“نهاركم سعيد” – حرب غزة: كلما ابتعد الحل عن الدولة الفلسطينية كلما انبثقت مقاومة جديدة

مقابلات تلفزيونية 11 يناير 2009 0

س- لمن ستكون الغلبة؟ كيف ستنتهي هذه الحرب؟ وهل ستنتهي هذه الحرب في غزة؟

ج- شعرت من قراءاتك للكلام الصادر أمس، بأنه ليس هناك من مقاومة تُسبب بخسائر للشعب الفلسطيني، فالمقاومة لم تتوقف في تاريخها لأسباب إنسانية، والمقاومة تقوم على مبادىء وعلى منطق وعلى ايديولوجيا تقول بأن النزاع العربي- الإسرائيلي ثبت إنه لا يمكن حلّه إلا بواسطة معاهدات السلام مع إسرائيل، فالعمل الآخر هو القيام بمزيد من الأعمال العسكرية والتقدُّم إذا كان ذلك ممكناً، أما أن نقول ان هناك أسباب إنسانية تجعلهم يوقفون المقاومة هم أو أي حركة مقاومة أخرى، ففي التاريخ كله ليس هناك من حركة مقاومة توقفت لأسباب إنسانية.

س- يعني كلام محمود عباس بأن المقاومة ليست هدفاً بحد ذاتها، ولا نريدها إذا كانت تؤدي الى تدمير شعب؟

ج- هذا كلام بعيد عن منطق الإنتفاضة الأولى التي قامت بها قيادة “فتح”، والإنتفاضة الثانية التي قام بها الزعيم الراحل ياسر عرفات، هذه ليست حقيقة واقعية، هذه رغبة إنسانية لا يمكن إلا أن نُقدّرها ولكنها غير واقعية، ليس بسبب حركة “حماس” أو غير “حماس” . حركة “فتح” في يوم من الأيام كانت بنفس وضع “حماس”

س- ماذا يعني ان تنتصر “حماس” على أرض مُدّمرة؟

ج- ماذا تعنين بكلمة مُدّمرة، قطاع غزة 700 كلم فيه مليون ونصف مواطن فلسطيني، وأعتقد ان مليوناً منهم لاجئين من مناطق فلسطينة أخرى، وبالتالي التدمير هو لمنطقة بالأساس معظمها لاجئين، ومعظمهم منذ حرب 67 يعانون في حياتهم يومياً، هذا شعب عظيم فلا يُراهن أحد على إمكانية استسلامه أو خضوعه نتيجة الضغط، وبالتالي مع “حماس” أو بدونها هذا الشعب الفلسطيني، هذا ليس شعب “حماس” أو شعب “فتح” أو شعب أي تنظيم فلسطيني آخر، هذا شعب يُقاتل منذ 60 سنة تقريباً، كل يوم أولاده ينشأون على القتال، ويتفرجون على أراضيهم المحتلة على مدى نظرهم، ولا يستطيعون الوصول اليها، ربما الآن وبعد اتفاق اوسلو أصبح هناك مناطق شكلياً فيها سلطة فلسطينية فقط، ولكن للحقيقة يجب العودة الى الأساس، هذه المنطقة التي اسمها غزة أدارتها مصر منذ العام 48 الى عام 67 ثم احتلتها إسرائيل منذ العام 67 حتى العام شكلياً 1994 واتفاق أوسلو، لكنها انسحبت منها عام 2005، إذاً احتلتها 40 سنة والمصربيين أداروها 20 سنة والفلسطينيين فيها منذ ثلاث سنوات رغم كل المشاكل بينهم، عندما يضطر الجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال منطقة احتلها 40 سنة، يعني المشكلة في النزاع العربي-الإسرائيلي لا يزال دون حل وفي بداياته كإننا رجعنا الى النقطة الصفر، ماذا حصل في هاتتين السنتين بعد حرب تموز؟ ما هي الحركة الدبلوماسية التي يمكن أن يقوم بها أي عربي معتدل، كما تُطلق عليه، مع أني لا أوافق على كلمة اعتدال ولا الممانعة، ولكن ما هو العمل الذي لم يتم؟ كم مرة ذهب ملك الأردن الى واشنطن؟ وكم مرة التقى الرئيس الأميركي بالعاهل السعودي؟ وكم مرة التقىى بالرئيس المصري؟ وكم مرة أتت وزيرة الخارجية الأميركية الى المنطقة؟ وكم مرة عقدت مؤتمرات من “انابوليس” آخر مؤتمر وما قبله ولدول الجوار، وكل المجالات التي فيها مكان للحوار الى الأمم المتحدة، ولكن كل هذا التحرك الى ماذا أدى؟ وماذا فعلت كل هذه الحركة؟ لم تُقدّم شيء.

اتفاق أوسلو في العام 94 واليوم بعد 14 سنة ماذا نفّذت منه إسرائيل؟ وكم هي كمية المخالفات الإسرائيلية من عام94 حتى اليوم؟ وكم هي كمية المستوطنات التي بنتها؟ وكم هي كمية الجغرافيا التي تُفاوض عليها وتنقص يومياً؟ وكم هي كمية القدرة على استعادة جزء من القدس كعاصمة؟ كل هذه الإمكانيات تبدو الآن غير صحيحة وغير متوفرة.

أيضاً نحن نتحدث عن أي اعتدال، هذا الجيش الإسرائيلي وهذا النظام الإسرائيلي حاصر أو احتجز أهم زعيم للشعب الفلسطيني “رحمه الله” هو ياسر عرفات، كذا شهر حوصر في مقره في رام الله وانتهى منقولاً بطائرة هليوكوبتر لكي يموت في فرنسا تحت رواية ربما تكون مؤكدة بأنه سُمّم. نحن ننسى عندما نتحدث عن ياسر عرفات، رحمه الله، بأنه حائز على جائزة نوبل ولو مناصفة مع اسحاق رابين في ذلك الحين، فإذا كان من نال جائزة نوبل يستحق هذا الحصار وهذه العقوبة لأنه تصرّف تصرّفاً لا يُعجب الحكومة الإسرائيلية، فماذا ننتظر من الشعب الفلسطيني أن يفعل؟ وبالتالي ماذا ينتظر الرئيس ابومازن من رد فعل الشعب الفلسطيني؟ هل المزيد من الصبر؟.

س- لماذا برغم هذه الحرب على الشعب الفلسطيني مازال ابومازن مُتمسّكاً بالموقف الذي يدعو الى الحوار؟

ج- موقف الدولة الفلسطينية هو المزيد من الحوار والمزيد من الرغبة بالسلام، ربما لأنه يرى ان موازين القوى لا تسمح له الآن باتخاذ قرارات تتعلق بانتفاضة ثالثة أو بالمزيد من النزاع العسكري مع إسرائيل، ربما يكون هذا السبب، أنا لا أعرف ما هي الظروف، ولكن إذا كان هذا الموقف مجانياً يكون الموقف غير منطقي، وأنا لا أعتقد ان موقفه مجاني، ربما هو عنده قراءة سياسية غير مناسبة لتطورات الأحوال.

