وثيقة حزب الله مقفلة ولا تخاطب الجمهور الآخر

مقابلات مكتوبة 07 ديسمبر 2009 0

يبتعد النائب نهاد المشنوق قدر ما يحلو له الإبتعاد عن زواريب السياسة الداخلية ويحلّق في الفضاء الإقليمي الذي يبحث فيه عن الحلول كما المشاكل، يؤمن بالدور السعودي والسوري والتركي وقلما يؤمن بدور لبنان حالياً في حل القضايا الكبرى.
في الحكومة لا يعنيه منها او لا يمثله سوى رئيسها سعد الحريري، فالمشنوق لا يعترض على الوزراء ويؤمن ان نجاح هؤلاء او فشلهم يقع على عاتق الرئيس سعد الحريري.
اما بالنسبة للحدث الأبرز وهو إطلاق أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الوثيقة السياسية الثانية في تاريخ الحزب فللنائب مشنوق قراءة يعتبر من خلالها انها بمثابة إنتساب نهائي للنظام اللبناني.
هذه الأمور وغيرها طرحها النائب نهاد المشنوق في هذا الحوار المطوّل والمعمّق مع “الشراع”.

* انتهت التجاذبات السياسية وانتهى وضع البيان الوزاري ماذا بعد ذلك؟
البيان الوزاري بالمسائل السياسية هو تسوية مثله مثل غيره بعد مرحلة طويلة من التجاذبات السياسية. فيه كلام عن مسؤولية الدولة وهذا عنصر جديد، ولكن بالوقت نفسه هو خاضع للترجمة والاجتهاد بشكل مخالف لما يُراد له. وأياً تكن هذه النصوص فهي نصوص نتاج لتفاهم إقليمي وليست نتاجاً داخلياً. عبّر عن ذلك وزير الخارجية الايراني بقوله بعد تشكيل الحكومة: “ان هناك تسوية إقليمية حدثت في لبنان ممكن أن نكررها في أفغانستان”. مع العلم حسب رأيي وكثير من الوقائع أمامي تؤكد ان الحزب بمعناه اللبناني الذي هو بالتأكيد موجود مهما بالغنا بالإنتماء الاقليمي له مصلحة بالدخول الى الحكومة في منطقة كلها متغيرات، كل يوم تتغير، وكل يوم هناك عناصر جديدة وفيها اشتباكات إقليمية كبرى، اشتباكات دولية كبرى أو مفاوضات دولية كبرى، بالتأكيد حماية الحزب من ضمن النظام الدستوري أفضل له بكثير من البقاء خارج الحكومة.
لذلك اجتمعت عناصر عدّة: الضغط السوري من جهة وتدخل أمير قطر من جهة، رغبة الحزب الداخلية من جهة، وضغط دولي بشكل أو بآخر هو الذي أوصل الى ان تتشكّل هذه الحكومة بالطريقة التي شُكّلت بها فضلاً عن الدور التركي الكبير وغير المعلن.
وترحيل النص المتعلّق بسلاح المقاومة الى طاولة الحوار منطقي والعنصر الناقص في هذا النص هو تحديد مهلة زمنية، فلو كان هذا الأمر يجري التشاور حوله والوصول الى نتيجة بشأنه بشكل مُلزم خلال سنة، لكان الامر افضل، لأن هذه مسألة كبرى لا تُحل في يوم أو يومين أو اسبوع واسبوعين، ولكن الذي حصل انهم تركوها مفتوحة، ما يفتح الباب أمام استمرار الوضع الحالي لفترة طويلة دون وضع إطار طبيعي.
الناس بطبيعتها ونحن منهم لا يمكن ان نعيش إلا في إطار واحد هو إطار الدولة، وبالتالي لا يوجد وسيلة أخرى لانتظام حياة الناس جميعاً، بما فيه جمهور حزب الله وبما فيه حاملو سلاحه إلا في إطار الدولة، والناس لا يمكن أن تعيش في إطار آخر، رغم العنوان النضالي للمقاومة، ولكن هذا ليس نظاماً، هذا عنوان. الناس لا يمكن ان تعيش إلا في إطار دولة واحدة لها مفاهيم موحّدة ، لها قراءات موحّدة وخدمات موحّدة، لها تأمينات موحّدة، ولا أحد يمكن أن يحل محل الدولة أياً كانت قوته، وأياً كانت قضيته وأياً كانت اهتماماته.
الواضح حتى الآن حتى من كلام الوثيقة السياسية، ان نص السلاح يطرح بأننا داخل النظام خارج الدولة ومن غير الطبيعي استمرار القبول بسلاح داخل النظام وخارج الدولة.
كل الفكرة التي تحدثت عنها منذ الإنتخابات حتى اليوم هي ان المقاومة – بالتأكيد – عز وفخر ونموذج بصمودها وبقتالها وبتجددها وحضورها الدائم واستعدادها الدائم، وبالتأكيد هناك ضرورة لها كما سمّتها الوثيقة السياسية، باعتبار انها انتقلت الى المرحلة الدفاعية. هذه المرحلة الدفاعية لا يمكن ان يكون لها شرعية لبنانية دون إطار الدولة، صحيح لم يقل أحد ان هناك مقاومة حققت الإجماع، ولكن هناك مقاومة حققت تفاهماً في اطار منطق ما عام لكل الناس.
في موضوع تشكيل الحكومة الواضح ان هذه الحكومة تُقسّم الى ثلاثة أقسام:
– القسم الأول يتعلق بمبدأ تشكيل الحكومة وهذا عنوان له شعبية عامة كونه وجود حكومة موحّدة لكل اللبنانيين،
وهذا الأمر يعني كل الناس وبعد ذلك ينظرون الى مشاكلها.
– القسم الثاني يتعلق بالمعارضة، فالرئيس سعد الحريري لبّى عن وعي كامل مطالب المعارضة في مسألة تشكيل الحكومة، لأنه يريد ان يضع إطاراً سياسيا موحّداً لنقاش حول كل المسائل.
نظرية الرئيس الحريري التي افترضها ان هذه الأزمات السياسية كلها مستمرة وحلّها إقليمي، ليس هناك من حلول محلية لكل هذه الأزمات ، وانه علينا بالتالي ان نضع هذه العناوين الكبرى على طاولة مجلس الوزراء، ونُضفي عليها قليلاً من التبريد والتهدئة ونذهب الى مطالب الناس، بمعنى التنمية، حاجات الناس، الكهرباء، يعني الأولويات البسيطة المحقة من حاجات الناس، هذه هي نظرية القبول السياسي لكامل مطالب المعارضة. هذا في التفاصيل ، اما في الاساس فتجاوب الرئيس الحريري يأتي نتاجاً ملزماً للتفاهم السوري السعودي في قمة دمشق بين الملك عبدالله والرئيس الأسد.
صيغة لسنة

