نهر الدم يقطع طريق بيروت دمشق ..

مقالات 19 ديسمبر 2005 0

اكتشف النظام الجديد في سوريا فجأة أهمية لبنان. تأكد أن هذا البلد الملاصق لأفئدة السوريين قبل جيرته الجغرافية مليء بالمفاجآت السارة أحيانا والمزعجة معظم الأحيان.
عرف النظام السوري متأخرا كم أن لبنان قادر على العدوى بحسناته قبل سيئاته.
جزم النظام السوري بأنه كان جالسا على جبل من الأمن والأمان. كيفما تحرك على سطحه يشعر بالسلام والسلامة.
هرب من الدم بالدم الأغزر الى الأمام فوجد نفسه يمسك بالفراغ بعد أن كانت حبات الأمان والسلام تملأ يديه.
لا يمكن إقناع السوريين بأن انسحابهم سياسيا وعسكريا من لبنان هو أمر عادي يندرج تحت عنوان “المؤامرة” على سوريا. ببساطة العارف يستطيع الجمهور السوري أن يتباحث ولو سرا في تقصير نظامه في قراءة المتغيرات الدولية المحيطة به وبمنطقة الشرق الأوسط. وان المواجهة لو اقتضى الأمر لا تكون كما حصلت ولا كما تحصل الآن.
الجيش الأميركي المنتشر على الحدود السورية العراقية ليس حضورا عسكريا خاليا من المضمون. والرد لا يكون بالكلام على أن هناك جيشا سياسيا أميركيا يحتل لبنان وبالتالي لا بد من مواجهته بالقتل والاغتيال.
هذه قراءة سياسية شديدة البساطة والسذاجة لفهم غنى الوجود السوري في لبنان سياسيا ومدى الخسارة الكبيرة التي منيت بها سوريا بانسحاب جيشها منه وبالتالي قدرتها على الحركة السياسية فيه المفتوحة وليست المغلقة على فتن وأزمات يرسلونها الى اللبنانيين تباعا سياسة واغتيالا؟
تتصرف القيادة السورية أنها وصلت الى نقطة الصفر في السياسة والحضور والدور الإقليمي في اللحظة التي خرج فيها جيشها من لبنان. تعتمد هذه النقطة للاندفاع الى الأمام في كل الاتجاهات أو المتاح منها على الأقل.
المتاح منها كله يذهب الى الأبواب السلبية. يخلعها لو يقدر. يكسرها لو استطاع. يترك آثاره عليها لو عجز عما أراد. لا تفتش هذه القيادة عن أبواب حوار يحمي قدرتها وقدرها. لا تناقش في أي من الأسباب التي أوصلت الأمور الى غلق كل هذه الأبواب التي كانت مشرّعة جزئيا أو كليا أيام الرئيس حافظ الأسد.
يحمي الإسلاميين هنا وهناك على أنهم ورقة في التفاوض الأمني بيده. ينسى النظام أن “علّة” وجوده أنه نظام علماني يحمي الأقليات في سوريا.
يفهم من عشرات التصريحات العلنية العربية والدولية أن ليس لأحد النية في إسقاط النظام السوري هذا إذا استطاع. أكثر من ذلك تبدي السعودية ومصر حرصاً على سوريا ونظامها يتجاوز كل رياح المجتمع الدولي.
فرنسا تطوّر موقفها نحو مزيد من الإيجابية. الولايات المتحدة الأميركية “العدو الأكبر” تحصر البحث في تحسين السلوك السوري. ينتشر الحوار في الدواوين السياسية السعودية حول المفاضلة بين غضبهم الشديد للانتقام لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وبين السياسة الهادئة التي ينتهجها الملك عبد الله. الوالد البديل الغاضب من تصرفات ولده. غير أن والداً مثل العاهل السعودي لا يتنكّر لولده دائماً.
يكثر الحديث في الأوساط السياسية اللبنانية الفرنسية المشتركة عما إذا كان الهدوء الفرنسي على سوريا يسبق عاصفة “صفقة ما”.
يرد عليهم الرئيس بشار الأسد بالقول إن فرض عقوبات على سوريا سيزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط. ثم يقول في آخر الحديث مع القناة الثانية للتلفزيون الروسي أن العمل السياسي والحوار هو الحل الوحيد ولكن ليس على حساب مصالحنا.