س- ولكن ماذا يُحقق هذا الموقف للفلسطينيين؟

ج- هو يحاول ولا يدّعي إنه يُحقق .

س- ولكن أيضاً ماذا عن دخول معركة غير متكافئة؟

ج- ولا مرة الفلسطينيين أو العرب أياً كانوا دخلوا في معركة متكافئة مع إسرائيل، فهذا خامس جيش في العالم، ولكن دائماً كانوا يُحققون تقدّماً لأنه ثبت إن الجيش الإسرائيلي بعد ستين سنة لم يستطع الإنتصار على إرادة المقاومة عند الفلسطينيين، وبالعكس هناك تفريخ لمقاومات في مكان آخر، بصرف النظر عن رأينا بـ”حزب الله” في الجانب اللبناني إذا كنا مُختلفين أم مُتفقين، هذا الحاصل في فلسطين يُفرّخ في كل مكان، وعلينا التصرّف على أساس هذه الحقيقة. ماذا حصل منذ 20 يوماً حتى اليوم؟ إذا راجعنا ليس بالسياسة، ولكن بمشاعر الناس لا يزال هذا العلم الفلسطيني قادر حتى هذه اللحظة بعد 60 سنة من الصراع، وبعد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، ومعاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل، ومفاوضات غير مباشرة لمدة أربع سنوات بين سوريا وإسرائيل، وبعد اتفاق أوسلو، لا يزال العلم الفلسطيني والمظلومية الفلسطينية قادرة على إنزال العرب والمسلمين الى الشارع من بومباي في الهند الى صنعاء في اليمن مروراً بكل الدول التي تستطيع الناس التحرك فيها، أليس هذا واقع وقراءة؟ وهذا الأمر ألا يستوجب مراجعة بأن لماذا هذا يحصل؟ وهل فقط لأن هذا مزاج الناس؟ كلا ليس فقط لأن مزاج الناس، فعامة الناس كانت دائماً راضية بالمسعى السلمي الذي يوصل الى دولتين في تلك المنطقة، دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، ولكن ماذا الذي تحقق في هذا المجال؟ لم يتحقق أي شيء جدّي وفعال منذ العام 94 حتى اليوم، يومياً هناك نزاع فلسطيني- إسرائيلي حول مخالفات ترتكبها الحكومة الإسرائيلية أو السلطة الإسرائيلية في تنفيذ اتفاق أوسلو، والعرب يحاولون سلماً وبالمفاوضات وذهاباً الى الأمم المتحدة، ونقاشاً مع الإدارة الأميركية، ولكن كل هذا لم يوصل الى نتيجة.

س- هل هدف هذه المقاومة اليوم المُسمّاة “حماس” تحديداً القضية الفلسطينية والدفاع عن الشعب الفلسطيني أم الدفاع عن نفسها كحركة مقاومة وإمكانية الإحتفاظ بمكتسبات كما هو الحال في لبنان، حيث كان يُقال ان “حزب الله” يريد حماية سلاحه وليس حماية الناس؟

ج- دعينا نبعد المقارنة، فطبيعة فلسطين وطبيعة الشعب الفلسطيني ورغباته السياسية وعناوينه السياسية مختلفة، والمقارنة فيها ظلم للبنانيين، وأيضاً ربما الفلسطينيين لم يعيشوا التجربة كثيراً.

بالتأكيد حركة “حماس” وأي حركة هي جزء طبيعي من النسيج الفلسطيني، الذي له وجهة نظر سياسية تقول بأن مفاوضات السلام منذ 30 سنة تاريخ توقيع مصر على المعاهدة مع إسرائيل عام 77 لن تؤدِ الى نتيجة جدّية. هذا لا يمنع طبعاً حركة “حماس” عندها طموحات سياسية وعندها مشاكل داخل الوضع الفلسطيني تجعلها ترغب بمزيد من الإعتراف بها، وبمزيد من السلطة، وبمزيد من التفاهم معها مباشرة، هذا طبيعي وليس مُستغرباً، فماذا يمكن أن يُطلب من حركة سياسية أن تفعل، وهذا لا يعني إني أوافق أو لا أوافق، ولكن هناك وقائع سياسية ليست بحاجة لموافقتنا، هو يتقدّم بمفرده وبشكل طبيعي لأنه يُلبي عقلية أو رغبة. كثير من الناس تعتقد أن إسرائيل لا ترغب بالسلام ولا تريد تقديم أي شيء جدّي في موضوع السلام، ولا تريد تقديم شيء في الموضوع الرئيسي والأساسي، وهو الموضوع الفلسطيني، فلو وقّع كل العرب لا سمح الله، اتفاقيات سلام مع إسرائيل، سيرجع في يوم من الأيام العلم ليُسبب لهم مشكلة إذا لم يجد هذا الموضوع بالذات حلاً عادلاً ومنطقياً وطبيعياً الذي وافق عليه الجميع، وهو السلام مقابل أرض فلسطين.

س- إذا كانت إسرائيل لا تريد أي سلام أو تسوية، لماذا تضرب “حماس” إسرائيل؟

ج- سأجاوب على لسان رئيس الوزراء التركي، وليس على لساني، ماذا نفّذت إسرائيل من اتفاقية الهدنة خلال ستة أشهر من هذه الهدنة؟ لم تُنفّذ أي شيء على كل المعابر من إدخال المواد الغذائية وحرية التنقل، وهناك أمور كثيرة وردت في اتفاق الهدنة ولم تُنفّذها، بصرف النظر عمن بدأ، ربما وأعتقد ان الفلسطينيين هم الذين بداوا بإطلاق الصواريخ مُعلنين نهاية الهدنة واختاروا توقيتاً سياسياً فيه إحراج لكل الناس، فكان هناك مسعى عربي في مجلس الأمن للتفاوض حول مبادرة عربية جديدة، ولأول مرة يتباهى المجتمع الدولي إنه لأول مرة يُناقش دول مجلس التعاون زائد مصر والأردن، وربما هناك دولة ثالثة والإتحاد الأوروبي زائد المانيا كلهم لمناقشة ولأول مرة يسمح للعرب بمناقشة الملف النووي الإيراني، وانتشار النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. ولكن الآن تذكر المجتمع الدولي بأن هذه تكاد تكون مشكلة عربية، نحن نقبل كل شيء وكانه أمر واقع.

