وداعاً 14 آذار

مقالات 27 يوليو 2005 0

وددت ان اكتب عن هند الحريري متخرجة في الجامعة اللبنانية الاميركية بعد اشهر على اغتيال والدها. وكذلك الصديقة الشيخة حصّة الصباح حائزة الدكتوراه الفخرية من الجامعة نفسها. ألم اصبح متخصصاً في القيم المعنوية للدكتوراه الفخرية؟ على كل حال الشيخة حصة تحمل في شخصيتها قيماً ومفاهيم قلّ لامرأة عربية ان حملت مثلها من قبل.
ووددت ان اكتب عن شهادة التقدير التي منحتها الجامعة للسيدة نازك الحريري. شعرت بغليان في داخلي، لم اكن لاعبر عنه الا بالكتابة حين قرأت عن رفيق ايمن الحريري الطفل الاول للعائلة بعد فجيعة الاغتيال.
اضيفت الى العائلة فرحتين جديدتين. الاولى اكاديمية اي هند، والثانية طفل وليد حمل اسماً غالياً على اللبنانيين وعليّ انا اولاً.
لكنني لم افعل في حينها، ليس لنقص في المحبة او لعتب في نفسي.
ابداً. كل ما في الامر ان اربعة من اصدقائي جاؤوني كل على حدة يطلبون مني التوقف عن الكتابة عن آل الحريري اسياداً واصدقاء ومساعدين.
ناقشتهم في الامر. قلت ان اقل الصدق عندي هو الكتابة عن الشهيد رفيق الحريري ليس بسبب السنوات التي امضيتها معه، بل اعترافاً مني بأن نظرتي اليه والى مفاهيمه والى وطنيته لم تغب.
لم يقتنعوا. قالوا ان كلامي سبب حواراً واسعاً داخل الحلقات المحيطة بقريطم. وان هذا الحوار يؤدي، في احسن احواله الى التساؤل، وفي أسوئها الى سوء الظن من الهدف من كتابتي. ولمن ابعث بالرسائل؟
تريثت قليلاً. قلت لهم كيف لا اكتب عن الصغار الذين كبروا امام عيني في باريس وفي بيروت؟
وكيف لا اكتب عن الكبار الذين نضجوا امامي؟ كل واحد منهم يفتش عن اجابات عن اسئلة كما يحدث مع كل ناضج حديثاً، يزداد النضج وتزداد معه الاسئلة؟
كيف لا اكتب عن سعد صديقاً وليس زعيماً؟
وعن بهاء خبيراً وليس مقاولاً؟
كيف لا اتذكر حنو العاطفة، السيدة نازك على عائلتي وانا في منفاي في باريس. زيارات لهم، واهتمام بعلمهم وبأعيادهم وبطمأنتهم من القلق، ولو لم يصبهم منه الا القليل؟
وجومانا، الصامتة العبوسة لمن لا يعرفها. تُفرح ضحكتها الجميع في المناسبات التي غابت. تحمل مع السيدة والدتها الهم والخير ايضاً. وتركض وراء نازك الصغيرة تناديها فلا تعرف اذا كانت المناداة لوالدتها او لابنتها.
كيف لا اذكر كلمة السيدة بهية يوم 14 آذار تنادي شقيقها بشهيد الفقراء وتضع مداميك كادت ان تُغيّب للثوابت السياسية لشقيقها؟
وكيف لا اتذكر “دغويش” وعدنان ومحمد وخليل وصافي “رفاق الصوت” وغيرهم من الساهرين على الابواب يستقبلونك ويودعونك كل يوم لسنوات وسنوات.
وسام الحسن، ابو طارق رحمه الله، عبد العرب الذي تحوّل الى الوزن الهندوسي. هراتش الباريسي الذي كلما تعرفت اليه اكثر اكتشفت فيه مزايا لا تعرفها من قبل، ومعرفة تغيب عنك وسط المشاغل، ودقة ارمنية طبعاً.
آرا شقيقه ومندوبه في بيروت تقني البروتوكول.
“جدّو” محمود كوكش كبير المراقبين الذي لا يتسع القصر الكبير لما في قلبه من محبة. وان غابت، لاسباب تقنية، تأتيك الحكمة من “اقليميا” وهي تسميته لسوريا بلده الاصلي. تأتي الحكمة لتحجز التهوّر سواء اكان مني او من الفضل شلق، على اساس ان دولة نائب رئيس مجلس النواب الشيخ فريد مكاري صديقه الثالث له قدر يحميه.
معالي العلامة الدكتور بهيج طبارة. يتمهل في الكلام. تصبر عليه. تكتشف ان في تمهله مسؤولية الكلمة التي يقولها حتى لصديق. فكيف اذا كان السؤال في القانون وهو العلامة.

