وزير الداخلية.. الصامت على ظلم ”ذوي القربى“

قالـوا عنه 14 أكتوبر 2015 0

من آخر مفارقات وليد جنبلاط التي عادة ما تطبع حراكه السياسي ومواقفه، أنه كان أول الداعين، لا بل الوحيد بين أبناء صفه، الى استقالة نهاد المشنوق أثر «انتفاضة 22 آب» في وسط بيروت، والتي شهدت، باعتراف أهل السلطة أنفسهم، إفراطاً استثنائياً في استخدام القوة.. وكان الوحيد أيضاً الذي عاد ومدّ يد التأييد السياسي لوزير الداخلية، في وقت غابت فيه أصوات “ذوي القربى” الداعمة لوزير الداخلية.

يوم الجمعة الفائت، تفقد المشنوق الأضرار الناجمة عن آخر جولات التظاهر والتي حولت بقعة المواجهة الى جانب مبنى “النهار” الى ما يشبه “ساحة حرب”. في جولته تسلح الرجل بالصمت، ليعود ويؤكد من الإمارات أنّ “الحق بالتظاهر مكرس بالدستور اللبناني وهو ليس مِنة من أحد، ولكنه لا يعني حق الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة”.

اكتفى المشنوق بهذا المنسوب المقنن من التعليق، لأنه يدرك جيداً أنّه يخوض تحدياً صعباً يحتاج الى ميزان ذهب يوازن فيه بين السماح بحرية التعبير وبين منع فلتان الوضع الأمني.

عملياً “رجل الداخلية” ليس هو المستهدف من “الفورة الشبابية” ولا يختزل بدوره أو موقعه التركيبة السلطوية “المرذولة” بكل أطيافها من جانب الحراك المدني، مع أنّ واجبه الحكومي يفرض عليه أن يكون في الواجهة، لا بل عليه أن يوفر حائط دعم للنظام ومؤسساته وللناس، وهو يعتبر نفسه غير مقصّر في ذلك، ولا حتى في محاسبة الأجهزة الأمنية التابعة له.

فقد يكون المشنوق من وزراء الداخلية القلائل الذين وقّعوا قرارات تنص على عقوبات بحق ضباط وعناصر من قوى الأمن الداخلي، وذلك على خلفية فضيحة “فيلم سجن رومية”. وبالأمس القريب، سلك ملف الإفراط في استخدام القوة خلال تظاهرة 22 آب طريقه الى القضاء أيضاً، وتضمن توصيات إن دلت على شيء إنما تدل على محاولة للمساواة في تطبيق القانون، بحسب المقربين من وزير الداخلية الذي لم يتوان عن توجيه إنذار علني لرئيس بلدية بيروت بلال حمد، مع أنه محسوب على فريقه السياسي، لالتزامه مبدأ “المحاسبة فوق الجميع”، من دون إغفال نتيجة التحقيق في قضية استشهاد إطفائيين من جهاز إطفاء بيروت، وما ترتب عليه من عقوبات بلغ بعضها حد الحبس والفصل.

ولأن المركب يضمّ كل المنظومة الحاكمة وغرقه لن يعفي أحداً، تراجع وليد جنبلاط عن حماسته لـ “الموجة الاعتراضية” بعدما كان من الداعمين لها ومن المصفقين لشعاراتها حتى لو طالته بشظاياها واتهاماتها حتى يثبت العكس. عاد “البيك” الى خطّ الدفاع عن “رفاق الدرب” المختلف معهم وأولئك المتوافق معهم، ليمسك بيد وزير الداخلية.. الذي بدا وحيداً في “معركته”.

لا يخفي جنبلاط في حلقته الضيقة انزعاجه من “الحراك” الذي تمكن من اختراق البيئة الدرزية، بدليل العدد الكبير من الناشطين المنضوين فيه والاعتصام الذي حصل في قلب الشوف قبل شهر ونيف، فضلاً عن تعمد رفع اسم جنبلاط وجعله موازياً للفساد في كل التحركات.

لقد كان من المنتظر أن يكون البيان الأخير الصادر عن رئيس “اللقاء الديموقراطي” مذيَّلاً بتوقيع سعد الحريري الذي يفترض به أن يكون أول الداعمين للوزير الممثل لكتلته في الحكومة. لكن الخطوة البديهية لم تسجل، كما حصل على أثر تسريب فيلم مساجين رومية حين أوفد نادر الحريري داعماً للمشنوق، بعدما أكد “الدعم الكامل للقرار الذي اتّخذه وزير الداخلية نهاد المشنوق والعمل الشجاع الذي قامت به القوى الأمنية”.