كيف يمكن فهم الحركة السعودية والاهتمام الفعلي المصري والتطور في الموقف الفرنسي على أنها جميعها توصل الى العقوبات؟
هل هناك كتاب له عنوان غير “المؤامرة” للأحداث السياسية التي تجري في المنطقة. أم ان القاموس الجديد للرئيس الإيراني أحمدي نجاد هو بوصلة المستقبل في المنطقة؟
أخيرا عادت بعض الأمور الى نصابها في دمشق. تشكلت لجنة ثلاثية من اللواء المتقاعد محمد ناصيف المعروف “بأبو وائل” واللواء المتقاعد هشام بختيار الذي انتخب عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في المؤتمر الأخير، واللواء آصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية. وهي اللجنة البديلة من اللجنة السابقة المكلفة بشؤون لبنان والتي كانت مؤلفة من عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق والعماد حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش السوري السابق ومندوب عن المخابرات العسكرية بدأ بعلي دوبا وانتهى مع غازي كنعان.
اللواء ناصيف اشتهر بأنه مسؤول عن ملف رئيسي في عهد الرئيس حافظ الأسد وهو الملف الشيعي العربي الإيراني بما في ذلك لبنان. تخصص في السنوات الأخيرة بمراضاة المعارضة اللبنانية. من لا يزور خدام يتغدى عنده. من يجافي الشهابي يراضيه هو. من يهرب من كنعان يجد كرسيه المفضل عنده. الحكمة في ذلك للرئيس الراحل أن للجميع مكانا يذهبون إليه في دمشق.
يتمسك ناصيف بصداقته حتى اللحظة الأخيرة من قدرته. عاقل. حكيم. متوازن. لا تأخذه السلطة الى الانفعال. صبور على الزمن. يتركه يأتي إليه بدلاً من السعي نحوه. وثق به الرئيس الراحل الى درجة تكليفه الاهتمام برعاية نشأة أولاده.
اللواء هشام بختيار عمل في المخابرات العسكرية قبل تعيينه رئيسا للمخابرات العامة. ترك المخابرات العامة ليصبح مسؤولا عن مكتب الأمن القومي الى جانب عضويته في القيادة القطرية.
الذين يعرفونه يقولون إنه حذر في كلامه. متمهّل في قراره. اختلاطه محدود جدا في الحياة الاجتماعية. هادئ جدا. متواضع. يعيش بين الناس ومثلهم. لا غبار على نزاهته الشخصية.
اللواء آصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية بعد أن كان نائبا لرئيسها. تدرج بهدوء طوال السنوات العشر الأخيرة في هذا الجهاز متمرسا. شهرته تسبقه. هو زوج السيدة بشرى الشقيقة الكبرى للرئيس الأسد.
القرار الأول لهذه اللجنة هو استعادة لبنان. ماذا؟
نعم استعادة لبنان. لكن ليس بالجيوش والدبابات بل بالسياسة والمخابرات الملازمة للحركة السياسية بحسب مفهوم النظام السوري. لقد اكتشفت هذه اللجنة والرئيس الأسد من ورائها طبعا أن لا حياة سوية وسليمة للنظام السياسي السوري دون القدرة على الضبط السياسي ولو عن بُعد للسياسة اللبنانية. وليس دون تحقيق هذا الهدف من غال أو ثمين.
كان القول الشائع أن لبنان هو خاصرة سوريا الضعيفة في مواجهة الجيش الإسرائيلي. وأن سلسلة جبال لبنان الشرقية هي المدخل الأسهل للاعتداء الإسرائيلي على دمشق مباشرة.
الآن تغيرت النظرية. لمسألة النزاع السوري الإسرائيلي ضوابط أخرى ولبنان ليس من أولويات هذه الضوابط.
أصبحت شوارع بيروت ومحيطها التي يرتع فيها السياسيون اللبنانيون إقامة وعملاً وحركة هي الخاصرة الضعيفة التي يجب معالجتها. وبما أن هذه المعالجة غير ممكنة سياسيا حتى الآن فإن السيارات الملغمة هي الوسيلة لإفهام من لم يفهم أن سوريا لم تترك لبنان.