الذاكرة
اين اذهب بكل هذه الذاكرة؟ امحوها؟ كيف تمحو من ذاكرتك ربع عمرك؟
كلما سميت احداً انسى آخر واشعر بالتقصير.
قال لي اصدقائي: هم لا يرون الامور بالعين التي تفعل فلماذا تصر ولا تتراجع؟
لا يهم هذه ذاكرة ربع العمر، اعطوني وقتاً لاخرج منها. منذ متى كان يهمني تقديرهم؟
السياسة تدور حول الاسم نفسه، والبيت نفسه، الجديد هو الضريح، وهو يؤثر فيك اكثر ويدفعك الى التمسك بالذاكرة كتابة والتزاماً.
الذاكرة هنا ليست استعادة بل استكشاف (ادونيس).
لا رسائل ولا من يحزنون. قلة منهم تقرأ وبالتالي لا خوف عليهم من التأثر. ومن قرأ منهم يفضل التجاهل. وانا موافق. لم افكّر للحظة انني اخاطب احداً منهم. هم يعملون في الشأن العام. وانا من اهل الرأي كتابة بعد اعتزال القول.
لا ادين لهم بشيء الا حسن العشرة، وهذا اصبح من الماضي. ولا يدينون لي بشيء الا بما لا اود مناقشته وهم مسامحون دنيا وآخرة.
هناك ثوابت، والحديث لاصدقائي الاربعة لا اتخلى عنها.
الاولى انني لا اتخلى عن الود الذي عرفته مع سعد الحريري.
الثانية الاحترام للسيدة نازك.
الثالثة التقدير للسيدة بهية ولدورها في المجال العام.
هذا هو تحديدي تماماً وحدودي ايضاً مع الثلاثة الكبار مهما ابتعدت، او بعدوا هم عني.
لن أغيّر هذه الحدود
الضريح هو النقطة الاقرب الى تفكيري وعاطفتي. هل أنسى الدمعة التي فرّت من عينه يوم 8 كانون الاول، بعد ايام من لقائه الرئيس الاسد وضباطه الثلاثة؟

الموعد الهارب
اسلوب تفكير وايمان صادق. اعتدال الى حدّ التضحية. هدوء العارف والمتفهم للآخرين ولطباعهم وخاصة اذا اختلفت عن طباعه.
فليأخذوا المقاعد والمناصب والاسم وغيرها من الارقام، وليتركوا لي الاحلام.
هل هذا كثير؟ هذا ليس مجالا للمنافسة او للارباح. هم لا يحتاجون الى احلام. لديهم كل الحقائق ليتمتعوا بها.
لم أخبر اصدقائي ولا غيرهم ان سعد أخطا في حق نفسه في حديث عني مع صديق مشترك.
ولم أخبرهم ايضا ان الاخ الاكبر بهاء كان اكثر لياقة في حديثه عني لصديق آخر مشترك في عشاء لندني. “من ساواك بنفسه ما ظلمك”.
لم افعل لانني لا اريد ان اتأثر وكتبت ما كتبته وقلت ما قلته على التلفزيونات وداً ومحبة دون ان تخطر في بالي هذه الصغائر. ولن افعل.
اترك لهم الخطأ واحتفظ لنفسي بتجاهله. ابارك لهم بالصغائر واترك لنفسي حق الود في كل الاوقات.
تجاهل المؤمن بما يفعل. وقوة القادر على الوفاء. والمعلن جهارة عن افكاره وحواراته مسميا الاشياء بأسمائها والاشخاص بحقائقهم.
من يتجرأ على هذا ايها الاصدقاء الاربعة؟ ودماء الشهداء على الطرقات واحدا تلو آخر؟
علاقاتي كلها علانية. واجتماعاتي كذلك. واحترامي لنفسي وللآخرين يجعل الخطأ صعبا ان لم اقل مستحيلا.
لم يأت رئيس الجمهورية على ذكر الرئيس رفيق الحريري بكلمة سوء في لقاءاتي المتعددة معه. ولم يذكر العميد رستم غزالي اسم الرئيس الحريري معي. الا في معرض تناول المسائل العامة وطرق معالجتها.
دعوته الى الغداء في منزلي توددا لاحترامه حريتي في القول وحديثه في الاعتذار لاولادي عن الظلم الذي لحق بي. ولو زار بيروت مرة اخرى لدعوته ايضا الى العشاء هذه المرة. لمن لا يعلم بعد حديث طويل ومعمق عن العراق وسوريا ولبنان بيني وبين العميد غزالي امسك الرجل بالهاتف محدثا ابو سليم مدير مكتب الرئيس بشار الاسد طالبا موعدا لي في اليوم نفسه.