س- ماذا تقصد؟

ج- أقصد بأن هذا الموضوع كان يجب أن يكون جزءاً من المناقشات منذ سنتين وثلاثة قبل أن تصل الأمور الى هذه الدرجة، إذا كان المجتمع الدولي يريد فعلاً أجوبة حقيقية وتجاوب طبيعي من الدول بدون مواجهة، يعني ان تُنشيء قوة سياسية قادرة على التفاوض أقلّه مع الإيرانيين، نحن لسنا من دُعاة المواجهة، ولكن واضح إنه لا يوجد توازن قوى يسمح حتى بالتفاوض فلماذا وصلت أمورنا الى هذا الحد؟ هل بسبب الفلسطينيين أو بسبب الصاروخين اللذين أطلقتهما “حماس” على إسرائيل؟ هذا غير صحيح، والصحيح ان الأمور وصلت الى هذا الحد بسبب واحد رئيسي وسيتكرر كلما ابتعد حل الدولة الفلسطينية عن فلسطين كلما عاشت من جديد مقاومة فلسطينية جديدة اسمها “حماس” أو غير “حماس”، في الماضي كان اسمها “فتح” وفي فترة كان اسمها الجبهة الشعبية، وفي يوم من الأيام كان اسمها الحركة الإسلامية.

س- ولكن إسرائيل أعلنت انها تريد القضاء على “حماس” ولكنها اليوم ليست بوارد أن تقضي على “حماس” وكل ما تطلبه توقف إطلاق الصواريخ ومنع تهريب الأسلحة، وبالأمس سمحت بعبور قادة “حماس” الى مصر عبر معبر رفح من أجل المشاركة في المفاوضات، وكإن إسرائيل لا تريد القضاء على “حماس” وتريد أن يبقى الوضع الفلسطيني مقسوماً؟

ج- إسرائيل تريد أن تقضي على الحكم الفلسطيني بإقامة دولته الشرعية المستقلة والطبيعية، وهي ليست جمعية خيرية تبحث عن طريقة للإيحاء بأنها متسامحة مع الفلسطينيين، فكل تاريخ العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية هو تاريخ اعتداء إسرائيلي على كل الحقوق الفلسطينية، بصرف النظر عن القصف، هناك اعتداء بالسياسة على حقوق الشعب الفلسطيني حتى التي وُعدوا فيها من خلال أوسلو.

س- تقصد ان إسرائيل تريد حماية نفسها من هذه الصواريخ، ولكنها لا تريد توحيد الفلسطينيين؟

ج- بالتأكيد فهي عندها مشروع أكبر من هذا المشروع، ولكن دعيني أقول انه لو قضت إسرائيل على صواريخ “حماس” طالما الوضع السياسي مستمر على ما هو عليه، فبعد سنة أو أكثر سيكون هناك صواريخ جديدة لجبهة لا نعرف اسمها حتى الآن، طالما ان هناك حق فلسطيني غير متوفر، وهو قيام دولة مستقلة يعيش فيها الفلسطينيين بشكل طبيعي، مع حق العودة ومع مشاكل كثيرة يتحدثون عنها، ولكن واضح ان كل بنود المفاوضات الأساسية والرئيسية هي بنود مغلقة في الحوار الفلسطيني-الإسرائيلي، فماذا تتوقع من رد فعل مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة لم نسمع واحد منهم اعترض على حركة “حماس” أو في الضفة أو في رام الله. ذلك لأنها قضية الشعب الفلسطيني وليست قضية “حماس” فقط، و”حماس” تصرّفت على إنها تُمثّل الجهة المُعترضة على المساعي السلمية، طبعاً أضافت الكثير من الرغبات الشخصية والسياسية والإعتراف بها ، والصراع الفلسطيني للحقيقة ان المشكلة الأكبر ان الصراع الفلسطيني يزيد الرغبة التي ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين من الإدارة الأميركية أو في أجواء صنع القرار الأميركي، بأن موضوع حل الدولتين متوقف ولا بد من إيجاد صيغة لدفع غزة كي تُصبح تحت مسؤولية مصر، وبالتالي يضيع حلم الدولتين، ومع الوقت يتم إيجاد طريقة ضعيفة جداً في الضفة الغربية أو الذهاب الى الأردن، وهذه حقيقة تحدث عنها جون بولتون منذ أسبوع وارتاب المصريين لهذا الأمر قبل حتى كلام جون بولتون، وأنا لاحظت في قراءاتي ان هناك تصريح لمتحدث بإسم الخارجية المصرية، حتى قبل فترة “حماس” وقبل الصراع يُعلن فيه ان مصر ليست لديها الرغبة ولا الإمكانية لتحمّل مسؤولية غزة، وهذا بالنتيجة لا يعني ان ما يحصل في فلسطين هو فقط صراع فلسطيني- فلسطيني، كلا هو ليس صراع فلسطيني- فلسطيني، إنما الصراع الفلسطيني- الفلسطيني إذا كنا نريد مثالاً على انفراده فيه هو مسألة الحجاج عندما طُرحت، باعتبار ان كل الحجاج الراغبين بالذهاب الى الحج حصلوا على فيزا من السلطة الوطنية و”حماس” لن تسمح لهم بالمرور عبر معبر رفح الى مصر، وبالتالي كان المطلوب أو كانت الرغبة عندهم بأن يحصلوا على حجم من الفيز أو تأشيرات الدخول لإرسال الحجاج. طبعاً هذه حركات سياسية سخيفة وصغيرة، ولكنها تُعبّر عن النزاع على الشرعية الفلسطينية وليس على رغبة الناس بالسلطة، بمعنى انه إذا حصلت الإنتخابات غداً “حماس” تعلم انه إذا حصلت انتخابات رئاسية غداً صباحاً، الشعب الفلسطيني سيختار رئيس معتدل اسمه ابومازن أوغير ابومازن يبقى على محاولته لتخفيف الأضرار وتحقيق شيء من التقدّم على الصعيد السياسي.

س- فلماذا لم تنجح المفاوضات بين الفلسطينيين وكانت لمصر مساعي في ذلك؟

ج- كان هناك مساعي لكل الناس في هذا المجال، ولكن هناك نظرتان مختلفتان تماماً لمسألة الصراع العربي- الإسرائيلي، وهذه المسألة مطروحة منذ العام 2006 أخذت شكلها أول مرة في الجنوب بالصمود الذي حققه “حزب الله” بوجه الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تحقق لا شك إنها ضربة لا بأس بها للمشروع الأميركي في المنطقة، والآن “حماس” تتصرّف بذات الطريقة لضرب المشروع الأميركي أيضاُ من جانب آخر من المنطقة والذي لا يُناسب احد، يعني ليس المشروع الأميركي فقط الذي هو ضد “حماس” إنما المشروع الأميركي الذي لا يُحقق لي ولا لك ولا لكل المعتدلين أي تقدّم سياسي بمشروعه. من هنا يمكن لـ”حماس” أن تُدافع عن نفسها بالقول بأن كل محاولاتكم فشلت ولم تتوصلوا الى أي شيء جدّي ونحن قبلنا في البداية بأوسلو ولكن ماذا تحقق من أوسلو، ولكن بماذا يُجاب عليهم بأنه سنحاول 25 سنة جديدة، ولكن هذا ليس بجواب لا من الدول العربية الكبرى المعنية ولا جواب من السلطة الوطنية، الجواب الطبيعي بأن تتبنى بشكل أو بآخر خط مواجهة سياسية بنبرة أعلى ومُعلن أكثر وواضح أكثر، وهنا أقول مواجهة سياسية وليست عسكرية.