* تعني نجد حلولاً لما هو بمتناول يدنا؟
بل نضع الخلافات الكبرى كلها على طاولة مجلس الوزراء في مكان مبّرد ونناقشها، ونحن نعرف اننا لن نصل الى نتيجة محلية إزائها، ولكن نذهب باتجاه تلبية مطالب الناس وحاجاتها.
يُفترض ان هناك جواً إقليمياً واضحاً يدعو للتهدئة وانه حين كانت إيران تعارض تشكيل الحكومة كان واضحاً انها تستطيع تأجيلها، وليس تعطيلها، لأن القرار في لبنان بهذا المعنى الإقليمي سوري أما الرأي فهو إيراني، على عكس العراق حيث القرار إيراني والرأي سوري. ولذلك وقفوا على خاطر ايران كما يُقال، لفترة طويلة. ولا شك ان نظرية الذهاب الى تلبية المطالب الحياتية للناس نجح والده الشهيد بالقيام بها، ولكن اليوم الظروف مختلفة واعتقد ان ظروفه مختلفة وهي أصعب بكثير من ظروف والده، وظروف حكومته أصعب بكثير من ظروف الحكومات التي شكلها والده ، لأن هذه حكومة لا يستطيع أحد أن يقول انها إنجاز ولا الادّعاء بأنها هزيمة.. هذه الحكومة هي نتاج ثلاثة أقسام: الجزء الثاني منها المتعلق بمطالب المعارضة هو نتاج التفاهم السوري – السعودي ولو على حساب مفهوم الأكثرية للانتخابات، لأن هذا المفهوم مرحلياً أضعف من الوفاق الإقليمي، لذلك الأمور تستوجب قراءة أوسع من الموضوع اللبناني. هناك من يعتقد ان ما حدث هو صيغة دائمة، ولكن هذه ليست صيغة دائمة بل عابرة ولن تعيش اكثر من سنة.
في هذا الجانب هناك شيء من التكليف العربي والدولي بإدارة سورية غير مباشرة للوضع السياسي في لبنان مرة أخرى، وهذه الإدارة لها مصلحة بالتوازن لاحقاً ولا مصلحة لها بالشكل الدائم الذي أخذته الحكومة. واضح ان هذه الإدارة السورية تريد ان تكون جزءاً طبيعياً من المجموعة العربية، وبالتالي علاقة سوريا بإيران وثيقة ولكنها ليست مُقررة، هناك فرق بأن تكون العلاقة بينها وبين دولة أخرى تشاركها بالقرار، وبين أن تكون علاقة وثيقة وطبيعية.
سوريا لم تبدأ بهذا النمط من العلاقة مع إيران، بل انتهت بهذا النمط الذي يتبلور عمليا بعدما ما حدث في الـ 2004 من محاصرة سوريا دولياً وعربياً، فذهبت باتجاه المزيد من تعميق العلاقات وإعطائها طابع الشراكة في القرار. الآن الأمور تغيّرت وسوريا لا تستطيع تحمّل الصياغة السابقة للإستمرار في مواجهة العالم. فقد تغيّرت الإدارة الأميركية وهناك انفتاح أوروبي عليها وقبول عربي استراتيجي من دولة كبرى مثل السعودية بانتظار حصول تطورات تسمح بعودة العلاقات السورية – المصرية واتفاقيات تعاون استراتيجي مع تركيا، كل هذه العناصر تعيد تركيب مشهد السياسة الخارجية الجديد لسوريا.