فوجئت. اعتذرت اولا لانني لا ارتدي الثياب الملائمة لمقابلة الرئيس. الثاني لانني تعبت وقدرتي على التركيز لا تسمح بحديث من هذا النوع مع الرئيس الاسد. النتيجة؟
نجحت في العودة الى البيت هاربا من الموعد الذي تأجل الى اليوم التالي. لم اتهرب لاسباب سياسية ولا حتى شخصية، اذ ان الوجاهة السياسية تكتمل بلقاء من هذا النوع. لكنني لم افعل لانني اعرف حدودي ولا اريد ان اتجاوزها لا حجما ولا تقديرا. كما انني لست شجاعا الى درجة القول للرئيس الاسد ما لا يريد غيري قوله. اكتافي لا تتحمل عبء الرؤساء فكيف برئيس سوريا؟ جاء وفد من الكونغرس الاميركي في اليوم التالي، ولا ازال انتظر الموعد حتى اليوم!!
كلاهما يعلم انني لم اكن على صلة عمل بالرئيس الشهيد. حتى ولا علاقات سياسية تبرر لقاءات متقاربة. لكنهما احترما مشكورين طبيعة الحوار وشخصية المحاور.
هذه هي الدائرة التي تثير الجميع. وانا لم انقطع عنها. بل هي انقطعت عني بسبب كتاباتي ومقابلاتي.
كان الضريح هو الحد الفاصل، قولا وفعلا وممارسة. الحق يأتي منه وليس لأحد حق الجرأة عليه.
هذا ليس تبريرا، بل هو اعتراف مني بأنني حددت خياراتي ولم يعد في الدنيا ما يلزمني بتغييرها.
اما غير ذلك فاوهام انصح لاصحابها بعدم الاكثار منها. لان لا هدف يصيبونه الا انفسهم. العلة ليست في كتبة التقارير بل في القراء ايضا.
هم يكررون مفاهيم الامن السوري “ع.ع.” عميل أو عدو، على حد قول السفير جوني عبدو.
انا عند السوريين ذاكرة عميل اسرائيلي. يعلنون بهذه التهمة الحرب على الرئيس الشهيد منذ عام 1998 حتى الضريح بشباط 2005.
وعند ربع عمري؟؟ ذهب قاضي القضاة، واختفى كرسي الحق من المجلس.
فلمن احتكم؟
لا يهم. اذاكان هذا يأخذهم الى الراحة، فليذهبوا لن يمكثوا هناك طويلا. هذه الانواع من الراحة لا تعمر. حلوها قليل ومرها اصعب.
انا لم اتعلم في أي من مدارس الغدر. ولا عشرة الرئيس الحريري تشجع على ذلك. بل بالعكس تعلم الشهامة والوفاء. الا اذا سكن الغدر في غيابي في احد سراديب القصر.
أكثر من يعلم ان لا احد يتجرأ عليّ كلاما أو فعلا، هو سعد. وأعلم من يعرف بحدتي في الاجابة عند الضرورة، هو ايضا سعد. فكيف يقبل على عقله ما اسمعه عنه؟ لا اعرف ما اذا كان ما أراه حلما اريد السعي اليه جمالا وذاكرة. أو كابوسا اجتهد للصحو من نومي للتخلص منه.
هناك مساحة متماهية بين الاثنين أقف عليها منذ اشهر. وهي لم تعد تتسع لي. البعض يسميها صراعا في الشخصية. وأنا وأصدقائي نشكو من الشخصية في وليس من الصراع داخلها.
لم أتعود التماهي في موقف. فكيف بين الحلم والكابوس؟ الخط المستقيم مباشرة يضع الحدود ويحفظ الحقوق ويجعل التماهي ماضيا.
أعرف انني أكتب عنها وكأن كل ما فيها عاطفة. لا صبر. لا فصل بين الخاص والعام. لا تعقل. وقائع. خلافات. لا مواقع. لا احجام. ولكن اليس كل ما ذكرت جزءا من الحياة؟
نمت في غرفتي في بيته في دمشق لسنوات. وفي غرفتي الاكبر في بيت جدة تتجول حولها الغزلان. وفي الرياض حيث القصر المنيف. أتعرف الى جزء جديد منه في كل زيارة.
هل تريدونني أن أتجاهل هذا؟
سائق تاكسي في واشنطن من أصول سودانية، فتح الحديث مع عائلتي ومعي سائلا عن هويتنا. لم نكد نلفظ كلمة لبنانيين حتى ترحم على الرئيس الشهيد: “خسرتم قائدا عظيما للبنان والشرق الاوسط . أعزيكم من كل قلبي. سوف يمر وقت طويل قبل ان تعوضوا مثل هذه الخسارة. ساعدكم الله”. الكلام للسائق.