آخر المتلقين “الأباتي” جبران تويني. أولهم خاله مروان حمادة الشهيد الحي. وبينهما سمير قصير. جورج حاوي. الامتياز أخذه الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لا تمانع اللجنة الجديدة في تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين. بل تقترح توسيعه الى حد تعيين قناصل في المدن حيث وجودهم ضروري لمعالجة مسألة العمالة السورية المنتشرة في كل لبنان.
هذه أيضا من الأوراق اللاحقة. لا استعجال عليها. إذ إن الاتفاق على أسماء السفراء والقناصل سيأخذ وقتا طويلا لقلة العادة وقلة الثقة المتبادلة أيضا. مع أن هناك اقتراحا يسهّل استعجال الموضوع.
لماذا لا يعيّن جبران تويني قنصلاً في الشمال حيث البحر الأرثوذكسي وسمير قصير في صيدا حيث مخيم عين الحلوة عنوان عروبته. وجورج حاوي في المتن الأعلى حيث صنوبراته. كمال جنبلاط في عرينه جبل لبنان.
يبقى السفير. لا أحد يتقدم على رفيق الحريري لشغل هذا المنصب. فعل أكثر من ذلك لسوريا حتى قيل إنه وزير الخارجية اللبناني السوري. عند مناقشة المشروع جديا يسهل التوافق على شهيد شيعي لقنصلية سوريا في النبطية.
إذاً التقدم الأمني أمام العودة السياسية يحصل كل فترة وأخرى. المهم إغلاق أبواب التدويل على لبنان بأي شكل من الأشكال. حتى لو اضطر سعد الحريري الى إصدار بيان يعلن فيه أن والده “توفي” في حادث سيارة. وأن يقوم عبر إعلامه المتهم بالعمالة لكل الجهات أن يعمل جاهدا على إقناع الجمهور بأن ما حدث يوم 14 شباط ليس ما شاهده على التلفزيون. هذا فيلم رعب يبث بين الحين والآخر لإلزامهم بيوتهم.
لم يستطع أحد إقناع القيادة السورية بأن القوى السياسية مجتمعة أو متفرقة في لبنان لا تستطيع ادعاء قدرتها على تدويل أي حدث. حتى لو رغبت بينها وبين نفسها في ذلك. لا سعد الحريري يستطيع ذلك. ولا وليد جنبلاط يدعي هذا الأمر. ولا ميشال عون ولا البطريرك صفير. لا أحد من هؤلاء “يفعل” في التدويل غير قراءته لاحقا لحدوثه. فلماذا تحميلهم عبء قرارات دولية تعد وتقر في مكان آخر؟
إذا كان الحديث يتعلق بالمحكمة الدولية أو ذات الطابع الدولي على حد تعبير الرئيس السنيورة، فهي خيار أكثر من ضروري وحيوي للبنان وللعلاقات اللبنانية السورية. تخفف من الإحراج. تزيح عن كاهل اللبنانيين كشف عوراتهم القضائية والسياسية. وإلا فما هو تفسير الإصرار السوري على رفض التحقيق مع الضباط السوريين في لبنان من قبل لجنة التحقيق الدولية والموافقة على حدوث ذلك في فيينا؟ أليس هذا تشجيعا على التدويل بحد ذاته؟
لا شك في أن سوريا حققت تقدما سياسيا جديا من خلال المسعى الروسي الصيني الجزائري في مجلس الأمن الدولي. وهذا أثمر تعديلا في نص المشروع الفرنسي لصالح القرار 1644 الخاص بعمل اللجنة الدولية للتحقيق وتعاون سوريا معها.
لكن لكل قراءته. الرواة الثقات يرون في القرار الجديد أن المحكمة الدولية آتية لا ريب فيها. تشاور الأمين العام للأمم المتحدة مع السلطات اللبنانية لا يعني إلغاء المبدأ. أما توسيع عمل لجنة التحقيق لتطال كل جرائم الاغتيال فهو مطلب غير عملي وغير واقعي ويتطلب مئات إن لم يكن أكثر من المحققين والخبراء التقنيين. كما أن الطلب بحد ذاته يشبه طلب الحماية الأجنبية وهذا غير وارد عند أحد غربا وشرقا.
