية . استطاع عمدة نويي آنذاك اغراق القنبلة البشرية بالنقاش عما يريده ومشاكله وامكانية حلّها. بعد نصف ساعة خرج ساركوزي محاطا بالاطفال وترك للبوليس انهاء العملية.
تلك كانت الصورة الاولى لساركوزي في أعين الفرنسيين. فهل ما قام به يدخل في خانة الشجاعة؟
يجيب لابرو عن السؤال بالايجاب. لكنه يقول ان لساركوزي شهية مجنونة في الحياة على حد السيف، وهو اسلوب يختلف تماما عما عُرف عن السياسيين الفرنسيين الطبيعيين. انه يحب المخاطرة. يستلذّ بها. يستكشفها .
استقوت القدرة على المخاطر عند ساركوزي بعد انتخابه رئيسا فذهب الى الولايات المتحدة في إجازة، ليكون الثاني بعد الممثلة بريجيت باردو من فرنسا الذي تتوجّه اليه الأضواء الأميركية كمناصر لسياسة الادارة الأميركية، والحالم بالدور الأول في أوروبا، رغم التزامه جدول اعمال الحزب الديموقراطي الأميركي.
استطاع ساركوزي في زيارته الخاصة جداً الى مزرعة الرئيس بوش الابن الذي تصحّ عليه صورة القنبلة البشرية المحتجزة للسياسة في الشرق الاوسط استطاع ان يقنعه بعنوانين أولهما فتح أبواب الحوار مع سوريا مداورة عبر باريس، ولعنوان واحد هو لبنان، ولتفصيل واحد هو استحقاق الرئاسة في لبنان.
سبقت ذلك محاولة مجنونة باقتراح عقد مؤتمر دولي تحضره ايران وسوريا والرباعيتان العربية والدولية والأمم المتحدة للبحث في الوضع اللبناني. سقط الاقتراح في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، حين أوضح وزيرا الخارجية السعودي والمصري عن عدم عقلانية مثل هذه الدعوة، إذ ان فيها اعترافا دوليا وعربيا مبكّرا بالدور الايراني في المنطقة العربية مجانا من دون مقابل مسبق، ثم جاء اعلان الرفض الاميركي للاقتراح الفرنسي.
استطاع الرئيس الفرنسي لاحقا ان ينتزع من الرئيس الاميركي في مزرعة والده موافقته على أمرين اثنين لا ثالث لهما في الحركة الفرنسية: النقطة الأولى تتعلّق بالأمن العراقي تحديدا. فذهب وزير خارجيته برنار كوشنير الى بغداد حيث له الكثير من الصداقات، خاصة بين الاوساط الكردية، فنتج عن الزيارة اجتماع يعقد هذا الاسبوع في دمشق للدول المجاورة للبحث في تطوّرات الأمن العراقي بحضور ايران طبعا، وذلك استباقا للتقرير الذي سيتقدّم به السفير الأميركي في بغداد وقائد القوات الاميركية في العراق الى الكونغرس في منتصف هذا الشهر، حول التطوّرات الأمنية والسياسية نتيجة الوجود الاميركي في العراق. يقول الجنرال باتريوس قائد القوات الاميركية في العراق لصديق له لبناني زاره في قاعدة عيديد في قطر، ان الجيش الاميركي حقّق تقدما فعليا في منطقة بغداد الكبرى وكذلك في المناطق السنية الطابع، وبقي عليهم ان يواجهوا في تشرين الأول المقبل مقتدى الصدر و جيش المهدي .
جرى هذا الحديث منذ شهر، وقبل اعلان الصدر عن تجميد عمل جيشه لمدة ستة اشهر اثر اشتباكات مدينة النجف الأخيرة والعنيفة.
الاضافة التي جاءت حول التقدّم الاميركي من طهران، هي ما أعلن بالأمس عن اقصاء قائد الحرس الثوري من منصبه وتعيينه مستشارا للمرجع الأعلى، وذلك اثر الاتهامات الاميركية العلنية للحرس بالقيام بتدريبات عسكرية في العراق لصالح قوى معادية للوجود الأميركي.
النقطة الثانية التي حصل عليها ساركوزي من الرئيس الأميركي هي الدخول الفرنسي على الملف اللبناني من الباب السوري، وحتى الايراني، شرط ألا يتجاوز الحوار اجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري وبشخصية وفاقية تحظى بتأييد اغلبية اللبنانيين الفعلية وليس النيابية فقط.