سائق التاكسي في واشنطن يتذكر ولا يريد ان ينسى. وتطلبون الي ايها الاصدقاء ان أتوقف عن الكتابة؟
انا واحد من المؤتمنين.
هم خسروه مرة. انا وحدي خسرته مرتين. في حياته بفضل الامن السوري، وفي اغتياله بسبب جماعة “الأمن فوق كل اعتبار”.

الاحتكام علنا
في سراديب قريطم حديث عن الدكتور بهجت سليمان. أنا لا أعرف صورة له، ولم أقابله في حياتي ولو مصادفة. كل ما أعرف عنه انه أحد المنظرين منذ عام 1995 لمجيء الدكتور بشار الى السلطة. وكان يكتب مقالات في “الديار” تشرح ضرورة حصول هذا الامر. وفتح ديوانية لتشريح سياسة الرئيس الحريري.
لم أزر دمشق منذ ست سنوات غير ثلاث مرات ولأسباب “فنية”، وهي ليست كافية لعلاقة “استراتيجية” مع المفكر سليمان، وبخاصة بعد اقالته من المخابرات في حملة المناقلات الاخيرة.
أما الوزارة التي تحدث عنها في تلفزيون “المستقبل” الوزير السابق محسن دلول بأنها عرضت علي بعد توبتي من التجسس لاسرائيل، أو طلبتها أنا. لا أتذكر. المهم انني لسوء الحظ لم أطلبها ولم تعرض علي، لأن هذا المنصب بالذات يحتاج الى مواهب لا أملكها، ويعرفها الوزير السابق دلول جيدا.
سوف أطالبه بالوزارة او بالمواهب على الاقل في المرة الاولى التي أقابله فيها. هذا كلام لجدران أربعة. أعلم ذلك. لكنني تعلمت من الظلم الاول مع الامن السوري ان الساكت عن الحق شيطان اخرس، فكيف اذا كنت ساكتا عن ظلم وقع بي؟ تركت الشياطين لغيري.
أريد الاحتكام علنا والى العامة. لمن يعنيه الامر ولمن يرفض الظلم والافتراء من أي جهة أتى.
كتبت لسعد الحريري في مقال “المحروسة” المنشور في “النهار” انه وقع في فخ الاكثرية وحصار وحدانية التمثيل السني.
أين هو الآن من الفخ او من الحصار؟
كلاهما شرّ. الاول اوصافه منه وفيه، والثاني يلزمه أكثر مما يلزم الآخرين. كتبت له عن سحرة السياسة اللبنانية. فماذا بهم يؤلفون سيركا للعمل على شد انتباهه وقراره؟
هل هذا تملق أيها الاصدقاء الاربعة؟

سعد والأكثرية
أما وان الانتخابات النيابية بشعاراتها ووقاحتها وجرائمها انتهت. لا بد من التذكير بأنه ليس كل من اختلف مع سياسة والده هو عدو. ولا كل من نافق لسعد صديقا له. هذه قاعدة اساسية للمقبل حديثا على السياسة. حتى لو ظهر انه حقق في أشهر تقدما ملحوظا. اسأل وليد بيك؟ عنده الجواب اليقين.
لبنان لا يحكم بالأكثرية. هذا زمن مضى وانتهى. ولبنان لا يحكم بالعدد. ألغيت الحاسبات من الدستور ومن القرار السياسي.
ألا يلزم النظام الاكثري الاخذ جديا برأي الاقلية واقتراحاتها وإلا فقد ديموقراطيته وتسبب في حالة اختناق وطنية؟
لو عدنا الى العدد في لبنان، لما كانت هناك ضرورة لاتفاق الطائف ولا لمفاعيله التي لم تنفذ.
إن واضعي صيغة الطائف من لبنانيين وعرب وأجانب، ومنهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، علموا بخصوصية لبنان وأخذوا بها على أنها قاعدة السلم الاهلي والتضامن الوطني.
لذلك جعلوا المناصفة قاعدة للادارة التشريعية والادارة التنفيذية، وكذلك في مناصب الفئة الاولى في ادارات الدولة.
لم يكن هذا قرارا عبثيا، او لانهاء الحرب كما يدّعي البعض من المسيئين الى تنفيذ اتفاق الطائف. بل هو مسألة تأسيسية يبنى عليها لتنظيم العلاقات بين المؤسسات الدستورية.
روى لي الرئيس الحريري عن مناقشات الطائف حول الزامية حضور رئيس مجلس النواب مشاورات رئيس الجمهورية مع النواب لتسمية رئيس الحكومة.