* هل تراهن في مكان ما على ابتعادها عن إيران؟
أنا لست من الناس الذين يدّعون ان الكلام عن الفصل بين إيران سوريا هو كلام منطقي، هذا لا منطقياً ولا دبلوماسياً ولا سياسياً يجوز، لكن بالتأكيد توجد أجندات مختلفة وقد تظّهر ذلك في العراق حيث كان واضحاً دعوة الحكومة العراقية التي يرأسها نور المالكي وهو شخص عاش في سوريا 18 سنة كلاجىء سياسي، وتلقى كل الدعم، نسمعه يريد أخذ سوريا الى محكمة دولية في الوقت الذي يتناول الإعلام الإيراني الخبر بشكل عادي ودون أي تعليق، وبالتالي هناك أجندة مختلفة في العراق.
سوريا لا تحتمل أن تكون جزءاً من المفاوضات الإيرانية – الدولية ولا جزءاً من الملف الإيراني ولا تقبل بهذه الصياغة، وهي تصّر على انها دولة لها دور مستقل مقرر الى حد كبير قادر، ولكن ما اتحدّث عنه هو وضع لم تتم صياغته النهائية بعد. أول مؤشر استراتيجي له هو اتفاقات التعاون مع تركيا، وبالتالي تركيا الدولة المعتدلة المنفتحة على كل الناس، المنفتحة على روسيا وإيران، حيث يتوقع ان تصل علاقاتها التجارية مع إيران الى 20 مليار دولار العام المقبل حليفة استراتيجية تضاف الى اعادة هيكلة للسياسة الخارجية السورية
هذه تجربة لم تتشكل بطريقة نهائية ولكنها في طريقها الى التشكّل، كل هذه الصور: الإنفتاح على اميركا، الصداقة مع اوروبا، المصالحة مع الأكثرية العربية، إتفاق التعاون مع تركيا، هذا كله يفترض بالمستقبل القريب إدارة غير مباشرة للوضع السياسي، ويفترض ان هذه الإدارة غير المباشرة بحكم طبيعتها الجديدة مضطرة لإيجاد توازن داخلي لبناني اسلم من شكل الحكومة الموجودة حالياً.

* بعد كل ما حصل ماذا تريد سوريا من لبنان الآن؟
لبنان بالنسبة الى سوريا جار استراتيجي نعم، وبالتأكيد تريد دوراً سياسياً وتأثيراً سياسياً ونفوذاً سياسياً، لأن هذا مجالها في الأمن القومي، وهذا أمر لا علاقة له بـ”البعث” أو بالرئيس الأسد، بل هو قائم منذ الأربعينيات أيام كان رياض الصلح رئيساً للحكومة، وكانت الكتلة الوطنية في سوريا حاكمة، كانت طبيعة العلاقات متوترة، وهذه مشكلة قديمة وليست جديدة. الآن يجب أن نسعى الى علاقة مختلفة.

* برأيك أمام هذا المشهد ألا تعتقد ان حلفاء سوريا في الداخل اللبناني هم أقوى من الأكثرية؟
ميزان القوى الذي تتحدثين عنه ناتج عن قرار صادق وفعلي بحكومة وحدة وطنية من رئيسها سعد الحريري، وقد تم هذا الأمر بشروط التفاهم الاستراتيجي السعودي- السوري ونتاجاً لتوازن قوى داخلي سلمي عبّرت عن نتائج الانتخابات بالأكثرية المعلنة والأكيدة. ولكن لاحقاً الدور السوري بطبيعته وبشكله الجديد وبتحالفاته مُطالب بأن يحقّق بشكل أو بآخر توازنات أكثر عدلاً تؤكّد تدريجياً نتائج الانتخابات. لقد قلت لكِ هناك مرحلة في سوريا بدأت في الـ2004 بحالة الحصار التي دفعتها الى وضع كل أوراقها باتجاه سياسي واحد، هو المفهوم الإيراني للمنطقة. الآن هناك إعادة خلط لهذه الاوراق, والحديث الجاري عن ان خصوصية العلاقات الايرانية -السورية تحدّ من هذا الخلط حيث ستظهر عدم واقعيته خلال وقت ليس بقصير.

