وطنية اللحظة الأخيرة…

مقالات 07 أبريل 2007 0

يذهب الرئيس نبيه بري بعيداً ووحيداً في اعتبار التعديلات المقترحة أو المنتظرة لقانون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي المختصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مرة سرية، ومرة أخرى جزءاً من اتفاق سياسي لم يتوفر في الحوار بينه وبين رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري.
في بداية الحوار، كان هذا الوصف لمشروع قانون المحكمة مقبولاً باعتبار أنه من “اللمحات” الحوارية التي اشتهر بها رئيس المجلس النيابي، أي أن ما بينه وبين العامة من الناس، لا يتضمن التداول الشعبي لأسرار التعديلات. أما ما بينه وبين النائب الحريري فلا أسرار تُمنع عن ولي الدم، ولا حق يُحجب عن الموقع السياسي الذي يتمترس به سعد الحريري.
المحكمة ذات الطابع الدولي مسألة وطنية تخص حياة اللبنانيين جميعاً. تعني استقرارهم. تؤكد أمانهم. تحقق ما عجزت كل الأجهزة عن تحقيقه، وهو إخراج الحياة السياسية من دائرة العنف، إلا إذا كان لدى الرئيس بري ما يطمئنه، فلمَ لا يوزع منه على الآخرين؟
أما الحكومة تعديلاً أو توسيعاً فهي مسألة إجرائية في العمل السياسي اليومي، وإعطاء هذا الإجراء طابع المشاركة الذي توفر منذ تشكيلها ما عدا جلستي المحكمة ذات الطابع الدولي الفاصل بينهما أكثر من سنة. فكيف يمكن اعتبار التوسيع مشاركة غائبة، واعتماد الثلث المعطل قاعدة المشاركة؟
لقد كان الرئيس بري مبتكراً في الإحاطة بموضوع المحكمة. أولاً حين اعتبر التفاهم السعودي ـ السوري إطاراً للتفاهم اللبناني على قانون المحكمة. وثانياً حين طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إيفاد مستشاره القانوني نيكولا ميشال لحضور المحادثات بين الأطراف اللبنانية حول قانون إنشاء المحكمة.
لماذا يكون الإطار السعودي ـ السوري جامعاً للبنانيين، ولا تكون السعودية مخزن الضمانات لدراسة التعديلات؟ وما دام المستشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة مقبولاً كشريك مفاوض على طاولة الحوار حول المحكمة، فلماذا لا يؤتمن على تعديلات يأخذها معه الى حيث تناقش المحكمة، فتكون المعارضة قامت بواجبها تجاه وطنية المحكمة، وتترك للأمم المتحدة أن ترعى ما تراه حقاً وواجباً وضرورة في التعديلات.
نقطة الفصل المستمرة في حركة الرئيس بري، هي ما قاله أمس من أن الاعتصام مستمر ولا دعوة لجلسة في المجلس النيابي منعاً لتكريس مثول حكومة غير دستورية أمام مجلس النواب.
هذا الكلام أيضاً يصح إدراجه في دفاتر أوراق المفاوضات وليس الحقائق الجدية للوقائع التي يتحدث عنها الرئيس بري.
ليس للرئيس بري أن يقوم بما حاول جاهداً أن يحقق له النجاح، أي الحوار. ليس له أن يفعله وهو ممثل بحركته “أمل” في اعتصام وسط المدينة، وإلا لما قيل عنه كل ما قيل، ولما كُتب عنه كل ما كُتب، وهو شريك فاعل في اعتصام لا فعالية له خارج التردي الاقتصادي والسياسي لكل لبنان.
لا بد من الاعتراف بأنه استطاع أن يبعد العيون المراقبة عن “الخلط” بين تمثيله لأحسن ما في لبنان، من اعتراف بأهمية الحوار، ومشاركته الفعلية لأصعب ما في اللبنانيين، من رغبات سياسية غير واقعية ولا تؤدي إلا الى مزيد من الدمار والخراب، خاصة أن هذه الصعوبات شابة وطامحة لتجديد شبابها.
لا ضرورة للعودة الى النصوص الدستورية لمعرفة تأثير غياب طائفة كبرى عن الحكومة على شرعيتها الوطنية، وليس على دستوريتها. لكن، أين المشروعية الوطنية لرئيس المجلس حين يتجاهل مطلب 70 نائباً من كل الطوائف بعقد جلسة عامة للمجلس النيابي أو غير ذلك من المطالب النيابية ضمن دورة عادية، حتى لو كان قراره دستورياً.
ليس كافياً القول إن عقد الجلسة العامة سيؤدي الى أزمة سياسية كبرى، ربما أصعب من التي نعيشها اليوم. ليس هذا كافياً لاعتبار قرار رئيس المجلس شرعياً ووطنياً.
هذه المسائل الوطنية لا تُحسب بالبنود الواردة في المواثيق، بل بالخطوط العريضة لوطنية الجميع، والرئيسان بري والسنيورة قبل غيرهما من اللبنانيين.
بماذا تجيب سعدَ الحريري حين يقول لك أنا لا أغامر بالذهاب الى الأمم المتحدة، بل المغامرة الحقيقية هي في إسراعي نحو المجهول في سرية التعديلات على قانون المحكمة؟ هل تعده بكشف التعديلات بعد فقدانها لفعاليتها، أي على الطريقة العراقية: تنفيذ الإعدام قبل إصدار الحكم.
أعرف مدى حدّة الوصف. لكن الحقيقة في هذا المجال ليست أقل قسوة على سعد الحريري، سواء في مجلس الأمن أو في مجلس العلاقات السورية ـ السعودية.
لأيام خلت بدت حركة الرئيس نبيه بي تبحث عن تسوية لا تريدها سوريا ولا تدعمها إيران. أما في الأيام القليلة المقبلة فإن النظرية التي تقول بوطنية توسيع الحكومة وبتسييس قانون إنشاء المحكمة، هي نظرية فاقدة للشرعية الوطنية، بصرف النظر عن تعداد هذا الجمهور أو ذاك.
تواجه الحياة السياسية اللبنانية في الأيام القليلة القادمة امتحاناً دولياً وعربياً ـ ليس هو الأول ولا الأخير ـ لكنه بالتأكيد لا يندرج تحت العناوين السياسية لحياتنا اليومية، بل هو امتحان لوطنيتنا، جميعاً، ولو في اللحظة الأخيرة…