وداع رسمي وشعبي لضحايا اعتداء اسطنبول.. والجرحى يتماثلون للشفاء

الأخبار 04 يناير 2017 0

عوضا عن أنْ يستقبلونهم بفرح وابتسامة للهدايا، التي قد يحملونها لهم من عاصمة الثياب التركية، استقبلوهم ملفوفين بالأعلام اللبنانية وبحرقة وغصة سترافقهم طوال العمر.

لم تكن عائلات الضحايا الثلاث الياس ورديني، ريتا الشامي وهيكل مسلم، تدرك أنّ رحلة اسطنبول ستكون الرحلة الأخيرة لأولادهم، الذين لم يرتكبوا أي خطيئة سوى أنّهم قرّروا الفرح، وقضاء ليلة رأس السنة في مدينة حلموا على مدى بضع سنوات بقضاء عطلتهم فيها على غرار الضحية إلياس ورديني، الذي تمنّى قضاء عطلة رأس السنة في تركيا مع أصدقائه وخطيبته ميليسا بارالاردو التي تعرضت للإصابة بجروح.

أما طالبة الإعلام البالغة من العمر 26 عاماً، لم تكن تدري انها ستتحول الى مادة تتناقلها مختلف الوسائل الاعلامية، رغم ان ريتا الشامي، التي عارض والدها سفرها كانت من حيث لا تدري تستشرف مصيرها، عندما قالت لأصدقائها قبل السفر: “شو بدو يصير؟ أكتر شي بلحق إمّي بانفجار!”.

حداد وطني عاشه لبنان أمس، خلال مراسم تشييع ضحايا الاعتداء الإرهابي في إسطنبول، حيث ودّعت بلدة البيرة الشوفية فقيدها هيكل حنا مسلم في مأتم رسمي وشعبي مهيب، مراسم الوداع نفسها كانت في الأشرفية خلال تشييع ورديني، أما ريتا الشامي فستوارى الثرى غدا الخميس في مسقط رأسها في بلدة جون الشوفية، بعد الصلاة لراحة نفسها عند الواحدة من بعد الظهر في مطرانية بيروت للروم الكاثوليك – طريق الشام.

استقبال المطار

الطائرة التي أقلّت الضحايا من تركيا إلى مطار رفيق الحريري الدولي، حطت بعيد الثامنة من مساء الاثنين في المطار، وكان في استقبالها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وزير البيئة طارق الخطيب، وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، النائب إميل رحمة، ومستشار الرئيس فادي فواز.

كما شارك في الاستقبال الأبوان جان بول أبو غزاله وكبريال تابت، بتكليف من رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، بناء لطلب من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي.

كذلك كلّف رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن عضوي اللجنة التنفيذية في المجلس المهندس ميشال متى والدكتور جورج حايك، بالمشاركة في الاستقبال.

وقد غصَّ صالون الشرف بالشخصيات الرسمية وأهالي الضحايا الذين حملوا صور أبنائهم، فتم فتح صالون آخر امتلأ أيضاً، ما استدعى فتح قاعة ثالثة.

وفور وقوف الطائرة في الموقف رقم 2 قبالة صالون الشرف، خرج الرئيس الحريري وكبار الشخصيات ليستقبلوا أهالي الشهداء والجرحى عند سلم الطائرة، ثم أخرجت نعوش الشهداء الثلاثة ملفوفة بالعلم اللبناني، ونقلتها 3 سيارات للصليب الأحمر اللبناني إلى مستشفى أوتيل ديو.

بعد ذلك صعد الحريري وباسيل إلى متن الطائرة حيث تفقدا كل جريح من الجرحى الخمسة، مطمئنين إلى أوضاعهم، ونقلهم إلى مستشفيات رزق والروم والجامعة الأميركية.

الحريري

وقبيل وصول الطائرة، كان الرئيس الحريري تحدث إلى الصحافيين فقال: “نحن كدولة علينا مسؤولية أمام هؤلاء الناس. أنا لا أريد أن أتحدث لأن الكلام هو لأهالي الضحايا والجرحى. نحن سنقف معهم ونكون إلى جانبهم في كل الخطوات، ونتابع مع الحكومة التركية، في ما خص هذا المجرم، الذي ارتكب هذه الجريمة الإرهابية”.

واعتبر أن “الإرهاب ليس له دين، وهو يستهدفنا جميعا، يستهدف الأناس الطيبين الذين يحبون الحياة، الذين يريدون أن يعيشوا، لذلك سنحاربه بأقوى ما لدينا، وهو وحدتنا الوطنية”، مضيفا: “رئيس الجهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ارادا ان أكون هنا، وأنا أعزي الشعب اللبناني. اليوم هو يوم الشهداء والضحايا والجرحى، وأتمنى على الجميع الصلاة من أجل الضحايا وأن نكون جميعا صفا واحدا”.

وبعد اجتماع عقده لإدارة خلية الأزمة في المطار، أكد الوزير المشنوق أن “الأمن ممسوك في لبنان وأن الأجهزة الأمنية تقوم بكل واجباتها، والدليل استتباب الأمن في ليلة رأس السنة”، منوها إلى أن “كلا قام بواجبه، من مسؤولين وموظفين ومتطوعين”.

وداع ورديني ومسلم

بمأتم رسمي وشعبي مهيب، ودعت الأشرفية ابنها الياس ورديني، وترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، صلاة الجناز عن روحه في كنيسة سيدة الدخول للروم الارثوذكس. وحضر الى ذوي الشهيد، وزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني ممثلا الرؤساء الثلاث.

بعد تلاوة الإنجيل، ألقى عوده عظة عدد فيها مزايا الراحل، قائلاً: “الياس كان يحب كما نحب، وكان أمينا في محبته ومضحيا لمن يحب، فنحن المسيحيين نؤمن بالقيامة، نفتقد الياس والدموع تجري، لكننا كلنا نتمنى أن نكون مع الله، خالصين من هذا العالم، ولكن خوفنا لأننا لا نؤمن. وهذا الذي نودعه اليوم إنسان عرف فضيلته وعرف المحبة والتضحية، فلا نخاف ولا نحزن”.

وفي الشوف، ودعت بلدة البيرة ابنها مسلم في مأتم رسمي وشعبي مهيب، في حضور ممثلين عن الرؤساء الثلاث، وترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر ممثلا البطريرك بشارة بطرس الراعي، الصلاة لراحة نفس مسلم في مزار كنيسة قلب يسوع في البيرة، عاونه فيها النائب العام لأبرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج ولفيف من الكهنة.

وألقى مطر كلمة رثاء تحدث فيها عن الفقيد وحبه للبنان: “نحن جميعا نريد أن نعيش حضارة الحياة بوجه حضارة الموت. حضارة الموت هي نقض للحضارة. حضارة الحياة وحدها تستأهل، أن تسمى حضارة. نجح في عمله نجاحا كبيرا واسس ناديا خاصا له وأحبه جميع الذين تعاطوا معه، فعمل مع أندية كثيرة في لبنان، بجدارة ومحبة وإخلاص، المأساة هنا وقعت وحصدت هذا الشاب مع رفاق له أعزاء، من لبنان والعالم. نصلي لأجلهم جميعا، كما نصلي لشفاء الجرحى”.

وفي بعبدا، وقف رئيس الجمهورية دقيقة صمت حدادا على ارواح اللبنانيين الثلاثة، وذلك خلال استقباله وفدا من الانتشار اللبناني زاره امس.

الجرحى يتماثلون للشفاء

عدد من الجرحى الذين توزّعوا على مستشفى الروم والجامعة الأميركية، يتماثلون للشفاء، بينما لا يزال الوضع الصحي لكل من ميليسا بارالاردو ونضال بشراوي وناصر بشارة دقيقا ويحتاج للمراقبة.

وتفقد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني الجرحى، وإستهل الجولة في “مستشفى القديس جاورجيوس” في الأشرفية حيث تعالج بارالاردو، واستكملها في “مستشفى الجامعة الأميركية” حيث يعالج كل من بشارة الأسمر ونضال بشراوي وناصر بشارة.

وجدد الوزير حاصباني التأكيد للجرحى أن “وزارة الصحة العامة ستتكفل توفير تكاليف العلاج، حتى ولو احتاجوا إلى عمليات جراحية في المستقبل، وأن “الهدف من الجولة هو الإطمئنان إلى صحة المرضى وأن الأمور تسير كما يرام”.

وشكر لإدارة المستشفى “اهتمامها بمتابعة حالة الجريحة ميليسا والتي أصبحت مستقرة”. وأضاف أنه أكد لها ولأهلها “أنه ووزارة الصحة إلى جانبهم لتخطي هذه المرحلة الصعبة”، متمنيا “الشفاء العاجل لكل المصابين”.

وعن الوضع النفسي لميليسا، لفت إلى أنها “خارجة من صدمة كبيرة، خصوصا أن الحادث الإجرامي المستنكر يترك من دون شك آثارا كبيرة على من كان ضحيته”.

وعن طريقة التعامل مع الجرحى اللبنانيين في اسطنبول، قال: “الدولة التركية والمسؤولون هناك قاموا بالعمل المفترض أن يقوموا به في هذه الحالات. وقد كان لبنان حريصا على نقل المرضى الممكن نقلهم في أسرع وقت ممكن كي يكونوا إلى جانب عائلاتهم ما ينعكس إيجابا على وضعهم النفسي، ولكي نتأكد بدورنا من سلامة الإستشفاء وحسن سير العمل”.

وعن الجريحة التي لا تزال في تركيا، أوضح أن “التواصل مستمر مع كل المعنيين من أجل البقاء على اطلاع على حالها، على أن تتكفل وزارة الصحة بعلاجها عندما يسمح وضعها الصحي بنقلها إلى لبنان”.

أما عن إمكان الطلب من اللبنانيين عدم التوجه إلى تركيا، فقال: “ليس هناك من مشروع تحذير للرعايا اللبنانيين من السفر أو عدم السفر إلى بلدان معينة، خصوصا أن الإرهاب ينتشر في بلدان عدة وفي كل مكان. ويبقى على المواطن التنبه لسفره إلى بلدان من الممكن تعرضها لأخطار أكثر من غيرها. نحن شعب يحب الحياة، وسنبقى نموذجا في الانفتاح والصمود والاستمرار الإيجابي رغم كل الأحداث المؤسفة والمؤلمة والمدانة”.

وفي “مستشفى الجامعة الأميركية”، طمأن وزير الصحة العامة الى أن “الحال الصحية للجرحى الثلاثة مستقرة ولا خطر على حياتهم وسيغادرون المستشفى تباعا”، لافتا إلى أن “وزارة الصحة العامة ستتكفل توفير كل تكاليف العلاج، حتى لو احتاجوا إلى عمليات جراحية في المستقبل”.