هيوغو شورتر كتب في “السفير”: “حان الوقت لعيد الاستقلال “2

اخترت لكم 08 سبتمبر 2016 0

ba36fe17-beba-46a6-b2e4-6c68795d387d

مضى عام على تسلّمي منصبي كسفير بريطانيا في لبنان وحان الوقت لأقرّ انه رغم كل التجارب الرائعة التي تخللت هذا العام الاول في هذا البلد الجميل والمضياف، الّا انه لم يَخلُ من خيبة أمل كبيرة وهي عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. انه أمر جوهري لأن بقاء لبنان من دون رئيس لأكثر من سنتين يضعف البلاد ونموذج التعايش الذي يمثله في المنطقة. وهذا يعني ان لبنان أصبح أكثر عرضة للصدمات الداخلية والخارجية وأصبح نموه الاقتصادي وخلق فرص العمل في تراجع وباتت مؤسسات الدولة مهددة.

في إطار جولاتي الديبلوماسية على رؤساء الاحزاب والنواب والوزراء والقادة الروحيين لمناقشة المأزق السياسي أسمع دائما ودوما اللازمة نفسها: لبنان لا يمكنه انتخاب رئيس ما لم تتفق الجهات الخارجية. يقال لي انه لطالما كانت الحال على هذا الشكل، فانتخاب رئيس رهن اما بحصول تقارب بين القوى الاقليمية المتنازعة او تسوية سياسية للحرب السورية أو ضوء أخضر من احدى القوى الخارجية او تلك.

أما برأيي انا فعلى اللبنانيين ان يقرروا بأن اتفاق الاطراف الخارجية لا يمكن ويجب الا يكون ضروريا لايجاد حل للازمة الرئاسية. لماذا؟

أولا، لانه رغم كل الجهود الحثيثة التي تبذلها بريطانيا وغيرها من الأطراف المسؤولة لايجاد حل للازمات الاقليمية، الأ ان التسوية قد تستغرق سنوات. فهل بامكان لبنان الانتظار بعد؟ على كل مسؤول لبناني الّا يدخر جهدا لتفادي تحدي قدرة لبنان على الصمود التي يشتهر فيها هذا البلد بانتظار تبلور حلول للمشاكل الاقليمية المستعصية.

ثانيا، لانه مهما اهتمت القوى الخارجية لأمر لبنان لا بد من ان تضع مصالحها الوطنية الخاصة أولا، فهذه قاعدة ثابتة في العلاقات الدولية. لقد أظهرت بريطانيا مرارا وتكرارا مدى التزامها باستقرار لبنان وأمنه وازدهاره لكن في نهاية المطاف سيُساءل برلمانُنا ووزراؤنا حول مدى دفاع الحكومة البريطانية عن المصالح البريطانية الوطنية. ان البريطانيين ليسوا متصلّبين بشكل استثنائي في هذا المجال، لا بل على العكس نحن نعتمد منظورا واسعا وايجابيا لما يخدم مصالحنا الوطنية. لكن ما اقصد هو انه عندما يترك للقوى الاجنبية القرار حول المسائل اللبنانية الداخلية فان اللبنانيين يسمحون لمصالح الآخرين بأن تتغلب على مصالحهم الخاصة داخل لبنان.

ثالثا، لأن انتظار القرار من جانب الآخرين هو تنصّل من المسؤولية. لكن عندما ينتخب اللبنانيون نوابهم ومجالسهم البلدية ــ كما بدا جليا من نتائج انتخابات ايار البلدية ــ فهم يتوقعون من هؤلاء المنتخبين أن يمثلوا مصالحهم أي مصالح الشعب وليس مصالح اشخاص آخرين يعيشون على بعد مئات لا بل آلاف الاميال ولا مصالح السياسيين الخاصة.

أخيرا، ان النظام معطّل برمّته. فقد مضى 28 شهرا على انتهاء ولاية الرئيس سليمان والكثير من السياسيين اللبنانيين كانوا يعملون بكد للتوصل الى اتفاق على خلف. لكن آن الاوان للاعتراف ان محاولات حشد توافق بين المصالح الخارجية المتنوعة والمتناقضة لمصلحة مرشح واحد قد باءت بالفشل. ان الدستور اللبناني يوفر آلية لحل مثل هذه المشكلة: التصويت في البرلمان لانتخاب رئيس.

عندما أعبّر عن آرائي هذه أمام أصدقائي اللبنانيين يذكرونني بكل لطف بأنني ما زلت جديدا نسبيا في لبنان. لكن يقولون لي ان التدخل الخارجي في الشؤون السياسية اللبنانية هو واقع لا مفر منه بسبب المال والاسلحة والدين. واللافت ان هذا الموضوع لا يثير جدلا عاما هنا: أهو قدر محتوم؟ أو شعور بأنه ما دام كل طرف يحمي ظهره بحليف أجنبي، فهذا يعني انه منتصر؟ اذا كانت هذه هي الحال، فأنا لا اوافق. كل من يهتم بمستقبل النموذج اللبناني للتعايش، وكل من يهتم لأمر الوظائف والفرص الاقتصادية في هذا البلد، وكل من يهتم لأمر الدولة القوية التي تضمن الأمن وحكم القانون، هو خاسر كما يظهر المأزق الرئاسي الحالي.

ان مشاكل المال والسلاح والتأثيرات الدينية الخارجية ستستغرق وقتا طويلا قبل ان تحل. لكن مسألة الرئاسة يمكن ان تحل الآن وعلى ايدي اللبنانيين. لأكثر من عامين، السياسيون اللبنانيون هم انفسهم من قرر انتظار الاملاءات الخارجية وعلى البرلمانيين اللبنانيين انفسهم تقع مسؤولية انتخاب رئيس. ألم تنص مقدمة الدستور اللبناني على ان «لبنان وطن سيد حر مستقل»؟

لذلك أقول: حان الوقت لينتخب لبنان رئيسا بشكل مستقل. حان الوقت ليصوّت البرلمان. حان الوقت للاستقلال رقم 2.

(]) السفير البريطاني في لبنان