هشام ملحم كتب في “النهار”: “هزيمة “داعش” قد تتحول انتصاراً أجوف”

اخترت لكم 09 يونيو 2016 0

130830172839-exp-lead-intv-hisham-melhem-obama-middle-east-credibility-00012409-horizontal-gallery

النكسات العسكرية التي مني بها تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) حديثاً في سوريا والعراق، والهجمات المنسقة التي تتعرض لها الفلوجة في العراق ومنبج والطبقة في سوريا، والانحسار الكبير في اعداد المقاتلين الاجانب الذين يلتحقون بـ”داعش”، كلها تنبئ بهزيمة “الدولة الاسلامية” كخطر عسكري حقيقي ربما في 2017. ولكن نظرا لطبيعة النزاعات في سوريا والعراق، والدور التدميري لمعظم الاطراف الخارجيين، والثمن الهائل لـ”سياسات الهوية” نتيجة للاقتتال السني – الشيعي والتوتر المتنامي بين العرب والاكراد، فان هزيمة “داعش” العسكرية قد تتحول بسرعة انتصاراً أجوف ومكلفاً للغاية وذا مردود عكسي.
للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية سجل سيئ في ترجمة انتصاراتها العسكرية الى نجاحات سياسية. التحديات التي واجهتها أميركا في افغانستان والعراق كانت في الاساس سياسية أكثر منها عسكرية. ومن المرجح بعد انسحاب أميركا من افغانستان والعراق ان يقع البلدان تحت سيطرة قوى إما عدائية وإما غير صديقة لواشنطن. وبعد هزيمة “داعش” العسكرية في سوريا والعراق سوف يطرح السؤال القديم – الجديد مرة أخرى: ما هو المقبل سياسيا؟ السؤال نفسه طرح بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي في 1989، وهزيمة العراق في الكويت في1991، وبعد اسحاب القوات الاميركية من العراق في 2011.
المفارقة هي ان هزيمة “داعش” أمر جيد بحد ذاته، ولكن اذا جاءت وسط فراغ سياسي وغياب ترتيبات سياسية واجتماعية ودستورية تبدأ عملية بلسمة هذه المجتمعات، فان هزيمة “داعش” سوف تتحول انتصاراً لدول مثل ايران وروسيا، ولنظام في دمشق يشن حرب ابادة بطيئة ضد الشعب السوري، ولنظام مذهبي وفاسد في بغداد. واذا لم تصاحب هزيمة “داعش” عملية سياسية تؤدي الى نهاية سلالة الاسد في سياق عملية انتقالية وحل سياسي يضمن الحقوق المدنية والسياسية لجميع مكونات المجتمع السوري، واذا لم تردع ممارسات ايران التخريبية في العراق، ووقف انزلاق العراق أكثر الى الاستقطابات المذهبية والاتنية، فان هزيمة “داعش” ستؤدي الى انتصار ساحق لما يسمى “سياسات الهوية”. الانتماءات المذهبية والاتنية التي تستثني وترفض كل ما هو خارجها، هي التي ستصير السمة الاساسية لهذين المجتمعين.
القتال في الفلوجة ومنبج يثير اسئلة مقلقة ليس فقط عن الخسائر المدنية الكبيرة المتوقعة، ولكن أيضاً تعميق الاستقطابات المذهبية والاتنية، وتهجير مقصود للجماعات المهزومة، وفي هذا السياق معظمها من السنةّ العرب. ما شهده العراق وسوريا من تهجير للمسيحيين والآشوريين والايزيديين (وفي السابق تهجير الاكراد و”تعريب” مناطقهم خلال طغيان البعث) كله يبعث على القلق لان “القتل بواسطة الهوية” يكون هو المستقبل الموعود للعراق وسوريا.