هكذا فكّك لبنان “إمارة” الإسلاميين… “ولاية رومية”

قالـوا عنه 28 يناير 2015 0

“الراي” تقلّب حكاية السجن الذي صار… “أسطورة”

الغرفة 359 باتت من الماضي والسجناء الإسلاميون لم يعودوا في “فندق خمس نجوم”:

“القلعة الأمنية” الأكثر شهرة في لبنان أغلقت أبوابها بعدما كانت لأعوام “حصناً” لسجناء المبنى “ب” في سجن رومية المركزي… فلا “إمارة” للاسلاميين بعد اليوم، والغرفة 359 باتت من الماضي وإن كانت ستبقى ذكرى مؤلمة لكل مَن حَكم عليه “امير المبنى” بالجلد داخلها… و”غرفة العمليات” المدججة بأحدث التقنيات ووسائل الاتصال التي تولت إدارة تحركات إرهابية والتواصل مع مجموعات متطرفة انتهت ومعها الظاهرة التي لم يتوان وزير الداخلية نهاد المشنوق عن وصْفها بـ “اسطورة السلاح والمال والمخدرات” وذلك بعد نقْل سجناء المبنى “ب” الى المبنى “د” الذي لن يكون “فندق خمس نجوم” كما اعتاد الموقوفون الاسلاميون.

 

فهذا السجن الذي يقع شرق العاصمة بيروت والذي يُعدّ من الأكبر في لبنان خضع لعملية أمنية قرابة السادسة من صباح الثاني عشر من الشهر الجاري استمرت لنحو 9 ساعات نتيجة افتعال السجناء أعمال شغب وإشعالهم الحرائق لعرقلة سير عملية الدهم والتفتيش. ونفّذت “الهجوم النظيف” قوى الأمن الداخلي عبر وحدات النخبة (شعبة المعلومات والفهود) بمواكبة من القوات الجوية للجيش الذي حلقت طائراته المروحية في محيط السجن لتفادي اي “مفاجآت”، وذلك بإشراف مباشر من الوزير المشنوق وكبار القادة الامنيين الذين حضروا جميعاً على الأرض ورافقوا مراحل السيطرة على المبنى “ب” المؤلف من 3 طبقات من دون سقوط اي اصابات بين السجناء كما جزم وزير الداخلية.

 

العملية تمت بعد أقل من 48 ساعة على تنفيذ الانتحارييْن طه الخيال وبلال مرعيان عملية تفجير مزدوجة في أحد مقاهي منطقة جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) في مدينة طرابلس شمال لبنان أسفرت عن وقوع تسعة قتلى و36 جريحاً، وهي العملية التي أظهرت التحقيقات ان الجزء الاكبر منها تم الإعداد له من خلال “غرفة العمليات” التي يديرها سجناء اسلاميون في رومية من مؤيدي “الدولة الاسلامية” – “ولاية رومية”.

 

سجن رومية، الذي بدأ بناؤه في ستينات القرن الماضي من قبل شركة ألمانية ليُفتتح العام 1970، كان مقدراً له ألا يستوعب أكثر من ألف سجين، غير أن طاقته الاستيعابية تعدّت في الأعوام الأخيرة سقف 3 آلاف موقوف يتوزعون على مبانٍ عدة هي: مبنى المحكومين ومبنى الأحداث والمبنى “د” و المبنى “ب” الذي هو أخطر هذه المباني وتحديداً الطابق الثالث منه المخصص لنحو 370 سجيناً اسلامياً غالبيتهم ينتمون إلى تنظيمات “فتح الإسلام” و”القاعدة” و”جند الشام” ومشتقّاتها ممن صدرت بحق بعضهم أحكام قضائية، وبعضهم الآخر لا يزال قيد المحاكمة، وغالبيّتهم من اللبنانيين و55 فلسطينياً وسورياً و25 من جنسيات عربية وأجنبية. كما يضم السجن مشاغل وقاعات للمحكمة ومطاعم وباحات للنزهة، لكن كل ذلك معطّل، باستثناء مشغل متواضع.

 

أخذ المبنى “ب” شهرته بسبب قاطنيه من المساجين ذوي الخصوصية الأمنية الذين تم فرزهم داخله تحاشياً للخطورة التي يشكلونها في حال احتكاكهم مع سجناء آخرين لا سيما المحكومين بملفات العمالة او بقضايا تتعلق بالشذوذ وغيرها، وذلك نظراً لتشددهم الديني فهم يطلقون الفتاوى ويصدرون الأحكام بحق المساجين. علماً ان غالبية الموقوفين الاسلاميين هم من المتهَمين بقضايا ارهاب ومتورّطين بمعارك خيضت ضد الجيش اللبناني وتم توقيفهم بين عاميْ 2007 و 2008 على أثر حوادث نهر البارد التي وقعت بين الجيش و”فتح الإسلام”، بالاضافة إلى المتورّطين في تفجيرات ضد الجيش في طرابلس والبحصاص والتل (2008) واولئك الذين تم توقيفهم في 2013 على أثر تفجيرات الضاحية الجنوبية والسفارة الايرانية اضافة الى العمليات التي وقعت في البقاع وبالطبع مجموعة الشيخ احمد الأسير التي تم القبض عليها على أثر أحداث عبرا (في صيف 2013) وانتهاء بمعركة باب التبانة التي وقعت قبل اشهر قليلة بين الجيش وبعض المجموعات المسلحة.

