ولاية الفرصة الثانية …

مقالات 28 مايو 2007 0

تعلن اليوم نتائج الاستفتاء الشعبي لرئاسة الجمهورية العربية السورية. لن يكون استباقاً للنتائج القول ان المرشح الوحيد لهذا المنصب وهو الرئيس الحالي الدكتور بشار الأسد سينال ما يزيد عما ناله في الدورة الأولى في العام 2000 أي 97.28 في المئة حين خلف والده الرئيس حافظ الأسد. وهذا ليس دليلاً على اكتساب الرئيس الحالي مزيداً من التأييد من الشعب السوري، بل لأن الطبيعة التقليدية للانتخابات الرئاسية العربية لم تتغير ولن تتغير في دمشق وغيرها من العواصم.
أول المعلومات الواردة من هيئات الرقابة الدولية أن الناخبين السوريين يحملون أربعة ملايين بطاقة انتخابية من أصل 12 مليون سوري يحق لهم الانتخاب.
هذا تفصيل في الحياة السياسية للسوريين. إذ ان العدد لم يكن مرة منذ 37 سنة مقياساً للانتماء ولا تعبيراً عن التأييد ولا قدرة على الحكم ولا تأكيداً للحكمة في التصرف. فالتجربة الجمهورية العربية الأولى في أن يرث الابن أباه لا تزال في مخاض التجربة بعد سبع سنوات. إذا كان الأمر كذلك، فلا شك بأن الرئيس الذي يبلغ الواحدة والأربعين من عمره بعد ولاية استمرت سبع سنوات، يحتاج الى معجزة لكي يحصل لنفسه على مشروعية خاصة بولايته الثانية.
يستسهل منظرو المرحلة الجديدة في سوريا اللجوء الى المبررات الشائعة حين لا يكون هناك تقدم سياسي في المسارات السورية. يستسهلون القول ان الولاية السابقة شهدت هجوماً دبلوماسياً على سوريا وان القائد الشاب نجح في تجاوز مرحلة من أعقد وأصعب المراحل التي عاشتها سوريا.
صحيح القول ان سوريا النظام تعرّضت لهجمة سياسية دولية بسبب نشرها لفروع سياستها في لبنان أولاً وثانياً وثالثاً وفي العراق وفلسطين بعد ذلك. لكن السؤال لا يكون بعد 7 سنوات ما إذا كان النظام معرضاً لهجمة أم لا، بل هو البحث في أسباب الهجمة وهل هي اعتداء من الآخرين سواء الولايات المتحدة أم غيرها من الدول، أم هي سوء إدارة في السياسة السورية جعلت النظام في موقع المعتدي بدلاً من أن يكون معتدى عليه؟
***
لم يحاول المسؤولون السوريون في أي من إطلالاتهم الاعلامية الاجابة على هذا السؤال، لا مباشرة ولا مداورة ولا حتى مقاربة. بل أمعنوا في مقارنة الاعتداءات السياسية على نظامهم، بقدرتهم على ردّها من حكم الرئيس بشار الأسد، هي مدة ولايته الأولى المنصرمة.
التجربة هنا تضم بين جنباتها كل المضامين السلبية بحكم طبيعة المقارنة بين الأب والابن بصرف النظر عن ظروف كل منهما السياسية وقدراتهما الشخصية المختلفة بطبيعة التكوين والخلفية. وإذا كان هناك من إيجابيات فهي تحسب بحكم المخاض الطويل، على رصيد الرئيس الأب.
لقد استطاع الرئيس الأب أن يمحو من ذاكرة الكثيرين حجم السلبيات التي تحصل في نظام حزبي أمني لمدة 30 سنة، بفضل الحجم الدولي الذي أخذته سوريا في عهده وبسبب الدور السياسي الذي لا يزال يكتب عنه حتى اليوم في الدراسات العربية والأجنبية. والتي تجعل منظّرين في الخارجية الأميركية يعودون إلى تجربته في المفاوضات الدولية في كل مرة يرد فيها حديث أزمة الشرق الأوسط.