* هذا يعني انها أجرت عملية “مونتاج” للمشهد بشكل كامل أي قطعت ووصلت؟
هناك تعديل في الصورة يؤكد استقلالية سوريا وقدرتها على الإمساك بملفها منفردة، سوريا لا تستطيع ولا تقبل ولا تقدر ولا يجوز أن تكون جزءاً من ملف آخر أياً يكن هذا الملف الآخر.

سعد الحريري ممثلنا
* هل ما زال لـحركة 14آذار/مارس دور أمام هذا المشهد؟
قبل أن نصل الى 14 آذار، أعود الى الجزء الثالث من الحكومة المتعلق بتمثيلنا ككتلة. أنا أعتبر أننا ككتلة وكمفهوم سياسي لكل ما تفضلتِ به، نحن غير ممثلين في الحكومة إلا بسعد الحريري وثقتنا به كاملة، هو أراد أن تكون هذه تجربته وأن يتحمل مسؤوليتها كاملة بصرف النظر عن الإعتبار الشخصي للأشخاص الذين تم توزيرهم.
نحن تشاورنا وناقشنا هذا الأمر في الكتلة، وقلنا نحن معنيون بتسمية الوزراء الذين تم توزيرهم، ولكن لا نستطيع القول انهم يمثلوننا لا كمفهوم سياسي ولا ككتلة. نحن تجاوزنا مسألة الأشخاص الذين لا يحق لنا الحكم عليهم مسبقاً بالفشل أو بالنجاح. وقلنا هذا الملف بكامله مسؤول عنه رئيس الحكومة، ونحن ممثلون به فقط.

* لكن مجرّد أن تقول انك غير مُمَثل في الحكومة معنى ذلك انك تشتمهم أو على الأقل لا تعترف بوجودهم وهذا بدوره شتيمة؟
معاذ الله ان أشتمهم، أكرر القول ان الكتلة ومفهومها السياسي ليست ممثلة ونحن نتمنى ان ينجح هؤلاء الوزراء ويكونوا أفضل بكثير مما نعتقد والتمايز هنا للوزير حسن منيمنة.

* هل تعتقد ان سعد الحريري لم يكن يريد وزراء يقاتلون في الحكومة؟
أعتقد ان هناك عنصرين: العنصر الأول هو انه قام بفصل كامل وهذه فكرة قديمة عنده بين النيابة والوزارة. والمسألة الثانية: بالتأكيد هو أخذ بعين الإعتبار انه يريد من وزرائه المباشرين أن يكونوا مناطق تفاهم أكثر ولو على حساب الفاعلية.
* نهاد المشنوق مشكلة في الحكومة؟
إذا كانت الأمور تُقاس على هذا النحو. فإذاً جبران باسيل مشكل وفلان مشكل وفلان مشكل، ولكن لا أعتقد ان هذه هي المقارنة. الرئيس الحريري حتى في التكنوقراط الذين سماهم واختارهم لا يسبّبون حساسية لأي أحد.
أنا لا أريد تناول الوزراء فرداً فرداً، وأنا لست معنياً بذلك لأني لست من اختارهم ولا هم اختاروا أنفسهم، أنا أقول هذه مسؤولية سعد الحريري، وبالتالي هذه تجربته دعونا ننظر إليها الى الأمام بعين إيجابية وننتظر، وبالتالي لماذا علينا ان نحكم عليها مسبقاً.

* لكن هذا الأمر أحدَث صدمة؟
صحيح، ورداً على هذه الصدمة أنا أقول ان من يعتبر ان هناك رضى شعبياً ورضى إسلامياً يكون مبالغاً، “فلا يوجد لا رضى شعبي ولا رضى إسلامي ولا من يرضون”، هناك 71 بالمئة من السُنة في لبنان صوّتوا للوائح سعد الحريري في كل لبنان، وبالتالي هذه تجربته وهذه مسؤوليته يُحاسب عليها في حينها، ولا يجوز إدانتها مسبقاً بصرف النظر عن المسألة الشخصية. إذاً هذه الأجزاء الثلاثة هي قراءتي للحكومة بعد قراءتي للبيان الوزاري.