 

“أمير” المبنى “ب” كان خالد محمد يوسف الملقب بـ “أبو الوليد” ويُعرف بـ”خالد ملكة” من مجدل عنجر (البقاع) وكان صاحب السلطة المطلقة في المبنى، يعاونه سليم صالح الملقب بـ “أبو تراب” اليمني الذي كان المسؤول الفعلي على الأرض بالإضافة إلى اللبناني بلال ابراهيم الملقب بـ “أبو عبيدة”.

 

وأخطر السجناء معروف بـ أبو عمر سليم طه وهو السوري الفلسطيني محمد زواوي الذي صدر في حقه حكم بالاعدام في ملف مخيم نهر البارد، والفلسطيني بلال كايد كايد وهو من ألوية كتائب عبدالله عزام. ومن الأسماء “الخطيرة” ايضاً عبد السلام الأردني الملقّب بـ “ذئب القاعدة” وهو من القيادات الأساسية في التنظيم في منطقة المشرق العربي، وهو شقيق الأردني الذي جنّد مجموعة فندق “دو روي” الانتحارية في منطقة الروشة في بيروت والمحكوم بالأشغال الشاقة مدة أربع سنوات، والفرنسي الذي أوقف داخل فندق “نابوليون” في الحمراء والمتهَم بعلاقته بمجموعة فنيدق التي كان يترأسها منذر الحسن إضافة إلى ابراهيم الاطرش، عمّ الموقوف عمر الاطرش، الذي يُعتبر من أخطر جماعات “جبهة النصرة” في لبنان وسورية.

 

وتظهّرت خطورة بعض الموقوفين الاسلاميين قبل اشهر حين أطلّ أمير “جبهة النصرة” في منطقة القلمون السورية أبو مالك الشامي في شريط واعداَ السجناء الإسلاميين في رومية “بالفرج القريب خلال أيام معدودات”، قبل ان يظهر أمير “الدولة الإسلامية” ابو بكر البغدادي في فيديو مطلقاً خطة “هدم الأسوار” الرامية الى “فك أسر المسلمين في كل مكان”، ومسمياً الموقوف ابو سليم طه، ومتوعداً بتصفية “جزاريهم” من القضاة والمحققين والحراس، فيما ظهّر الشريط سجن رومية كـ “هدف مركزي” على قاعدة “ان مَن هدم أسوار سجن ابو غريب لن يعجز عن هدم جدران سجن رومية”، وهو ما استدعى اتخاذ اجراءات استثنائية في محيط السجن الذي تحوّل منذ ذلك الحين ثكنة امنية وسط إحكام السيطرة عليه من الخارج فيما بقي المبنى “ب” عصياً على “الدولة”.

 

عمليات تمرد وشغب عدة شهدها السجن منها احراق السجناء داخل مبنى المحكومين في ابريل 2008 فراشهم، وهي العملية التي اسفرت عن اسر عريف و5 مجندين من قوى الامن، وانتهت بمفاوضات بين إدارة السجن وقادة “التمرد”، لتسجل بعدها محاولة فرار من المبنى “ب” قام بها عضو “فتح الاسلام” السوري طه احمد حاجي سليمان قبل ان تتكرر المحاولة في العام 2009 من عناصر التنظيم نفسه، وهذه المرة قام بها سبعة سجناء من مبنى المحكومين ربطوا اغطية ببعضها للتسلل من خلالها من الطبقة الثالثة بعدما نشروا حديد النافذة. وفي العام التالي نجحت محاولة وليد البستاني وهو من التنظيم نفسه بالفرار، فيما فشلت محاولة السوري منجد الفحام الفرار معه.

 

التمرد الأكبر حصل في العام 2011، واستمر من 5 الى 8 ابريل وتمثل بحرائق اشعلها السجناء في المبنى وتدمير بعض محتوياته، وانتهت “الانتفاضة” بمقتل السجين روي عازار في انفجار قنبلة صوتية حاول أحد السجناء رميها على عناصر القوة الأمنية اضافة الى وفاة السجين جميل أبو غني بأزمة قلبية. وفي العام نفسه سجلت حالة فرار خمسة سجناء من المبنى “ب” تلاها في وقت لاحق فرار ثلاثة آخرين. وفي 2012 وقع تمرد في المبنى نفسه احتجز خلاله المتمردون 10 عسكريين قبل أن يفرجوا عنهم لاحقاً. وفي العام 2013 عُثر على الفلسطيني غسان قندقلي جثة، وبحسب ما تم تداوله انه حُكم عليه بالاعدام من قبل امراء المبنى “ب” بعد ضبطه “بوضع مناف للحشمة”.