لماذا زيارات المسؤولين الأميركيين الى دول عربية مثل مصر والسعودية حتى زيارات الرئيس الأميركي أو زيارات العاهل السعودي او العاهل الأردني أو الرئيس المصري لواشنطن أو العكس؟ لماذا دائماً تُعلن فيها نقاط الإتفاق ولا تُعلن نقاط الخلاف؟ هل عيب أن يكون مُختلف مع الأجندة الأميركية؟ طبعاً ليس عيباً وطبيعي أن يكون هذا الإختلاف وبالتأكيد هناك خلافات، فلماذا لا تُعلن لكي تفهم الناس ان الممانعة ليس صحيحاً إنها ممانعة، والقبول ليس صحيحاً انه قبول، يعني لا هذا صحيح ولا ذاك صحيح.

س- يعني انت تنتقد هذه الدول؟

ج- انا لا انتقد، انا اقول ان هناك اسلوب بالتعامل مع الأجندة الأميركية في المنطقة معروف انه خلال زيارات الرؤساء الأميركيين هناك مدوّنات يومية يكتبها واحد من المسؤولين المرافقين للرئيس عندما نقرأهم بدقة نكتشف ان هناك أمور كثيرة مختلف عليها لنفترض مثلاً بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي منها موضوع العراق ومنها حكومة المالكي وعدم الموافقة عليها، ومنها عبارة الإحتلال الأميركي للعراق، ومنها مسألة فلسطين والتعامل مع المبادرة الأميركية للسلام التي طُرحت لأول مرة في العام 2006، نحن نسينا ان عمرها ست سنوات الى ان أعلن رئيس الدولة الإسرائيلية الذي لا يملك أي صلاحيات شيمون بيريز أعلن بأن اسرائيل على استعداد لبحث المبادرة العربية، تصوّري بعد ست سنوات.

ذهب الملك عبدالله الى حوار أديان في مدريد وحوار حضارات في الأمم المتحدة، وحضر الحوار رئيس الدولة الإسرائيلية ومسؤولين آخرين، ولم يترك شيء لم يفعله لإظهار صورة السعودية أولاً والعرب ثانياً بمظهر الراغب بالحوار وبالإعتراف بالآخر والقبول بالإسرائيلي بدون توقيع معاهدة السلام، ولكن ماذا قدّموا له بالمقابل سوى ان وزيرة الخارجية الإسرائيلية زارت مصر وفي اليوم الثاني بدأ الهجوم على غزة، انا لا ادّعي انها ابلغت المصريين بذلك، ولكن هناك صحف قالت ذلك.

لنفترض انها لم تبلغهم فهذه اهانة اكثر، واذا ابلغتهم فمصيبة يعني الأمرين غلط، باعتقادي ان وزير الخارجية التركي لم يخترع الذرة عندما عبّر عن رفضه لإهانة الشعب التركي.

أولاً جمع الشعب التركي من حوله من مسلمين وعلمانيين، لأن هذه الإهانة للشعب وليس لحزب العدالة والتنمية واستطاع تحقيق موقع مُتقدّم بقدرته على الوساطة بين الأطراف المختلفة وخاصة الأطراف العربية، لأنه أصبح مُتقدّماً حتى على الدول العربية بما فيها سوريا بموقفه من اسرائيل، وتقدّم على مصر وعلى مجلس التعاون وعلى جميع هؤلاء الناس، وكانت النتيجة ان الأتراك التفوا حوله اكثر، وحتى الإسرائيليين كل القراءات تقول انهم لا يردون عليه إلا بالوسائل الدبلوماسية، أي بالمعنى السري، ولن يصدر عنهم أي رد فعل علني، فما الذي يمنع الزعماء العرب من اتخاذ نفس الموقف وربما أقسى؟ فهم اصحاب حق اكثر من التركي رغم إسلامية التركي.

س- لكن هم اتخذوا مواقف من هذا النوع، وبالتالي موقفهم في مجلس الأمن وإصرارهم على إصدار القرار؟

ج- هذه كلها مساعي دبلوماسية أنا لا أنكرها، ولكن واضح انها لا تؤدي الى الغرض المطلوب، ولا تكفي ولا تُعبّر عن رأي الناس المعنيين بهذا الملف سواءً داخل الشعب الفلسطيني أو خارج الشعب الفلسطيني، فلو كان الشعب الفلسطيني مُقتنع بأن هذه المفاوضات أو هذه المساعي السياسية في الأمم المتحدة أو غيرها توصل الى نتيجة مُرضية، كان اتخذ الأمر بعين الإعتبار، ولكن واضح انه عنده يأس من ان كل هذه المساعي لا توصل الى نتيجة، وهذا ليس دفاعاً عن حماس أو معارضة لأبومازن فما يجري الآن هو تدمير لمنطقة فلسطينية فيها مليون ونصف مليون فلسطيني يُقتل فيها الناس بالمئات ويسقط جرحى بالآلاف، ونحن ما زلنا نقول ان هناك مجال للمساعي السلمية، ولكن هذا خطأ مع الدولة الإسرائيلية. الآن المطلوب تغيير بموازين القوى لكي يكون هناك مكاناً للمساعي السلمية أو المطلوب مراجعة عربية للأجندة الأميركية بأنه هل توافقنا الأجندة الأميركية؟ وهل نستطيع الإلتزام بكل بنودها أم نستطيع الإختلاف؟.

س- عن اي أجندة تتحدث هل أجندة عهد اوباما أو بوش؟

ج- نحن لا زلنا نعيش تحت أجندة عهد بوش أما عهد اوباما بالموضوع الإسرائيلي لن يختلف ومعروف تأييد الديموقراطيين لإسرائيل تأييد مطلق غير خاضع للمناقشة، والرئيس اوباما كتب مقالاً صحفياً منذ أشهر حدّد فيه موقفه من الموضوع الإسرائيلي، وحتى عندما زار إسرائيل ورام الله هو جلس في إسرائيل وخلفه صور كل الصواريخ الفلسطينية، وأعلن ليس غريباً ان يُدافع الواحد عن نفسه عندما تُطلق عليه الصواريخ، ولكن السؤال لماذا تُطلق هذه الصواريخ للإعتراض على سياسة ما؟ لذا فإن المشكلة بالأساس هي السياسة، ربما يمكن تبسيط الأمور ونقول ان هذا المشروع هو مشروع إيراني وان إيران تريد قلب الطاولة على المساعي السلمية، وتريد من الولايات المتحدة ان تفاوضها.