واستطاع أيضا أن يأخذ مشروعية نظامه بعد ثلاث سنوات من تسلّمه الحكم في مشاركة مصرية سورية عسكرية هي حرب أوكتوبر. والتي لا تزال الذاكرة الإسرائيلية تستيقظ عليها كلما سمعت صوت انفجار غير مرتقب. هذا هو العنوان الأصعب في الوارث، أياً يكن، وفي الحكم أينما كان. إذ ان المقارنة تجعله أسير أخطائه حتى لو كانت من الحجم المقبول فكيف إذا كانت عنواناً لخسائر تكبر كلما جرت مقارنتها من سابق في التصرف أو حكمة في القرار ومن ميزان في الخرائط السياسية الكبرى إلى خلل واضح في الخرائط الصغرى.
قرأت هذا الأسبوع دراستين عن الانتخابات السورية، واحدة وضعها دنيس روس مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق في عهد الرئيسين كلنتون وبوش الأب. والثانية حوار مع سكوت كاربنتر مساعد وزيرة الخارجية الأميركية.
كلاهما الدراسة والحوار مسكونان بشبح الرئيس الأسد الأب. لم يتعب لا روس ولا كاربنتر من المقارنة بين الوارث ووالده. حتى بت على قناعة بأنه ليس من الموضوعية في شيء الوصول إلى استنتاجات في مسار النظام السوري طالما ان التاريخ لا الحاضر هو الحكم. مع الاعتراف بتاريخ الغائب عن الدنيا رحمه الله، ومع التأكيد على الحجم الجسيم للاخطاء في السياسة السورية الحديثة. بكثير من الردود الأمنية على الردود وليس السياسية منها فقط.
إن مراجعة مبسّطة لخطب الرئيس الأسد وأحاديث وزير إعلامه الدكتور محسن بلال ونائبه فاروق الشرع ومنظّرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان، تجعلك لا تفهم من كلامهم غير الشكوى من الاعتداءات المتكررة على نظامهم دون أن يحاول أي منهم الايضاح لمتابع موضوعي لو توفّر ما هي الأهداف التي يسعى النظام إلى تحقيقها وأين هي العقبات الفعلية أمام تحقيق هذه الأهداف؟
تتقلب المواقف وتتغير التعابير. تصفر وجوه وتختلط الألوان ويبقى وجه المسؤول السوري أيا كان موقعه على لونه ونشاطه وهمته وهو يتبنى موقفا سبق ان اعلن غيره. وإذا ما سألت او تساءلت فإنك المخطئ او المقصر في متابعة التطورات في أحسن الأحوال.
***
أولا: في مسألة الأرض السورية المحتلة. ليس هناك من خلاف في حق السوريين باستعادة أرضهم المحتلة بالوسائل التي يرونها مناسبة. والوسائل المناسبة هنا لا تعني الحرب. إذ ان من يعمل على استعادة أرضه بالوسائل العسكرية لا يسكت عن رجل اعمال اميركي من اصل سوري الى اسرائيل للتفاوض لم يكن في ذلك التاريخ سراً بداية ثم علانية بعد الايام التي كانت فيها الطائرات الاسرائيلية تدك لبنان بقذائفها، في الوقت الذي يتولى فيه المقاومون مواجهة العدو الاسرائيلي بأشرس ما يمكنهم من قدرات اعترف بها العالم لهم.
يتبع ذلك هجوم دبلوماسي سوري في اتجاه المفاوضات مع الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية ايضا.
ما هي الأوراق الجديدة التي سيضعها المفاوض السوري على الطاولة مع الحكومة الاسرائيلية بعد ان سمحت لها الادارة الاميركية بالتفاوض شرط ان لا توحي بصلتها او بقدرتها على التأثير في السياسة الاميركية، وأن لا يكون لبنان بنداً من بنود الحوار؟
ماذا استجد بعد حرب تموز اللبنانية التي وافق النظام السوري علنا على نتيجتها الأمنية اي القرار 1701 الراعي لنشر قوات الطوارئ الدولية في الجنوب.
في علم المقارنة يمكن القول ان الرئيس حافظ الأسد كسب جزءا كبيرا من سمعته كمفاوض من تعدد الشروط للتفاوض مع اسرائيل. حتى ان دنيس روس يقول عنه انه كان يناقش كل بند من بنود التفاوض على انه نص كامل بعينه.
الرئيس الشاب هو الوحيد بين الرؤساء العرب الذي توالى على عروض التفاوض على الحكومة الاسرائيلية. مع العلم أن الأسد في خطاب افتتاحه لمجلس الشعب نفى أي علاقة للدولة السورية بالمفاوضات أو بعروضها. واصفاً الحكومة الإسرائيلية بأنها من الضعف بحيث لا أهمية للحوار معها.