* ألست معنياً بإنجاح رئيس الحكومة والحكومة؟
-طبعاً أنا معني بإنجاحه، ولكن قدر استطاعتنا، فنحن لسنا وزراء كي ننجح في وزاراتنا، نحن ندعم تجربته سياسياً بانتظار نتائجها.

* على طريقة “أنصر أخاك ظالماً كان أم مظلوماً”؟
– نحن بانتظار نتائج هذه التجربة وليس ظالماً أو مظلوماً، وبالأصل ليس هذا هو الحديث الشريف، لأنه عندما سألوا النبي (صلعم) وكيف ننصره وهو ظالم فقال: بردّه عن غيه، أي بردّه عن خطئه والمقارنة هنا غير دقيقة.

انفتاح جنبلاط متعجل
* كيف تقرأ المصالحات التي يعتبر النائب وليد جنبلاط نجمها؟
– هي جزء من المتغيرات التي يعتقد وليد بك جنبلاط بوجودها في المنطقة ويريد معالجتها بانفتاح متعجل أو مستعجل غير ثابت وغير مستقر تجاه كل القوى السياسية التي كانت على خلاف معه.

* أليست تعبيداً للطريق للوصول الى الشام؟
– ولماذا اصرار الدكتور مصطفى علّوش على ما قيل عن سوريا سابقاً. مسألة زيارة الشام أصبحت مسألة طبيعية، وباعتقادي ذهبوا جميعهم الى الشام حتى لو لم يذهبوا.
أريد أن أشير الى كلام الصديق الدكتور علوش الذي قال “اننا لن نعتذر وغير ذلك”، أنا أقدّر الدكتور علوش وهو يعرف تقديري له كشخصية عامة، ولكن كل اللبنانيين يعتذرون وليس فقط نحن من يعتذر إذا ثبت بالقرار الظني بأن سوريا ليست مسؤولة لا من قريب أو بعيد عن الإغتيال.
أنا أول من قال ان سعد الحريري يذهب الى سوريا بصفته وليس بشخصه، وما دام قبل بالتكليف، وما دام سيمارس دور رئيس مجلس الوزراء، فهو يُمثل كل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم، وسيذهب الى سوريا بناء على هذا الأساس.

* لكن ماذا إذا صدر حكم المحكمة باتهام سوريا؟
هناك مثل انكليزي يقول: “عندما نصل الى الجسر نعبره”، ومن هنا لا يجب إصدار الأحكام المسبقة دعينا نبدأ لأنه لا يمكن أن ننتقل من حالة قطيعة حتى لا أقول حال عداء الى حالة ممتازة وشقيقة، لأن هذا الإنتقال غير طبيعي، والمنطقي ان ننتقل الى حالة العلاقات الطبيعية وتطويرها تدريجياً لكي نرى الى أين ستصل. المهم الرصانة والدقة فلا اطمئنان مسبق ولا طمع لاحق.
لقد خضت الانتخابات بعناوين أربعة أولّها عروبة لبنان كهوية عابرة لسوريا وليست مقيمة فيها. ثانياً إنعاش الالتزام القومي بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة للحصول على دولته المستقلة والتعامل الانساني والعادل مع الفلسطينيين اللاجئين في لبنان والمؤمنين بحق العودة بدلاً من الاستمرار في اهانتهم يومياً انسانياً وسياسياً باعتبارهم عبئاً واتهامهم بتردّدهم في العودة الى بلادهم . ثالثها إلزامية استعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا والتدرّج نحو أكثر من ذلك من خلال بحث الملفات العالقة بين البلدين بجدية وموضوعية وليست اتهامية او فوقية نتاجاً لسنوات الصراع. رابعها التزام الطائف كنص دستوري وحيد معتمد لدى اللبنانيين ولا يجوز التعرض لنصوصه وكأنها ارتكاب بحق هذه الفئة من اللبنانيين أو تلك الى حين تنفيذ نصوصه المؤجلة مترافقة مع استقرار سياسي وشعبي ومن ثم البحث في هذا البند أو ذاك ومدى ملاءمته تنفيذياً.
تجاوب جمهور رفيق الحريري مع هذا الخطاب البعيد عن النص السياسي الاشتباكي الذي عاشوه في السنوات الماضية. هذا التجاوب دليل على قبول اللبنانيين المؤسسين لحركة الرابع عشر من آذار لعودة العلاقات الى طبيعتها السلمية والرسمية بين لبنان وسوريا.