س- هل هذا تبسيط؟

ج- تبسيط بمعنى ان ليس هذا هو الموضوع فقط لأنه اذا استمر بنا بهذه الطريقة سنصل الى الحديث عن كفاءة الإيراني ولا نعود نشكو منه، اذا كان هو باستطاعته ان يفعل كل ذلك بهذا الشكل المنظّم وبالتوقيت المناسب، في وقت يتواجد وزيرا خارجية مصر والسعودية في الأمم المتحدة ويُناقش الموضوع الإيراني على الطاولة، وفي وقت هناك كلام أميركي مختلف عن الكلام السابق، وكلام السعودي أعلى من الكلام السابق، وفي وقت تنتهي فيه ولاية محمود عباس؟ كل هذا يعني ان هناك مشكلة فلسطينية، أما كيف تُعالج فهذه طبيعة اخرى.

برأيي ان الخطر بتصرّف “حماس” فلسطينياً هو خطر بشكل أو بآخر يخدم المشروع الأميركي- الإسرائيلي الذي يقول بإنهاء فكرة الدولتين وتسليم أمن غزة الى المصريين والضفة الغربية بعد سنوات للأردن. هنا تكمن خطورة الخلاف الفلسطيني، أما الخلاف الفلسطيني حول السياسة المُتّبعة تجاه إسرائيل فهو خلاف موجود دائماً في عز قيادة ياسر عرفات وزعامته كان هذا الخلاف موجوداً، ولكن ما الذي قتل ياسر عرفات، عندما أتذكر جائزة نوبل دائماً ما أقول أمعقول شخص نال جائزة نوبل ينتهي النهاية التي قررها له الإسرائيلي بهذه الطريقة؟ ما المطلوب من الفلسطينيين غير “حماس” عندما يروا زعيمهم ورمزهم انتهى بالنهاية محاصر ومريض ويُؤخذ الى فرنسا بطائرة هليوكبتر ويُقتل مسموماً كما يقول ابن اخته منذ ايام لصحيفة الشرق الأوسط وهو كان سفير فلسطين في الأمم المتحدة، يعني ليس شخصاً عادياً؟ على كل حال هذا الذي رأى هذا المنظر ماذا سيكون رد فعله، واين هناك من سلام اكثر من ياسر عرفات ومقاومة اكثر من ياسر عرفات ورمزية اكثر من ياسر عرفات وهذه نهايته مع الإسرائيلي، وبالتالي الفلسطيني الآخر ماذا ستكون نظرته للأمور؟.

س- لماذا اتخذ الصراع بوجهه السياسي صراع إقليمي بين مصر وإيران؟

ج- لأن الصراع بالأساس موجود ولم يتخذ هذا الوجه الآن.

س- لكنه احتدم كثيراً مؤخراً؟

ج- دائماً مُحتدم ولكن غير مُعلن بالطريقة التي يمكن ظهرت في هذه الفترة، هذا الصراع دائماً مُحتدم، ومنذ فترة طويلة عندما زار وزير الخارجية المصري بيروت أثناء اشتباكات طرابلس التقيناه في مناسبة أنا وعدد من الزملاء وتناقشنا في الموضوع، وكانت دائماً مُحتدمة، ولكن هو يُعبّر عنها بطريقة دبلوماسية جداً. في النهاية عبّر عنها بطريقة غير دبلوماسية ربما كان ذلك كردّة فعل مُبالغ به على كلام أيضاً مُبالغ به، والإحتدام كان موجوداً دائماً بين السعودية ومصر من جهة ودول أخرى طبعاً، وبين إيران هناك اعتراض جدّي ومشروع رئيسي وأساسي من هذه الدول على السياسة الإيرانية وتشجيعها للتطرّف في المنطقة لصالح سياستها.

س- يعني “حماس” عندها حسابات إقليمية بحسب ما تفضّلت؟

ج- أنا أقول بالتأكيد عندها حسابات إقليمية، ولكن هذه ليست حساباتها الأولى، “حماس” جزء طبيعي من النسيج الشعبي الفلسطيني، “حماس” نالت في الإنتخابات 43 بالمئة من المجلس التشريعي وهذا لم تحصل عليه من إيران ولا أي قوى إقليمية يمكن أن تُعطي لأحد أصوات الشعب الفلسطيني، هناك وجهة نظر تعطي أصوات الشعب الفلسطيني وهذا حصل في وقت من الأوقات، واليوم لم نعد نرى من “حماس” بالسياسة سوى انها لها صلة سياسية أو مالية مع إيران، ولا أريد الرجوع الى السابق والى أين ذهب خالد مشعل وطُرد، وبعدها ذهب لإيران إذا كانت هذه الرواية صحيحة كلها، ولكن لا أريد الرجوع الى الوراء، ولكن اقول ان هذه الحركة موجودة مهما كانت أجندتها الإقليمية، قبل ان تكون أجندة إقليمية كانت تمثل 43 بالمئة من الشعب الفلسطيني وقامت بانقلابها على هذا الأساس، وهي لا تنكر قيامها بهذا الإنقلاب، ونحن نعتبر كل ذلك اتهامات، بينما هي تعتبر كل ذلك وقائع.

هل يمكن اعتبار أجندة حركة “حماس” إيرانية كاملة؟ كلا طبعاً لأنها بالأساس ليست حركة مفتعلة اخترعتها إيران ولا إيران درّبتها ولا إيران نظمتها، واذا حدث الأمر منذ سنة او سنتين او ثلاث فـ”حماس” تاريخها قبل ذلك وشهداءها قبل ذلك.

س- صحيح ولولا ذلك لما كنا نرى وفد من “حماس” في مصر اليوم؟

ج- “حماس” تفتح الأبواب مثل كل حركة سياسية في كل الإتجاهات، ولكن هذا لا يعني انها تريد التوصل الى اتفاق مع كل الجهات، يعني هناك فرق بين ان تفتح الباب وتبدي استعدادك والقبول بالتفاوض والمناقشة وقد تصل الى نتيجة أو لا تصل، ولكن أمام شعبك وأمام الرأي العام الدولي انت تحاول والآخرين يعقدون الأمور يعني لعبة تقليدية.

س- بالنتيجة الكل ينتظر ماذا سيحصل في مصر؟

ج- لن يحصل شيء.