لطّف القرار مسألة عدم التعاون السوري في صياغته النهائية مطالبا بالمزيد من التعاون.
هذه هي القراءة الواقعية للقرار. لا قراءة انتصار ولا تفسير اندحار. الكل في مجلس الأمن الدولي وفي دوائر القرار يعلم أن القيادة السورية تلعب لعبة كسب الوقت لتحقق تقدما سياسيا تدريجيا على الساحة اللبنانية يعطل بشكل أو بآخر نجاح آلية التواصل اللبناني الدولي.
الوقت المتاح الآن هو ثلاثة أشهر. إذ إن القرار طالب اللجنة بأن ترفع تقريرا عن تقدم التحقيق كل ثلاثة أشهر وهي نصف المدة المحددة للتجديد في عمل لجنة التحقيق.
ماذا ستفعل سوريا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة تحت شعار “كسب الوقت”؟
الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية علق على الارتياح السوري للقرار الجديد على الطريقة السورية بالقول إنه إذا اعتقد السوريون أن العالم سينسى الوصول الى “قعر” من هو المسؤول عن قتل الحريري فهم مخطئون.
الناطق الفرنسي عبّر باعتدال عن اعتبار القرار ملزماً لسوريا بالتعاون الكامل والمباشر دون تحفظ أو التباس.
الرئيس المستقيل للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس سلم أوراق اعتماده الى خلفه البلجيكي سيرج براميراتس المرجح أن يصل في أواخر الشهر المقبل الى بيروت.
أعلن ميليس صراحة اتهام سوريا باغتيال الرئيس الحريري. لم يترك مجالا للاجتهاد أو التفسير، وهذا من حق قضاة التحقيق الجزائيين في القانون اللبناني. إذ أن قناعة المحقق أو القاضي الجنائي دليل قانوني بحد ذاته.
لم يحرج بذلك أياً من زملائه. إذ إنهم يجمعون على هذه القناعة. لتأكيد ذلك يكشف أحدهم أنه تم الاستماع في دمشق الى اللواء هشام بختيار، وأنهم سيذهبون في منتصف الشهر المقبل للاستماع الى الشاهد العقيد ماهر المسؤول في الحرس الجمهوري وشقيق الرئيس الأسد.
يروي آخر أنهم ذهبوا في المرة الأخيرة للاستماع الى زياد رمضان في قضية أبو عدس. قابلوه في السجن حيث يمكث منذ خمسة أشهر دون اتهامه بشيء. فقد الكثير من وزنه.
برّر ذلك بأنه أصبح نباتيا. عندما أحضروا الغداء للمحققين أكل كل اللحمة المتوافرة في ما أحضروه!
يفسر زميل ميليس اتهامه سوريا بهذا الوضوح أنه يريد قطع الطريق على أي اجتهاد سياسي حول هذا الموضوع. وقبل ذلك هذه قناعته الأكيدة. كيف يمكن إثبات ذلك؟
يجيب “لدينا بعض الأدلة. نحتاج الى وقت لاستكمالها. أتينا الى هنا لنقوم بعملنا. أصبحنا أصحاب قضية. لا يجوز هذا الظلم الواقع على اللبنانيين”.
هذا في الأصل السوري. ماذا عن الفرع اللبناني؟
يرتاح اللبنانيون لاستمرار الاهتمام الدولي تحت عنوان “حقيقة” من قتل رفيق الحريري. الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يتصل برئيس الولايات المتحدة الأميركية للتباحث في القرار 1644. روسيا تفخر بدورها الفعال في الوصول الى صيغة توافقية حققت الاجماع في مجلس الأمن الدولي. الاتحاد الأوروبي يندد باغتيال “الأباتي” جبران تويني.
غير أن هذه الراحة لا تطال التحالف الشيعي بين حركة أمل وحزب الله. إذ إنهم يتصرفون وكأن الاهتمام الدولي بلبنان موجه ضدهم. أجمعت القيادات السياسية اللبنانية على القول إن سلاح حزب الله مسألة خاضعة للحوار الداخلي ولا علاقة له بالقرار 1559 الذي ينص على انسحاب الجيش السوري ونزع سلاح الميليشيات. فعل ذلك سعد الحريري مرات ومرات عن قناعة. سبقه الى ذلك وليد جنبلاط الممسك بخطوط التوتر العالي هذه الأيام. العماد ميشال عون.