* ولكن السائد الآن هو التعديل الدستوري أو التنفيذ الفوري لأكثر بنود الدستور حساسية أي إلغاء الطائفية السياسية؟
لقد “عدّل” رئيس الجمهورية الدستور بمختلف بنوده ست مرات حتى الآن خلال سنة ونصف السنة من ولايته شفهياً على الأقل. رغم مناشدة كتلة المستقبل في بيان لها ومطالبة السيد حسن نصرالله في خطاب له التروّي في طرح العناوين الكبرى الى حين استتباب الاستقرار السياسي. فإذا بالمطالبات الدستورية للرئيس سليمان تزداد وتتنوّع بنودها. وهذا لا يمكن قراءته برصانة الدور التحكيمي لرئيس الجمهورية. هذا في المضمون اما في الشكل فلا يجوز لمقام الرئاسة ان يعرّض هيبته السياسية لتكرار لا تجاوب معه. نحن نريد من رئيس الجمهورية أو بتعبير أدقّ ننتظر ان تكون مطالبته الاولى هي الاخيرة وان تكون ملزمة معنوياً للجميع بمناقشتها إيجاباً ان لم يكن الموافقة المسبقة عن طريق التشاور. وإلا فما أهمية معنويات الرئاسة وقدرتها الرصينة على تقبّل اللبنانيين لما يصدر عن بعبدا من حكمة. إلا إذا كان المطلوب ارباحاً شعبية لم ولن تتحقق بهذه الطريقة.
لذلك كان من المتوقّع الرد بالطريقة التي تمت بها. الرئيس بري استعجل فورية تنفيذ بنود دستورية حساسة ودقيقة مع انه اقترح هيئة للتفكير في إلغاء الطائفية السياسية وعليها العودة لمجلسي الوزراء والنواب بما فكّرت به. وبالتالي فإن الجهة التنفيذية تضم جميع القوى المعترضة على مبدأ اقرار مبدأ آلية التفكير. ثم دخل وليد بك مغيراً على الطائف باقتراح مداورة الرئاسات بين الطوائف.
كل هذه الاقتراحات والرئاسية منها خاصة لا تساهم في استقرار حكومي لم تتحقق بداياته حتى الآن. ولا بد من الاقلاع عن هذه الهوايات الدستورية.
وثيقة حزب الله

* دعنا ندخل الى الوثيقة السياسية لـحزب الله؟
الوثيقة بالمعنى العام يلزمها دراسة مُعمّقة، ولكن بمتابعتها الأولية طبعاً إذا قارناها بوثيقة الـ85 التي كانت وثيقة ايديولوجية خام لقراءة مبدئية لمجموعة إسلامية اتخذت قرارات بالمسألة الفلسطينية واللبنانية الخ. بهذا المعنى الوثيقة الأخيرة هي وثيقة انتساب للنظام اللبناني وانتساب نهائي، ولكن معظم عناوينها هي عناوين قديمة نسبة للنص السياسي الممتد من العام 2005 حتى الآن، فكل ما جاء في الوثيقة مذكور في نصّهم السياسي، وفي خطاب قيادات الحزب.
في الموضوع اللبناني أكّدت الوثيقة العناوين الاشتباكية إذ قالت بالديموقراطية التوافقية كشكل دائم الى ان يقضي الله دستوراً جديداً، وهذه مسـألة خلافية كبرى تستند الى اتفاق الدوحة، بما هو اتفاق إذعان وكل ما يُبنى عليه باطل، ولو كان أخذ أشكالاً رسمية سواء في الحكومة أو في بيان الحكومة. الدوحة هو اتفاق وقف إطلاق نار أو فك اشتباك وليس تأسيساً للوضع اللبناني، لذلك أنا استغربت توكيد الديموقراطية التوافقية. وهذا الأمر بحاجة الى كثير من المناقشات، لأن التوافقية بالشكل الذي تتخذه الآن، توصل الى إلغاء نظام إجراء الإنتخابات بحيث لم يعد لها مُبرر. نحن الآن نتصرّف في ضوء تسوية مؤقتة ولا نضع نصوصاً او اشكالاً نهائية وانما وضع إلغاء الطائفية السياسية مقابل الديموقراطية التوافقية هو عنوان لإشتباك جديد ايضاً.
النقطة الثانية التي تتعلّق بالتنسيق بين الجيش والمقاومة تحدّثت الوثيقة عن ان نموذج حرب الـ2006 من مؤازرة الجيش اللبناني للمقاومة هو نموذج مثالي حتى الآن، وهذه ايضاً قضية مختلف عليها لأنه هذه مسألة تعود بنا بالسؤال الى بدايته بأن السلاح داخل النظام وخارج الدولة، وهذه الصيغة لا يمكن أن تستمر أياً كانت ظروفها السياسية، كل النصوص وكل الحكومات لا تجعل من هذا المفهوم نصاً رضائياً بين الناس، والنص غير الرضائي لا يعمّر أياً كانت القوى التي تدعمه.
الوثيقة ذكرت ان الدولة مسؤولة عن السياسات العامة وهذه نقطة إيجابية إذا كانت واضحة بالمناقشات بأن المزاوجة بين سلاح المقاومة والدولة أو الجيش هي ضمن الدولة وان السياسات العامة والحرب والسلم هو العنوان الرئيسي لهم، هذه مسألة خاضعة للاجتهاد.