س- ولكن إسرائيل و”حماس” اللتين رفضتا سوياً القرار 1860 نراهما في مصر لبحث ما سُمي بالمبادرة المصرية- الفرنسية، والتي هي بالنتيجة إيجاد آلية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1860؟

ج- أولاً إسرائيل لم تنجح لا في المرحلة الأولى ولا في المرحلة الثانية، ولن تنجح في المرحلة الثالثة، الآن الشعب الفلسطيني كله على الأقل في غزة، وأنا متأكد في الضفة الغربية أيضاً وفي أي مكان في العالم، كلهم عندهم إحساس بضرورة المقاومة فقط لا غير، هذا شعب عظيم يولد على القتال ويموت على القتال ولا خيار آخر أمامه ، الخيار الوحيد الذي يمكن تهدئته والعيش مثل الناس هو تسوية عادلة تعطيه دولة فلسطينية، وهذا ما لم يحدث حتى هذه اللحظة، وطالما هذا غير متوفر سيستمر القتال أكثر وأكثر، وربما سيُصبح مشروع الدولتين وراءنا وليس أمامنا.

س- برأيك مهما حصل في مصر لن يؤدي الى نتيجة؟

ج- المطروح الآن في القرار 1860 إنه لم يلحظ آلية جدية لتنفيذ القرارات، وأي آلية لتنفيذ القرار يجب أن ترجع فيها الى مجلس الأمن، ولا يمكن أن تتصرّف فيها في مصر وتقرّها على إنها قرار.

س- ولكن يُصبح الأمر أسهل إذا أُقرت؟

ج- جيد ولكن ما هي طبيعة الآلية؟ وهذا أيضا أمر مختلف عليه، المشروع التركي الذي طُرح منذ 20 يوما كان يتضمن نفس البنود التي وردت في القرار 1860 ما عدا مسألتين، كما قرأت للدكتور شفيق المصري، أولاً مسألة الإرهاب وصف “حماس” بالإرهاب في القرار بدون تسمية “حماس”، ولكن تسمية الإرهاب ضمن القرار، الإرهاب الذي يُتهم فيه مليون ونصف مليون فلسطيني على الأقل الذين يقعون الآن تحت النار الإسرائيلية.

النقطة الثانية: هي البند الخامس الذي يتحدث عن الإرهاب، والنقطة الثالثة التي أثارها الدكتورالمصري بأن القرار لم يُشر الى إسرائيل باعتبارها قوات احتلال، وبالتالي لم يُحمّلها مسؤولية المحتل للأرض، يعني هي عندها حرية التصرّف العسكري طالما هي لا تحمل صفة المحتل الذي تفرض عليه معاهدة جنيف التصرّف تجاه المدنيين ببنود مُعيّنة وتحمّله مسؤولية ما يحدث للمدنيين، إنما القرار أعطاه حرية التحرك ضد المدنيين، ولا يمكن أن ننكر ان في القرار توجد عناصر قوة وعناصر ضعف، عنصر القوة الأساسي إنه يطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة دون أي قيد سياسي على “حماس” يعني دون ذكر لـ”حماس” .

س- لكن ليس انسحاباً فورياً بل وقف إطلاق نار فوري تمهيداً لبدء الإنسحاب؟

ج- أنا قلت مطالبة ولم أقل إنسحاباً فورياً.

س- هذا الأمر يتم بحثه اليوم بحسب مسؤولي “حماس” في مصر بأن “حماس” تريد أن تعرف على أي أساس؟ وكيف ستنسحب القوات الإسرائيلية؟

ج- سيتم طرح صيغ قانونية كثيرة وصيغ سياسية كثيرة، ولكن الطرفين المعنيين وهما السلطة الفلسطينية وحركة “حماس” من جهة والجهة المصرية ومن معها من العرب والدول الاجنبية من جهة أخرى، ليس لديهما نفس الأسس للإنطلاق، يعني هناك خلاف بالأسس أولاً لماذا على “حماس” القبول بكل هذه الشروط دون أن تحصل على نتيجة سياسية سواءً لها أو لشعبها مادامت “حماس” لم تستطع أن تُحقق لشعبها نتيجة سياسية جدّية، ولا حققت لنفسها اعتراف سياسي جدّي مثلما قال بالأمس النجم الجديد أسامة حمدان الذي يُظهر عن أداء لا بأس به على الإطلاق بالسياسة، وهو تلبنن بشكل أو بآخر وأصبح حريصاً على اللبنانيين ويُعبّر عن المقاومة بطريقة، عنده قدرة ليصل الى الناس أكثر من زملائه الأبطال الجالسين في دمشق، ولكن على كل حال هو قال بالأمس بأنه ما هو الثمن السياسي الذي حصلنا عليه سواءً للتسوية أو للشخصي؟ فلم نحصل لاعلى هذه ولا على تلك.

س- لذلك فإن أي مساعي اليوم للتهدئة ماذا ستجلب للفلسطينيين، ربما تجلب اعتراف علني بـ”حماس” لأن المفاوضات تجري معها واعتراف بدورها في غزة، بحيث يُحقق لها ما تريده؟

ج- أولاً: ربما هذه المحاولة تجلب اعتراف عربي ودولي لـ”حماس” وهناك أيضاً عدّة صياغات ممكن أن تصل إليها الدبلوماسية الدولية بمسألة إعطاء “حماس” شيء إذا كان هناك رغبة في إعطائها.

ثانياً: هل تعتقدين ان “حماس” أو حتى القوى التي مع “حماس”، هل تعتقدين ان هذه القوى ترضى بطبيعة الوسيط المصري؟ أنا لا أعتقد إنهم الآن في جو القبول بطبيعة الوسيط المصري.

س- على كل حال “حماس” في دمشق أعلنت شيء وفي مصر يفاوضون من أجل المبدأ، بمعنى إنها لا ترفض المفاوضات؟

ج- أو لكي يحصلوا على ما يُفكرون به، ولكن هم لا يعتقدون بأن مصر قادرة على تحقيق ما يصبون إليه وإنه لا بد من وسيط آخر، وهذا أستنتجه من قراءتي وأنا لست على اتصال بهم.

س- وربما إنهم لا يريدون ذلك لأن اليوم هناك مسؤول مصري رفيع نقلت عنه “الحياة” بأن المبادرة المصرية فاجأت محور الممانعة بعدما اعتقد أطراف هذا المحور بأن ضغوط الإعلام والشتائم التي تعرّضت لها ستجعلها تنسحب من الساحة؟

ج- كلا أبداً، هذا كلام تبسيطي جداً للموضوع، غزة جزء من الأمن القومي المصري موجودة على حدودها، ولا مجال بأن لا تعطي مصر في هذا الموضوع، وباعتقادي انه خلال زيارة رئيس الوزراء التركي لعدد من الدول العربية طُلب منه أن يُناقش مصر، وحتى الرئيس ساركوزي عندما زار القاهرة للمرة الثانية ناقش مصر في الموضوع، لأن غزة جزء من الأمن القومي المصري وليست خياراً مصرياً بالتعاطي بمسألة غزة أو عدم التعاطي، هذا قرار وواجب وتاريخ وجغرافيا وليس انهم يختاروا أن يتعاطوا أو لا يتعاطوا.