قد يكون على حق الرئيس بشار الأسد وربما له في ذلك حكمة، لكن لم يظهر الى العلن في كلام اي من المسؤولين السوريين ما يبرر هذه السياسة، او ما يعطي صاحبها مشروعية الاندفاع نحو السلام مع اسرائيل. فيجد عندها من يواليه او يخالفه على هذه السياسة. وإلا فإن السياسي الممارس في اية ادارة دولية او حتى المراقب لن يجد امامه غير فروع الانتشار السوري في لبنان والعراق وفلسطين وهي فروع تعمل في غير التوجه السياسي للنظام السوري.
هذا مع العلم ان هذه السياسة لم تنجح في استدراج العروض الاميركية للعلاقات مع سوريا، بصرف النظر عن مدى الضرر الذي احدثته هذه الفروع في انتشارها، ولن تنجح كما يبدو من تطور الامور.
إن مسألة تحرير الأراضي السورية المحتلة في الجولان شرعية وشعبية لذلك فهي جديرة بالتركيز عليها وإعطائها حقها من الحركة السياسية المعلنة وليس السرية.
عندها، يصبح للكلام معنى وللهدف مؤيدون وللعمل مشجعون، بدلا من الضبابية المتقلبة التي تجعلك حائرا في ما إذا كان هذا النظام يريد تحرير أرض بلاده أم لا.
لا شك ان المراهنة السورية على تراجع الدور الاميركي في المنطقة، قد حققت الكثير، لكن ما تشهده المنطقة اليوم ليس انهيارا اميركيا بل اعادة رص الصفوف بما يجعل العودة الى نجاحات جزئية ومتقطعة للسياسة الاميركية ممكناً.
***
ثانيا: في العلاقات الايرانية السورية، تشهد العلاقات بين البلدين ارتباكاً واضحاً يتحفظ في وصفه المسؤولون في العاصمتين. بعد ان اعلنت ايران عبر مصادرها الرسمية انها تأخذ على المسؤولين في دمشق تسرعهم في إعطاء ورقة المفاوضات مع اسرائيل والادارة الاميركية. بقيت العلاقات في هذا الاطار من الشكوى حتى اعلن وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي خلال مشاركته في مؤتمر دولي في الاردن عدم موافقة حكومته على المبادرة العربية للسلام التي اقرتها مرة ثانية قمة الرياض بحضور الرئيس الأسد. وتولى الأمين العام للجامعة العربية ومسؤولون عرب آخرون الرد عليه بقسوة كادت ان تمنع عليه حق الحديث في ما لا يعني بلاده.
غير ان هذا الاعتراض الايراني على توقيت المبادرة العربية يوضح بما لا يقبل الشك ان ايران تريد شراكة في قرار مبادرات السلام العربية، لم تحصل عليها من سوريا.
إذا كان هذا هو الموقف السوري المستجد اي الاندماج في مسار السلام، لماذا اعلان الصراع مع قيادات عربية مثل الملك عبد الله بن عبد العزيز ثم المصالحة معهم وقبول المبادرة العربية؟
الجواب المفاجأة هو ما نشرته الواشنطن تايمز على لسان السفير السوري في العاصمة الاميركية عماد مصطفى. لقد اتى العالم العربي بقياداته وشعبه الى الموقف السوري من السلام . هذا ما قاله السفير السوري في اشارة الى موقف العاهل السعودي من الاحتلال الاميركي للعراق.
***
ثالثا: لبنان: لا شك في أن الرئيس السوري يشعر بألم لا مثيل له نتيجة انسحاب جيش بلاده من لبنان. وهذا طبيعي إذ إن المصالح السورية في لبنان واحدة من ركائز النظام في دمشق، ولم يكن سهلا عليه فقدان هذه الركيزة بعد 5 سنوات من تسلمه إياها.
منذ اللحظة الأولى لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ارتبك الموقف السوري ولم يتخلص من هذا الارتباك حتى الآن. لو راجعنا التصريحات السورية الرسمية منذ الاغتيال الأول، الذي تلته اغتيالات عديدة اتهمت بها سوريا دوليا، لو راجعناها لوجدنا خريطة من الكلام المتناقض تعرف أوله ولا تعرف آخره.
آخر المقارنات، قول الرئيس الأسد إن سوريا غير معنية بالمحكمة الدولية، فإذا بوزير الخارجية وليد المعلم بعد أيام يعتبر أن المحكمة أداة أميركية للنيل من سوريا.