* لكن الوثيقة ربطتها بقيام الدولة القوية؟
ماذا تعني الدولة القادرة والقوية والعادلة؟ انضمام المقاومة أو صياغة مقاومة في إطار الدولة يجعل منها دولة قوية لأن الوضع الحالي هو جزء رئيسي من ضعف الدولة، ليس فقط فسادها أو تفكك إدارتها، جزء من ضعف الدولة انها أخذت قراراً سياسياً بالمنطق العام بأنها تريد مواجهة إسرائيل في حالة الدفاع الآن ولكن بدون عدّة ولا عديد.
الوثيقة تتحدث عن التسليح من جهات متعدّدة وان الأميركيين لا يوافقون على تسليح الجيش، إذا كان يوجد هذا الحجم من السلاح القادر والفعال عند المقاومة لماذا لا يكون جزءاً متفاهماً عليه مع الدولة بشكل او بآخر؟ وساعتها يصبح عندنا دولة قوية . أما دولة عادلة فالعدل يأتي بالنصوص المتوافرة وهي تبحث عمن ينفذها في النظام السياسي ومؤسساته الدستورية.
هنا أعود وأقول الدليل الأخير على ان الناس لا يمكن أن تعيش إلا في إطار الدولة هو الإقبال الشديد من الحزب وبشكل علني على دعوة الدولة بالقوة، إحضارها بالقوة الى مناطق محدّدة للقيام بدورها بعد الحديث عن القدرة على حكم عشرات الدول مثل لبنان.

* بعد الذي قاله السيد نصرالله وحدّده في كلامه وخاصة في موضوع سلاح المقاومة، هل من ضرورة بعد لطاولة الحوار التي تقولون انها ستبحث بنداً وحيداً هو بند السلاح؟
لسنا نحن من يقول ذلك إنما البنود التي وضعها الرئيس بري على طاولة الحوار، أُقرّت جميعاً ما عدا الاستراتيجية الدفاعية.

* الا تعتقد ان حزب الله قدّم استراتيجيته الدفاعية عبر وثيقته السياسية؟
أنا أقول هذه مسألة إشكالية خاضعة للنقاش، ولذلك قلت ان هذا تأكيد للإشتباك، وليس تأكيد التوافق، بمعنى انه لم يطرح صيغة منفتحة على الآخر، انه لم يخاطب الآخر بهذه الصيغة، بل خاطب جمهوره.

* هل هناك من ضرورة لطاولة الحوار؟
دور طاولة الحوار يبقى في مسألة الاستراتيجية الدفاعية دوراً ضرورياً لأنه مُقر في فترة سابقة، ولكن طاولة الحوار ينتهي مفعولها فور الإنتهاء من الإستراتيجية الدفاعية، لذلك أنا قلت منذ البداية بأنه لو وُضع حدّ زمني لهذا التصوّر، بمعنى ان يتم خلال سنة أو ستة أشهر للوصول الى نتيجة، أما باقي العناوين فإنها تُبحث داخل المؤسسات الدستورية ان كان في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء، في كل مكان طبيعي للتفاهم حول هذه المواضيع.

* ألا ترى ان هذه الطاولة تأخذ مكان هذه المؤسسات الدستورية؟
هذه الطاولة أخذت هذا الدور في فترة ما ونشأت في ظروف مختلفة، طاولة الحوار كانت بديلاً عن مجلس نواب مغلق وعن حكومة شبه معطّلة، وهذه الأمور كلها انتفت ولم تعد موجودة، وما هو متوافر الآن مجلس نواب مُنتخب وعنده استعداد للعمل، ومجلس وزراء مشكّل من كل القوى السياسية ويستطيعون التحاور حول كل المواضيع.

