“نهاركم سعيد” – 14 آذار بعد انتصارها في الانتخابات: أية حكومة تتشكّل؟

مقابلات تلفزيونية 01 نوفمبر 2009 0


س- أين رفيق الحريري من المشهد السياسي اليوم؟
ج- قبل مجيئي الى هنا، قمت صباح اليوم الباكر بزيارة الضريح لمناسبة عيد الميلاد، وأنا أعرف ما مدى خصوصية هذه المسألة بالنسبة له ، وأنا كنت حاضرا لكثير من هذه الحفلات لسنوات طويلة، حتى بعدما تركت العمل. فوجدت ان أفضل شيء أن أزور الضريح وقراءة الفاتحة هذا الصباح، وشعرت اني تذكّرت سعد أكثر مما تذكّرت الرئيس.

س- لماذا؟
ج- لأن فترة المصاعب التي عاشها منذ أربع سنوات حتى اليوم ليست سهلة، وليس سهلاً أنهارالدم التي مرّ بها، وليس سهلاً الإنهيارات السياسية التي مرّ بها، وليست قليلة الأمور التي نجح بها، وأيضا الأمور التي خيبّت أمله، وما من شك انه حقق قدرة كبيرة على أن يجتاز مصاعب لم يفكر أحد بالتأكيد مسبقا انه يستطيع اجتيازها. وهنا من باب المبالغة أريد أن أقول اني طمأنت الرئيس الشهيد بأن الرئيس المكلّف يقوم بجهد ممتاز وبطريقة مختلفة وبظروف مختلفة أصعب بكثير، وأعتقد ان موضوع الحكومة ليس أصعب مرحلة مرّ بها.

س- هذا يعني انه يمكن أن تحل أزمة الحكومة إذا لم تكن أصعب مرحلة مرّ بها؟
ج- أنا أعتقد ان الكلام الذي ورد في مقدمتك والمنشور في معظم الصحف منذ أربعة أشهر، أعتقد انه خارج السياق وخارج طبيعة المفاوضات التي تحصل. وبالتالي كل الكلام الذي يُقال في الصحف طوال فترة المفاوضات، يُحكى عن طبيعتين مختلفتين، وأنا أعتقد ان المعارضة وتحديدا “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يناقشان على قاعدة حصتهم بالنظام وليس حصتهم في الحكومة، أي وضع قواعد جديدة لطبيعة تشكيل الحكومات، وهذه مسألة لا تتعلق بشكل الحكومة، بل تتعلق بطبيعة النظام، يعني نسمع كلاما كثيرا عن الأكثرية الوفاقية ، ونسمع كلاما انه بعد الطائف لا وجود لحكومة أقلية وأكثرية، ونسمع الكثير من الكلام عن انه نريد تحصيل حقوقنا المأخوذة سنة 1990، ونسمع كلاما عن صلاحيات رئيس الجمهورية، وكل هذا لا علاقة له بتأليف الحكومة، بل بطبيعة النظام، وبالتالي كل واحد يتحدث من منطلق مختلف.

الرئيس المكلّف يعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني، والآخرين إما أنهم يعملون على الآلة الحاسبة كل الوقت كم ستكون حصتهم، ويتحدثون بشكل واضح وصريح حول رؤيتهم للنظام وكيفية تعديله تدريحيا كما حصل في الدوحة.

الدوحة بالنسبة لتشكيل الحكومة اليوم مرحلة متقدّمة، وأنا أعتقد ان تشكيل الحكومة الآن أو المفاوضات تتم بعقل 7 أيار وليس بعقل الدوحة حتى.

س- لكن الدوحة كانت مكسب يحاولون تطويره؟
ج- الدوحة كانت مكسب لفئة وسلم أهلي لكل اللبنانيين، ولكن يجب العودة الى الأصول، فالدوحة هي مرحلة إنتقالية وليست أساس لأي نظام ولا لأي تصرّف سياسي، وليست قاعدة لأي تشكيل حكومة مقبل أو غير مقبل.

حكومة الوفاق الوطني قرار سياسي استراتيجي اتخذه الرئيس المكلّف عشية ظهور نتائج الإنتخابات التي أعطته أكثرية فائقة تلك الليلة، وتصرّف على أساسه بنيّة أننا ممكن أن نجتمع لعدّة عناوين سياسية إيجابية، نمثّل فيها اللبنانيين ونحقق لهم بعضا مما ينتظرونه، سواء بالخدمات أو غيرها، وأن نتحضر كمجموعة لبنانية سياسية أمام المتغيرات الحاصلة في المنطقة. أما الآخرين فلا يتعاطون معه بهذه الطريقة، بل يتعاطون معه على قاعدة انهم يريدون تشكيل حكومة على قواعد جزء منها التغبيير بطبيعة النظام، والتي هي الكلام عن سنة 1990 واتفاق الطائف، وما أُخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية من وجهة نظرهم على الأقل من صلاحيات أو انه لا وجود لأكثرية وأقلية، وان حكومات الوفاق الوطني أمر مُلزم بعد الطائف، وبالتالي عندما نقرأ هذا الكلام، نتساءل: هل يتحدثون عن تشكيل الحكومة أم عن تشكيل النظام؟ وبرأيي انهم يتحدثون عن تشكيل النظام . لذلك من الصعب جدا أن تصل الى مكان منطقي بالتشاور معهم، وأنا لا أستغرب مرور هذه المدة.

س- من يريد أكثر تغيير النظام برأيك؟
ج- أنا لا أقول من يريد أكثر من الآخر، أنا أعتقد انهم يتصرفون على قاعدة ما بعد الدوحة.

س- هل يتصرفون كفريق معارض واحد جميعهم؟
ج- الواضح ان “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وهذا أمر مُعلن وليس سراً عندما يقول الوزير باسيل اننا نحصّل ما خسرناه في سنة 1990.

س- المسيحيون عبر “التيار الوطني الحر” يطالبون باستعادة صلاحيات ما قبل الطائف، والشيعة و”حزب الله” يريدون موقعا متقدّما لهم، لا يمكن ان يكون إلا على حساب السّنة والمسيحيين معا فكيف ذلك؟
ج- أنا لا أوافق على الأمرين: لا أوافق على وجود ظلم في الأول، ولا أوافق على انه هناك حق للثاني ، ولكن ليس هذا موضوعنا الآن.

نحن نتحدث الآن عن تشكيل الحكومة، وتشكيل الحكومة لا يخضع لهذه العناوين، وهذه العناوين لها علاقة بالنظام يجب مناقشتها داخل الحكومة، وليس أثناء تشكيل الحكومة، لأنه إذا ناقشتها في فترة تشكيل الحكومة فهذا يعني وضع الرئيس المكلّف أمام خيار وحيد، وهو أما القبول بكل ما يقولون به، وبالتالي تشكيل حكومة بكامل مطالب المعارضة، وأما أن لا تُشكّل الحكومة.

س- ولكن نرى ان باستطاعتهم أن يفعلوا ذلك؟
ج- أنا لا أقول انهم لا يستطيعون، ولكن أقول توجد لغتان بالتعامل مع تشكيل الحكومة:
اللغة الأولى تقول: بأن هذه الحكومة هي الخطوة الثانية بعد 7 أيار ولتثبيت وقائع سياسية جديدة فيها تغيير لطبيعة النظام.

اللغة الثانية: لغة الرئيس المكلّف الذي يقول بتشكيل حكومة وفاق وطني، وإذا كان هناك من مشاكل سواء تتعلق بما يعتقد المسيحيين بأنه أخذ منهم، أو بما تعتقد الطائفة الشيعية الكريمة بأنها تستحقه، هذا يُناقش في مجلس الوزراء وليس أثناء تشكيل الحكومة.
لذلك كل هذه العناوين هي عناوين تفصيلية غير واقعية لما يحصل.

س- لكن النتيجة واحدة وهي انه لا حكومة؟
ج- إذا أردت أن ارجع الى التفاصيل، فقد كان العرض الأول من الرئيس المكلّف لـ”التيار الوطني الحر” وفيه أربع وزارات : تربية، عمل ، شؤون اجتماعية ومهجرين، فهذه وزارات ممتازة فلماذا لم يقبلوا بها، وأصروا على الإتصالات لأنها كما يقولون مسألة تتعلق بكرامتهم وباستمرارهم وبنجاحهم الخ.

أيضا عُرض عليهم الإتصالات مع مجموعة وزارات أقل أهمية من تلك الوزارات، فقالوا انهم يريدون الإتصالات ، أما موضوع باسيل فيتم مناقشته في وقت لاحق، لأن هذه مسألة سيادية ونريد وزارات أهم من الوزارات الأخرى التي أُعطيت لهم.

أنا لا أعتقد ان حكومات الوفاق الوطني تشكّل على الآلة الحاسبة، وهي تفترض حد أدنى من القدرة على التفاهم بين الأطراف التي ستدخل الحكومة.

ماذا فعل الرئيس المكلّف في البداية؟ هو قرر فتح أوسع الأبواب على المعارضة التي مرّت سنوات من العلاقات الحادة معهم لأنهم سيجلسون على طاولة واحدة، وبالتالي يجب أن تكون هناك قدرة على الحوار بشكل طبيعي، وبدون تشنج وبدون حدّة. والرئيس المكلّف قام بهذا الأمر بالمعنى الشخصي، ولكن لا يستطيع القيام بذلك بالمعنى السياسي.

أعود وأقول الدوحة مرحلة انتقالية وحكومتها حكومة إنتقالية لاجراء الإنتخابات.

س- أنت تقول هذا الكلام ولكن الفريق الآخر يرى ان الدوحة كانت مرحلة مفصلية وليست انتقالية؟
ج- لنفترض انها مرحلة مفصلية، ولكن بعد الدوحة جرت الإنتخابات التي أظهرت بأن مفهوم الدوحة غير ساري المفعول عند الناس، وبالتالي لا يمكن ان ننطلق من الدوحة لمناقشة الوضع اللبناني. فالدوحة حقق السلم الأهلي لفترة انتقالية الى حين حدوث الإنتخابات، وأي قراءة أخرى للدوحة أو لـ 7 أيار هي قراءة بحث عن اشتباك وليس عن وفاق وطني.

أنا أستطيع اعتبار الدوحة مفصلي في تاريخ الأمة، ولكن مفصلي يؤدي الى اشتباك وليس الى سلم اهلي، فالذي أدى الى السلم الأهلي في الفترة الإنتقالية هو الدوحة والحكومة التي شكّلت على أساس الدوحة، حكومة انتقالية لتُجري الإنتخابات، وهذه الإنتخابات حصلت. ولكن نراهم يقولون الإنتخابات لم تحصل، والدوحة بمفهومها الوفاقي لم تعد مهمة، ويريدون البحث في أسس تغيير بُنية النظام مرة من داخل الطائف، ومرة من خارج الطائف، ولكن تغيير طبيعة النظام ومفهوم النظام، عمل المؤسسات الدستورية، وهذه مسألة أصبحت واضحة.

ما علاقة عام 1990 بالحصة في الحكومة؟ وما علاقة الطائف بحصة “التيار الوطني الحر” وهل حدّد الطائف الحصص؟ ما علاقة الأكثرية الميثاقية أو الوفاقية بالأمر؟

الآن هناك مشكلة هي ان معظم الناخبين الشيعة اختاروا ممثليهم من “أمل” و”حزب الله”، وبالتالي أي رئيس حكومة عاقل موزون لا يستطيع تجاهل هذه الحقيقة ويتصرّف على أساسها، ولكن هل هذه الحالة دائمة؟ ممكن لا وممكن نعم، ولذلك أنا أعتبرها مادة دستورية نجاح فئة بالإنتخابات دون غيرها في طائفة واحدة، عندما يتحدثون عن التمثيل العادل للطوائف، فهذا خاضع لنتائج الإنتخابات. وهناك واقع يقول بأن الناخبين الشيعة قرروا أن ممثليهم هم نواب “أمل” و”حزب الله” وأنا لا أستطيع أن انكر هذا الأمر، ولكن في باقي الطوائف لماذا علينا اعتبارها أكثرية ميثاقية أو حكومة وفاق هل بالمسيحيين؟ ولكن هذا غير دقيق لأنه عند المسيحيين نسبة 52 الى 48 ، فكيف يمكن أن نتصرّف تجاهها نفس التصرّف لدى الطائفة المنفردة بتمثيلها أو الحزب المنفرد بتمثيلها؟

إذاً كل هذا الكلام لا علاقة له بتشكيل الحكومة، بل له علاقة بتثبيت قواعد أو أعراف للنظام لا علاقة لها بالنص ولا علاقة لها بطبيعة النظام السياسي. وبالتالي هناك فرق بين أن تكون تعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني برغبتك وباهتمامك بمسألة السلم، وباهتمامك بتحقيق تقدّم بالخدمات التي تعب منها الناس لسنوات طويلة، وتسبب خسائر كبرى مالية على اللبنانيين، سواء بالكهرباء أو بغيرها، وآخرين يناقشون حول يُنيّة النظام.

أنا سألت الرئيس المكلّف منذ فترة طويلة إذا كان “أمل” و”حزب الله” قد سمّوا له وزرائهم؟ فأجابني بالنفي، ولنفترض انهم بانتظار ان ينتهي من نقاشه مع العماد عون، ولكن ما طبيعة هذا التصرّف؟ فهل إذا قاموا بتسمية وزرائهم سوف يسرقهم أو سيتصرّف بهم بطريقة غير متفاهم عليها؟ وبالتالي هذه ليست طريقة للتعاون، وماذا سيحصل مثلا لو اعتمدوا الأسماء منذ أربعة أشهر؟ وماذا سيفعل بهم الرئيس المكلّف ؟ لذلك أعتقد ان هناك أمر آخر غير المعلن، وهناك قراءة أخرى مختلفة في عقل المعارضة تجاه تشكيل الحكومة.

س- إذاً تعتبر ان “حزب الله” أيضا لا يريد تسهيل تشكيل الحكومة؟
ج- إذا أخذنا ما هو ظاهر وعلني عندما يريد “حزب الله” ربط موقفه بالعماد عون دون تحقيق أو دون المساعدة أو دون إيجاد قواعد مشتركة، أو دون تدوير زوايا ، بطبيعة الحال استنتج انهم لا يرغبون بتسهيل تشكيل الحكومة، وإلا كان الإقتراح الأول الذي تقدّم به الرئيس المكلّف مش عاطل أبدا، والإقتراح الثاني الذي تقدّم به رمزياً حقق ما يريده العماد عون. وأنا أعتقد ان مشكلة الرئيس المكلّف هي مع حلفائه أكثر ما هي مشكلته مع الفريق الآخر.

س- لكن من يعرف العماد عون يقول انه لا يمكن ان يمون أو يضغط عليه أحد لا “حزب الله” ولا سوريا ولا إيران؟
ج- لا يوجد شيء في السياسة اسمه لا يمكن أن يضغط، هذه تحالفات طبيعية، ودائما الضغط يُقرأ، بمعنى التنازل، دعينا نعتبر الضغط لغاية التفاهم، فإذا كان لغاية التفاهم فهذا في السياسة أمر طبيعي، فعندما تخوض الإنتخابات مع حلفاء فهذا أمر طبيعي أن يحصل التشاور بينهم، ويكون هناك مجال لقواعد مشتركة أو لنقاط مشتركة، وبالتالي هذا كلام ايضا لا علاقة له بطبيعة تشكيل الحكومة.

من قال أن تضغط عليه بغية أن تختلف معه، لماذا لا تضغط عليه بغية التفاهم معه وإيجاد نقاط مشتركة مع الآخرين للتفاهم معه؟

أنا سمعت الوزير فرنجية على التلفزيون ولا أجد ان شجاعته وصراحته شيء جديد عليه، وهو قال كلاما تشعر معه انه فعلا عنده رغبة لإيجاد تسوية للموضوع، وهو لا يقل تحالفا مع العماد عون عن الأطراف الأخرى، وبالعكس هو جالس معه على الطاولة ويُعتبر جزء من الكتلة الموسعة “التغيير والإصلاح” فلماذا كلام فرنجية ليس ساري المفعول أو مستعمل لدى الفئات السياسية الأخرى وانهم لا يضغطون عليه؟

الوزير فرنجية قال انه يجب أن يتنازل الطرفان، والرئيس المكلّف نيّته طيبة، وهو لا يرغب بكسر حلفائه ونحن لا نقبل ان نكسره.

س- بعد كل هذه العروضات حاول “حزب الله” اللقاء مع العماد عون للبحث معه في إمكانية إيجاد مخارج وتليين مواقف، وقد رفض العماد عون استقبالهم؟
ج- أنا لا أعرف هذه المعلومة، وإنما أنا أعرف انه لا يوجد أحد يرفض استقبال حلفاءه. أنا أعود وأقول: ما يجري الآن هو مفاوضات لها طبيعة لا علاقة لها بتشكيل الحكومة، والمعارضة تتحدث عن شروط لها علاقة بتغيير بُنيّة النظام وطبيعته ولو تدريجيا.

ماذا حصل في الدوحة؟ لقد وُضعت اللبنة الأولى بخربطة انتظام عمل المؤسسات وهي الثلث المعطّل التي لا علاقة لها بالدستور ولا بالمنطق، وجاءت الإنتخابات لتؤكد انه لا مبرر أبدا للثلث المعطّل، والآن أصبحت عُرف وموجودة ولو بشكل مضمر. الرئيس المكلّف وافق عليها، ووافق الرئيس المكلّف على إعطاء عون وزارة الإتصالات حسبما قرأت، كما وافق على توزير جبران باسيل بعد سقوطه مرتين في الإنتخابات، ولكن ما زالوا يريدون المزيد، وبالتالي هذا يؤشر في انهم لا يريدون تشكيل حكومة، بل يريدون القول بأن الإنتخابات لم تحصل وتكاد تكون الدوحة لم تحصل، ويتعاطون بعقل 7 أيار، وليس بعقل تشكيل حكومة يجب أن تقدّم فيها جميع الأطراف.

ويقولون ايضا انهم تنازلوا، ويخترعون تنازلات عن أمور غير منطقية تنازلوا عنها حسب رأيهم.

حكومة الوفاق الوطني لا تؤلّف على الآلة الحاسبة وحكومة الوفاق الوطني غايتها وعنوانها قائم على التفاهم وليس على التحاصص المعادي، ولا على التحاصص المشاكس، ولا على التحاصص المقتَرن بتكبير الرأس.

س- النائب ابراهيم كنعان يقول: نحن من يطالب باحترام نتائج الإنتخابات لأنها لمصلحتهم، وانهم كانوا 21 نائبا أصبحوا اليوم 27 نائبا بينهم 19 ماروني بدل 11 في الإنتخابات الماضية؟
ج- لا أحد ينكر ذلك، ولكن مجموع كتلتهم مع الوزير فرنجية 27 نائبا، ولكن كم نسبتهم من اصل 64 نائب مسيحي ، وبالتالي هناك 37 نائب مسيحي عند الطرف الآخر، ورغم ذلك لا نجد من يتعاطى معهم بأن حصتهم يجب أن تكون أكثر من غيرهم، أو مُلزمين أكثر من غيرهم، أو أقوى من غيرهم.

إذاً هذا كلام يدل على انه أما الإنتخابات ستحصل في الغد، وبالتالي هناك ضرورة لاستنفار الجمهور تجاه هذا المنطق، وإما ان هذا الكلام يُراد به عدم تشكيل الحكومة.

س- لكن هم كـ27 نائب يؤلفون كتلة واحدة قوية بينما بقية النواب المسيحيين ولو كانوا 37 نائبا لكنهم ليسوا كتلة واحدة بل في مجموعة كتل؟
ج- لو افترضنا ان هؤلاء الـ37 اجتمعوا مع آخرين في كتلة، هل يمكن اعتبار ان المشكلة قد حُلّت؟ لا يعقل أن نضحك على بعضنا البعض، فهؤلاء اجتمعوا في “لبنان أولاً” وممكن أن يجتمعوا في تكتل أوسع من ذلك، ولكن هذا الأمر لا يغير شيء ولا يقدّم ولا يؤخر . ففي تكتل “لبنان أولاً” كان جميع المسيحيين موجودين على الطاولة ولم يعتبروا انهم تجمع يريد المحاصصة لا غير.

س- لكن الجميع يعلم ان القوتين الأساسيتين عند المسيحيين هي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” والمنافسة اليوم بين هاتين القوتين؟
ج- ايضا هناك مستقلين جديين ومحترمين، يعني ماذا نسمّي الشيخ بطرس حرب أليس قوة جدية مستقلة محترمة، نائب منذ اربعين سنة وفعّال وخبير بالدرجة الأولى.

س- لكن هناك مشكلة بين الحلفاء أنفسهم ونحن نسمع ان المسيحيين في 14 آذار لهم مطالبهم؟
ج- ياسيدتي، من قال ذلك، قبل أن يحاسبوا على هذه المسألة هل قاموا بتسهيل مهمة الرئيس المكلّف والآخرين عرقلوا؟ فليسهّلوا الأمور للرئيس المكلّف أولاً، وبالتالي هذا الكلام افتراض بأن الآخر لم يقبل، ولكن قبل ان يتحدثوا عن الآخر هم ماذا قبلوا وعلى ماذا تفاهموا؟ هم يقولون يريدون تغيير النظام تدريجيا وبمفاهيم مختلفة. في البدء كانوا يقولون يريدون تغيير الطائف، وبان الطائف لم يعد موجودا، والآن يقولون بالتعديل من ضمن الطائف، وهذه نظرية جديدة وبأن التعديل من ضمن الطائف ينص على الثلث المعطّل، وينص على وفاق وطني كل الوقت لا أكثرية ولا أقلية ، والتعديل من ضمن الطائف ينص على أمور عديدة.

في ما خص صلاحيات رئاسة الجمهورية، أنا سمعت من الرئيس المكلّف منذ فترة طويلة ومن قبل الإنتخابات وصدور نتائجها، بأن لدى الرئيس المكلّف تفكير جدي في هذه المسألة وبمناقشة ثغرات في الدستور، ولكن هذا الأمر يلزمه التوقيت المناسب والهدوء المناسب والتفكير المناسب، وهذا الأمر لا يحصل بالنكايات ولا بالقوة ، إنما تحصل بالتفاهم ، وأنا أؤكد ان لدى الرئيس المكلّف رغبة في ذلك، ولكن عندما يصبح الجو كله جوّ تحدي، هذه الرغبة تصبح وكأن لا قيمة لها، بل مفروضة عليه، ولكن بالتأكيد هو عنده هذه الرغبة، ولكن يتم طرحها في وقتها وفي طبيعتها بالتفاهم مع رئيس الجمهورية ومع غير رئيس الجمهورية، وبالتالي هي حكومة وفاق وطنية لمناقشة هذه المسائل، ولكن إذا كان المطلوب تشكيل حكومة بكامل مطالب المعارضة فكأنهم يقولون له لا تشكّلها.

س- إذا كان “حزب الله” لا يريد قيام الحكومة فلماذا العماد عون هو حامل سلاح عدم قيام الحكومة بوجه القوى الأخرى؟
ج- الحساسية السنية – الشيعية الفائقة منذ 7 أيار حتى اليوم أعتقد انها تمنع الحزب من أن يكون في الواجهة . أنا لا أقول ان “حزب الله” اتخذ قرارا علنيا ، ولكن هم على تحالف أكيد ووثيق الصلة بالعماد عون، وأنا لم أسمع منهم حتى ولو لهجة مشابهة للهجة الوزير سليمان فرنجية الذي هو حليف للعماد عون، ولكنه استعمل لهجة لينة منطقية عاقلة وواعية وشجاعة. وهل ان الوزير فرنجية استعمل هذه اللهجة لأنه فك تحالفه مع العماد عون؟ أبدا هو لم يفك تحالفه بل بالعكس أكد تحالفه.

س- ربما هذا من باب توزيع الأدوار؟
ج- أنا لا أعرف ما اذا كان هناك توزيع أدوار، ولكن أعرف ان لغة المعارضة ليست لغة تشكيل حكومة، هي لغة تعديل بالنظام وفرض شروط . بطبيعة الحال، الرئيس المكلّف لا يستطيع تلبيتها، وبالتالي النتيجة من وجهة نظرهم أن لا تتشكل الحكومة.

س- إذاً كيف تُفك هذه الأزمة إذا كان هناك من يريد تغيير طبيعة النظام، وهناك من لا يجاريها في هكذا ظروف وان لا تخضع لشروطها فماذا سيحصل خاصة وان الرئيس الحص تخوّف من انتقال هذا التأزم الى الشارع؟
ج- لا أعتقد ان أي شيء يمكن أن يحصل في الشارع.

س- ولكن ما لم يحصل بالتفاوض وبالتشاور ممكن أن يحصل بالقوة؟
ج- لا شيء يحصل بالقوة أبدا وتجربة 7 أيار لن تتكرر، وليس لها أي نتيجة سياسية مهما حدث.

س- من يقول ذلك؟
ج- أنا أقول، لأن الأهمية هي في التوقيع السياسي وليست الأهمية في الشوارع، وبالتالي ما قيمة الشوارع إذا لم يحصل التوقيع السياسي؟ وهل نذهب ونشكّل حكومة باتفاق سياسي خارج لبنان؟ لا أعتقد ان هذا ممكن أن يحصل، وبالتالي من يفكّر بهذه الطريقة متوهم بأنه يمكن الوصول الى نتيجة، فالظروف الإقليمية اليوم مختلفة، موقف سوريا مختلف، والعلاقات السورية – السعودية مختلفة ، والعلاقات السورية – الإيرانية مختلفة، وكذلك العلاقات السورية- التركية مختلفة، والوضع اليوم تغيّر ولم يعد كما كان، وهناك تغيير كبير حاصل في المنطقة، لذلك لن تشكّل الحكومة إلا بالتفاهم.

ما أريد أن أقوله هو ان هناك حصة كبيرة لرئيس الجمهورية في هذا المجال، والناس تستأهل ان يتوجه اليها، والناس تصرّفت بمسؤولية في الإنتخابات ومن حقها ان تسمع منه تماما ماذا يحصل.

س- تقصد من رئيس الجمهورية؟
ج- من رئيس الجمهورية ومن الرئيس المكلّف باعتبارهما دستوريا مسؤولان عن تشكيل الحكومة، وأنا أرجو أن لا يفسّر كلامي لأنه الآن كل كلمة عن فخامة الرئيس تعتبر وكأنها تجاوز للمقدسات، ولكن أنا أريد أن أقول: طبيعة تشكيل حكومات الوفاق الوطني تفترض تواطؤا إيجابيا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. التواطؤ الإيجابي يجعل رئيس الجمهورية هو الذي يدوّر الزوايا، أو أن يضع صياغات منطقية وان يتحمل مسؤوليتها هو والرئيس المكلّف أمام الناس، وأنا اسأل لماذا الناس موضوعة جانبا في هذه المسألة كأنها غير معنية.

أي حكومة عاقلة ومنطقية فيها حصص للجميع، وفيها اعتراف بالتمثيل الشيعي الوحيد ، وفيها اعتراف بحصة منطقية وعاقلة لـ”التيار الوطني الحر”، وفيها اعتراف بالآخرين بشكل طبيعي، أنا أعتقد ان باستطاعة رئيس الجمهورية ان يدافع عنها أمام الناس.

س- لكن لا رئيس الجمهورية ولا الرئيس المكلّف يستطيع أن يفرض هذا الأمر لأنه إذا لم تعجب “التيار الوطني” حصته فلن يشارك و”حزب الله” سيقول انه يقف مع الجنرال عون، وبالتالي لا تأخذ الثقة في مجلس النواب؟
ج- أنا أريد الإحتكام الى الناس، فلا يجوز ان تبقى الناس جالسة جانبا، ونحن نقرر من يقبل ومن لا يقبل، وبالتالي لماذا نزلت الناس الى الإنتخابات.

س- ماذا تقصد هل على الناس القيام بتظاهرات؟
ج- كلا، أنا أقول الإحتكام الى عقول الناس والى مشاعرهم ، فإذا كانوا وجدوا ان هناك منطق في هذا الموضوع ما دامت الأبواب الأخرى مغلقة، ولا أحد يقول ان الناس تتصرّف بلا مسؤولية تجاه هذا الموضوع، بالعكس هي تتصرّف بمسؤولية وبمنطق وتتصرّف بوعي.

أيضا فإن السلطة لا تقوم على النص الدستوي بل تقوم على ان تكون انت فوق التفاصيل وقادر ان تدافع عن وجهة نظرك، وقادر حتى كرئيس جمهورية في الموقع الذي أنت شريك فعلي ودستوري فيه، أن يكون عندك قدرة على التواطؤ الإيجابي، وعلى الوصول الى نتيجة تحمي فيها هذه الحكومة تجاه الناس أولاً، قبل ان تحميها تجاه “التيار الوطني الحر” وتجاه “القوات اللبنانية” أو “حزب الله” أو “تيار المستقبل”.

أنا قرأت حديث للرئيس سليمان لصحيفة “الأخبار” بأن مفتاح نتائج القمة السورية-السعودية كان معه، هذا جيد، ولكن كيف سيستعمل هذا المفتاح؟ هل بسياسة سرية تقوم على الإجتماع بفلان أو جمع فلان مع فلان؟ أبدا لأن الناس تستأهل ان يُقال لها ان طبيعة الوضع هي كذا وكذا، ونحن لنا الحل بالشكل التالي: بعد أربعة أو خمسة أشهر وأنت مازلت غير قادر للتوجه الى الناس بحكومة وليس بشعر، هناك من يأتي ويقول ماذا يحصل حتى لو بعث برسالة الى مجلس النواب وقد سبق للرئيس لحود ان بعث برسالة ، ولكن هنا الأمر مختلف.

أولاُ الرئيس لحود كان موضع اشتباك في ذلك الحين، وليس موضع تفاهم ولم يكن نقطة ارتكاز على الوفاق ولا التفاهم مثل الرئيس سليمان، والرئيس سليمان وضعه مختلف تماما، وبالتالي رسالته إذا كان هناك من ضرورة لها، هي رسالة مهمة لأنها تتوجه الى الناس لكي يفهموا ماذا يحصل، والناس الذين نزلوا الى الإنتخابات بهذه النسبة العالية تستحق ان يحكى معها، وان يتوجه لها وأن يقال لها ان المشكل قائم بهذه الطريقة.

س- برأيك اذا أقدم على هكذا خطوة ألا يصبح وضعه مشابه لوضع الرئيس لحود؟
ج- أنت تفترضين وكأنه سيلوم طرف دون آخر، أنا أقول غير ذلك، وليقل قناعاته بشكل واضح وصريح أما عن طريق تشكيل الحكومة وتحمّل مسؤوليتها مباشرة مع رئيس الحكومة المكلّف، والتفاهم على بعض الأسماء، ولتقرر بعد ذلك القوى السياسية ولندع الناس ايضا تقرر إذا كان ما هو مطروح منطقي وعاقل وعادل أم لا، وإلا الى متى سيبقى يفاوض؟ هل ستبقى تفاوض الى حين لم ينته الإيراني من الموضوع النووي، والى ان لا تجري المفاوضات السورية-الإسرائيلية حتى الآن؟ وهل ستبقى تفاوض الى ان تجري الإنتخابات العراقية في كانون ثاني والى ان تجري الإنتخابات الفلسطينية في كانون الثاني، هذا غير ممكن وغير منطقي.

س- لكن إذا تصرّف رئيس الجمهورية بهذه الطريقة لا يكون قد حلّ الأزمة لأن ذلك لن يحصل بمجرد أن يتوجه الرئيس سليمان أو الرئيس المكلّف للناس؟
ج- أنا لا أقول ان يتوجه انا أدعو الى تواطؤ إيجابي ولا بد من تواطؤ إيجابي.

س- لكن ماذا لو وضع فريق في ظهره نتيجة هذا التواطؤ الإيجابي؟
ج- من قال انه سيظلم هذا الفريق لكي يضعه في ظهره.

س- لأن هذا الفريق لن يقبل إلا بما يطالب به؟
ج- عندما تقبل الناس هذا الفريق وغيره سيقبل، أنا لا أتحدث عن مظاهرات، أنا أتحدث عن منطق عاقل وواعي ولا أقبل أن يُقال لي ان الناس لا تؤثر ولا تهتم، أو لا تتأثر بشيء واقعي وواعي وعاقل يُطرح عليها.

س- برأيك الناس ليسوا مسلوبي الإرادة؟
ج- أنا لا أعتقد ذلك وعلى كل حال، فلنجرّب الناس وسنرى.

س- لقد جرّبناها في الماضي والناس نزلت الى الشارع واعتصمت؟
ج- أنا أتحدث عن ظروف مختلفة، أنا أتحدث عن شيء سلمي، حدث كبير اسمه الإنتخابات والناس فعلا سلّمت بها بأحسن ما يكون من صور الديموقراطية، لذلك فلنعامل الناس باحترام ونقدّر عقولهم وان لا نلغيهم وأن نتعامل معهم، ما دامت كل الأبواب الأخرى مغلقة، فإلى متى ننتظر وهل أما ان نستسلم لكل مطالب المعارضة وأما لا نشكل حكومة؟ أنا لن أستسلم لكل مطالب المعارضة، أنا أريد أن أقبل بمطالب المعارضة المنطقية والواقعية التي تحقق الوفاق الوطني، وأقول هذه رؤيتي للناس ولندع الناس تحكم.

س- تقول ان الناس عبّرت عن رأيها بالإنتخابات وهؤلاء النواب ممثلين لهؤلاء الناس، والمفترض بالنواب أن يعبّروا عن صوت الناس في ان يعطوا الثقة أو لا يعطوها، ولكن غير قادرين على تأمين ثقة الحكومة؟
ج- نحن لا نبحث عن ثقة واعتقد انك أوصلت الأمور الى نهاياتها ، أنا أقول يجب خلق جو سياسي في البلد، بمعنى ان يكون مسؤول تجاه ما يعرض عليه، هل هذا منطقي عاقل واعي؟ أو اننا نريد فقط استعمال الغرائز بالإنتصارات وباستعادة السلطات.

س- لكن لكي يستطيع الرئيس سليمان أن يتصرّف بهذا الشكل يلزمه ضوء أخضر معين إقليمي سوري الخ..؟
ج- كلام الرئيس لصحيفة “الأخبار” يوحي وكأنه لديه أكثر من ضوء أخضر. أنا لم أقابل الرئيس، ولكن ما قرأته في الجريدة يوحي بأنه قام بخطوات كبيرة، وان عنده تسهيلات كبرى واتصالات كبرى، ووصل الى وقت يقول انه ساهم بالمصالحة السورية- السعودية، وبالتالي من ساهم بالمصالحة السورية-السعودية ألا يستطيع أن يساهم بالتفاهم على شيء واقعي؟.

س- حتى انه قال ان له دور في موضوع الـ10+15+5 مرورا بتشبثّه بحكومة وحدة وطنية وتوزير الراسبين واتصال دائم مع الرئيس الأسد؟
ج- هذا جيد وليكمل طريقه ربما الرئيس المكلّف قد يقبل منه ما لا يقبله من الآخرين. دعينا نجرّب هذه التجربة.

س- لكن يبدو ان الرئيس المكلّف قد قبِل منه، فبعد أن كان يرفض توزير راسبين، وبعد أن أعلن الرئيس سليمان لصحيفة “الحياة” انه لا يمانع توزير راسبين، قبِل الرئيس المكلّف بهذا الأمر؟
ج- أنا قلت ما دام الرئيس ساهم بعدّة أمور فليكمّل عمله، وأنا لا أطلب أكثر من ذلك، لأنه إذا استمرينا بهذه الطريقة الموجودة سنصل الى مكان لا معنى له، وسيستمر الوقت يضيع ويضيع بين منطقين: منطق تغيير النظام ومنطق تشكيل الحكومة، وبالتالي وبما قاله رئيس الجمهورية وتفضّل به لصحيفة “الأخبار” فليتفضل ويكمِل ما بدأه لأن رئيس الجمهورية ليس فقط حاميا للدستور.

س- لكن رئيس الجمهورية لا يوافقك الرأي، وهو يقول لـ”الأخبار” لا أوافق القول بأن الأزمة الحكومية فتحت الباب على أزمة نظام، ولا يرى ان الخلاف سياسي بل إداري؟
ج- أنا لن أخالف فخامته وما دام الأمر بهذه البساطة فليتواطأ إيجابيا هو ورئيس الحكومة للوصول الى تشكيل حكومة وساعتها أكون على خطأ، ولكن سعيد بالوصول الى هذه النتيجة، ولكن أنا لا ارى الأمور هكذا، وإذا كان فخامته يرى الأمور على هذا النحو فهذا عظيم وممتاز، وليكمل القصة الى نهايتها، ومع الكلام عن المصالحة السورية- السعودية يجب أن نتحدث على شكل من أشكال الحكومة في الداخل وليتحمل الرئيس والرئيس المكلّف مسؤوليتهما في هذا المجال.

وقد تقولين فلان لا يقبل لا بأس، ولكن على الأقل هناك من يقبل، ولكن الآن لا يوجد أحد يقبل، وبالتالي ممكن أن تقبل بعض الجهات وأن تدعم الناس هذا القبول، وممكن ان تُحرج التشكيلة الرافض أيا كان هذا الرافض، أكان “التيار الوطني الحر” وربما “القوات اللبنانية” قد ترفض في وقتها، ولكن الناس ستجد في هذه الصيغة، صيغة عاقلة تدعم الإستقرار وتسير أمور البلد في القضايا الممكن ان تسير فيها ومنها الخدمات وعجقة المشاريع في رأس الرئيس المكلّف.

س- لنفترض ان رئيس الجمهورية أقدم عل هذه الخطوة وشكّل مع الرئيس المكلّف الحكومة، اعتبر ان هذه حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع، وذهبت هذه الحكومة لتنال الثقة؟
ج- لا لن تذهب الى أي مكان. السياسة هي محاولة دائمة وليس أن تقف وتتوسط كل يوم في نفس المكان، والرئيس توسط في أكثر من مكان، ومادام استطاع أن يأخذ قبول الرئيس المكلّف أو أن يثبت مع الرئيس المكلّف صيغة 15+10+5 يعني الثلث المعطّل المضمر، واستطاع أن يصل معه الى توزير الراسبين وإعطاء الإتصالات الى “التيار الوطني الحر” الخ.. كل هذا جيد، فليكمل في هذا المجال، وإذا كان يستطيع أن يصل مع الرئيس المكلّف الى صيغة عاقلة تأخذ بعين الإعتبار ان الرئيس المكلّف سيكون رئيس حكومة وليس أن يقوم بكل ما يطلب منه، بصرف النظر عن رأيه فيه، إذا كان يوافق أو لا يوافق، وهذا الأمر أيضا من صالح رئيس الجمهورية، ومن صالح التوازن في البلد أن يكون رئيس الحكومة المؤلف وليس المكلّف ايضا مرتاح على وضعه، وأوجد تسوية كريمة فيها شيء من الكرامة للوفاق، وليس الكرامة نكاية بأحد أو انتصار لأحد. ودعينا نجرّب لأن الخيارات التي أراها أمامنا هي ما أسميه أنا “حوار الطرشان” لأن كل واحد يتكلم عل موجة مختلفة، فهذا يتحدث عن حكومة وفاق وطني، وذاك عن تغييرات تدريجية بطبيعة النظام.

س- قلت فليكمل وإلا ماذا؟
ج- لا يوجد شيء اسمه وإلا في السياسة.

س- الرئيس المكلّف يقول انه لن يعتذر مرة جديدة ماذا إذاً؟
ج- لنفترض انه اعتذر فأول مرة سُمّي سعد الحريري، وثاني مرة سعد الدين الحريري، وثالث مرة سعد الدين رفيق بهاء الدين الحريري، ولا يوجد أحد سوى سعد الحريري لهذه المهمة، فكيف يُعقل ان شخص نال 71 بالمئة من أصوات السُنة في لبنان، كيف يُعقل التفكير بغيره لهذه المهمة؟ فهذا ضرب من الجنون التفكير بغيره إلا أذا كان هو لا يريد ذلك، ولكن لا خيار آخر، لذلك نحن لا نتحدث عن الإعتذار.

س- بطبيعة الحال ستشكّل الحكومة في النهاية، ولكن ربما كل هذه العراقيل هي لتطويع الزعيم الأكثري، ومجيئه مقيّد بحكومة يكون موقعه فيها ضعيف أو خاضع لشروط الآخرين؟
ج- ما طرحه هو حتى الآن يعطي المعارضة إمكانية كبرى داخل مجلس الوزراء لأنه واضح انه لا يريد الذهاب الى اشتباك، بل يريد الذهاب الى تجانس والى حوار منطقي والى شيء يستطيع من خلاله أن يعمل شيء في البلد، ويستطيع الإحتكام فيه للناس.

أعود وأقول ان أهم شيء تبيّن في الإنتخابات هي القدرة السلمية للناس على أن تعبّر عن رأيها ، ويجب دائما الإعتماد عليهم والتوجه اليهم ومطالبتهم بتحمل مسؤولياتهم، ربما الناس قد ترفض هذه الصيغة، وقالت هذا شيء غيرمنطقي، فلا يكفي أن يقبل نواب “التيار” أو نواب “الحزب” أو نواب “المستقبل” بهذه الصيغة، وأعتقد ان جزءا كبيرا من الناس يؤثرون على كل هؤلاء النواب لكي يقولوا نعم أم لا، وليس صحيحا ان الناس مسلوبة الإرادة وعلى الأقل أنا لا أعترف بهذا المنطق.

س- يقول البعض ان الرئيس سليمان يخضع ايضا الى حد كبير لتأثيرات “حزب الله” وهو يعرف ان الحزب يملك من القوة الداخلية السياسية وغير السياسية؟
ج- كلنا نعرف هذا الأمر، ليس فقط رئيس الجمهورية يعرف ذلك، ومن قال انه مضطر لايجاد تشكيلة فيها مواجهة لـ”حزب الله”؟ لا أحد يريد مواجهته، بل التفاهم معه.

عندما يصبح المطلوب دور سوري إيجابي في لبنان، ولأول مرة منذ عشر سنوات، منذ تسلّم الرئيس بشار الأسد الحكم في سوريا، أصبح المطلوب دور سوري إيجابي في لبنان، فهل هذا يعني انك قررت مواجهة “حزب الله”؟.

س- لكن علينا ان نرى ما إذا كان السوري يمون على “حزب الله” وهناك بعض الآراء تقول بأنه بعدما خرجت سوريا من لبنان أمنيا وعسكريا لم يعد لديها هذا النفوذ على حلفائها ونفوذها محدود؟
ج- من يقول هذا الكلام يكون لا يعرف سوريا ولا يعرف لبنان.

س- لماذا؟
ج- الواضح انه منذ أشهر قليلة حتى الآن هناك قرار عند القيادة السورية باستعادة ما يمكن تسميته التوازن الإستراتيجي لسوريا، بمعنى ان سوريا عضو طبيعي في المجموعة العربية، منفتحة على اوروبا، محاورة للأميركيين، علاقتها طبيعية ومتينة مع إيران، ومؤخرا وقّعوا اتفاق تعاون استراتيجي مع تركيا.

إذاً توجد محاولة لتغيير صورة النظام المشاكس عربيا، المقاتل للأميركيين، الملتصق بإيران، كل هذا يجري تغييره منذ أشهر.

قد تسألين هل هذا الموضوع ينعكس على لبنان؟ الجواب طبعا ينعكس على لبنان، وهذه التجربة ظهرت في التعاون الإستراتيجي مع تركيا وبالإنفتاح بالعلاقة مع السعودية، وفي تفهّم السلطة الفلسطينية ومحمود عباس واستمرار الحوار معها لولا التقرير الأخير، تقرير غولدستون وهو مرحلة وتمر، ايضا بموقف من اليمن يصدر لأول مرة يتحدث عن دعم للحكومة ويستنكر أعمال الحوثيين، وأيضا موقف من العراق، وهناك أزمة شديدة إيرانية- سورية بموضوع العراق، والدليل ان الإيرانيين لم يستنكروا ولا مرة الكلام الذي قاله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن السوريين وطلب أخذهم الى المحكمة، وبالتالي هناك أزمة في العلاقات السورية-الإيرانية ظهرت في العراق، وستظهر في اليمن، وستظهر الآن في الإنتخابات العراقية في كانون الثاني.

إذاً هناك وجهتا نظر في هذا المعنى يتباعدان بشكل طبيعي، وهناك اهتزاز واضح في الوضع الإيراني، وهناك مفاوضات إيرانية مع الأوروبيين سبق أن حدثت عام 1998 مع الأورويين نفسهم في طهران، في قصر اسمه سعد أباد، ويومها افترش الحرس الثوري والمعترضين على هذه المفاوضات الطرقات لمنع سيارات الأوروبيين من التنقل في أيام رئاسة الرئيس خاتمي بمنطق تفاوض حول الملف النووي الإيراني. الآن هناك عدّة آراء في الوضع النووي ، فقد قرأت حديثا للرئيس احمدي نجاد مع فهمي هويدي يقول فيه “اننا قبلنا التعاون مع دول أخرى لتخصيب اليورانيوم لكي نطمئن المجتمع الدولي، ولدينا عروض من دول عدّة للتعاون المشترك في ذلك، وهذا أمر قررناه وسنذهب به الى النهاية”. ولكن نجد ان رئيس مجلس النواب علي لاريجاني له رأي مختلف، وشقيقه رئيس مجلس القضاء الأعلى له رأي مختلف ايضا، وطبعا الشيخ هاشمي رفسنجاني رأيه مختلف، والمرجع الأعلى السيد علي خامنئي رأيه أما ليس ظاهرا وإما داعما وأما مختلفا، وبالتالي هناك مجموعة من القوى تتنازع الآراء والمواقف، ولكن واضح ان الرئيس نجاد والحرس الثوري من جهة، والمرجع الأعلى من جهة، والشيخ رفنسجاني من جهة، والسيد علي لاريجاني رئيس مجلس النواب وشقيقه رئيس مجلس القضاء الأعلى من جهة اخرى، كل هذه الأمور بطبيعة الحال تخلق قلق عند السوريين بأنهم يستندون الى وضع متغير ومقلق، ولم يعد مطمئنا مثل السابق، ولكن السوريين عوّضوا ذلك بسرعة بالإتفاق الاستراتيجي مع تركيا وإنما ليس للمواجهة.

س- لكن هذا الذي يحصل ندفع ثمنه نحن في لبنان؟
ج- أنا لا أتحدث هنا عن الأثمان، فإذا كان هناك موقف إيراني رافض لتشكيل الحكومة لأسباب كثيرة، منها الذي ذكرناه وغيرها وغيرها، لأنه الآن في إيران هناك ثلاث جهات على عكس الشائع، فهناك: الإصلاحيون، المحافظون والمبدئيون، وسبق وقد أعطى قائد الحرس الثوري حديث لـ”الجزيرة” مع الاستاذ غسان بن جدو وقال فيه “نحن مبدئيون وليس محافظين أو إصلاحيين”.

إذاً توجد الآن في إيران ثلاث جهات ولا تستطيع القيادة السورية أن تستند الى هذا الحد من التنازع بتحالف استراتيجي، هي مصّرة على بقاء العلاقة المتينة مع إيران، ولكن بالتأكيد تريد أن تقوم بانفتاح مختلف تماما، لأن الرئيس الأسد يدعو بشكل شبه دائم الى التفاوض مع إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة ويطلب أن تكون تركيا الوسيط ، فهذا كله الآن أمام الإمتحان ، بمعنى ان الرئيس الأسد والملك عبدالله خرجا من القمة ، وبرأيي كل واحد ذهب الى حقل الغام لنزع الألغام ، وليس الى مكان مريح، فكل منهما ذهب في مهمة نزع الألغام.

بدأ الرئيس الأسد في اليمن ويُفترض ان هناك تحالف بشكل أو بآخر بينه وبين آخرين في العراق، لأنه لن يقبل بأن يكون الوضع على ما هو عليه، وهذا بطبيعة الحال يجعله حذرا أو على أزمة مع إيران.

الرئيس الأميركي يستعجل تأليف حكومة لبنان! ما هي تتمة الجملة؟ من اجل التحضير لمؤتمر السلام. فطبيعي إذا كان الرئيس الأميركي يريد تأليف حكومة في لبنان من اجل المشاركة في محادثات سلام أن يكون الإيرانيين لا يريدون هذه الحكومة لأنهم في اتجاه آخر.

س- هذا يعني انك تقول ان هذا الجو لا يعجب الإيرانيين، واليوم نشرت “الحياة” مقالة لوليد شقير جاء فيها: “ان الإيرانيين وخاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد انسحاب سوريا من لبنان وبقاء “حزب الله” كقوة أساسية في البلد، الإيرانيين من خلالها استطاعوا ملء الفراغ الذي تركه السوريون وأصبح لديهم دور معيّن لن يتخلوا عنه بسهولة، ولن يعيدوا سوريا بسهولة الى الساحة اللبنانية على حسابهم”.
ج- أنا لم أقرأ هذا المقال، ولكن تجربة الحزب بإدارة الوضع اللبناني، بغياب الوجود السوري ليست كلها أرباح، وفيها في بعض الأحيان تقييم غير دقيق للنتائج مثل الإنتخابات، حيث كان تقييم نتائج الإنتخابات مغاير لما حصل، وبالتالي التجربة ليست كلها أرباح.

س- لكن من يخسر لا يعني انه يستسلم؟
ج- أنا لم أقل يستسلم ، أنا قلت ليس كلها أرباح، وأنا لا يمكن أن أتصوّر ان سوريا ستقبل أن يكون الإيراني من خلال تحالفه مع الحزب هو اللاعب الوحيد في لبنان، وبذلك نكون نتحدث عن مسألة تتجاوز الأمن اللبناني الى الأمن القومي السوري.

أنا لا أريد إستعمال تعابير كبرى في هذا المعنى، ولكن أعتقد ان من يفكّر بهذه الطريقة لا يعرف سوريا ولا يعرف لبنان.

سوريا لديها الرغبة أو انها تسعى عبر الذي سمعته من الوزير فرنجية على التلفزيون ومن حركة الرئيس بري، ومن حركة الرئيس سليمان بشكل أو بآخر، عندها رغبة للسعي الى تشكيل حكومة، وأعلن الرئيس السوري ذلك، ولكن هذا لا يعني ان سوريا تريد حكومة مخالفة لطبائع المعارضة ، بمعنى انها تريد حكومة بكامل المعارضة.

س- يعني تريد حكومة لا تستهدف المعارضة؟
ج- لا يوجد استهداف ، والمستهدف هو الرئيس المكلّف ومجموعته السياسية وليست المعارضة هي المستهدفة، ولكن أنا أعتقد انه إذا كانت هناك رغبة سورية واضحة بتشكيل الحكومة فهي بشروط المعارضة وليس بغير شروط، ولا يجب أن نعتبر انهم يريدون تشكيل حكومة أو أن يساهموا ويدعموا حكومة بشروط الرئيس المكلّف، هم يريدونها بشروط المعارضة أو بشروط يمكن التفاهم عليها، كما قال الوزير فرنجية ، ولكن أنا لا أرى ذلك أمامي الآن وبسرعة.

بعد ريبورتاج عن أوضاع الطرقات في ظل تساقط الأمطار
س- للأسف كما رأيت هذه هي أوضاع طرقاتنا في الشتاء وفي غير الشتاء؟
ج- اعتقد أن وزير الأشغال ما شاء الله عليه كل يوم عنده نشاط وسيكون رد فعله سريع بهذا المعنى وليس عاديا.

س- وزيرالأشغال منذ فترة وهو يتحرك بهذا النشاط؟
ج- أنا قلت له اذا استمر في العمل على هذا المنوال ستصبح وزارة الأشغال وزارة سيادية، وأتصوّر الآن ان رد فعله سيكون سريعا لمعاجة الأمور، وعلى كلٍ أستطيع القول انه أثناء مجيئي من الروشة الى الاستديو هنا، كانت الطريق معقولة ومقبولة بمعظمها.

س- في كل الأحوال وزارة الأشغال أصبحت سيادية بسبب التنازع عليها؟
ج- لا ليس بسبب التنازع عليها، بل بسبب كثرة عملها، وممكن كما أعتقد منذ زمن بعيد لم نسمع ان وزيرا أحال مديرين على التفتيش وقام بحركة أظهرت انه لا يتأثر سياسيا.

س- هذا يعني انك تشيد بالوزير العريضي وبانجازاته في الوزارة؟
ج- أنا أعرف عمله ، أما إنجازاته فلا أعرف عنها شيء، وأنا لا أتابعها الى هذا الحد، ولكن أعرف انه لا يكل ولا يمل.

س- النائب وليد جنبلاط يرتكز على موضوع نجاح الوزير العريضي في وزارة الأشغال لكي يتمسك بهذه الوزارة؟
ج- لا أعتقد ان هذا هو السبب الوحيد، ولكن الوزير العريضي فعلا يقوم بعمل ويتحرك بصرف النظر عن تمسّك أو تغيّر، هي وزارة مغرية فيها خدمات كثيرة للمناطق ، والوزير العريضي استطاع إيجاد توازن، بمعنى انه انفتح على كل الجهات وعلى كل المناطق، ولم يعتبرها وزارة سياسية تخدم الأصدقاء وتعادي الأعداء، بل تصرّف فيها بطريقة لم نلحظها منذ زمن مع ان هذا هو الطبيعي.

س- هذا ايضا انسجاما مع الموقف السياسي لوليد جنبلاط المستجد المنفتح على الجميع؟
ج- هذا جيد وايضا الرئيس المكلّف منفتح ولكن لا يحصد نفس النتائج بالتفاهم.

س- لكن في موضوع المطالب والمطالب المضادة يبدو النائب وليد جنبلاط أقرب الى دعم الرئيس المكلّف؟
ج- ليس أقرب، بل هو داعم بشكل علني وأكيد صريح للرئيس المكلّف، هو داعم ولكن ليس لديه القدرة ، وهو يعرف ان ليس لديه القدرة أن يلعب دور الوساطة، ولكن بالتأكيد هو داعم بشكل واضح وصريح، وهذا الأمر منذ اللحظة الأولى أعلنه ولم يغيّر وبقي على هذا الموقف.

س- أيضا في مقال وليد شقير لـ”الحياة” جاء: “ان “حزب الله” يسعى بدل تثمير تحوّل جنبلاط لصالحه الى استخدامه للضغط على الرئيس المكلّف ما ترك تساؤلات كثيرة؟
ج- لا أعتقد ان وليد بك في جو الضغط ، وبالأمس سمعت انه مدح اسلوب الرئيس المكلّف بالتعامل مع تشكيل الحكومة، وبالتالي الضغط عليه للحصول على ماذا؟ فهو قدّم الكثير وماذا يمكن أن نأخذ منه؟ لم يبق إلا أن يُقدّم نفسه.

س- يعني ان وليد جنبلاط مقتنع بأن الرئيس المكلّف قدّم الكثير؟
ج- أنا لم أسمع هذا منه، ولكن هذا شيء مُعلن.

س- هل تلتقي وليد جبلاط في هذه الأيام؟
ج- لم ألتقيه منذ مدة.

س- لماذا؟
ج- يُقال ان البعد جفا، بسيطة ولكن أنا لم أسمع هذا منه وأعتقد ان موقفه واضح . أكرر الضغط على الرئيس المكلّف للحصول منه على ماذا؟.

س- للحصول على المزيد من التنازلات؟
ج- للحقيقة صارت الأمور في مكان أصبحت معه مهينة، ولم يعد لها علاقة بتشكيل الحكومة، بل تتعلق بتشكيل النظام ولها علاقة ربما بسياسات اقليمية، فهناك أزمة اقليمية جديدة لا السوري ولا الإيراني يرغب في تظهيرها، ولكن هذا واقعي وموجود، يعني بموضوع المفاوضات مع اسرائيل وخلاف في موضوع التعامل مع العراق، وفي موضوع التعامل مع اليمن ، وفي موضوع التعامل مع فلسطين، وهناك بداية تمايز وكل هذه الامور بطبيعة الحال تؤثر في لبنان.

س- إذا كانت سوريا بدأت تعاون استراتيجي مع تركيا، ولكن تركيا ايضا منفتحة على إيران وتريد أن تنضم إيران الى هذا التحالف، وقد حصل لقاء بين اردوغان ونجاد؟
ج- هذا التعاون لا يهدف الى المواجهة، إنما هدفه التوازن، وأنا قلت سوريا تريد استعادة التوازن الاستراتيجي ، وهذا الأمر لم يتم حتى الآن، وهذه محاولة خطيرة جدا، وأنا قلت لك ان الخروج من القمة السورية-السعودية كان الى حقل الغام، وكل منهما يريد تفكيك الألغام الموجودة في منطقة عمله، أو في مناطق إدارته، وهذه مسألة ليست بسيطة، والتجربة مازالت في بدايتها لا نستطيع الحكم عليها، ولكن بالتأكيد هذا المرغوب منها.

في لبنان ربما التجربة أصعب لأن القوى المتحالفة مع إيران هي ايضا حليفة سوريا، ولذلك توجد صعوبة أكبر لأن كل واحد قرأ تشكيل الحكومة باتجاه مخالف لقراءة غيره، فالأميركي يقرأ الحكومة باتجاه السلام باعتبار انه أعطى فرصة لآخر السنة للسلام ، وبتقديري انه لن يصل الى نتيجة، لأني أرى ان كل هذه الآفاق مغلقة لن توصل الى نتيجة، ولكن سيستمرون، ولذلك لا أتصوّر ان الإيراني عنده رغبة بتسهيل تشكيل حكومة باتجاه السلام الذي يدعو اليه الأميركي على الأقل، لكي لا أدخل في تفاصيل أخرى، ولكن من يعتقد من حلفاء سوريا بأنه يستطيع تجاهل التفاهم معها، أو ان يتجاهل رغبتها إذا كانت فعلا راغبة بتسهيل الأمور يكون لا يعرف سوريا ولا يعرف لبنان.

س- ماذا بعد سلسلة الإنفجارات التي تحصل في الجنوب والوقاحة الإسرائيلية بأنها ستستمر في التجسس على لبنان؟
ج- هذا ليس بجديد ولا غريب على الإسرائييين، ولكن الجديد ان هناك قدرة لبنانية على المواجهة مختلفة عن السابق حتى عند الأجهزة الرسمية كاكتشاف شبكات التجسس.

س- بالأمس ربط النائب حسن فضل الله كشف الشبكات بمرحلة معينة وتساءل لماذا هذا الأمر توقف بعد الإنتخابات؟
ج- ليست المرة الأولى التي يُقال فيها هذا الكلام، وأنا لا أعرف ما هي طبيعة توفّر معلومات جديدة، ولكن لا أعتقد ان كشف الشبكات كان لأسباب انتخابية، وممكن أن يكون العمل جاري لكشف الشبكات، وعادة الأجهزة الأمنية لا تقول نحن نعمل على هذا الموضوع، وممكن انهم مازالوا يعملون وممكن أن تكون اكتشافات جديدة، ولا يجب ان ننسى ان كشف هذه الشبكات في ذلك الوقت خلق نسبة عالية من الحذر لدى الشبكات المتبقية، هذا بالمنطق، وليس لدي خبرة أو معلومات اكيدة، ولكن بالتأكيد ان من كُشف له هذا الحجم من الشبكات يكون قد اتخذ إجراءات عالية جدا من الحذر لمنع اكتشاف ما تبقى من شبكات أخرى، كأن يحوّلوا الخلايا الى خلايا نائمة لفترة طويلة لكي لا يتابعها أحد، يعني هذا أمر طبيعي، اما اعتبارها انها جرت لأسباب انتخابية فالمقصود منه التخفيف من أهميتها، بمعنى انه حتى أذا قمت بعمل جيد فأنت تقوم بذلك لأسباب انتخابية، وهذه تفاصيل غير مهمة، والإكتشاف الذي قام به فرع المعلومات أو وحدة المعلومات لا أعرف ما هي الصفة الأكيدة له، اكتشافات جدية، ولم نسمع في تاريخ لبنان ان هناك جهاز لديه فرع متخصص بمسألة الجاسوسية، لأول مرة بتاريخ لبنان نرى خبراء جديين ويثمر عملهم بهذه الطريقة، ولا بد من إعطائهم الفرصة وعدم الإستعجال بالأحكام المسبقة.

س- هل الإشتباك الإقليمي الذي نشهده اليوم، خاصة بين إيران وسوريا، ممكن أن ينعكس تفجيرات معينة على الساحة اللبنانية، وخاصة الجنوبية؟
ج- ليس بالضرورة، ولكن يجب الإعتراف بأن منطقة الشرق الأوسط كلها مدّولة. ففي منطقة الخليج توجد في قطر قاعدة اميركية عظمى، وهناك اتصالات اميركية لا تنقطع وزيارات لمسؤولين أوروبيين وروس لا تنقطع، ومشاورات قائمة مع الجميع كل يوم أو كل اسبوع، فواضح ان منطقة الشرق الأوسط كلها مدّولة، هناك استنفار دولي حولها ومحاولة للوصول لشيء ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي أو محادثات السلام، بتقديري الشخصي انهم لن يصلوا الى نتيجة، لكن كل منطقة الشرق الأوسط مدّولة وليس الجنوب فقط، والجنوب جزء من هذه المنطقة وجزء من هذا الإستنفار، ولا أرى ان هناك ضرورة لحصول شيء كبير في الجنوب، في سياق المفاوضات الجارية ، ولا يوجد انسداد حقيقي للأفق حتى الآن، فنجد في مكان الأمور صعبة وفي أماكن هناك مماطلة كما حصل في موضوع اليورانيوم، فقد قرأنا في اليوم الأول انهم وافقوا على تسليم 1200 كلغ، ثم قرأنا انهم يسلمونه مجزأ، ثم قرأنا انه لا يجب تسليم أي شيء.

س- لكن من الذي يلعب في الساحة الجنوبية مثل إطلاق الصواريخ وغير ذلك من التفجيرات؟
ج- توجد قوى معلنة، نحن الآن نتحدث عن مسائل استراتيجية في المنطقة، لا أعرف من هي تماما، ولكن بالتأكيد هناك قوى معلنة ومتطرفة، ليست موافقة على القرار 1701 ومسار السلام في الجنوب، وبالتالي لا توافق على مسار تشكيل حكومة وفاق وطني، وغير صحيح ان هذا لا يؤثر على هذا وبالعكس، وبالنتيجة الإثنان يؤثران على بعضهما. ولكن أنا لا أرى مبررات سياسية جدية لفتح الجبهة في الجنوب.

س- لكن هناك حملة على “حزب الله” وعلى وجود “حزب الله”؟
ج- هذه الحملة ليست جديدة، وأنا أعتقد ان الأولوية عند الإسرائيليين الآن في تحقيق تقدّم ما يقتنعون به في مسألة النووي الإيراني أكثر من مسألة “حزب الله” في لبنان أو في الجنوب، أي هناك أولويات، ولكن هذا لا يمنع انهم ولا مرة يرون “حزب الله” غير عدو، وبالتالي ردود فعلهم طبيعية عليه، ولكن أعتقد ان وضع “حزب الله” اللبناني اليوم أفضل بكثير من السابق، والتفهّم لمسألة مواجهتهم إسرائيل ايضا أفضل من السابق، لذلك لا أرى ان التصّرف الإسرائيلي جديد ولا أعتقد ان له قيمة فعلية، لأن الأولوية في مكان آخر، بمعنى ان عقلهم الآن وكل نقاشاتهم تتم بمسألة النووي الإيراني، وبمسألة التفاوض مع سوريا، ولا ننسى ان هناك اعلانات مشتركة بين سوريا وإسرائيل بأنهم حاضرين للتفاوض ثم يتراجعون لأن الأميركيين والقوى الدولية مصّرة على ان الأولوية للوضع الفلسطيني وليس للوضع السوري، ولذلك أنا أرى ان التصّرف الإسرائيلي ليس غريبا بل عادي وتقليدي، ولا أرى ان هناك مبررات سياسية جدية لأي عمليات كبيرة أو تفجير في الجنوب، وبين أن ينتهي هذا الشوبك النووي الإيراني الذي يمتد ويمتد، وبين أن يتضح ما إذا كان هناك نتيجة فعلية لحركة الإدارة الأميركية باتجاه الفلسطيني والإسرائيلي، وبين ان تحصل أمور كثيرة في المنطقة، مازال الوقت مبكرا علينا، ونحن لسنا في الأولويات.

س- يعني لا حكومة قبل كل هذه الأمور؟
ج- أنا لا أربط الحكومة بهذا الموضوع، إنما أقول ان الوضع صعب، ولكن أعتقد انه بمغامرة تواطؤ إيجابي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، هذا باب من الأبواب الجدية المفتوحة للإستفادة منها للوصول الى حكومة.

س- لماذا برأيك لم يقبل وليد جنبلاط بوزارة الإتصالات؟
ج- هو له رأي مُعلن حول هذا الموضوع، وهو قال ان هذا موضوع له جانبين، جانب أمني، وهذه مشكلة بالنسبة له، وجانب الخصخصة التي له أيضا موقف مُعلن بشأنها منذ فترة طويلة بأنه ليس مع الخصخصة.

وعلى سيرة الجانب الأمني أصبحت أفهم أكثر مسألة التعامل أو مسألة النظام الذي وضعوه للحصول على الداتا، وفعلا هناك مشكلة وكنت افترض أن الأمور أسهل من ذلك، وقد حصل اني تلقيت اتصال مزعج يوم حصول الحادثة مع ابنتي، وقد طلبت من الشركة الأرقام التي إتصلت بي في يومين محدّدين، فاكتشفت انهم لا يعطوني هذه الأرقام إلا إذا قدّمت شكوى أمام النيابة العامة، فتقدّمت بهذه الشكوى أمام النيابة وطلبت فيها الأرقام وأصحاب هذه الأرقام، فجاءني الرد بعد ستة أيام، ولكن بدون أصحاب الأرقام، ولقد وصلت الى النتيجة التي أريدها، ولكن لم يرسلوا لي أسماء أصحاب الأرقام، واستغرق الأمر ستة أيام، فإذا كان جهازا أمنيا تقدّم بطلب وسينتظر ثلاثة أيام، لأنه سيتابع الأمر أكثر مني، يكون “الذي ضرب ضرب والذي هرب هرب” فالواضح ان الآلية الموضوعة هي آلية شبهة.

س- ربما الجهاز الأمني يُستجاب لطلبه في فترة أقل؟
ج- لا نفس الشيء، فأنا نائب وأتقدّم بشكوى أمام النيابة العامة، وربما أنا قدّرت ان ما حصل شيء أكبر، ولكن تبيّن ان الأمر بسيط، مسألة سرقة والحمدلله، ولكن كان هناك أسباب أمنية جدية وراء طلبي، والأمر استغرق ستة أيام وليس يوم أو يومين، ومع ذلك يُقال ان هذه الآلية عظمى ومميّزة.

وأريد أن اقول أمر آخر يتعلق بقوى الأمن الداخلي لأني اكتشفت بهذه التجربة الشخصية أيضا بإن الكفاءة والمهارة والخبرة والجدية لا زالت موجودة في جسم قوى الأمن الداخلي وليس صحيحا ما يُقال بأنها مهترئة، بالتأكيد فيها مشكلة، ولكن من خلال تجربتي ومتابعتي اكتشفت انه يوجد ناس جديين ويعرفون ويتابعون وعندهم معلومات، وعندهم اختصاص سواء الشرطة القضائية أو فرع المعلومات، وهم يجيدون عملهم بشكل جيد جدا.

أيضا نكتشف انه مفروض أن يكون عديد قوى الأمن الداخلي 29 ألف، ولكن الموجود 21 ألف من بينهم ثمانية آلاف مجندين غير مثبتين.

أيضا وبحسب متابعاتي وقراءتي فإن مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي هو المجلس الوحيد في لبنان عسكري أو مدني، والذي يحتاج الى 8 أصوات من عدد أفراد مجلس القيادة الى 11 لاتخاذ القرار، فكيف يمكن الإعتماد عليهم؟ كيف يمكن أن تطلب منهم أحسن النتائج؟.

طبعا لقد نجحت خبرتهم في المسألة التي تخصني لوجود تغطية سياسية في هذا الموضوع، وإذا كان هناك تغطية سياسية يقومون بأفضل الأعمال. ولكن 8 من أصل 11 وواحد حامل صليبه والثاني حامل هلاله وواحد يقول لا تسمعوا فلان، وآخر لا يسمع فلان، فكيف يمكن أن أطلب منهم أن يلبوني وعديدهم أقل من المطلوب وطريقة التصويت في مجلس قيادتهم على هذا النحو، بالتأكيد مخالفة للجيش ولأمن الدولة وللأمن العام ولكل الأسلاك العسكرية.

أنا أعرف ان الوزير بارود قام بجهود كبيرة في مجاله، ولكن عندما أقرأ في الجريدة ان الضابط فلان طلب من مجموعته عدم الإستجابة لضابط آخر، أو مع المدير العام باعتباره “فاتح دكانة على حسابه” وممكن هو مُحق، وأنا لا أريد أن أناقش في هذا الموضوع، ولكن على الوزير بارود أن يقول لنا ان هذا الضابط مُحق في ما يقوم به، وإذا قال انه غير مُحق يجب أن يقف جانبا. طبعا ممكن أن يقول انه لأسباب سياسية لم يقم بهذا العمل، ولكن ليس مطلوب منه الإلتزام بالأسباب السياسية، بل أن يترك الأسباب السياسية للذين فشلوا، فهو وزير ناجح ونظم انتخابات ممتازة يشهد له فيها الجميع.

س- لكن ألا تسمع المثل الذي يقول “وحده عليه أن يقوّم المقتاية”؟
ج- طبعا في جهازه عليه أن يفعل ذلك، دعينا نصل الى مكان القول للناس فيه الأشياء كما هي، فإذا كان فلان مخطىء فليقل انه مخطيء، ما دام هو موظف تحت إمرته، وإذا كان مُحقا فليقل انه مُحق وإذا أخطأ يقول انه مخطيء، ولا يجب ترك الأمور فقط لوضع القرارات. هناك مشكلة السجون وهو اتخذ قرار بشأنها وهو مُحق ولكن هل هناك خطة على خمس سنوات لمعالجة هذا الأمر؟ مثلا يوجد خمسة آلاف سجين، والسجون تتسع فقط لألفي سجين، وأنا تحدثت مع الوزير بارود شخصيا في هذا الموضوع، فوجدت انه يقوم بجهد استثنائي حول شيء نموذجي يريد القيام به لعدد محدود، هذا الأمر جيد وممتاز، ولكن هذا ليس الحل إنما الحل هو وضع خطة على خمس سنوات تعالج فيها مسألة السجون وأن يكون المبادر، وأن يفرضها في مجلس الوزراء، فعندما تحصل حالتي فرار خلال ستة أشهر، هذا الأمر يلزم مجلس الوزراء وغير مجلس الوزراء لاتخاذ إجراءات لتنظيم مسألة السجون خلال خمس سنوات وليس أن نضع عدد محدد من الضباط لمسؤولية كبرى وبعد ذلك نعاقبهم عليها، في وقت عندهم أربعة ألاف سجين في مكان يتسع لـ1700 سجين، هناك شيء خطأ في جهاز له علاقة بحياة الناس.

س- كل هذه الأمور يلزمها غطاء سياسي، فالمحاصصة لا تطال الحقائب فقط، بل تطال الأجهزة وكل الدوائر؟
ج- الوزير بارود عنده غطاء الناس، وعنده غطاء نجاحه، وهذا لا يجعله محتاجا أبدا الى غطاء سياسي فهو شخص ناجح واستطاع تحقيق الكثير من الأمور في وزارته ، والإنطباع الدولي في تقرير حريات حقوق الإنسان في التقرير الأميركي تحدثوا عنه، والإنطباع الدولي عنه ممتاز، وهذا يدفعه لاتخاذ قرارات بدون غطاء سياسي، وليترك الآخرين يتحملون المسؤولية، فليضع خطة للسجون وليرفض من يرفض، وعليه أن يقول للناس فلان لم يوافق على وضع خطة للسجون لخمس سنوات ، وبالتالي ماذا سيحصل لو أعلن ذلك؟.

س- هذا يعني انك تطالب الوزير بارود كما طالبت رئيس الجمهورية في موضوع الحكومة؟
ج- طبعا، وكما أطالب الرئيس المكلّف، الأمور تلزمها شفافية والناس تنتظر دور رئيس الجمهورية، والناس مؤيدة للرئيس المكلّف في الكثير من مواقفه، والناس أحبت الوزير بارود وشعبيته جيدة، فلماذا لا يعتمد على غطاء الناس؟ ولماذا يعتمد فقط على الغطاء السياسي؟ ولماذا تحصل خلال ولايته عمليتي فرار من السجون؟ والنتيجة تكون وضع المسؤولية على ضابطين وعدة عسكريين.

هناك مشكلة جدية في نظام قوى الأمن الداخلي لا يريد معالجتها أو ممكن لا يستطيع معالجتها، ولكن فليمنع إظهار هذه البشاعات وليضع الناس أمام مسؤولياتها.

أنا لا أقول ان الحق على فلان دون فلان، أنا لست خبيرا في هذه المسألة، ولكن أنا أفترض انه إذا صدر كلام بدون أي “طعمة” من أي ضابط، على الوزير أن يحمله مسؤولية كلامه مهما كان صليبه كبيرا ومهما كان هلاله واسعا.

الوزير بارود لا ينقصه أي شيء من الدعم الشعبي من موافقة الناس على أي خطوة يقوم بها، ولا يمكن أن يقول لي انه ينتظر غطاءا سياسيا مثله مثل أي واحد جالس منذ أربعين سنة يجمع ناخبين لترشيحه المقبل للإنتخابات، هو عنده ناخبين بما يكفي ويستطيع استعمالهم، لأني أعتقد أن أسلم طريقة في الأزمات الكبرى ان تلجأ للناس وأن تكون شفافا وصريحا وواضحا، وان تُحمّل المسؤولية للناس الذين لا يوافقونك في أي إصلاح جدي تقوم به غير معادي لأحد أو مخالف لأحد، وضروي أكثر من اللازم.