المشكلة الآن هي انه هل الآخرين على ثقة بقدرة الوسيط المصري على تحقيق بعض أهدافهم، أنا أشك في ذلك، وأعتقد انهم لا يثقون بأن المصريين ممكن أن يُحققوا لهم ما يصبون إليه من جهة، ومن جهة ثانية إسرائيل أيضاً تعلم بأن مصر ليست من القوة الكافية لإنجاز هذا الأمر.

س- يعني ممكن الآن العودة الى الدور التركي على هذا الصعيد، لأننا شعرنا ان تركيا طحشت على هذا الموضوع بالمساعي ومن ثم تراجعت ربما لصالح الدور المصري؟

ج- تركيا بطبيعة الحال أعطت الفرصة لمصر.

س- اليوم على كل حال يُقال انه سيكون هناك ممثل لأردوغان في المفاوضات التي تجري في مصر؟

ج- طبعاً التركي موجود في مجلس الأمن وموجود في القاهرة وفي الشام وموجود سياسياً في إسرائيل والسعودية وموجود في كل مكان.

س- كان لافتاً دخول “حزب الله” في لبنان على خط هذا الصراع أو السباب المصري- الإيراني أوالهجوم على مصر؟

ج- أنا أعتقد ان السيد نصر الله لا يعرف تبسيط الأمور، وبالتالي كلامه على مصر واضح منه إنه ليس عن معرفة.

س- كيف؟

ج- بمعنى ان الكلام عن مصر بهذه الطريقة لا يُضيف ولا يُنقص من تاريخ مصر، فتاريخ مصر كبير وعظيم، فيه صفحات كثيرة مشرقة وبيضاء ليس آخرها حرب 73 التي حقق فيها الجيش المصري على الأقل في بداياتها انتصار شهد له العالم، والجيش السوري أيضاً رغم انه حصلت بعد ذلك تطورات سياسية أخذت منحى آخر، ولكن هذا الكلام دليل عدم معرفة بمصر، وعلى كل حال هذا الكلام لا يُلغي ولا يضيف الى صفحات مصر التي تسوّلت 40 سنة، وقاتلت أول حرب وثاني حرب وثالث حرب ورابع حرب، بعضها ربحتها وبعضها خسرتها، ومصر كانت دائماً هدفاً لقوى الغرب في الـ56 وبعدها في الـ67 وفي الـ73 يعني هذا الكلام لا يُغيّر لا من أهمية مصر ولا من صفحاتها المشرقة ولا من الثمن الذي لم يدفعه أحد حتى الآن في سبيل حرية فلسطين.

س- وفي سبيل أمنها القومي أيضا؟

ج- طبعاً الأمن القومي يتعلق بالقرار المصري الإستراتيجي في كل الوقت، ولكن الصراع العربي- الإسرائيلي لم يبدأ بالأمس ولا منذ سنتين ولا ثلاثة، هذا صراع عمره 60 سنة، أكبر حصة فيه بالتأكيد بعد فلسطين مباشرة دفعتها مصر في مختلف رؤسائها ومختلف طبيعة الأنظمة التي مرت عليها.

س- اليوم في “النهار” معلومات تقول إنه لم تستبعد بعض المصادر أن تكون خلايا إسلامية قريبة من “فتح الإسلام” هي التي كانت وراء إطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه إسرائيل، برأيك هذه الصواريخ ما هو سرّها؟

ج- أنا أعتقد ان من مسؤولية الأمنيين أن يحدّدوا ولكن بالسياسة، اعتبر ان ذلك حركات وليس قراراً أساسياً، حركات من جهة ما تريد أن تُثبت انها قادرة على استعمال صواريخ، وللمناسبة هي صواريخ قديمة جداً ومُخزّنة منذ سنوات طويلة حسب تقرير الخبير العسكري، ولكن بالتأكيد كل التنظيمات الفلسطينية عندها خبراء بإطلاق الصواريخ، ولكن هذا تعبير عن إنهم موجودين لا أكثر ولا أقل، ولا أعتقد ان هناك جهة عندها قدرة على ذلك.

س- لكن من قِبل من؟ هل وراءهم دول أو أنظمة أم إنها مجموعات فقط لتقول نحن موجودون؟

ج- الإتهام التقليدي بأن سوريا هي وراء السماح للجبهة الشعبية- القيادة العامة بإطلاق الصواريخ من الجنوب، وهذا ممكن وليس امراً مستحيلاً أو مُستغرب جداً.

س- ربما لأن احمد جبريل سبق وأعلن ذلك؟

ج- طبعاً طبعاً وهو مُقيم دائم في الشام، وعلاقته بالنظام السوري تفترض انه لا يتحرك إلا بتعليمات سورية.

س- لكن عشية إطلاق الصواريخ كان هناك اجتماع استمر حتى الفجر ضم لاريجاني وقيادات الفصائل الفلسطينية؟

ج- طبعاً، انا لم أقل غير ذلك، ولكن أعتقد ان هذا الأمر لا يتجاوز بالسياسة نوع من حركة شكلية لإثبات الوجود، لأنه لا قدرة جدّية عند أي تنظيم باستثناء “حزب الله” في الجنوب على القيام بعمل عسكري جدّي. لذا لا يمكن إعطاء هذا الأمر أهمية ولا يمكن اعتبارها مؤشر.

س- ربما أحدهم يريد استدراج “حزب الله” وبالأمس صرّح النائب محمد رعد بأننا لا نُستدرج، وكأنه يُمرر رسالة أو إشارة؟

ج- أنا أعتقد ان للحزب من القدرة السياسية وحُسن الإدارة بصرف النظر عن الإختلاف معهم، عندهم قدرة وحُسن إدارة على إنه لا يستطيع أحد يقول إننا نستدرج أو نورّط “حزب الله” معركة لا يريدها.

س- لماذا لا يريد “حزب الله” اليوم معركة مع إسرائيل؟

ج- أولاً: هو لا يقول ولا يتصرّف بأن حركة “حماس” في مأزق وإنها بالتالي تحتاج الى من يدعمها.

