هيكل لبنان

قالـوا عنه 05 مايو 2009 0

 

 

اكتشف كثيرون موهبة كانت احدى مداخله للعمل السياسي فإذا نهاد المشنوق في حيرة من كثرة الألقاب او المسميات التي انهالت عليه بعد سلسلة مقالاته وذكرياته في اكثر من صحيفة يومية لبنانية – عربية.

هيكل لبنان.. سمعها من كثيرين، وأضاف احدهم تقريظاً ان هيكل أطل على مرئية لبنان الرسمية مطلع السبعينيات محاوراً فإذا التقييم الصحافي في اليوم التالي ان هيكل الذي عرفناه كاتباً مميزاً هو ايضاً محدث اكثر تميزاً.

هكذا نهاد المشنوق.. الذي يقرأه ولا يعرفه لا ينصفه اذا وصفه بالكاتب المبدع، لأنه في أحاديثه وتحليلاته السياسية المباشرة.. أكثر إبداعاً.

والتوصيف لا يكتمل إلا اذا أعدنا ترسيخ تلك المعادلة الفاضلة التي ابدعتها تجارب تعامل المثقفين والكتاب مع اهل السلطة، وهي ان الاستقلالية هي اكثر حصون الإبداع مناعة، فإذا توافرت انساب الإبداع يتحف كثيرين ويغريهم بل ويشجعهم، اما من لا يملك قدرة الاستقلالية فيتحسر على موهبة لا حصانة لها.. تماماً كما إهمال حصن لا مواهب فيه.

كنا نعرف ان نهاد المشنوق تلميذ في مدرسة تقي الدين الصلح فكراً ومنهجاً وأحاديث وعناوين وخلاصات.. وبعد ان عرفنا وقرأنا نهاد المشنوق بتنا نعتقد ان موهبة اخرى لتقي الدين الصلح لم نكن نعرفها اضافها اليه في علمنا نهاد المشنوق.. وهي حسن اختيار المبدعين.. وهم معه او مع غيره قادرون على صقل مواهبهم.. بالتعلم فهم نظّـار في مدارس الكبار أكبر من تلامذة بل وأهم من أساتذة. ألا يمكن تسجيل هذا المقياس ايضاً في مدرسة رفيق الحريري؟

قراء لبنان.. سياسيوه يعرفون نهاد المشنوق مستشاراً اعلامياً – سياسياً للرئيس الشهيد رفيق الحريري.. يظنون ان مكانته ومعلوماته وملكته جاءت من موقعه الى جانب الرئيس الشيهد.

رحل الشهيد الكبير، فإذا نهاد المشنوق منطلقاً الى فضاء الكلمة والحرية الصحافية نسراً يميزه الناس عن الآخرين مهما قدروهم وحفظوا لهم من كتاباتهم ما يؤثرهم عندهم.

تماماً مثل محمد حسنين هيكل.. عرفه قراء العرب وسياسيوهم كبيراً عند جمال عبدالناصر فلما رحل الزعيم ما زال هيكل نسراً محلقاً في سماء مصر والعرب منذ اكثر من 35 سنة.

ورغم اعتزاله عام 2002 في سن الثمانين يبدو ان العد العمري عنده يبدأ في الثمانين نحو السبعين والستين لا عكسهما.

نهاد المشنوق لا يتواصل ولا ينقطع، قد يغيب وفي قراره الغياب حكمة يحتكر شرحها حين يشاء، لكنه حين يقرر فهو التواصل بعينه: لقد قررت ان اعود كاتباً سياسياً.. مهنة.. حرفة.. إبداعاً.. تبرعاً.. هذه كلها تفاصيل.. أما الأهم فهو انني استعدت نفسي من رحلة اخترتها بنفسي ولأني حر في خياراتي كما كنت دائماً فإن الكتابة عندي كالهواء والماء.

لقد استعادت كتاباتي في الصحافة اليومية شرف القراءة بعد وهم بأن المرئيات سرقت منها هواية القراءة فإذا السرقة مقتصرة على البصر، أما البصيرة فما زالت للصحافة المكتوبة.

واستعادت كتاباتي وهم اليأس بإقبال الناس على الاهتمام بالشأن العام وتشذيب يباس المؤسسات فإذا التجاوب مع ما اكتب مداداً  لا ينضب لبحر من الحاجات في النبش والسوط وحث الهمم وإزالة الصدأ.

أفضل ما في استعادة حريتي واستقلاليتي قدرتي على مواجهة كل اسقاط بغرض في نفس نهاد المشنوق.. او رسائل على عناوين اعرف طَـرقها وطُـرقها دون هذا الاسلوب.. على اعتزازي به.

في لبنان صحافيون تعرضوا للقتل ومحاولات القتل.. احدهم الشهيد نسيب المتـني كان اغتياله فتيلاً أشعل ثورة 1958.. وآخرون سقطوا او نجوا خلال حرب استخبارات الانظمة التي جعلت قتل مخالفي الرأي اضافة نوعية الى الشعارات التي جاءت تحتها الى السلطة عندما تسلمتها.. وظل عنوان لبنان الدائم هو الحرية.. بل شعاره الاوحد خارج السلطة وداخلها.. ونهاد المشنوق تعرض للاغتيال داخل السلطة.. فلما غادرها وغادر الوطن اصاب رذاذها عائلته.. وخاصة صالح ابنه.. لكأن ذلك كان مؤشراً الى المقبل الذي لم يخلف الوعد، فالذين اطلقوا النار لاغتيال نهاد المشنوق اعتذروا.. وبادر هو بعد الاعتذار برحابة صدر ومنـزل مفتوح وحضور من الشهود.. والذين لم يعتذروا كانوا غادروا في رحلة غروب قد تستمر طويلاً الى مجهول؟!.. اما المعلوم الباقي فهو ان نهاد كاتب سياسي يحضر التنافس على قلمه.. كما يتلقى عبر الهاتف وعبارات المديح اثار قراره بأن تظل الكتابة حرفته مهنته.. ابداعه.. تبرعاً.. هذه كلها تفاصيل اما الاهم فهو استعادة نهاد المشنوق لنفسه.

هنيئاً لـ”السفير” نهاد بمكانته وإسمه، وللقارىء كاتباً سياسياً يعيد للقراءة عزاً كاد ان يكون مفقوداً.