 

وهناك شبه اجماع على أن تأخر محاكمات الاسلاميين هو وراء ظهور هذه “الأسطورة”، أما السبب الرئيسي في هذا التأخير بحسب محامي بعض الموقوفين الاسلاميين فواز زكريا في حديثه لـ “الراي” فهو “خطأ اداري ارتكبه قاضي التحقيق العدلي حين ضم قضية الاسلاميين بملف واحد، فلو جزئت الملفات حينها لانتهت المحاكمات منذ زمن، والتجزئة تمت بعد سبع سنوات إلى ما يقارب الـ37 ملفاً كما تم فتح قاعة في سجن رومية ما سهل أمر محاكمتهم التي لم تنته بعد بسبب تمنع بعضهم عن حضور جلسات عدة”.

بعد انتهاء عملية اقتحام المبنى “ب” التي تكللت بالنجاح نتيجة الغطاء السياسي والأمني الذي نالته مترافقة مع عنصر المباغتة، تم نقل كل سجناء المبنى “ب” وعددهم 865 الى المبنى “د” مع توزيع السجناء الاسلاميين في شكل يمنع تواصلهم بين بعضهم البعض كما مع العالم الخارجي حيث بدأ “التشويش” على الاتصالات التي كانوا يجرونها عبر الهواتف النقالة، فيما انطلقت عملية اعادة تأهيل المبنى “ب” بطبقاته الثلاث على ان تنتهي في غضون 3 أشهر. علماً ان وزير الداخلية اللبناني كان اعلن بعد “السيطرة” على هذا المبنى انتهاء اسطورة اسمها سجن رومية وبدء مرحلة جديدة، لافتاً الى ان المعلومات التي توافرت عبر تحليل داتا الاتصالات كشفت ان الجزء الاكبر من عملية جبل محسن تمت إدارته من المبنى “ب”، مؤكداً “انا قلت ان من قاموا بالعملية في جبل محسن هم من داعش”، مشدداً على أنه “سيتم ترميم السجن، بما يلبي الحقوق الإنسانية خلال ثلاثة أشهر، كما أنه سيطرح على الحكومة اقتراحاً ببناء سجن جديد”.

 

قوى الأمن الداخلي باشرت بعد انتهاء العملية تفتيش زنزانات المبنى للكشف على بقايا ما ترَكه السجناء ولا سيما ما يتعلق بأجهزة الاتصال المركّبة في “الجناح الخاص” الذي كان يدير فيه القادة عملياتهم مع المجموعات المرتبطة بهم في لبنان وخارجه، قبل ان يعلن المشنوق عبر حديث تلفزيوني “أن الحقيقة الوحيدة الموجودة هي ان المبنى باء كان مقراً لغرفة عمليات تتصل بالعراق والموصل والرقة في سورية وتتصل بعرسال (البقاع) ومخيم عين الحلوة (صيدا)، تتصل بإرهابيين لتنسيق أعمال إرهابية في البلد”.

 

غرفة عمليات داخل السجن … “ولا في الخيال”

ستبقى الصورة التي التُقطت من داخل احدى غرف المبنى “ب” والتي وزعتها القوى الامنية بعيد نهاية العملية الامنية، الأكثر صدمة للبنانيين والمشككين بتضيخم خطر السجناء الاسلاميين.

فالصورة أظهرت أجهزة الكترونية حديثة ومتطورة موزعة على رفوف خشبية داخل غرفة العمليات التي كانت تدار منها العمليات الارهابية، حيث لا يمكن لعاقل أن يتصور امكانية ادخالها الى السجن وتوصيلها وتشغيلها.

بعض الاجهزة الالكترونية هي لتقوية الإرسال وبعضها كان لالتقاط اشارات الشبكات العنكبوتية المتعلقة بالانترنت، كما وُجدت كاميرات تصوير للمحيط، بالاضافة الى اجهزة لتقوية الصوت وغيرها من وسائل الاتصال وأجهزة الكومبيوتر المحمول.

 

وكانت هذه الأجهزة صلة وصل بين أمراء السجن والعالم الخارجي، ويجري التدقيق حالياً فيها لمعرفة العمليات الارهابية التي أديرت عبرها.

على ان الأكثر إثارة في الصور المتداولة كان “صالون الحلاقة” الخاص الذي اقيم وجُهز من “البابوج للطربوش” لـ”أمراء” المبنى، إضافة الى مطبخ خاصّ تم “تبليطه”..