روى أن أحدهم قال: “لا يبنى على كذب الرئيس امين الجميل نص دستوري”. الا أن التصويت جاء لمصلحة النص.
هل نعود الى الحساب وآلياته، أم نتمسك بروح النص؟
مع الرئيس اميل لحود ستستمر الحرب على الطائف بما هو نص بناء دولة تحكم وليس سلطة تتحكم. هو باني الجيش ومحرر الجنوب من جديد. ماذا نفعل؟
لا بد من الاعتراف أولا بأن الرئيس لحود كسب نقطة كبيرة في وضعه السيــــاسي ولو عن غير رغبة منه.
الياس المر نجل ميشال المر صهر رئيس الجمهورية وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء وقبل ذلك كله نجل “القبضاي” ميشال المر، يتعرض لمحاولة اغتيال في منطقة الرابية حيث مكتبه الموقت ومنزله قادماً من حالات حيث يُمضي الصيف هناك أو بعضه. أنقذته أيقونات والدته السيدة سيلفي وزياراتها لكنائس العجائب، وشجاعته الهادئة في الخروج من السيارة المحطمة والذهاب الى المستشفى، رغم معلومات وزير الداخلية “الدقيقة” عن مواكبه الثلاثة. وكلها غير صحيحة على الاطلاق.
سقطت سلة الاتهامات لرئيس الجمهورية ونظامه الأمني اللبناني – السوري تحت سيارة الوزير المر المحطمة.
دخل عليه الرئيس المكلف فؤاد السنيورة يومها في الوقت غير المناسب، وفي يده تشكيلة غير مناسبة من 30 وزيراً هي الثانيـــــة منذ تكليفه.
الأولى ضمت 24 وزيراً مستثنية كتلة العماد عون منها. بالطبع لم يكن رفض الرئيس لحود مفاجأة لاحد، إلا للسنيورة الذي مارس جهداً ديبلوماسياً ولياقات الى أبعد الحدود بينه وبين العماد عون، وكذلك سعد الحريري. وردّ عون زيارة سعد الحريري الى منزله في الرابية بزيارة منزل آل الحريري في قريطم. الثلاثي الديبلوماسي الاميركي – الفرنسي – السعودي يتحرك في كل الاتجاهات.
يسعى لتنظيم الصراع ولادخاله الى اطار الشرعية.

الدور السعودي
أخيراً عادت السعودية الى دورها وفاعليتها بما هي قوة اعتدال ومصالحة.
عوّض السفير عبد العزيز الخوجة الغياب الطويل للدور السعودي في لبنان. وهو دور متميّز لبلده لا تستطيع غير السعودية القيام به. ليس لانها مقبولة من كل اللبنانيين دوراً وفعلاً وأصبحت مع السفير الخوجة اكثر انتشاراً، بل لان الدور السعودي بشقيه العربي والدولي متهم “بالتآمر” وهو التعبير الشائع عن كل الأدوار في لبنان.
جاء السفير الخوجة في الوقت المناسب والمضمون المناسب أيضاً. يتحدث بالتركية مع رئيس وزراء تركيا أردوغان، وبالروسية مع الرئيس بوتين، وبالانكليزية مع الثنائي الفرنسي – الاميركي الملازم لحركته ليس تبرّكاً كونه شريفاً من اشراف مكة على الطريقة العربية، بل تشاور.
أما مع اللبنانيين فلغته هي الحجازية! السلسة مثل أهلها، والصادقة الأمينة مثل المدينة المنورة ومكة المكرمة. أعطانا الله من بركتهما.
لم تنفع مبادرة السنيورة، ذهب وعاد بحكومة ثلاثينية فيها 6 وزراء لتحالفاته وأربعة وزراء للعماد عون، اثنان منهم يحملان حقيبة العدل والبيئة، واثنان آخران دون حقائب.
لم يقبل العماد عون ولم يقبل معه أحد ان يحرم ايلي سكاف الزعيم الكاثوليكي حقيبة وزارية لاسباب عائلية لا تخصّه ولا تهم أحداً من اللبنانيين.
تحدث السنيورة عن وزارة من خارج المجلس، فناداه وليد جنبلاط من المختارة بالرفض القاطع.
عاد الى الصيغة الأولى مع وزير لرئيس الجمهورية فاذا بالرئيس يرفض ويقول عودوا لعون هو يمثل المسيحيين.
السؤال هنا ليس عدداً بل رياضي. هل كان الرئيس المكلف يملك خريطة لمواقع الخصام مثل التي يحملها مدرب فريق الفوتبول حين يوزع لاعبيه؟
وهل تم تعديل الخريطة بعد كل جولة من المباراة؟
أشكّ في ذلك.