وقد اكتفى رئيس الحكومة السابق بتسجيل اعتراضه على الاتهام غير المباشر الذي وجهه المشنوق الى دولة قطر بالوقوف خلف الاعتصامات، ومناقضة وزيره لتبرئة “إمارة الغاز” من تهمة تعبئة الحراك المدني.. وعاد الى “صومعة صمته”، من دون إغفال حقيقة أن “الموقع السياسي” للحريري فرض عليه أن يدافع عن الدوحة، ولو تسنى لوزير الداخلية أن يواصل ما بدأه من “موقعه الرسمي” لكان أكمل وفي جعبته ما يعتبرها المقربون منه “وقائع دامغة”.

أما رئيس الحكومة تمام سلام فلا يذكر الا لماماً وجود وزير داخلية في قلب مواجهة صعبة قد لا يخرج الجميع منها سالمين، في حين كان ينتظر منه أن يكون أكثر احتضاناً للقوى الأمنية المولجة حماية السرايا الحكومية قبل غيرها من المؤسسات.

وفي حين تُبحّ أصوات نواب بيروت اعتراضاً على وردة قد ترمى في شوارع العاصمة أو بوجه أي من رموزها، بدا هؤلاء في حالة “كوما” إرادية دفعت بهم الى النزول عن المنابر والتحصّن بغيبوبتهم.

حتى “كتلة المستقبل” بدت خجولة في مقاربتها للمسألة، واكتفت بالإشارة الى أنّ “تقديم المطالبة بانتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية يعني انحيازاً لفريق سياسي، مما يفقد الحراك المدني حياديته”، من دون مدّ القوى الأمينة المولجة حماية الحراك، كما السلطة، بأي مقويات دعم.

وما يسري على “الفريق الأزرق” ينسحب على مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، مع العلم أنّ الأخير هو صديق لوزير الداخلية الذي كان من أبرز داعمي انتخابه مفتياً للجمهورية وتناول أكثر من مرة “شجاعته الفقهية”، غير أنه فضّل النأي بنفسه عن هذا الملف!

وحده “اتحاد جمعيات العائلات البيروتية” قرر الخروج عن المسار الضبابي لـ “المستقبل” ليؤكد “تمتع وزير الداخلية بثقة أهل بيروت واستمراره بالوزراة بتأييد منهم”. قبله بأيام قاربت بهية الحريري المسألة بقليل من الخفر باسم “اللقاء التشاوري الصيداوي” حيث أكدت أنّ “عنوان الاستقرار بالنسبة الينا هو القوى الأمنية، وهي تحاول ان تقوم بمهامها برغم الصعوبات التي تواجهها”.

لماذا كل هذا “الانكشاف”؟

قد تتعدد أوجه الإجابات، لكنها تصبّ في جوهر واحد. الوجه الأول هو الارتباك الذي ساد في الداخل اللبناني أثر قيام موجة الاعتراض الشعبي التي حاذر معظم الطبقة السياسية الوقوف في وجهها مخافة أن تجرفه معها. أما الوجه الثاني فهو الإحباط العام الذي يدفع بكثر الى الإنزواء بعيداً عن الشاشات الفاضحة.

أما الوجه الثالث والأكثر أهمية، فهي الحساسيات داخل “تيار المستقبل” ومحيطه السياسي، واستطراداً هو التنافس على موقع حكومي لا يزال حتى اللحظة رهن تسوية كبيرة قد لا تحصل في المدى المنظور.

فقد تردد بين أصحاب العلاقة الكلام الذي قاله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف على مسامع الرئيس سلام حين أشاد بأداء وزير الداخلية اللبناني، ويبدو أن هناك من صار يخشى من الحيثية التي نجح المشنوق في بنائها طوال فترة توليه “أم الحقائب” و “وزارة الوزارات” مسجلاً النقاط لمصلحته برغم صعوبات الملفات الأمنية وتعقيداتها.

وبالنتيجة، يبدو هناك، وتحديداً من أهل بيته، من انتظر وقوف نهاد المشنوق على حلبة التحدي الصعب كي يكون أول الجلادين ويساهم في إسقاطه بضربة قاضية. فهل سيُبقي الماء في فمه أم سيخرجه دفعة واحدة؟

 كلير شكر