كل هذا لم ينفع. اعتبر حزب الله التصويت على طلب محكمة ذات طابع دولي في غياب الوزراء الشيعة تهديدا للحقوق الشيعية السياسية في التوازن اللبناني.
اشترط التحالف لعودة الوزراء الشيعة أمرين الأول اعتماد التوافقية المطلقة لإقرار أي موضوع حساس في مجلس الوزراء. الأمر الثاني وهو الأخطر اتخاذ قرار في الحكومة يبلّغ الى الأمم المتحدة بأن القرار 1559 قد نفذ.
الرد بسيط. الطلب الأول مخالف للدستور. الثاني مخالف للشرعية الدولية. لا السنيورة قادر على الأول ولا لبنان قادر على الثاني.
هذا في الشكل. أما في المضمون فالتحالف الشيعي يريد وراثة حق الفيتو السوري السابق في مجلس الوزراء. ليس لأسباب طائفية بل باعتبارهم ضمانة هذه السياسة. ورغم معرفتهم باستحالة الطلب الثاني فإنهم يريدون إبلاغ كوفي أنان أن حركته باتجاه لبنان لا تحظى بموافقة أكثرية اللبنانيين.
بهذا يجعلون من العماد ميشال عون بيضة القبان في التوازن السياسي للبلد. رغم معرفتهم الأكيدة أن صورة العماد عون معهم سياسيا مكلفة الى درجة لا يستطيع حتى عون تسديد فاتورتها داخليا وخارجيا.
ليس هذا هو المهم بالنسبة للتحالف الشيعي. حتى ولو ظهروا أنهم جزء من حركة كسب الوقت الضاغطة على لبنان والمعتمدة سورياً.
لم تنفع الحركة العربية في رأب هذا الصدع. السفير السعودي الذي أصيب “بلبنان” رغم قصر المدة التي أمضاها فيه حاول جهده. هو يعلم أن مليكه عبد الله حريص على علاقة طيبة مع السيد حسن نصر الله ويعتبره صمام أمان للحزب وللبلد. لذلك صارت زيارات الدكتور عبد العزيز خوجة الى السيد حسن تتكاثر للوصول الى حل لأزمة الوزراء الشيعة.
اعتقد السفير خوجة أنه حقق تقدما كبيرا فإذا به يفاجأ بأن الأمور تجاوزت ما يراه منها. كما حدث حين أبلغ بالموافقة على المحكمة الدولية من الحزب. ثم قيل له لاحقا قصدنا المبدأ وليس إقراره.
سيتعلم الكثير السفير خوجة من السير في الرمال المتحركة. سيأخذ وقته. ماذا نفعل حتى ذلك الحين؟
نعلن الاستنفار الدائم على جميع خطوط التماس السياسية بين الشيعة وبقية الطوائف اللبنانية؟ نذهب الى دمشق لنأتي بالحل كما تعودنا لعشرات السنوات؟
الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حاول تسويق اجتماع لبناني سوري مع الرئيس فؤاد السنيورة بحضور السفير خوجة.
قال له الرئيس السنيورة أنا غير مفوض. واجتماع من هذا النوع يحتاج الى ترتيب سياسي مسبق. التفت الى السفير السعودي الذي قال له “أنا غير مكلف لكن المسعى الخيّر مفيد”.
استوى الأمين العام المتعجل على الاجتماع على مقعده. قال لهما أذهب الى دمشق. أتحمل وحدي مسؤولية السعي. استكشف الأرض السياسية السورية وبعدها لكل حادث حديث.
لم يعد موسى حتى الآن من دمشق. لكنه بالتأكيد لم يجد الأمور ناضجة لإتمام الاجتماع.
ينقل الرواة الثقات عن مسؤول سوري في رده على سؤال عن مستقبل المفاوضات الأميركية السورية، ينقلون عنه رده بالقول نفاوض على كل شيء إلا على وجودنا السياسي في لبنان.
أخيراً اعترفوا بوجود منجم ذهب سياسي في لبنان. لكن ماذا نفعل بنهر الدم الذي يقطع بيروت دمشق؟
الإجابة عند الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية.