“نهاركم سعيد” – سلاح “حزب الله” والصيغة اللبنانية: إستحالة التعايش

مقابلات تلفزيونية 15 فبراير 2006 0

س – لا بد من أن نبدأ مما شهدناه أمس في تظاهرة 14 شباط، وأنت في صيف العام الماضي كتبت وداعا 14 آذار، هل ترى في صورة الأمس إستعادة لـ14 آذار أم هي تعبير آخر؟

ج- بالتأكيد هناك hستعادة شعبية ، أنا كتبت وداعا لـ14 آذار بمضمونها السياسي، وليس بحالتها الشعبية، وكان واضحا بالأمس ان كل الناس الذين نزلوا كانت صورة الرئيس الحريري أمامهم، كذلك الذين لم ينزلوا، فهم لم ينزلوا لأن صورة الرئيس الحريري أمامهم، فهذا هو الشيء وعكسه. ولكن العنصر الآخر الذي ساعد كثيرا بالأمس، هو وجود النائب سعد الحريري، ومجيئه الى بيروت وإحساس الناس بأنه يشاركهم في هذه المناسبة، ويقف معهم ويتعب معهم ويشعر معهم، فهم إذاً نزلوا وكأن ليقولوا له أهلا وسهلا أيضا وأيضا.

المسألة الثالثة: تبيّن أو ظهر بالأمس ان هناك محاولة جدية لإعادة التماسك السياسي لـ14 آذار، ولكن هذا لا يعني حصول أرباح، فهناك فرق بين إعادة التماسك السياسي بعد فترة ظهر فيها أن هناك فكفكة، ونوع من التراخي، وبين أن نقول ان هناك أرباحا سياسية تم تحقيقها من خلال 14 آذار غير التي تحققت في العام الماضي.

أنا أعتقد ما حدث بالأمس إنتصار شعبي كبير، لكن من الممكن القول أن هناك إمكانية لإستثماره سياسيا بشكل جدي.

العنصر الرابع الذي لاحظته بالأمس، ان وليد بك كما هي عادته، ومثلما دعا سعد الحريري للحوار في خلاصة كلامه، تحت عنوان “لبنان أولا” وهو عنوان حوار أيضا، رغم الكلام عن الدعوة لإسقاط رئيس الجمهورية، ولكن الواضح ان وليد بك هو من وضع جدول الأعمال للجميع، وليس فقط لسعد الحريري.

س- هل أحرج في ذلك شركاءه في 14 آذار؟

ج- لا أعتقد ذلك، وأنا أرى أن لدى وليد بك هامش من الحرية السياسية، لا أحد من حلفائه يستطيع معارضته فيه، خاصة بالكلام الذي قاله بالأمس. فالكلام الذي قاله بالأمس كان واضحا أنه يعبّر عن جزء كبير من اللبنانيين، وبالتالي هو عبّر عن عواطفهم وإحساسهم وإتهاماتهم.

س- أليس هذا الكلام فوق طاقة هذه القوى التي التقت أمس في ساحة الحرية؟

ج- مسألة النظام السوري مسألة فوق طاقة لبنان كله، ولكن ما حدث بالأمس ليس تنظيما لمعارضة النظام السوري، هو تعبير عن معارضة النظام السوري ببعض الشعارات، وإجابات على الكلام الذي صدر عن دمشق بحق بعض السياسيين اللبنانيين أو بحق التظاهرة التي تمت في 14 آذار الماضي على أنها قلّة عابرة.

أعتقد أن هناك مشكلة أساسية بالتعابير السياسية المتبادلة بين لبنان وسوريا، وإن كان مبكرا الحكم على ذلك، إلا أنني أعتقد ان السوريين لم يقتنعوا حتى الآن، بأنهم خرجوا من لبنان.

س- تقصد أنها مجرّد ردّة فعل حتى الآن لا أكثر؟

ج- هي موقف ولكنها ليست تنظيما ، هناك فرق بين أن يكون لك موقف، وأن تأتي بمجموعة من الناس تجلس معهم على الطاولة، حول تنظيم معارضة لسوريا عبر الإتصال بأطراف مختلفة.

س- عندما تقول ان وليد جنبلاط وضع أجندة العمل لهذه القوى ، فلا بد أن يكون هناك خطة، وماذا يعني عندما يقول يجب الثأر من لحود وبشار؟

ج- أنا كتبت عن هذا الكلام بالقول: النسر الجارج سجينا، وأعتقد انه عندما يكون شخص ما في وضع أمني ووضع سياسي مثل وليد جنبلاط، لا يمكن في وقت من الأوقات إلا وأن يشعر بأنه يريد ان يقول ما لا يُقال، وأن يفعل ما لا يُفعل، وأن يُلزم الآخرين بما لا يستطيعون إلتزامه. وهكذا فعل وليد جنبلاط بالأمس. ودعينا لا نبالغ بالأمر ولنعتبر ذلك حدا أقصى في جدول أعمال الحوار.

س- هل هذا الكلام يفتح المجال بعد للحوار؟

ج- لا بد من أن يفتح الحوار، ولا يوجد وسيلة أخرى ولا توجد وسيلة قطيعة ، ولا أحد يملك الخيار بالقطيعة، ولا بد أن نصل للحوار اليوم ، غدا، بعد أسبوع أو شهر، لا يوجد خيار آخر.

س- القراءات الأولى للكلمات التي ألقيت أمس تعتبر أنها ستصعّد الحوار، خصوصا الذي دعا إليه الرئيس بري، ورد الفعل الأولى كان لـ”حزب الله” بأن هذه الكلمات تستعيد خطاب الحرب الأهلية؟

ج- اللبنانيون معروفون بأنهم أبطال في المبالغات، وهذه الحرب الأهلية بين مَن ومَن؟ وعلى أي قاعدة؟ وهذا يشبه كلاما قرأته صباح اليوم للأستاذ جبران باسيل، ولا أعرف إذا كان دقيقا، ولكن نُقل عنه أنه لم يكن هناك مشاركة مسيحية في المظاهرة.

أنا أرى هذه ليست مبالغة لبنانية، إنما هذه إستعادة لذاكرة العماد عون لحرب الإلغاء، ولكن لا أحد يستطيع إلغاء أحد، ولا يمكن لأحد أن يفكر بإلغاء الآخر، وهذا كلام غير منطقي. كذلك من يتحدث عن حرب أهلية، أنا أسأل حرب أهلية بين مَن ومَن؟ الحرب الأهلية لها مستلزماتها وقوى تساندها، وقوى تعارضها، ولها تمويل وتسليح وتدريب، وهذا كله غير ظاهر سوى عند “حزب الله” ، والسيد نصر الله نفسه قال في خطاب منذ فترة “ان القادرين على الحرب الأهلية لا يريدونها ، والذين يريدون لا يستطيعون”.

أنا آخذ بالجزء الأول من كلام السيد نصر الله، أما الجزء الثاني لا أعتقد أنه كلام جدي أو كلام له معنى تنفيذي في أي مجال من المجالات.

البارحة، ظهر لبنان بأنه لا يعاني من مشكلة كوطن، وظهر بأن عنده قدرة وطنية على التقدّم وأن يقول رأيه ، ويُثبت إنه شعب ديموقراطي ليبرالي وحر، ووسائل تعبيره هي وسائل سلمية، وليست وسائل عسكرية، وبكل هدوء ومهما كان عدد الناس في تظاهرة الأمس، مليون أو أكثر ، اللافت انه لم تحدث ولو حادثة بسيطة، هذا كله يؤكد القدرة الوطنية اللبنانية.

س- ما الذي دفع الناس بغض النظر عن شعورهم وتعاطفهم مع هذه الذكرى الأليمة ، جريمة إغتيال الرئيس الحريري ، ما الذي دفع الناس للنزول بهذه الأعداد؟

ج- بصراحة ما دفعهم صورة الرئيس الحريري، ودعينا لا نبالغ ولا ننسب الى أحد شيئاً ليس له، ودعينا ننسب هذا الأمر للغائب. صورة رفيق الحريري هي التي أتت بالناس الى ساحة الحرية.

وأنا أعرف ان هناك مناطق لبنانية بكاملها، فرغت من ساكنيها، وقد قال لي أحد الأصدقاء أن قريته لم يبق فيها أمس سوى شرطة البلدية، هؤلاء الناس لا أحد يأتي بهم ، صورة رفيق الحريري تأتي بهم.

س- فقط صورة الرئيس الحريري، أليس هناك صورة إستفزت مشاعرهم، ويُقال ان تظاهرة 8 آذار إستفزت هؤلاء الناس فنزلوا في 14 آذار؟

ج- أبدا، أنا لاأوافق أن 8 آذار إستفزت 14 آذار، أنا متأكد أنه في 14 آذار الماضي الناس ، بالتأكيد نزلت من أجل صورة رفيق الحريري، وليس لمعارضة صورة 8 آذار، رغم معارضتهم لها، هذه مسألة أخرى ، لكن لم ينزلوا تحت شعار معارضة 8 آذار. فأنا مثلا أهلي واقربائي وأولادي نزلوا بدون أن يكون عندهم فكرة بأنهم يقومون بهذا الشيء معارضة لـ8 آذار، بل نزلوا بسبب صورة رفيق الحريري، وهذه ظاهرة لم نعتد عليها بعد.

س- لكن ما من شك ان الدعوة التي أطلقتها قوى 14 آذار كانت محاولة لإعادة تثبيت وجودها سياسيا من خلال التظاهرة الشعبية؟

ج- طبعا، طبعا، ولكن هذا لم يُترجم بعد، نعم هناك إنقلاب حدث في 14 آذار الماضي، ولكن لم يكتمل لأسباب كثيرة تتعلق أولا بالرمز المعلن الآن ، وهو بقاء الرئيس لحود في قصر بعبدا، هذا الإنقلاب الذي لم يكتمل مازال على حاله.

س- في ظل هذا الخطاب السياسي عالي السقف في 14 شباط والذي كان تحت إطار التعهد للرئيس الحريري، وكلنا يذكر صورة الرئيس الحريري، رمز الإعتدال ، ماذا بقي من سياسة الرئيس الحريري الوسطية المعتدلة؟

ج- أنا أعتقد انها لا تزال على حالها، المشكلة بالجمهور الآن، وليس بزعاماته، النائب سعد الحريري كان خطابه معتدلا، وهو زعيم هذه الغالبية التي كانت في ساحة الحرية، صحيح ان عواطفها الجياشة تظهر عندما يتكلم السيد وليد جنبلاط، ولكن بالأساس هذه المجموعة تابعة بغالبيتها العظمى للنائب سعد الحريري الذي كان خطابه معتدلا وليس تحريضيا.

وبالتالي حتى الكثير من الخطباء لم يصعّدوا، ما عدا واحد أو إثنين، بإستثناء النائب وليد جنبلاط الذي أحب أن يعبّر عن مشاعر الناس، وليس عن خريطتهم السياسية. وأعتقد ان الناس تحب وتشجع هذا النوع من الكلام، لأن الناس بطبيعتها مازال عندها مسألة الثأر، وهذه مسألة جديدة على السُنة أصلا، فالسُنة لا يملكون عقلا ثأريا، ولم يكن في تاريخهم وجود للعقل الثأري، الآن دخل عليهم عنصر جديد يقول بأن لديهم عقل ثأري يعبّر عنه، بشكل أو بآخر او بشكل دائم الأستاذ وليد جنبلاط.

س- برأيك ان الوزير وليد جنبلاط ما زال في إطار المقبول لقوى 14 آذار؟

ج- ما زال في إطار السعي للحوار ولا يوجد أي خيار آخر لكل هؤلاء اللبنانيين، وبالتالي كلهم بدون إستثناء عندهم مشروعية دم، ونعم وليد جنبلاط، سعد الحريري، نبيه بري، السيد حسن نصرالله، العماد عون والدكتور جعجع، هؤلاء الستة الذين يعتبرون أساسيين الآن في القيادات السياسية ، كلهم عندهم مشروعية دم ولا يستطيع أحد منهم أن يقول انه أتى من الجامعة الى السياسة، ما عدا سعد الحريري، الذي مشروعية دمه هي مشروعية دم والده، ولكن الآخرين كلهم عندهم مشروعية دم وتعوّدوا على هذا الكلام الكبير وهذه السقوف العالية.

س- نحن نلاحظ ان النائب وليد جنبلاط من مرة الى مرة يصعّد وهذه المواقف أعاقت جهودا عربية من أجل تخفيف التوتر في لبنان، وفي العلاقة مع سوريا أيضا، هذا الكلام يتم التعامل معه من الأطراف الداخلية على طريقة التمييز بين كلام النائب سعد الحريري وجنبلاط لا نتكلم معه لأننا لا نقبل هذا الكلام، فكيف ستكون خطة المستقبل؟

ج- هذا جزء من العمل السياسي ، دعينا لا نبالغ بتصوير ما حدث بالأمس وكأنه أما إفتراق وأما عناق، هناك جزء من العمل السياسي الذي يأخذ بعين الإعتبار الكلام الذي قاله زعيم تاريخي وأكيد وثابت إسمه وليد جنبلاط، وكلام قاله زعيم صاعد وواعد وشعبي إسمه سعد رفيق الحريري، وكلام زعيم يحاول إستعادة مكانته وزعامته بعد خروجه من السجن هو الدكتور سمير جعجع، فإذا نظرنا بهذا الإطار نجد أنه أمر بسيط.

لقد حصل خطأ جدي في الإدارة السياسية اللبنانية تجاه المبادرة العربية ، وأنا أعتقد ان الجميع أخطأوا ، فقد أخطأ الوزير جنبلاط والرئيس السنيورة وحتى السيد سعد الحريري أخطأ في بداياتها، ولكن أعتقد أن الأمور تأخذ الآن منحى آخر، ولا أرى ان المبادرة العربية على قاب قوسين أو أدنى ، ولكن أعتقد انه لا بد وأن نصل إليها في يوم من الأيام، وقد يلزم ذلك شهرا أو شهرين، تهدأ النفوس وتجد الأطراف كلاما آخر تقوله.

س- لكنها ليست سهلة وقد عبر عن ذلك الرئيس السنيورة لـ”النهار” قبل أن يغادر اليوم الى روما، حيث قال: “أصعب شيء الآن بعد هذه التظاهرة أمس، أننا سنتابع تحركنا وإتصالاتنا وسنعمل على تفعيل الحكومة”. يعني يرى في هذا العمل صعوبة؟

ج- أنا متأكد ان هناك صعوبة ولكن العامل السياسي اللبنانية منذ 14 شباط حتى اليوم لم يشهد غير الصعوبة، فلذلك لا أرى ان هناك جديد في الصعوبة، ونحن لم نكن في وضع إستقرار وأمان وليونة سياسية ومرونة عند الجميع وتفاهم ، وفوجئنا بأن أمامنا عقبات وعثرات ولا نستطيع التقدم. أبدا لم يحدث ذلك، نحن في خضم مشكل سياسي لم ينته بعد وأعتقد انه في بداياته.

س- لماذا يكون سعد الحريري معتدلا أكثر في خطابه من وليد جنبلاط وهو إبن الشهيد والمعني الأول؟

ج- أعتقد أن تربيته وطريقة تفكير والده ومدرسة والده بالسياسة، والرئيس الحريري لم يكن من دعاة إنقلابات، ولم يكن من دعاة قلب الطاولة، هو من دعاة الإعتدال والتفاهم. ايضا لا ننسى ان النائب سعد الحريري تربى في السعودية حيث هناك المدرسة الأساسية والإعتدال والحوار والصبر والإنتظار، وإذا كان هو لا يشعر بذلك، فأكيد المسؤولون السعوديون ينبّهونه الى ضرورة الإحتفاظ بإعتداله ، والعمل على تقصير الطرق للوصول الى الحوار.

س- هل ترى اليوم أن هناك إختلافا بالنظرة السعودية الى حل الموضوع اللبناني، والنظرة الأميركية والدولية الى هذا الموضوع؟

ج- الموضوعان منفصلان، ولكن نعم هناك إختلاف بالموقف العربي من الحوار اللبناني-السوري، وأعتقد ان المسعى العربي الآن موضوع في الثلاجة، لانهم لا يرون أن هناك الآن مجالا للتدخل المثمر خلال وقت قريب، لكن الموقف الأميركي مختلف تماما، وقد أعلن عنه نائب الرئيس الأميركي عندما أتى الى مصر، وصدر البيان المصري-الأميركي المشترك الذي أعلن فيه المصريون انهم يختلفون مع الأميركيين علنا، وهذه من المرات النادرة جدا في الدبلوماسية المصرية، أن يصدر بيان يقول نحن مختلفون مع الإدارة الأميركية على طريقة معالجة الوضع السوري، أو على طريقة معالجة العلاقات السورية – الأميركية، لست متأكدا من التعبير، فكان من الواضح انه لا يوجد إتفاق حول المسألة السعودية، وبالتالي لا يوجد إتفاق حول الحوار اللبناني- السوري في هذه المرحلة، وهذا كان أعلى مؤشر ، وأعتقد ان ما قيل في البيان المصري- الأميركي المشترك ، أعلى بكثير من كلام وليد بالأمس ، وهذا على الأقل أكثر فعالية.

س- تقول ان المسعى العربي اليوم في الثلاجة، ما الذي يدعه يكون في الثلاجة وما هي العوائق امامه؟

ج- أعتقد ان عدم التفاهم أو عدم قبول المجتمع الدولي، وخاصة الإدارة الأميركية بمطالب سورية محدّدة، أو عدم قبول الإدارة الأميركية برفض سوريا لتنفيذ مطالب سياسية معينة، وأعتقد أن الأمور تتجه بإتجاه أكثر تصعيدا في هذا الموضوع، والعلاقات الأميركية -السورية سائرة بإتجاه التصعيد.

س- هل سيترجم ذلك على الساحة اللبنانية؟

ج- لا يوجد ضرورة جدية كما في السابق لترجمتها على الساحة اللبنانية، والواضح إنه اختُبرت فيها كل أنواع الأدوية أو العمليات الجراحية، فتبيّن ان الشعب اللبناني لديه قدرة على الصمود وعلى مواجهة ما حدث له، فعندما نستعرض من سنة حتى اليوم عدد الشهداء، سواء الذين توفوا على رأسهم الرئيس الحريري أو الشهداء الأحياء، كالوزير حمادة ومي شدياق والوزير الياس المر، فأنا أكيد لو كان هذا الشعب، شعب آخر بظروف آخرى ، كانت إختلفت صورته تماما. واضح ان الشعب اللبناني عنده قدرة على الصمود، وما سميته أنا قدرة على الوطنية وليس على الوحدة الوطنية، قدرة على الوطنية بحد ذاتها أكثر بكثير مما يعتقد أي كان.

س- إذاً تستبعد موضوع إنعكاس هذا الصراع الدولي والإقليمي بالمعنى التفجيري على الوضع في لبنان؟

ج- أنا لا أستبعد، ولكن أقول بأنه غير مثمر وغير فعّال ربما، هناك مثل بالعامية يقول “من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب” فممكن هناك أناس عقلهم خربان سيحاولون تجريب المجرّب الذين هم نحن، مرة أخرى، ولكن هذا لن يغيّر شيئا.

منظر الأمس منظر كبير جدا جدا جدا برمزيته ، هذا منظر ناس نزلوا الى الشارع بعد 12 إغتيال سياسي كبير خلال 12 شهرا ، وهذه المسألة التي رأيناها بالأمس ليست طبيعية.

س- لماذا يتم إرسال المزيد من الأسلحة وتسليح فئات خاصة، وأنه يُحكى اليوم عن أسلحة تدخل الأراضي اللبنانية تحت عنوان أنها للمقاومة، وتذهب للفصائل الفلسطينية وما الهدف من ذلك؟

ج- بتقديري ان الهدف من ذلك هو الإعداد للإحتياط عند الضرورة، وليس للإستعمال اليوم.

إذا لاحظنا مسار عمليات “حزب الله” من سنة حتى الآن نلاحظ تماما ان مسار العمليات يأخذ بعين الإعتبار خصوصية الوضع اللبناني، بعد إغتيال الرئيس الحريري وليس عمليات عشوائية لا تأخذ بعين الأعتبار أية خصوصية، أو أية مستجدات طرأت على الوضع اللبناني ككل، بعد إغتيال الرئيس الحريري. لذلك دعينا ننظر الى الأمور بعين من يملك التجربة والذي يعرف طبيعة اللبنانيين.

الدكتور جعجع قال بالأمس : “البحر من أمامنا والعدو من ورائنا” فهل هذا يعني انه صعد الى الدبابة وأكمل طريقه نحو المصنع. أنا لا أعرف من يقصد بالعدو، ولكن لنفترض أنه يتكلم عن سوريا، هل هذا يعني انه صعد بالدبابة وتوجه الى المصنع؟ هذا غير صحيح ، هو صعد بدبابة سياسية وأخذ موقفا سياسيا، ويريد أن يكون هذا الموقف السياسي هو قاعدة الحوار معه.

س- إزاء هذا الكلام الذي تناول امس الرئيس والنظام السوري، هل ستقف سوريا مكتوفة الأيدي؟

ج- الكلام الذي قيل جاء في مهرجان شعبي، ما المانع ان يأتي الرد عليه بمهرجان شعبي؟ أو إذا اردنا الإفتراض ان هناك نظاما في سوريا لا يريد الإعتراف بالحقائق السياسية الجديدة في لبنان ، وبالتالي ستبقى الأزمة بيننا وبينهم قائمة الى أبد الآبدين، على طريقة قسم جبران رحمه الله، ولكن هل هذا النظام خارج التاريخ؟ لا بد من الإعتراف أولا ، بأنه إنسحب من لبنان وأن تعامله مع لبنان من نيسان الماضي ، منذ خروجه من لبنان وحتى الآن، والى المستقبل يجب أن يكون تعاملا مختلفا تماما تماما عن الفترة السابقة، لن يتحول لبنان الى جمهورية جنازات وما جُرّب حتى الآن هو تحويله الى جمهورية جنازات.

س- ما الذي يمنع إستمرار هذا الأمر؟

ج- هناك أمور كثيرة تمنع ذلك، منها ان لبنان ، اليوم خريطته موضوعة على طاولة مجلس الأمن الدولي، وليس متروكا في الهواء دون أي قيمة. ولكن لنفترض لا سمح الله انه تم إغتيال جديد مرة أخرى، وسينزل نصف مليون أو مليون الى الشارع، فماذا نكون قد فعلنا؟ نكون نؤسس أكثر وأكثر لمزيد من الغضب والقسوة والحقد بين لبنان وسوريا، فمن المستفيد من ذلك؟ فليجربوها، وهم جرّبوها قبل الآن فماذا إستفادوا؟.

س- إذا كانت الأغتيالات سياسية تطال رموز قوى الأكثرية؟

ج- ماذا يريدون أكثر مما جرى حتى الآن؟.

س- لقد حصلت تحذيرات قبل ذلك ولكن حدثت الإغتيالات؟

ج- نعم، حصل ذلك ولكن ثم ماذا؟ هل تغيّر الموقف السياسي اللبناني؟ هل تغيّرت طبيعة الشعب اللبناني؟ وهل ضعفت قدرته على المواجهة؟.

س- كيف يمكن خرق هذا الأفق المسدود؟

ج- لنمنح الموضوع الوقت الكافي، هناك أمور لا يمكن حلّها إلا مع مرور الوقت، وليس بالجهد ، بمعنى أنه يجب عدم إستعمال قوتك دائما، بل عليك إستعمال العقل. لذلك أقول فلنمنح الأمر الوقت اللازم، وسوف نصل لأنه ليس هناك أي خيار آخر. نحن نقع جغرافيا في منطقة إشتباك سياسي، وهناك صراع كبير على ما يمكن تسميته “أين يقع لبنان في هذه الخريطة السياسية”؟ هل في هذه الجهة أو تلك الجهة الى اليمين، الى اليسار؟ وهذه المشكلة جيوبولتيك، والكل يعرف ان طبيعة لبنان الجغرافية المجاورة تماما لسوريا، تعاني من صعوبات ومن مشاكل وهذا ليس بجديد ، فإذا إستعرضنا تاريخ العلاقات اللبنانية- السورية نجد انه عام 1947 رياض الصلح رحمه الله، الذي كان يعتبر نفسه احد زعماء سوريا، كانت الصحف السورية تشتمه ويختلف معهم على مئة أمر وأمر، ويذهب الى شتورا ويعقد معهم إجتماعات وتفشل وتنجح، نحن تعودنا على إدارة سوريا ، ولكن كان على رأسها شخص كبير وحكيم يعرف كيف يدير إحتلاله إسمه الرئيس حافظ الأسد، إختلفت هذه الإدارة منذ خمس سنوات حتى الآن ، لذلك لا نستطيع ان ننظر الى الأمور بنفس المنظار.

س- يُقال انه وسط صدام خيارات وإستنفار من إيران الى جنوب لبنان، فلا يمكن أن يكون لبنان على معزل عنها ما رأيك؟

ج- طبعا، لا يمكن أن يكون بمعزل عنها ولكن كيف سيكون من ضمنها وضمن أي مجال ممكن إستعماله . الواضح انه لا يمكن إستعماله لأنه إذا إفترضنا ان هناك مشروعا إيرانيا في المنطقة يمشي من طهران الى بغداد الى دمشق الى لبنان، فوجوده في لبنان ينحسر بـ”حزب الله” ، ولكن “حزب الله” لا يستطيع أن يتعاطى بالموضوع اللبناني، ولا بالصراع العربي-الإسرائيلي، أي الحدود الجنوبية، دون أن يأخذ بالإعتبار الطبيعة السياسية للبلد، لأنه لا يمكن أن يكون “حزب الله” يسعى يوميا لعزل نفسه عن باقي اللبنانيين ، إستحالة، وهذا إنتحار سياسي وإنتحار فعلي، وأنا لا أرى انهم ناس إنتحاريين بهذا الشكل، ربما هم إنتحاريون في إسرائيل، ولكن ليس في الداخل. إضافة الى ان التعامل معهم ، مع إحترامي للذين تكلموا بالأمس، “حزب الله” ليس جالية إيرانية في لبنان، نحن نتصرّف باتجاهه بأنه مجموعة عسكرية مجنونة تريد الإنتحار، وأنه جالية إيرانية، ولكن بالعكس “حزب الله” هو حزب لبناني كل أعضائه لبنانيون.

س- لكن يأخذ المصالح الإيرانية بعين الإعتبار؟

ج- نعم هو يأخذ المصالح الإيرانية ويأخذ المصالح السورية بالإعتبار ، ولكن لا يستطيع العيش أولا دون أن يأخذ بالإعتبار على أي ارض هو موجود، وإلا ماذا يفعل؟ هل يقيم جدارا عازلا بينه وبين باقي اللبنانيين كلهم؟ هذا غير ممكن.

س- لذلك نرى انه يحاول اليوم أن لا يكون معزولا ، ومن هنا جاء الحوار الذي فتحه مع التيار الوطني الحر وورقة التفاهم؟

ج- أنا أخذ بعين الإعتبار التعليقات التي أدلوا بها ، المتعلقة بالخطابات التي جرت بالأمس، بمعنى إعتبار كلام النائب سعد الحريري أو غيره بأنه كلام حواري أو رفض كلام وليد بك ، ولكن الورقة بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر مثل إتفاق اوسلو، هكذا كان يقول الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، بأن كل بند في إتفاق اوسلو يلزمه إتفاق . فهذه الورقة فيها مبالغات سياسية، حتى لا أقول مخالفات، حتى لا أقول ان هناك الى حدِ ما، جرائم سياسية مرتكبة بهذه الورقة، أولا: بما يتعلق بالطائف، ثانيا: بما يتعلق بالطائف، وثالثا: بما يتعلق بالطائف.

الطائف هو البنية الأساسية السياسية للبنان وللدستور اللبناني، ولكن نرى ان الورقة السياسية بين “حزب الله” والتيار الوطني تجاهلت الطائف.

س- إذا، لا تجد في التفاهم بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر، أي تأسيس للحوار؟

ج- أعوذ بالله، هذا كلام خارج التاريخ وخارج الجغرافيا وخارج الطبيعة اللبنانية. واحد يقول لا علاقة لي بالبنية الأساسية السياسية لهذا الوطن اللبناني، فكيف يمكن أن أؤسس للحوار معه؟.

س- ألا يمكن أن تكون هذه الورقة قابلة للحوار، وأنت تقول ان الخطابات التي أُلقيت بالأمس قابلة للحوار؟

ج- هذا تجاهل للدستور اللبناني وليس تناولا للرئيس السوري ، وأنا أعتقد ان هذه المسألة، أي ورقة التفاهم، لم تكن من الأعمال الناجحة لـ”حزب الله” ولا بالتأكيد من الأعمال السياسية الناجحة للتيار الوطني الحر.

س- إذا اردنا العودة الى مسألة سلاح “حزب الله” سمعنا النائب جنبلاط أورد أجندة لكيفية التعامل مع هذا السلاح، فيما ردّ عليه السيد حسن نصرالله بما تم الإتفاق عليه بينه وبين الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث إعتبر وظيفة سلاح المقاومة هي حماية لبنان، وأنه كان متفقا مع الرئيس الحريري لحل هذا الموضوع؟

ج- أنا كتبت رسالة للسيد حسن بهذا الموضوع وقلت فيها ان الرئيس الحريري إغتيل ، دعينا نتفق أنه ليس هناك من لبناني يستطيع التوقيع على ما نسب الى الإتفاق بين السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري، وأنا أصدّق ان هذا الإتفاق حصل، والشاهد عليه موجود، والسيد نصرالله لا يحتاج الى شاهد، ولكن أنا أصدّق أن الإتفاق حصل ولكن من أبرم معه الإتفاق قد إغتيل فلن يجد لبناني آخر يبرم معه إتفاقا آخر، هناك إستحالة. هناك مسألتان تتعلقان بسلاح “حزب الله”:

– مسألة تتعلق بطريقة تعايش اللبنانيين مع السلاح

– مسألة أخرى تتعلق بكيفية مواجهة لبنان للمجتمع الدولي بوجود هذا السلاح.

في الفقرة الأولى المتعلقة بطبيعة العلاقات اللبنانية، هذا السلاح لا تسمح طبيعة العلاقات اللبنانية ببقائه بعد تحرير مزارع شبعا، وترسيم حدودها، رغم رأي الرئيس الأسد بأن هذا مطلب إسرائيلي، أنا أعتقد ان هذا مطلب لبناني وعربي ، ولم يكن جائز تسميته بالمطلب الإسرائيلي. على كل في مسألة “حزب الله” لا خيار سوى أن تناقش قيادة “حزب الله” في ما بينها وتطوّر الأفكار وتبلورها، وربما أنا إقترحت طرحها للإستفتاء، لندع اللبنانيين يقولون رأيهم بهذا الموضوع. وإلا هذا الموضوع يشكّل إنقساما كبيرا بين اللبنانيين.

فليس صحيحا ان التيار الوطني الحر موافق على وجود سلاح المقاومة حتى تسوية مسألة النزاع العربي- الإسرائيلي، حتى لو قال العماد عون هذا الكلام، وهو لم يقله ، فكل جمهور التيار الوطني لن يوافق على هذا الكلام. وهناك جمهور آخر وآخر وآخر، لذلك لا خيار أمام “حزب الله” إلا أن يبلور صيغة لهذا السلاح ، لأن أي صيغة ستطرح من أي طرف آخر سيُتّهم بالخيانة، بأن هذه الصيغة إسرائيلية أو أميركية أو فرنسية. لذلك فليطرحوا هم الصيغة وبالتالي تطرحها على الإستفتاء.

س- بالأمس المتحدث بإسم الخارجية الأميركية ماكورماك قال “يتوقف على الحكومة تنفيذ القرار” ولكنه كرر وصف “حزب الله ” بالتنظيم الإرهابي، ورأى ان وجود “حزب الله” في الحكومة يثير سؤالا أوسع حول الإحتفاظ بالسلاح. ولكن كيفية معالجة هذا الأمر متروك للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية ما رأيك؟

ج- هذا ما أقوله، ولكن دورنا ليس الموافقة على هذا الكلام، ولا نملك القدرة في نفس الوقت على مواجهته ، لبنان ليس دولة مثل سوريا، وإيران دولة قادرة على مواجهة المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي وأن يحارب من أجل مسألة هي موضع خلاف بين اللبنانيين، لذلك يجب الوصول الى توافق لبناني على صيغة ما لهذا السلاح الموجود في لبنان، وهذا السلاح موضع تقدير عالٍ من اللبنانيين بسبب دوره في الأراضي اللبنانية المحتلة، وللمرة الأولى في العالم العربي دون توقيع معاهدة سلم مع إسرائيل. هذا عظيم، ولكن كيف يمكن الإستفادة من هذا القبول اللبناني، وهذا الإنتصار اللبناني، أو من هذا الفهم اللبناني لهذا الموضوع وعلى “حزب الله” أن يقرروا ذلك وليس الآخرين.

س- لكن بمجرّد ان السيد نصرالله ذكّر بالإتفاق بينه وبين الرئيس الحريري، وكأنه يتمسك بهذا الإتفاق؟

ج- هذه ليست المرة الأولى ، وأنا منذ ثلاثة أسابيع نشرت نص الإتفاق عندما قال الرئيس الحريري رحمه الله، “إذا أُلزمت بحرب مع المقاومة، فأنا سأستقيل وإغادر البلد ، وأنا لا أقبل بجزائر ثانية بين الدولة والإسلاميين”. ولكن هذا كلام أصبح من الماضي، ممكن ان الرئيس الحريري كان لديه القدرة على تنفيذه، ولكن الآخرين لا يملكون هذه القدرة ولا نستطيع ان نطلب منهم هذا المفهوم لسلاح “حزب الله”.

أيضا عندما قال الرئيس الحريري هذا الكلام لم يكن قد صدر القرار 1559 ولا كل القرارات اللاحقة البالغة ستة قرارات دولية متعلقة بلبنان، صدرت منذ سنتين حتى الآن، وبالتالي لا يمكن مقارنة الوضع الآن بما كان قبل سنتين. أيضا أريد أن اقول، ان قيادة “حزب الله” لم تسلف اللبنانيين بالمسألة السورية.

س- في البنود التي يطرحها للحوار الرئيس بري، لا وجود لمسألة “حزب الله”، بل هناك حديث عن القرار 1559 ولكن ليس بالتحديد سلاح “حزب الله”، والنائب جنبلاط يقول انه يعد ورقة عمل لطرحها للحوار ، ولكنه سيطرح فيها ما قاله وما أعلنه في هذا الموضوع؟

ج- دعينا نجري قراءة عربية لما قاله الاستاذ وليد جنبلاط فنأخذ كل الكلام السوري ونضعه تحت بند العلاقات اللبنانية – السورية، ولنأخذ كل الكلام المتعلق بالسلاح وبقدسية السلاح ولنضعه تحت بند الـ1559، ولنأخذ كل الكلام المتعلق برئيس الجمهورية ولنضعه تحت بند التسوية السورية – اللبنانية. فإذا جمعنا كل هذه البنود سنخرج بجدول أعمال وليس إعلان حرب.

س- طبعا إذا كان هناك نية؟

ج- أنا اقول اذا كانت هناك أبواب مفتوحة، لأن النية موجودة دائما، وبالتالي من سيفتح هذه الأبواب ؟ يبدو أنه من المبكر الإجابة على هذا السؤال .

س- يبدو مبكرا لكن الى متى؟

ج- أنا لا أتحدث عن سنوات، ولكن من المؤكد ان هناك أشهرا من الجهود، والحركة الدبلوماسية الجدية ظهرت أكثر بالأمس في كلام الرئيس مبارك.

س- في موضوع سلاح المقاومة الذي لم يعد يحظى بالإجماع الوطني، وهذا أمر واضح وأكدت عليه قوى 14 آذار، هذا يقودنا الى كلام الرئيس المصري حسني مبارك أنه لا مجال للمقاومة بعد تحرير مزارع شبعا، وإستعادة الأسرى ، هل ترى ان هذا هو السقف الذي سيضع حدا لسلاح “حزب الله”، ويقبل به “حزب الله” إذا كان هناك توافق عربي ولبناني حوله؟

ج- الجواب الأول سيكون طبعا الرفض، ولكن عمليا بعد وقت سيتضح ان هذه هي الوسيلة الوحيدة للإستمرار في الحياة السياسية، هو القبول بهذا الحل، أو بما طُرح في البداية عن وحدة دفاعية أو ردعية ضمن الجيش اللبناني، وليست منفصلة عنه، كما تم ضم الميليشيات في وقت سابق الى الجيش اللبناني، ولا بد من صيغة ما بعد إنهاء ترسيم الحدود وتحرير مزارع شبعا وإستعادة الأسرى ، لا بد من صيغة ما تنهي موضوع سلاح المقاومة.

س- إذا لم تتعاون سوريا في موضوع شبعا وترسيم الحدود، ما هي الخيارات المتبقية أمامنا؟

ج- سوريا لم تتعاون منذ عشرة أشهر حتى اليوم في شيء، وهي منذ ذلك الوقت تعاونت علينا، وليس معنا، وهذا الأمر يلزمه المزيد من الوقت والضغوط العربية والدولية.

س- ربما هي لم تتعاون لأن سيف التحقيق في جريمة إغتيال الرئيس الحريري مسلط فوق رأسها؟

ج- لن يسقط سيف التحقيق، هذه مسألة منفصلة تماما عن كل ما نتكلم عنه، نحن الوحيدون الذين نعتقد ان هناك إرتباطا بين سلاح المقاومة ومزارع شبعا وإستعادة الأسرى.

س- ولكن سوريا هل تنظر الى هذا الموضوع من زاوية أخرى؟

ج- سوريا حرّة في أن تنظر للموضوع كما تريد، ولكن لجنة التحقيق الدولية، لجنة مؤلفة بقرار فيه إجماع من مجلس الأمن الدولي، وهي تقوم بأعمالها ولا تهتم لا بمزارع شبعا ولا بالأسرى، ولا بسلاح “حزب الله” ، هذه مسألة منفصلة تماما وأي محاولة للخلط بين لجنة التحقيق الدولية، وباقي التطورات السياسية المتعلقة بالنزاع العربي-الإسرائيلي هي محاولة لن توصل الى أي نتيجة.

س- إذاً لماذا التشديد دائما انه يجب فصل هذه المواضيع عن موضوع التحقيق؟

ج- هم يقولون بفصل التحقيق عن العلاقات اللبنانية – السورية وهذا الموضوع مختلف أنا أتحدث عن النزاع العربي- الإسرائيلي وهناك شيء يتعلق بالعلاقات اللبنانية- السورية، وهناك شيء يتعلق بالنزاع العربي-الإسرائيلي.

لنكن أوضح في الموضوع هناك نظريتان لهذا الموضوع: نظرية تقول بأن عدم الفصل بين التحقيق وبين العلاقات اللبنانية – السورية، أي ان نبقى على إنفصال عن سوريا بعلاقاتنا الى أن تظهر نتيجة التحقيق، هي ورقة ضغط على سوريا تعطينا يدا أعلى أو يا عُليا في المسألة اللبنانية- السورية.

ونظرية أخرى يتكلم عنها الرئيس مبارك والملك عبدالله والعاهل السعودي وجزء من المجتمع الدولي، وليس المجتمع الدولي، يقول بأنه لا بد من فصل موضوع التحقيق عن العلاقات اللبنانية- السورية. الآن بتقديري أنا ، كل شيء مجمّد ، أي عودة لأي مبادرة عربية سيكون عنوانها الرئيسي إستمرار لجنة التحقيق في عملها على ما تقوم به ، ولا علاقة لها بباقي الأمور الأخرى. ويدخل لبنان بمفاوضات حول بنود معينة مطروحة على جدول الأعمال ، سبق للرئيس السنيورة عندما زار سوريا أن بحث فيها. وربما يطرأ عليها ورقة العمل السورية التي وُزّعت والتي ردّ عليها لبنان بورقة عمل أخرى، أعتقد ان السوريين لم يجيبوا عليها، وهذه تجربة حدثت في المبادرة العربية لا تشجع من الجانب السوري، ولكن ظهرنا أننا نحن من ظلم المبادرة العربية، ولكن إنتهت بأن سوريا لم ترسل جوابا على الورقة اللبنانية مما دفع الى تجميد وتهدئة بالمبادرة. ولكن أي مبادرة عربية مقبلة ستأخذ بعين الإعتبار ان التحقيق مسألة منفصلة عن باقي الأمور، سواء مزارع شبعا أو التنسيق العسكري، والكثير من العناوين المطروحة .

س- يلاحظ ان الفريق الآخر إستعادة المبادرة وأصبح في موقع الهجوم، وأصبحت قوى 14 آذار في موقع الدفاع ما رأيك بذلك؟

ج- ما يسمى الفريق الآخر قام بإختراقات فيها بدايات المبادرة العربية التي ظهرت وكأنها محايدة بين لبنان وسوريا، في الوقت الذي نحن المعتدى علينا وهم معتدون ، ولا يمكن أن تكون محايدة في هذا الوقت.

أيضا قاموا بإختراق آخر يتعلق بموضوع ثان أنا أسميه جنون الأشرفية، فأنا أرى أنهم قاموا بإختراقات ولم يضعوا حجر اسأس في بنيان سياسي جديد.

س- أيضا في الحكومة قاموا بإختراق كبير من خلال إعتكاف الوزراء الشيعة؟

ج- بالعكس تماما، أعتقد انهم قاموا بإختراق أنفسهم لأن الوزراء خرجوا لسبب وقالوا نرجع لسبب، ولكنهم عادوا لسبب ثالث. وإستمرت الحكومة في عملها رغم غيابهم إستمرت في تسيير الأعمال، وأنا أعتقد ان الرئيس السنيورة كان حريصا على موضوع التوافق، وإلا كان بإمكانه طرح مواضيع جدية وحادّة، على جدول أعمال مجلس الوزراء ، وأن تتخذ قرارات بشأنها.

إذا هذا الأمر لم ينجحوا فيه، والسبب في ذلك أنهم بدأوا بداية خاطئة ، فالوزراء إنسحبوا لأول مرة من الجلسة لأنهم لم يوافقوا على مناقشة ما قاله بشار الأسد بحق الرئيس السنيورة. فإذا كانت البداية هكذا فماذا سلّف هؤلاء الرئيس السنيورة أولا، وماذا سلفوا جمهور الرئيس الحريري ثانيا. وبالتالي أعطوا إنطباعا سيئا في الخروج الأول وإعتكافهم، ومن هنا أصبح من الصعب إستثمار الإعتكاف الثاني.

س- هل يصعب عليهم اليوم القيام بإعتكاف ثالث؟

ج- أنا أرى انهم لو قاموا باعتكاف خامس ، هذا لن يغيّر من الأمر السياسي شيئا. الوضع محتدم في المنطقة لدرجة أن لبنان يأخذ الحيطة والحذر ويتصرف بحكمة وبروية وبهدوء وبتعقل، وأي حركة من نوع آخر تصيب كل الناس ، ليس المعتكفين فحسب، بل ستصيب الحاكمين والمعتكفين والجميع.

س- إذاً من غير الممكن ان يطلب “حزب الله” من الحكومة ان توضح موقفها مما يقوله جنبلاط ان كان بالنسبة للحزب أو بالنسبة للنظام السوري؟

ج- لا يمكن لـ”حزب الله” ان يطلب هذا الأمر لأن جنبلاط نائب يتكلم في مهرجان شعبي، رغم حجمه ولكن بإستطاعتهم ان يقولوا او يطالبوا ، بخروج وزراء اللقاء الديموقراطي من الحكومة، ولكن أنا أقول انهم لن يطلبوا هذا الأمر ، ولكن لا معنى لهذا الطلب، لأن وزراء اللقاء الديموقراطي لن يخرجوا من الحكومة . وفي حال خروجهم إستنادا لكلام الوزير جنبلاط فهذا سيزيد في شعبية الوزير جنبلاط ووزراء اللقاء الديموقراطي.

س- الاستاذ جوزف سماحة وصف ما حصل بالأمس بالتعادل السلبي ، وأن أي طرف غير قادر على الحسم وان الأزمة مفتوحة ومديدة، هل يمكن أن يحصل خرق في موضوع رئاسة الجمهورية؟

ج- هذه جزء من تسوية العلاقات اللبنانية- السورية، هي ليست مسألة لبنانية أولا. وثانيا أنا لا أوافق الصديق جوزف على ان هذا التعادل السلبي، يمنع أي آخر من الحسم لأنه أصلا قبل ذلك لم يكن أحد قادرا على الحسم، والآن لم يستجد أي جديد لكي يحسم أحد الطرفين، ومن الطبيعي ان أحدا لن يحسم . ولكن دعينا نرى الأمور بخريطتها الأوسع والسؤال الى أين تتجه الأمور؟ وأنا أرى ان هذه المسألة تتقرر في خريطة أوسع من لبنان، وهناك دراستان بين يدي، واحدة من مؤسسة واشنطن للدراسات الإستراتيجية، وواحدة من مؤسسة اوكفورد تتحدثان عن سيناريوهات جدية لضربة عسكرية اميركية لإيران، فهل هذا يحدث ؟ وعندها تختلف الصورة، ونحن نرى ان المصريين والسعوديين يقاتلون لتحييد النظام السوري من قرار أميركي بإسقاطه أو بضربه ، بصرف النظر عما إذا كانوا يستطيعون ذلك أم لا؟ ولكن يبدو انهم فشلوا كما أعلن الرئيس مبارك ، فالآن سوريا مهدّدة وإيران مهدّدة ووضع لبنان الآن أفضل من وضع سوريا وإيران على الأقل هو غير مهدّد إلا بالحد الأدنى.

س- هل هناك خوف من أن يؤدي طرح موضوع رئاسة الجمهورية الى حرب أهلية، خاصة وهناك تجارب سابقة من أيام الرئيس شمعون والرئيس سليمان فرنجية؟

ج- إنتهت الحروب ، الرئيس اميل لحود لايمثل جهات محاربة ولا الآخرين لديهم الفكرة او القدرة او الرغبة بالحروب، لنكن واقعيين، نحن نستسهل الحديث عن الحروب الأهلية ، هذه مسائل كبرى لا تحصل بالصدفة.

س- كتبت في السفير في 22 آب 2005 وقلت ان ميليس سيعلن تقريره في 15 تشرين الأول وإفترضت على مسؤوليتك، كما قلت إننا سننتخب رئيسا جديدا للجمهورية خلال شهر من صدور التقرير، وان الدولة ستلتزم بالشروع في سحب سلاح المخيمات لماذا لم تصح هذه التوقعات؟

ج- كان هذا بناءً على معلومات وتقدير تبيّن انه خاطىء، وأنا أعتقد ان الإختراق السياسي الذي قام به السوريون انهم إستطاعوا تحييد العرب، وبالتالي لم يعد هناك مجال للضغط عليهم بسرعة وبحدة للوصول الى نتيجة مثل التي قلتها في موضوع رئيس الجمهورية الجديد، وأصلا الطريق لم ينته بعد، ولا بد ان هناك تقارير لاحقة، واحد خلال شهرين وآخر بعد خمسة أشهر، ويبدو انه مُدّد له لهذه الأسباب ايضا.

س- ماذا تتوقع اليوم بالنسبة لرئاسة الجمهورية؟

ج- هناك شيء يكون مخالفا للطبيعة لا يعيش مهما بالغ صاحبه بالإمساك به والإحتفاظ به والدفاع عنه. ووجود رئيس الجمهورية الآن بواقعه السياسي الحالي وبوضعه الشخصي الحالي أمر غير طبيعي، ولا يمكن أن يستمر هو الآن رهينة بيد القرار السوري أو بيد الإتفاق اللبناني- السوري، أو بيد الإتفاق السوري- الأميركي.

س- هو متحصّن بالدعم الداخلي من “حزب الله” والعماد عون نوعا ما ، وعلى الأقل يمكن أن يمنعا إسقاطه في مجلس النواب على الأقل؟

ج- لا أعرف ماذا يمكن ان يعطيه “حزب الله” ولا أعرف ما إذا كان هناك صياغة دستورية نهائية لمسألة إسقاط رئيس الجمهورية في مجلس النواب ، ولست متأكدا من هذا الموضوع، وليس فقط العدد ، أي صياغة، لأنه قبل أن نصل الى العدد هناك مسألة الصياغة.

على كل ، إذا لم يمشٍ العماد عون باتجاه إخراج لحود فمعنى ذلك، أنه يمشي بعكس تياره، ولا يمشي بما يتوافق مع تياره، أي أنه يمشي بعكس البطريرك صفير وعلى كل حال هو دائما يحب السير بعكس البطريرك صفير.

س- بالأمس عندما شاهدنا الجماهير في ساحة الحرية، وسمعنا الكلمات شعرنا للحظة انه سيتم الطلب الى هذه الجماهير أن تصعد الى بعبدا ، الأمر الذي لم تفعله في 14 آذار الماضي، لماذا ومن الذي يحظر إستخدام الشارع في موضوع إسقاط رئيس الجمهورية؟

ج- لا أعتقد ان هناك إمكانية لإستغلال الشارع لإسقاط رئيس الجمهورية بسبب طبيعة هذا الشارع، هذا شارع مختلف عن الذين تعودوا النزول الى الشارع، ولكن هذا الشارع عبر بالأمس وأرسل عريضة موقّعة من مئات آلاف الناس في هذا الإتجاه، لكن أن يصعد هذا الشارع الى بعبدا ويتم إخراج لحود بالقوة أو بالإعتصام، أنا لا أرى أن الأمورتسير بهذا الإتجاه بدون موافقة العماد عون، ولن أقول بموافقة البطريرك صفير، لأنهم لا يريدون إحراجه بهذا الموضوع.

س- ماذا تتوقع ان تكون أجندة قوى 14 آذار للمرحلة المقبلة؟

ج- العلاقات اللبنانية- السورية وسلاح “حزب الله” وإنتخابات رئاسية جديدة. ان كل ما نستطيع أن نحلم به في هذه الأيام هو السلام والأمان ، لأن الإزدهار مؤجل والإقتصاد النامي مسألة مؤجلة، ربما لأشهر ، ربما أسابيع طويلة، ولا يمكن الوصول الى ما نحلم به قبل أن تحسم خيارات في المنطقة، هناك مشكلة جدية الآن حول دور لبنان في الصراع الجاري حاليا.

س- البعض يرى في طاولة الحوار التي يحضّر لها الرئيس بري مضيعة للوقت لن تؤدي الى نتيجة أنت ماذا تقول؟

ج- أنا لا أعتقد تضييعا للوقت لأنني أعتقد ان الآخرين حاضرون فيها لأنها إذا حدثت فالآخرون موجودون على الطاولة ، يعني سوريا موجودة على الطاولة والأميركيون كذلك، بشكل أو بآخر وأيضا الفرنسيون. وممكن أن يتحاور هؤلاء بسهولة وان يتوصلوا الى نتيجة حول نقطة وممكن ألا يتوصلوا في نقاط أخرى، ولكن هناك مجال للحوار.

س- التحقيق في جريمة إغتيال الرئيس الحريري سيستكمل، وهناك دعم دولي لهذا التحقيق إن كان من مجلس الأمن أو الخارجية الأميركية، كما سمعنا بالأمس ، ما هي توقعاتك بالنسبة للجنة التحقيق؟

ج- أولا، اللبنانيون يؤيدون عمل لجنة التحقيق بشكل غير مشروط. معلوماتي منذ فترة ان رئيس اللجنة الجديد براميرتس ذهب الى نيويورك للبحث في نتائج الممانعة السورية بإكمال التحقيق مع الشخصيات السورية الثلاث التي تطلب اللجنة الإستماع إليهم ، وهم : الرئيس الأسد والعقيد ماهر الأسد ونائب الرئيس الحالي فاروق الشرع. ومن الكلام الأميركي على لسان الخارجية الأميركية أمس، والذي تحدث عن دعم غير مشروط للجنة التحقيق، ان الولايات المتحدة، لديها الإستعداد لتقديم أي تسهيل، عبر مجلس الأمن، للجنة التحقيق الدولية، خاصة وان هناك نوعا من الحساسية ، والإشكالات بين روسيا وإيران وسوريا في مسألة التخصيب النووي.