أعلن الرئيس الفرنسي مبادرته بالانفتاح السياسي على الحوار مع دمشق المشروط بتسهيل السوريين للاستحقاق الرئاسي، فجاءه الجواب من العاصمة السورية بأن في سياسته ما يعزّز فرص حوار مثمر بين البلدين. هل يعني هذا الكلام موافقة سورية على المبادرة الفرنسية؟
***
زوار دمشق من اللبنانيين المعنيين بالشأن العام يقولون ان هناك حوارا دائرا في العاصمة السورية حول الشأن اللبناني. البعض يقول ان باستطاعة النظام السوري الصمود مع حلفائه في بيروت بالوضع الحالي وإلى اسوأ من الفوضى بعد فراغ موقع الرئاسة الأولى حتى مجيء ادارة اميركية جديدة وانتخابات نيابية لبنانية في موعدها، ما يجعل التغيير في الأكثرية ممكنا، اي بعد سنتين تقريبا من الآن.
الرأي الآخر يقول انه من الافضل صيانة الهدنة الحالية في لبنان عبر تمرير الاستحقاق الرئاسي بمرشّح وسطي مقبول، والتفاوض على ثمن هذ الخطوة السورية مع الاوروبيين.
حتى الآن يميل النقاش في دمشق الى تغليب الموقف الثاني. يدعم ذلك تبريد الجبهة السورية الاسرائيلية الذي أعلن من الجانبين في الأيام العشرة الماضية. ومن المقرر أن تكون الزيارة التي يقوم بها اليوم وزير الخارجية وليد المعلم الى طهران لمناقشة اللمسات الأخيرة على المبادرة الفرنسية.
العناصر الأخرى التي تشجّع الميل السوري نحو الرأي الإيجابي، ان إيران الحليفة الاستراتيجية للنظام السوري، لا تريد لسقف النزاع في لبنان ان يتجاوز ما هو حاصل حاليا: أي نزاع سياسي ما دون الفتنة السنية الشيعية.
أما الحليف الاستراتيجي في لبنان، أي حزب الله ، فليس من مصلحته ايضا انفراط الهدنة الحالية بحيث يصبح البند الأول في الاشتباك السياسي هو سلاح الحزب وليس الاستحقاق الرئاسي. وهو الفارق بين القرار 1559 الدولي الداعي الى اجراء انتخابات رئاسية منذ العام 2004 والقرار 1701 الداعي لانتشار القوات الدولية في جنوب لبنان، والداعي في نص مرتبك الى حصر السلاح بالدولة اللبنانية.
بدا ذلك بوضوح في الخطاب الأخير للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله لمناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، إذ ان السيد نصر الله ركّز في كلمته على ان اولويات عمله والحزب تركز على ان الجيش الاسرائيلي لن يترك صورته على ما هي من تراجع في الهيبة والقدرة بعد صمود المقاومة لمدة 33 يوما في جنوب لبنان. وأنه لا بد من أن قيادة هذا الجيش تعمل على تحضير عملية عسكرية تعيد اليه ما فقده في أعين الجمهور الاسرائيلي وفي نظر العالم.
بعد هذه الاولوية، كل الامور الأخرى خاضعة للنقاش والتسوية بما يحفظ القدرة على المواجهة مع الجيش الاسرائيلي، من دون ان يعني ذلك على الاطلاق التخلّي عن العماد ميشال عون حليفا ومرشّحا وحيدا للحزب الى الرئاسة.
يتصرّف وليد بك على قاعدة انه خارج التسوية المحتملة حتى الآن. يؤكد من دون ان يتخلّى عن قلقه التقليدي، ان ادارة الأزمة من جهة فريقه بدأت ترخي يدها. اذ انه ابن البيت الذي تجرى فيه الامتحانات لمرشّحي الرئاسة تاريخيا. ولن يقبل حتى الآن بتسوية تجعل من المرشحّين يتنازعون منبر عين التينة حيث مقر الرئاسة الثانية لإعلان ترشيحهم.