* نعود الى نقاط الوثيقة؟
دعينا نبرمج الحديث عن الوثيقة، في البداية حّددنا ما نراه من ايجابيات وسلبيات في القراءة للفقرة اللبنانية.
فلنبدأ ثانياً في السياسة الدولية، ليس هناك من جديد انما تأكيد لفشلها السابق وربما اللاحق في المنطقة، وهذا صحيح واقعياً. وبالعكس اعتقد ان النص في جزء السياسة الدولية قدّم قراءة متواضعة وفي غير مكانها عن تأثير صمود المقاومة في حرب 2006 ومعها كل اللبنانيين الشديد الوطأة على السياسة الاميركية وبأقسى بكثير مما ورد في الوثيقة. اما في مخاطبة الاوروبيين فقد وصفتهم الوثيقة بالتابعين للسياسة الاميركية دون هامش ولا تمايز وهذا وصف غير واقعي ولا يقدّر اهمية انفتاح العديد من الدول الاوروبية على حزب الله سياسياً. بمعنى ان المطلوب من هذه الوثيقة عادة الاستفادة الى الحد الاقصى من احتمالات الانفتاح او بداياته وليس اطلاق اوصاف تغلق الابواب ولو كانت غير مشرّعة سابقاً.
ثالثاً: في السياسة العربية. تجاهلت الوثيقة متدرجات المواقف العربية او تطوّراتها من بعض المواقف وخاطبت سياسة الممانعة فقط مع وصف فيه الكثير من الدقة والاقل من العاطفة تجاه الدور السوري. مما يعني تأكيد مفهوم السياسة السورية السابقة الانقسامية في العالم العربي والمواجهة للمجتمع الدولي وليس العكس كما هو الوضع حالياً.
رابعاً: في الوضع الاقليمي أكّدت الوثيقة دور ايران الاساسي والاستراتيجي في العالمين العربي والاسلامي ودعت الى الاستفادة من القدرات الايرانية متجاهلة حجم الاشتباك العربي في اكثر من موقّع على انتشار السياسة الايرانية وتأثيرها على وحدة المجتمعات اكثر مما هي تهديد مباشر للانظمة اعتراضاً على سياستها. وهذا تأكيد آخر لعنوان سياسي يسبّب الكثير من الاشتباكات السياسية والعسكرية في العديد من الدول العربية. وهناك من يقول وانا لا استغرب هذا القول ان الاشتباك اليمني الرسمي – الحوثي بقي على رؤوس الجبال لمدة خمس سنوات ولم ينـزل الى الحدود الا بعد القمة السورية السعودية واظهار الموقف السوري الداعم للحكومة اليمنية ولوحدة اليمن فجاء الجواب باعلان حدود سعودية – ايرانية بعد الحدود المصرية – الايرانية في غزّة . وهذان تطوّران يتسبّبان بقلق جدّي بالتأكيد لدى القيادة السورية.
خامساً : بالطبع يمكن القول ببساطة ان الوثيقة متقدّمة بما لا يقاس عن نص ايديولوجي لمجموعة اسلامية مبتدئة في العام 85 . ولكنه نص مقفل لا يخاطب الآخر . ولا يقدّم صيغة جديدة ايجابية للآخر للمناقشة لا في لبنان ولا في العالم العربي ولا في المنطقة ولا بمفهوم التمايز الدولي. الا اذا اعتبرنا النص المتعلّق بأميركا اللاتينية تمايزاً ، وهو تمايز يعود الى فترة الستينيات ولم ينتج الا الاحلام قديماً وحديثاً.
نص الوثيقة بشكل عام هو تراكم لسياسات معلنة منذ سنوات تسبّبت بالكثير من الاشتباكات وجاءت الوثيقة لتؤكدها وتقفل الباب امام فتح كوّة ايجابية للتطوّر السياسي داخل فكر الحزب.
لا تمايز عربياً ولا تفضيل دولياً ولا خطاب الآخر اللبناني واصرار على السياسة الايرانية في الاقليم. هل هناك من حاجة أكثر لتأكيد النص المقفل.

* هو سياسياً مُلبنن ولكن عقائديا وايديولوجيا الأمر مختلف؟
ايديولوجياً وعقائدياً أجاب على هذه النقطة في وثيقة 85 ، أنا أسجل للوثيقة ايجابيتين أكيدتين اولاً قراءة الوضع الفلسطيني، فلا شك انها قراءة متقدّمة ومخاطبة لكل الشعب الفلسطيني بانتماءاته المتعددة . وأُقدّر في الورقة تأكيدها رفض الفدرالية من قريب او من بعيد، وهذه مسألة تأسيسية بالوضع اللبناني.
اما عروبة لبنان فجاءت لاحقاً في النص وبالتأكيد مكانها الاول في الاسطر اللبنانية اذا كان الحديث عن صياغة دقيقة.

*كانت نقصاً أو عدم الإعتراف بها؟
هو تحدث لاحقاً عن العروبة وممكن أنه أراد تجنُب التأكيد وليس للذهاب الى الفرسنة كما تفترضين.

*لكن الولاء واضح لايران في الوثيقة ؟
ما ورد في الوثيقة دعم للسياسة الايرانية الخارجية وليس القول بأن الحزب هو انتشار ايراني في لبنان