لم يفرّق النظام السوري بين قدرته على المساومة على إنشاء المحكمة وهذا دوليا غير مقبول ولم يكن واردا وبين المحاكمة التي أمامه ما يكفي من الوقت للحديث عنها. ما يحدث هذا الأسبوع هو إصدار قرار سيكون على الأرجح يتضمن إدانة سوريا، أما المحاكمة فلها مسار آخر.
لم يعترف النظام بأن الرغبة الإسرائيلية والدولية بالحفاظ على النظام السوري خوفا من التطرف الإسلامي المنتشر لا تعني الحفاظ عليه بشروطه وأخطائه، بل بما يريد المجتمع الدولي من تعديل انتظام السياسة السورية.
قابل الرئيس الأسد الحدة من اللبنانيين بالإهانة. ورد معاونوه على الإهانة اللبنانية بما هو أقسى منها. فظهر ان حقه في نظام لبناني لا يعاديه، ضاع وسط الأحقاد والاغتيالات وغياب الأفق. لم يجد فاروق الشرع ما يقوله عن الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام الإرهابية إلا انها نتيجة لفراغ السلطة، بسبب الحكومة اللبنانية التي تستقوي بالأجنبي لعجزها عن إدارة الوضع في البلاد.
كيف يمكن ترجمة مسؤولية هذا الكلام إذا كانت الحكومة اللبنانية متهمة بما يريد الحكم في سوريا القيام به من الانفتاح الدولي؟
لم يدرك الرئيس السوري حتى الآن أنه لا عودة لسياسته الى لبنان مهما كلف ذلك اللبنانيين المدعومين دوليا على حد قول الشرع.
لقد أدت هذه السياسة تجاه لبنان الى مزيد من التماسك بين القوى السياسية المواجهة لسوريا. وهذا نسق يزداد تماسكه، ليس بسبب الدعم العربي والدولي لهذا الاتجاه فقط، بل لأن الاشتباكات الأخيرة في شمال لبنان أدخلت لبنان الى دائرة الحماية من الإرهاب، الأمر الذي يجعل الدعم العربي والدولي على أعلى مستوى، ويجعل التضامن اللبناني حول أجهزته الأمنية كما لم يكن من قبل. فهل هذه هي النتيجة التي أرادها من أخرج شاكر العبسي من السجن وتركه يتفرغ للأعمال الإرهابية؟
***
رابعاً: الحريات: انشرحت قلوب السوريين في السنتين الأُوليين من عهد الرئيس بشار الأسد. سمح لهم بالنقاش السياسي وبعقد الندوات التي كانت تحرص على تجنيب الرئيس الابن مسؤولية ما سبقه من قمع للحريات.
إلى ان كانت السنة الرابعة. أغلقت المنتديات. ذهب المنتدون الى التحقيق فرادى وجماعات. وحين تجرأ بعض المثقفين مثل ميشال كيلو وأنور البني وغيرهما من الكتّاب، على وضع ورقة تصويب للعلاقات اللبنانية السورية، انهالت عليهم التهم والأحكام القضائية بالسجن.
انتهى الحلم الدمشقي بالحرية المنضبطة بعد أن أحاط بالرئيس الشاب الراغب بالتأكيد فيما قرره في بداية عهده، الطوق الأمني بعد الطوق الحزبي. وقف الرئيس الأسد منذ أيام في دير الزور القريبة من الحدود العراقية ليحيي الجماهير على الطريقة العراقية، ممتدحا المقاومة في العراق والمقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين، مكملا: سوريا في القلب… لكنه لم يقل أين هي المقاومة السورية؟ متى ننتظرها؟
صديق للأمن السوري على توالي رجاله، يصف التطور كالتالي: عندما كان يذهب الى دمشق مقترحا أو منفذا لقرار سياسي كان المسؤولون السوريون واللبنانيون في عهد الاسد الأب يشيرون الى الأعلى من دون أن يسموا بأن هذا القرار آت من فوق. أما في العهد الجديد فقد كان حين يحمل الرسالة من دمشق، يجدها معدلة في عنجر. يصل الى بعبدا فيكون قد سقط نصف القرار. ينهي جولته بمدير الأمن العام الذي يبلغه أنه أبلغ بإلغاء القرار.
لو كان هذا الوصف طرفة فهي نتيجة الولاية الأولى، ماذا عن الثانية؟