مكامن الخصام معروفة. الخارجية للشيعة دون حقّ النقاش. حتى ان السيد حسن نصرالله قال للرئيس المكلف “أنت أخي ولكن لا تنازل عن الخارجية حتى لك وحتى لو كان وزير الدولة جهاد مرتضى”.
استعمل الشيعة حق الفيتو على الخارجية كما فعلوا في الأمن العام مع الرئيس نجيب ميقاتي قبل السنيورة.
المكمن الثاني العماد ميشال عون يمثل المسيحيين حتى في المناطق التي سقطت فيها لوائحه وسقط وحلفاؤه مثل الشمال. فهو يعتدّ ان 350 ألف صوت حُسبوا لمصلحته، مما يعني 70 في المئة من الناخبين المسيحيين والبقية لسائر القوى. وليد بيك قرّر عزله وفعل.
وهو لم يغضب. مستقبل المعارضة أضمن وأقوى من حاضر الحكم. فليستمتعوا بما لديهم، ولينتظروا ما لدى غيرهم.
التحالف مع “القوات اللبنانية” بعد خروج الدكتور سمير جعجع أسهل بكثير من التحالف في سجنه. انتظروا وستروا.
المكمن الثالث ان رئيس الجمهورية لا يريد لفؤاد السنيورة ان يشكل الحكومة الا بشروطه. الثلث المعطل وإلا لا تأليف.
الجواب نريد الثلثين وإلا أزمة وطنية. وليد بك يتفرّج من المختارة يهزأ من الادارة السياسية لمشروع الحكومة. يستند الى طاولته ليلاً، ينتظر رسالة من الوالي.
دمشق ليست اسطنبول وحاكمها ليس سلطاناً.
أعطاهم نبيه بري رئيساً للمجلس.
وضع قبعة “حزب الله” على رأسه.
استنكر تدخل السفراء.
سكت عن العماد لحود رئيساً للجمهورية لبقية ولايته.
يعتبر العماد عون اللغم الأساسي في الحياة السياسية اللبنانية.
تستيقظ قوميته العربية فيسأل: هل سحبت واشنطن من مخططاتها ان لبنان نقطة عبور الى سوريا؟ يأتيه الجواب: لبنان فقد مقوّمات هذا الدور. يرتاح وليد بيك.
يحمل أكثر من عتب على البطريرك صفير شريكه في مصالحة الجبل.
لكن الرسالة لم تأت. وسيمضي الشتاء بعد الصيف في المختارة.

الأمان الشيعي
سلم السنيورة بالفيتو الشيعي وعضّ على جرح رفضهم له وزيراً للخارجية وإصرارهم على تسمية الشيعي الخامس. وهو مقعد كان دائماً من حق الرئيس الحريري رحمه الله، وبتعداد كتلة أقل بكثير من الكتلة الحالية.
ماذا نفعل بالقلق الذي أصاب القيادة الشيعية هذه الايام.
بعد خروج الجيش السوري من لبنان أصبحوا لا يأتمنون الا انفسهم.
لا قريب ولا حليف ولا صديق يعوّض عدم الأمان السياسي الذي يعيشونه.
لم يساعدهم التقدير السياسي لسعد الحريري. اتصل يوم وصول وزيرة الخارجية الاميركية بالسيد حسن نصرالله يطلب ذكر القرار 1559 في البيان الوزاري، وان من باب الاعتراض عليه. اعتبر السيد نصرالله هذا الطلب خرقا للاتفاق بين الطرفين. تراجع سعد وتولت لجنة صياغة البيان الوزاري تدبيج النص. لبنان يعترف بالشرعية الدولية وقراراتها.
واضاف السنيورة في التشكيلة الاخيرة وزيرين بدل واحد الى حصة رئيس الجمهورية. امسك رئيس الجمهورية بورقة السبعين في المئة من المسيحيين المقترعين للعماد عون وسانده البطريرك صفير.
دخل السنيورة في المجهول. فهو لا يعتذر. لكن حسه الاقتصادي يتغلب على ما عداه، وهو اكثر العارفين بحجم الازمة الاقتصادية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فما العمل؟
عود الى بدء. 14 آذار ليست اول التاريخ للبنان السياسي، وليست آخره. هي حالة من الفرح الصادق للشعب اللبناني بحريته في التعبير عن رأيه. وقد حققت هذه الحرية الكثير، والمهم خروج الجيش السوري من لبنان. صدور قانون العفو عن الدكتور سمير جعجع ليس هامشيا في الحياة السياسية. وعودة العماد ميشال عون بعد 16 عاما في المنفى ليس خبرا عاديا. الا ان هذا كله ترجم بواسطة قانون انتخابات هجين خرج منه مجلس عجائب غرائب، وحكومة تقليدية ثلثها المعطل موجود بعد تدخل الثلاثي الديبلوماسي. الغامها منها وفيها. لا تحتاج الى كثير من الوقت حتى تكتشف انها معطلة. هذا ليس ذنب فؤاد السنيورة. قدر السنّة في هذه المرحلة ان يقودوا التضحيات. حين جرى تشريح خريطة لبنان السياسية على طاولة مجلس الامن اتخذوا قرارا بتسليم السنّة مسؤولية هذه المرحلة من تاريخ الوطن.