الآن أنا استطيع أن أحمّل مسؤولية من سنة 1990 لكل وزراء الداخلية ورؤساء الحكومات المتعاقبة، ولكن لا أعتقد اننا رأينا وزيرا للداخلية يتمتع بقبول الناس وتفهمهم ودعمهم مثل الوزير بارود. فلذلك نريد منه الإهتمام بسلطته

س- بالنسبة لحديث البطريرك صفير لمجلة “المسيرة” استدعى ردود فعل كثيرة، والبعض تجنّب الدخول في سجال، ولكن هذا الكلام لم يعجبه علما انه ليس بجديد ، ولكن التركيز على موضوع “حزب الله” خاصة وارتباطه بإيران أكثر من إرتباطه بلبنان الخ.. لماذا هذا برأيك؟
ج- أنت تعرفي وأنا قلت من هنا من هذا الاستديو تقديري واحترامي كبير للبطريرك صفير بكل مواقفه منذ سنة 2000 واعتبر انه هو المؤسس لكل ما توصلنا اليه من خير ومن حسنات، ولا أعتقد ان في كلامه لـ”المسيرة” جديد، ولكن عندي ملاحظة أتمنى ان يتحملها سيدنا البطريرك، فلقد بدا واضحا من الحديث انه كان عصبيا جدا، وتبين انه ليس حديثا في سياق هادىء، والواضح ان الحديث كان في سياق ان شخصا قرر أن يقول كل الحقائق كما هي دون أي حساب سياسي ودون أي مراعاة لأي حساسية ولم يترك شيء الا ووضعه على الطاولة كما هو بدون تجميل وبدون مراعاة وهذه ليست طبيعته، لنكن صريحين، فالواضح انه متوترا جدا في الحديث ولكن هذا لا يعني انه أخطأ ، فهناك فرق بين أن يكون متوترا أو مُخطىء. طبعا في موضوع إيران هو لم يقل هذا الكلام لأول مرة، وليس بجديد لا بل هو قال كلاما أكثر صراحة حين قال انه إذا أصاب المسيحيين أي تراجع فهم المسؤولون عن هذا التراجع سواء بالإدارة أو بمسألة حتى التكاثر أو الهجرة، حتى انه حمّل المسيحيين مسؤولية كبرى حول وضعهم السياسي وخلافاتهم السياسية ومدى تأثيرها على مستقبلهم، ولكنه أدلى بحديث صريح جدا لا مراعاة فيه لأحد “منرفز مش مهتم” لردود الفعل وهو بالتأكيد يعرف ردود الفعل على ما قاله.

س- والدليل على ذلك انه في اليوم التالي أكد على هذه المواقف؟
ج- طبيعي هو لن يغيّر وواضح ان هذا القرار بالنسبة له نهائي، وهو صبر منذ العام 2000 حتى اليوم، ورأى الى أين وصلت التجربة وما هي طبيعة المشاكل التي يواجهها اللبنانيين وأين تقف كل جهة؟ وبالتالي لا أستطيع أن أوصّف حديثه غير انه حديث متوتر ولكن مواقفه ليست جديدة، وإذا راجعنا تصريحاته نجد ان الكثير من الأمور التي قالها في هذا الحديث، قالها في السابق ولكن التوقيت مختلف.

س- هل كنت تفضّل أن يقول هذا الكلام بدون توتر؟
ج- أنا لا أستطيع أن أفضّل نيابة عن البطريرك، ولكن أنا أقول قراءتي للحديث وقراءتي هي انه لا يوجد في الحديث عنصر سياسي جديد، فموقفه هو نفسه وهو ثابت في مواقفه وهو مبادر في الكثير من المواقف، وأنا قلت لك انه مؤسس لكثير من الأمور التي وصلنا اليها منذ العام 2000، ولكن جمع كل الأمور في حديث واحد، فظهرت وكأنها كثيرة أو جديدة، ولكن هذا هو موقفه وهذه هي واقعيته، وهذا ثباته على موقفه.

س- لكن الفريق المعارض رأى في هذا الحديث ما يشبه الموقف الذي أعلنه عشية الإنتخابات للتأثير في مجرى الأمور، يعني يصب في خانة تأليف الحكومة لناحية دفع الأمور باتجاه معيّن او باتجاه حكومة أكثرية؟
ج- لا أعتقد انه يريد دفع الأمور لاتجاه معين، فقراءته لموضوع الأكثرية والأقلية في هذا الحديث قراءة واضحة وصريحة، ولكن ليست مفصلة، وكان يلزمها تفصيل أكثر بطبيعة الحال، ولكن ما يقوله حقيقي ، فهناك أكثرية وهناك أقلية، ونحن قلنا في بداية الحديث ان هناك طائفة كبرى اختار ناخبيها ممثليهم من “حزب الله” وحركة “أمل” ولكن هذا لا يلغي وجود أكثرية وأقلية، ولا ينتج نظاما جديدا، ولذلك أنا قلت ان هناك من يسعى لتشكيل النظام وآخرين يسعون لتشكيل الحكومة.

أنا لم الاحظ ان غبطة البطريرك في حديثه يدفع في اتجاه حكومة أكثرية، بل رأيت في الحديث انه يصف الوضع بطريقة متوترة وواقعية ولن يتراجع عنها، كما لم يتراجع عن الكثير من المواقف في السابق، ففي الوقت الذي الجميع يتحدث عن استراتيجية دفاعية تأخذ بعين الإعتبار الإستفادة من سلاح “حزب الله” بمواجهة اسرائيل أو بالدفاع عن لبنان بوجه إسرائيل، من ضمن دولة ترعى الجميع، هو لا يرى اننا سنصل الى هذه النتيجة، بل يرى ان الأمور ستبقى في مكانها، وهذه الجهة عندها ارتباطات سياسية لن تبدلها واتجاهات لن تتراجع عنها، وبالتالي هذه وجهة نظره، ولا أرى ان الحديث محرّض بل حديث واقعي.

أما رسالته في الإنتخابات فكانت تهدف الى تشجيع الناخبين على استعمال حقهم والتصويت والقيام بدورهم، وبأن هناك مخاطر كبرى اذا تململوا أو إذا ترددوا بالإنتخاب .

س- كنت تتحدث عن الرأي العام، ألا تعتقد ان هذا الحديث يؤثر بالرأي العام؟
ج- طبعا يؤثر ولكن هناك فرق بأن يكون الحديث للتعبئة أو انه يقول رأيه. رسالة الإنتخابات كان يقصد بها تعبئة الناخبين للقيام بدورهم باتجاه سياسي وبالمبادىء التي يدعو اليها غبطة البطريرك صفير منذ العام 2000 المتعلقة بالسيادة والإستقلال والحرية، والتي حققت الكثير من النجاحات في فترة من الفترات، ولكن هذا الحديث ليس تعبويا، بل حديث واقعي وهو يصف الوضع كما هو ولم أجد فيه تحريض على حكومة أكثرية، دون الأخذ بعين الإعتبار الآخرين.

س- برأيك حكومة الأكثرية أصبحت غير واردة ابدا؟
ج- غير منطقي لسبب رئيسي وليس لأسباب سياسية، أو لرغبة الرئيس المكلّف بأن هذا يحقق المزيد من التفاهم على الكثير من النقاط في وقت صعب هو ليس منطقيا بأن هناك طائفة بكاملها موجودة في المعارضة، تمثيلها السياسي بغالبيته العظمى موجود في المعارضة ولا يمكن تجاهلها، لذلك لا أرى ان هناك مُبرر حتى للحديث عن حكومة الأكثرية، إنما يوجد مُبرر للحديث عن المغامرة الوطنية التي دعونا اليها بالتواطؤ الإيجابي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف والإتجاه للناس بصورة معقولة، وبالتأكيد لن تولّد وضع أسوأ من الذي نحن فيه، لأنك تستعمل وسائل سلمية بحتة يسمح لك بها الدستور بموافقة رئيس الجمهورية، وانا لا أقول الرئيس المكلّف بمفرده، وليتحمل الإثنان مسؤولية قرارهم، وأعتقد ان لديهم الدعم الشعبي والعربي والإقليمي الذي يسمح بهذه الخطوة إذا أضطروا لها.

س- ماذا يمكن ان نتوقع هذا الأسبوع ما دامت كل الجهود استنفذت وكل المحاولات استنفذت وكل المخارج؟
ج- دائما هناك جهود جديدة وابتكارات جديدة، ولا أعتقد اننا استنفذنا كل شيء، ولكن ممكن ان نصل الى وقت نجد أنفسنا أمام طريق مسدود.

س- حتى ان الرئيس بري الذي كان يقول انه سيبادر ويتحرك مع رئيس الجمهورية كان طرحه قصة المداوره الشاملة حتى بالحقائب السيادية؟
ج- لا أعرف إذا كان هذا الأمر يحل المشكلة، ولكن هل المشكلة اليوم هي في الحقائب السيادية وبالمداورة، والكلام الذي اسمعه من نواب التيار والجنرال لا يؤشر الى ان المشكلة هي في الحقيبة السيادية، والآن أصبحنا نسمع بحقائب وازنة كما يسمونها، يعني انتقلنا الى مكان آخر، وهذا كله يصب في اتجاه آخر ولا يصب باتجاه تشكيل الحكومة.

أنا لا أود تحميل الأمور أكثر مما تحتمل كي لا يُقال اني أحرّض على ان الأمور مش ماشية، ولكن فعلا الأمور مش ماشية، وهذا ليس تحريضا بل وقائع، الأمور مش ماشية، مش ماشية، هناك من يناقش بطبيعة النظام لمعرفتهم انهم لا يستطيعون تحصيلها الآن، وهناك الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية.

س- يُحكى ان رئيس الجمهورية قد يقوم بجولة عربية بدءا بسوريا وبالسعودية، هل برأيك هذا يساعد على موضوع الحكومة؟
ج- كل حركة فيها خير، وبالأصل إتصال الرئيس الأسد بالرئيس سليمان بعد القمة السعودية- السورية حسب كلامه انه سُلّم مفتاح متابعة الوضع الحكومي، ولكن هذا لا يمنع ان يذهب الى دمشق وجدة وطهران والى أي مكان يساعد لا مانع لأن يحاول فيه، ولكن هذه موازين وطبائع سياسية يقررها الرئيس، وأنا لا يمكن أن أقرر عنه ما إذا كان هذا الأمر مناسب أم لا، ولكن أنا أرى بشكل عام ان هذه المسألة مفيدة وكل حركة مفيدة ، وكل حركة تضيف ولا تنقّص، فضلا عن ان الحركة باتجاه الناس والإعتماد على الناس حركة خير.

س- والتأليف مازال بعيدا؟
ج- لا أعتقد انه قريب أو بعيد، ولكن أعتقد انه يجب تغيير مفاهيم المقاربة، وليس المهم ان كان قريبا أو بعيدا، بالتأكيد ليس قريبا ، ولكن ليس هذا الأساس، لأن الأساس في تغيير عقل المقاربة، وكيفية مقاربة الموضوع، لأن الوسائل المتّبعة حتى الآن لم توصل الى نتيجة، لا صبر الرئيس المكلّف ولا ليونته ولا انفتاحه او تنازلاته، أو قبوله بأمور لم يكن يقبلها، كل هذا لم يشكل حكومة، ولا أعتقد ان لدى الرئيس المكلّف اشياء كثيرة ممكن أن يقدّمها، ولا أعتقد انه من المنطقي أن يقدّم أشياء كثيرة، وأعتقد ان أمامه طريقة واحدة أو تجربة ليس بالضرورة أن تنجح ولكنها ضرورية وشرعية ومتاحة ومباحة وهي التواطؤ الإيجابي مع رئيس الجمهورية والتفاهم على شكل منطقي وعاقل وعادل وطرحها على الناس، ولنرى ماذا يريد الناس، لماذا علينا ان نفترض مسبقا فإذا لم تنجح تضاف الى المحاولات التي لم ينجح ولكن هذا حق لا يجوز أن نتخلى عنه.