يعرف وليد بك الظروف المحيطة باحتمالات التسوية اكثر من غيره، لكنه لا يجد في هذا الاحتمال حضوره ولا حجمه السياسي. وإلى ان يثبت عكس ذلك من حيث الحجم والحضور وهو ما سيحدث عاجلا ام لآجلا ، فهو ممتنع عن احتمالات التسوية. فلا فرنسا الجديدة ولا السعودية التاريخية على استعداد او رغبة بترك ثقل سياسي بحجم وليد بك خارج التسوية. والرئيس بري على عكس الاشتباكات الكلامية الأخيرة لن يقبل إلا يده بيد وليد بك في أي احتمال تسوية، فكيف تصون هدنة من دون البك ؟
هل يكفي تاريخ الفرنكفونية لإقناع المسيحيين خارج التيار الذي يتزعمّه العماد عون؟
الجواب عند البطريرك صفير الذي تحوّلت عباءته تدريجيا وتلقائيا الى غطاء سياسي مطمئن ومقنع وملزم بنظر الغالبية العظمى من اللبنانيين. فكيف بالمسيحيين؟ يشمل ذلك قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي حقق في سياسته حضوراً وتنظيماً تقدماً جدياً من حيث الانتشار والتأثير.
***
ماذا عن السعودية؟
لا بد من الاعتراف بأن العاهل السعودي راكم من الصدقية لدى جميع الاطراف اللبنانية، ما يجعله حليفا طبيعيا للمسعى الفرنسي. فقد قفز بيان مجلس الوزراء السعودي الأخير على الخلاف الذي سبّبه تصريح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عن الشلل في السياسة السعودية، الى التركيز على العلاقات السعودية السورية التاريخية التي تجمع الشعبين… وقد استعادت أي الادارة السعودية محطات اساسية في العلاقات بين البلدين يجعلها تغضب من النظام السوري من دون ان تنقطع عن حضورها الايجابي اللبناني.
يؤكد الملك عبد الله بن عبد العزيز بذلك تاريخه العروبي ورغبته الأكيدة في حماية السلم اللبناني الأهلي. ومن يحقّق ذلك يكن فعل له ما يقنعه و يرضيه، حتى لو كان فرنسا. لذلك ستأتي عودة السفير السعودي في بيروت الى منزله ومكتبه اللبنانيين سريعة بعد قرب انتهاء فترة النقاهة التي يمضيها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل من العملية الجراحية التي اجراها في نيويورك.
لا يستطيع السفير خوجة ان يترك جهدا مريرا ومضنيا بذله في سبيل تعزيز سياسة بلده في لبنان ويتفرّج على نتائج هذا الجهد من جدة، بعد ان قطع مسافة طويلة جدا في لمّ اللبنانيين حول دوره وشخصه وسياسة بلده، في فترة قياسية لا تمتد لأكثر من سنة، فصلت بين الشكوى من غياب الدور السعودي وبين تظاهرات تجوب شوارع بيروت استنكارا للتهديد بالاعتداء عليه، ودعما لسياسة مليكه الصادقة بإيجابياتها والمتفهّمة لمخاوف كل اللبنانيين.
من هنا موقف سعد الحريري زعيم كتلة تيار المستقبل الذي أعلن عن اتصاله بوليد جنبلاط داعيا اياه الى التهدئة. فالحريري لا يستطيع ولا يريد ان يكون إلا ما تعوّد عليه من انسجام مع المحور السعودي الفرنسي. وهو بذلك يلبي جمهوره الذي يريد صيانة عربية ودولية هادئة وجدية للهدنة التي يعيشها لبنان.
لن يتأخّر الحريري في العودة الى بيروت ليكون الى جانب القلقين من حلفائه ساعيا الى طمأنتهم، عاملا على ازالة سحب التوتّر من سماء العلاقات بين الأطراف اللبنانية ولو في سبيل هدنة وليس تسوية دائمة في الوقت الحاضر. كذلك فعل الرئيس السنيورة الذي تمهّل للدرس والتفكير في مبادرة الرئيس برّي، مستبقا المنتظرين على أبواب الرفض المجاني لمبادرة مكلفة.
الرئيس بري يعرف كل هذه الوقائع، وربما أكثر، لذلك أقدم على مبادرته واستكملها بطرح اسماء مرشحّين مع السفير الاميركي في بيروت، باعتبار ان برّي المسوّق الأول للتفاؤل اللبناني… فلمَ التمهّل؟
هل في ما ورد حتى الآن الكثير من التفاؤل؟
لا شك في ان المخاض عسير، وعسير جدا. لكن ما ينتظره لبنان يستأهل الجهد الشجاع. أليس ما ننتظره أفضل من التهمة المحبّة للسيدة الوقورة في مطار شارل ديغول الباريسي؟.