عددهم مناسب. مشاكلهم قليلة. منفتحون على الجميع. انتشارهم مناسب. رصيدهم رصيد رفيق الحريري الغائب.
القرار 1559 يسلب الشيعة هذا الدور موقتا. المسيحيون متخصصون بالتحالف.
غير ان لكل هذه المفاهيم اثمانا. من يدفعها؟ السنّة طبعا. يرفعون باب دارهم فتدخل الجمال تخرّب ما تصل اليه. هل نمضي يومنا كله نناشد السعودية ومصر وسوريا ايضا؟ طمأننا رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري الى ان نزع سلاح “حزب الله” يعرض الامن القومي لسوريا للخطر.
اولا: مواجهة “الموساد” الاسرائيلي على حد قوله لا تحتاج الى سلاح “حزب الله”. ثانيا: من اخبره ان الدعم السوري لسلاح الحزب يزيده ذخيرة عند اللبنانيين. ثالثا: سلاح “حزب الله” حرر الجنوب اللبناني والاجماع عليه كاف لحمايته. حتى الاجماع يريد ان يأخذه منا العطري؟
الصورة السابقة واللاحقة ليست مستقبل لبنان. لا مجلس نوابه هو المجلس، ولا حكومته هي الحكومة. ولا رئيس جمهوريتنا هو الرئيس المنتظر.
لا نزال، في طور النقاهة. خرجنا من غرفة العمليات الى غرفة العناية المركزة. نحتاج الى سنتين من هذه العناية. و14 اذار سيختلط بوقائع جديدة وينتج عنها تاريخ جديد.
بعدها سيتغير الجميع. قانون انتخابات جديد. مجلس جديد. حكومة جديدة. رئيس جمهورية جديد طبعا. وكله بالرضا السوري.
البعض يقول قبل ذلك، والعلم عند الله، علينا بالصبر. نكرر 14 آذار حين نيأس. اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السوري يقول على الحدود السورية – الاردنية، “نحن اصحاب حق وارضنا محتلة. لكن لم يحن الوقت لسياسة قلب الطاولات”. كلام يبشر بالعقل وسط سياسة الشاحنات المتوقفة على الحدود اللبنانية – السورية. لبنان قام بدوره لدعم تحرير الارض السورية تفاوضا، ولن يرتاح راغبا الا بتحرير هذه الارض. هذا حق واقعي لسوريا علينا مهما توقفت الشاحنات.
من هنا حفل التكريم الذي شهدته ساحة رياض الصلح للجيش السوري. صحيح انه حفل وداعي ولكن لا بد من اخذه في الاعتبار. هكذا فعل وليد جنبلاط. وهكذا تحالفات العماد اميل لحود. والباقي يحتفظ بالاكثرية ويطالب بما يماثلها عددا في مجلس الوزراء.
الرئيس نجيب ميقاتي يقول في احدى مقابلاته: خرج الجيش السوري ودخل النفوذ السوري. هو على حق. او على بينة؟؟ لكل حال طبيعة ولكل طبيعة علاج. “الدكتور” ميقاتي يملك عصا سحرية يسميها الوسطية والله أعلم. مرة اخرى اخرجوا من العدد الى لبنان الذي نعرفه جميعا.
حسن الادارة السياسية هي الحل، لا تعداد ممثليها. لن يحظى احد بأكثرية الثلثين ما دام العماد لحود في قصر بعبدا. وهكذا حصل عند التأليف. ودّع لحود والسنيورة 14 آذار. ولا مرة كانت مصلحة الوطن مستبعدة عن مفهوم الحكومة العتيدة مفاوضة وتشكيلا.
لن يأتي بعد السنيورة مثيلا له ولو جرى عد المواطنين جميعا على انهم مع هذه الاكثرية. سيشتد العصب السني لسعد الحريري لكنه لن يجد هدفا لاستعماله. اعرف ان ما اقوله ليس تقليديا، لكنه الحقيقة.
دماثة خلق الرئيس السنيورة تحرج العماد لحود لكنها لن تخرجه عن المقرر كما تلاميذ الجامعات. اصدقاء دمشق من الوزراء السابقين يقولون ان لدى القيادة السورية روزنامة مختلفة لا تدخل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية في بنودها. استمرار التمديد لرئيس الجمهورية هو سيد الساحة الان ومصدر المعلومات وقاعدة القرار.
صدّق او لا تصدق.
عطاءات سوريا على الساحة العراقية وعلى ساحة الارهاب وعلى ساحة السلطة الوطنية الفلسطينية زرع لا بد ان يثمر اميركيا. المهم من يستطيع الانتظار نحن ام هم؟

“كوندي” في بيروت
نزلت علينا في بيروت وزيرة الخارجية الاميركية دون سابق انذار، بعد تل ابيب.
نحن معتادون على وصف المسؤول السياسي انه رجل دولة، هذه السيدة فعلا سيدة دولة قولا وشكلا وثقة ضاحكة بالنفس.
اختصارا للوقت جملة واحدة تختصر زيارتها. لا مساعدات اميركية دون الشروع في تنفيذ القرار 1559. تريد جوابا تحمله الى حليفها الاسرائيلي. اوروبا تهتم بكم الآن موقتا وبمساعدات محدودة. ندخل على الموضوع بعد تنفيذ القرار 1559. اوروبا للتشجيع ونحن للتنفيذ. وزميلها اللبناني فوزي صلوخ لم يقرأ الكتاب بعد. كل ما يعرفه هو ما قرأه في الصحف سابقا.

ما العمل؟
رئيس الوزراء المرشحة طائفته لادارة السياسة اللبنانية في الاشهر المقبلة، لا يستطيع ان يستعمل معها لغته القرآنية. بدأ بعد الخسائر. بكّرت عليه السيدة كوندوليزا رايس.
تريد المساهمة في صياغة البيان الوزاري. لدولتها حصة فيه لا تتنازل عنها.
اعتقد انها تكلمت اكثر مما استمعت. الفارق الوحيد ان حديثها الآن هادئ وهي المعروفة بحدتها عند اللزوم.
تستطيع العودة الى زيارة الوزير كولن باول، واذا ارادت الى الوزيرة الاسبق مادلين اولبرايت التي قرأت علينا لائحة المطلوبين اللبنانيين من الدولة الاميركية. المهم انها كانت هادئة، وهذا يفتح باب التشاور وليس المفاوضات. انتظروا 14 آذار آخر ولكن في موعد جديد.
التقيت الوزير السابق عبد الرحيم مراد في عزاء والدة الزميل ابرهيم الامين. كان ذاهبا في اليوم التالي الى دمشق. والرئيس عمر كرامي مستقيل من حكومته الاولى. سألني ما رأيك؟ فقلت له ان لا حل ولا اطمئنان الا بتكليف فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة. يتحمل مسؤولية التحقيق. يهدئ من روع السنة ومن قلق اللبنانيين. فقاطعني قائلا: “لا تكمل لا يقبل به السوريون”.

الحل؟
عمر كرامي مرة اخرى. “لكنه يُكلّف ولا يؤلّف”. الحديث للوزير مراد. وهكذا حدث. دارت الايام وحدثت اسوأ انتخابات وفق قانون العام 2000 واتت بأسوأ النتائج. ثم كلف السنيورة بعد نجيب ميقاتي الذي اشرفت حكومته على الانتخابات، وحققت نجاحات دولية.
اذا كان الرئيس السنيورة يريد الوقوف على خاطر الجميع، فانا اقترح عليه الجلوس لانه سيتعب.
كلهم سيذهبون الى دمشق. كبيرهم وصغيرهم. رئيسا واعضاء. افرادا وجماعات.
لا تتعبوا انفسكم. ستقولون الكثير محبة وودا، لكن احدا لن يسمع لكم.
يريدون كل شيء. تعوّدوا، ماذا نفعل؟
ليسامحني الاصدقاء الاربعة. هذا هو الوداع الاول والاخير. وبعده عودة الى قرار الاصدقاء.
قال لي واجد دوماني، المستشار المتقاعد للسفارة الكويتية قبل 20 سنة، وكان يسكن في عرمون خارج بيروت ويفتقد اصدقاءه البيارتة سكنا: “يا ابني الجغرافيا اهم من التاريخ. اذا كانت عرمون ابعدت اصدقائي عني، ماذا لو سافرت؟ هل سيحميني التاريخ؟”.
ترى هل سيأخذون الضريح معهم؟ ام انهم سيكتفون بمحضر التحقيق الدولي؟
اغلى من الدم تدفعه في سبيل افكارك؟