وضح حجر الأساس لمبنى السجناء ذوي الخصوصية الأمنية في رومية: لتحرير لبنان من قنبلة السجون الموقوتة

كلمات 16 يونيو 2014 0

مازحني صديق بالأمس قائلا: أنت الآتي من عالم الصحافة والكتابة والحرية أجبرتك الداخلية على العمل على افتتاح سجون؟ كيف يمكن ان أكون فخورا كما انا اليوم في وضع حجر الأساس؟

في الواقع، هذا التناقض غير صحيح فلا حرية مصونة ولا مناخات حرية محمية ومضمونة الا في بيئات سليمة تعزل الجريمة والاعتداء عن النظام العام وشروطه، ولا تصان الدولة وتعاد هيبتها الا بقدرتها على مواجهة الاخلال بالقوانين والعنف غير الشرعي الممكن لكل انواع الجرائم بالسلطة التي يشكل السجن احد وجوهها الفظة والغليظة ولكن أيضا الضرورية في الاستقامة في المجالين العام والخاص.

هنا نصف الحكاية، أما النصف الثاني فهو حقوق الخارجين عن القانون والمخلين والمرتكبين والمجرمين بالعدالة واحترام كرامتهم الانسانية من توفير شروط توصيف وسجن يلتزم معايير حقوق الانسان في العالم كما نصت عليها المواثيق والاتفاقات الدولية، في هذا المجال، أجيب الصديق الذي مازحني بالامس اعتز بوضع حجر الأساس اليوم لأنني أفعل ذلك في سياق الدفاع عن حقين: الحق الأول هو حق المواطن الملتزم في بيئة خالية من المجرمين وحق المخل والمرتكب في بيئة تلبي شروط العدالة للدولة والكرامة الانسانية للسجين، وفوق ذلك، حق اللبنانيين ألا تنفجر في وجه امنهم واستقرارهم قنبلة السجون المكتظة، فنحن امام وضع كارثي بكل معنى الكلمة، وما نقوم به اليوم ليس سوى بداية متواضعة وإن كانت مهمة في طريق معالجة هذا الملف واقفاله.

نعطيكم فكرة بسيطة عن واقع السجون، تأملوا في هذين الرقمين: القدرة على الاستيعاب في السجون اللبنانية ومراكز النظارات والتوقيفات كلها، لا تتجاوز 2500 سجين وموقوف. حاليا موجود على الأقل 7800 سجين وموقوف. لتكوين فكرة كم هو الوضع صعب.
امام هذه الوقائع، ارجو ان يتضح لكم حجم الخطورة التي ينطوي عليها هذا الملف وحجم التحدي الذي يواجهه، لذلك حملت هذا الملف كأولوية مطلقة في كل اللقاءات مع الأخوة ووزراء الداخلية العرب ثم زرتهم في الاونة الأخيرة ومما أفدت منه في لقائهم على هامش مؤتمر وزراء الداخلية العرب في المغرب، وسمعت منهم وعلى الأخص وزراء داخلية قطر والامارات والكويت الاستعداد للمساهمة في مساعدة لبنان على تجاوز محنة ملف السجون، وانا اتابع هذه الاتصالات مع فريق العمل في الوزارة بشكل يومي من أجل الوصول الى حلول عملية، واليوم هو أول غيث هذه الحلول. ولأن المسؤولية عن هذا الملف لا تقف عند حدود وزارة او مسؤول، اود ان الفت الى أمرين: الأول، شكلنا جمعية سميناها “جمعية تأهيل السجون” فيها عدد كبير من المسؤولين عن الملف سواء في القضاء أو في قوى الامن الداخلي او في الشخصيات العامة مثل غرفة التجارة وجمعية المصارف، ولكن عضويتهم تكون بصفتهم وليس بالاسم، بحيث اذا أتى وزير آخر أو تغير القاضي او تقاعد الضابط يبقى صاحب الصفة هو المعني.

وناقشت مسألة هذه الجمعية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعيتي المصارف وتجار بيروت وهيئات معنوية أخرى في طؤيقة ابتكار شراكة بين القطاعي العام والخاص من أجل تمويل بعض الحلول الحيوية المرحلية لهذا الملف، ولمست منهم كل التعاون والاستعداد الكريم لتحمل المسؤولية الوطنية في معالجة هذا الملف.

أما الأمر الثاني فهو التعاون مع رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس جان فهد لوضع خطة عمل محفزة من أجل الاسراع في عجلة المحاكمات وتفعيل عملية آلية عمل القضاء اللبناني لرفع عبء التوقيف عن السجون اللبنانية وضمان عدالة أفضل وأكثر فعالية. يقولون في السنة والنصف الأخيرة زادت وتيرة عمل القضاء 30 في المئة عن الفترة السابقة ولكن بصراحة من هذا المنبر سأقول إن هذه النسبة، وإذا كانوا القضاة معنيين بالعدل فيجب أن يكونوا معنيين بالعدل في الوقت المناسب وليس العدل المؤجل أو العدل الذي يستغرق سنوات، لأن في السجون 68 في المئة موقوفون من دون أحكام، لا يوجد في العالم وأيا تكن الأسباب والمبررات والملفات التي يلزمها درس يستطيع تحمل 68 في المئة في بلد لا يملك إمكانات مالية والحل كان المتعهد جورج صليبا وأشكره على تجاوبه والجهد الذي بذلته أنا مع مجلس الإنماء والإعمار وعلى طريقة الرئيس الحريري رحمه الله الذي كان يقول: “ما لا تستطيع الدولة تحمله نرى أشخاصا يستطيعون تحمله”.

ما أريد قوله: وضعنا الخطة الأمنية بالشراكة مع الجيش وبتجاوب تام من العماد جان قهوجي، وفي هذه المناسبة أوجه اليه التحية على كل التشاور والتواصل في كل مكان تصل إليه يد الدولة. ولكن العنوان الرئيسي في الخطة الأمنية الحقيقية التي تؤسس للدولة هو جبه الإرهاب. لا يغيب عن بال أحد ما يجري في الدول المجاورة وآخرها ما يجري في العراق وله طابع إرهابي، ومن يقول إن لبنان مستثنى ومحيد عليه مراجعة الجغرافيا والتاريخ، لا التاريخ ولا الجغرافيا يؤكدان تحييد لبنان، من دون عمل جدي سواء من الأجهزة الأمنية أو القضائية وقبل ذلك من الجهات السياسية المعنية.

أقول في هذا السجن، هناك قاعدة للارهاب وهي موجودة، مثلما وضعنا الخطة الأمنية وذهبنا إلى كل مكان في لبنان لجبه الإرهاب، إن شاء الله خلال فترة قصيرة سنجبه الإرهاب أيضا داخل السجن، لن نترك مكانا عنوانه الإرهاب إلا وسنمد يدنا عليه وهي يد الدولة ويد العدالة والمنطق وحماية المواطنين.

قوى الأمن الداخلي في هذا المجال والجيش غير مقصرين وهذا الأمر في أولويات تفكيرهم وقدرتهم، لأنه إذا كان هناك إرهاب، فالنظريات الأمنية تسقط ولا يعود لها قيمة. اليوم نخطو خطوة صغيرة على درب لا نريده أن يطول، ولن يطول بإذن الله، لتفكيك قنبلة السجون الموقوتة وتحرير أنفسنا قبل غيرنا من السجن الذي يضعنا فيه هذا الملف.