ثانياً: الجيش الإسرائيلي عنده القدرة على التصرّف عسكرياً باتجاه الجبهتين، ولكن هذا لا يعني انه يستطيع تحقيق أرباح لا على هذه الجبهة ولا على تلك الجبهة يمكنه تحقيق دمار على الجبهتين بالتأكيد، ولكن لا يستطيع تحقيق أرباح، لذلك لا يجب المبالغة بمسألة الصواريخ باعتبارها مؤشر أو إنذار لفتح الجبهة اللبنانية، وأعتقد ان عدم إعلان السوري عن توقف مفاوضاته غير المباشرة مع إسرائيل، عدم الإعلان ذلك رسمياً ومباشرة يتضح منها ان السوري ليس باتجاه المساعدة على فتح جبهة خلال وصول إدارة أميركية جديدة أعلنت إنها تريد الحديث معه، ولا ننسى ان الوسيط التركي هو الذي أعلن عن توقف المفاوضات.

الأمر الثاني بأن الخلاف المُعلن الآن والحاد هو بين إيران وبين الإدارة الأميركية. الإيرانيون في البداية تصرّفوا أو أهدوا الإدارة الأميركية الجديدة الإتفاقية الأمنية مع العراق التي لم يكن أحد يُصدّق إنها ممكن أن تحصل، ثم اكتشفوا إنه لا تزال الإدارة الجديدة بادئة الحديث معهم بالعصا والجزرة، فصدر كلام عن مسؤولين إيرانيين يصف اوباما بأوصاف بأن كلامه فارغ ولا قيمة له، وبذلك بكّروا في الخلاف على عكس السوري الذي ينتظر.

س- لكن السوري لا يمكن إلا أن يكون مسايراً لهذا الموقف الإيراني؟

ج- بالمسايرة أعلن الرئيس الأسد أول أمس عندما كان يستقبل الرئيس التشيكي، وقال كلاماً مُحدّداً واضحاً بمسألة السلام العادل والشروط المطلوبة، ولكن لم يقم بإدانة مُسبقة للإدارة الأميركية القادمة، يعني هناك فرق في المواقف، وباعتقادي ان الكلام عن ان القرار في سوريا إيراني لا أعتقد انه صحيح، فسوريا عندها من القدرة ومن الحاجة لها ما يكفيها أن تكون هي المُقرر.

س- ولكن إذا ما استمرت الحرب على غزة وتوسّعت أكثر من ذلك، هل ممكن أن تبقى هذه الجبهات هادئة؟

ج- على الأقل الجبهة اللبنانية، واضح ان هناك تفاهم أوسع من لبنان يقول بعدم تحريكها، و”حزب الله” القوة الرئيسية يوافق على جزء من هذا الإتفاق، وأعتقد ان سوريا بشكل أساسي استراتيجي أيضاً جزء من هذا الإتفاق، بمعنى عدم فتح الجبهة.

س- وإيران لا تريد فتح جبهة؟

ج- رغبة إيران لا تكفي، فرغبتها في لبنان ليست كافية، يجب أن يكون هناك تفاهم سوري- إيراني لكي يتم الموضوع في لبنان، وليس ببساطة بإمكان إيران اتخاذ قرار يُنفّذ في لبنان على عكس الرغبة السورية، باعتقادي ان السوريين هم الجزء الرئيسي والأساسي من القرار العسكري في هذا المعنى، لأن فتح هذه الجبهة يُعرّض سوريا ولا تستطيع إيران على بعد خمسة آلاف كيلومتر سوى إرسال السلاح، وهذا لوحده لا يكفي ونوع السلاح أصلاً لوحده لا يؤدي الى توازن عسكري، والقيادة السورية بالتأكيد تعرف هذا الامر وعليها أن تتصرّف على هذا الأساس.

س- ولكن في نفس الوقت هل ستنتظر سوريا مثلاً كيف ستنتهي الحرب مع غزة؟ أم إنها ستحاول في هذا الوقت القيام بشيء ما، وسوريا أرادت أن يكون هناك مثلاً مبادرة سورية- تركية؟

ج- سوريا ارادت في البداية قمة عربية.

س- أرادت قمة عربية لأنها رئيس القمة؟

ج- الخلاف وقع على المكان، وللحقيقة كان هناك رغبة بقمة عربية، ولكن مكان عقدها في قطر لم تكن مسألة مناسبة لا للسعودي ولا للمصري.

س- أرادت سوريا دائماً أن تكون جزءاً من المفاوضات حول أي موضوع؟

ج- أو على الأقل تريد أن تكون جزءاً من الأرباح السياسية لهذه المعركة إذا كان هناك من أرباح مستقبلاً.

س- مثلاً وزير الخارجية السوري كان يريد المشاركة في الوفد العربي الذي ذهب الى الأمم المتحدة، ولكن لماذا لم يُشارك؟

ج- القيادة السورية تتصرّف على قاعدة سياسة الخيارات المفتوحة، يعني عندما دولة تُفاوض إسرائيل بشكل غير مباشر لمدة أربع سنوات، ولكن في نفس الوقت تستمر على تحالفها مع إيران، وفي نفس الوقت تستمر بإرسال ذخائر ومعدات وصواريخ وكل الحاجات العسكرية لـ”حزب الله” ومازالت طريق الإمداد الرئيسي العسكري والمادي وربما المعنوي للحزب في لبنان، إذاً سوريا تُمارس سياسة الخيارات المفتوحة على كل الإحتمالات، وهذه سياسة خطرة بطبيعتها، ولكن حتى الآن لم تًسبّب لهم خسارة كبيرة، والخسائر بهذا المعنى محدودة، بمعنى الضربة الأميركية الأخيرة أو الضربة الإسرائيلية قبلاً على عين الصاحب، يعني ضربات تحذيرية أكثر مما هي ضربات تؤدي الى تغيير استراتيجي في السياسة السورية، وبالتالي سوريا تتصرّف على هذا الأساس، ولديها ما يكفي من المشاكل مع المجتمع الدولي سواءً فيما يتعلق بالمحكمة الدولية أو فيما يتعلق بالملف النووي بعد كلام رئيس وكالة الطاقة الدكتور البرادعي، عندهم ما يكفي من المشاكل ولا أعتقد انهم سيفاقموها لكي يكونوا مساعدين أو مساهمين بفتح جبهة.

ثالثاً: لا أحد من هؤلاء يتصرّف بأن “حماس” في ورطة، فلا “حماس” تتصرّف على إنها في ورطة ولا حلفاءها يتصرفون على إنها في ورطة، بالعكس كل الأنباء تقول إنهم لا يزالوا صامدين.

ماذا تريد “حماس” في النهاية إذا كان الواحد يُفكّر بعقل بارد، إذا بقيت “حماس” موجودة رغم كل العمل العسكري الإسرائيلي تكون قد انتصرت وتكون صمدت وربحت، كي لا نقول ان الدمار لا يعنيها، وبالتالي تبقى على تمثيلها السياسي وعلى قدرتها المعنوية وربما العسكرية، وأنا لا أرى ان الأمور ذاهبة بغير هذا الإتجاه، فإسرائيل لا تستطيع أن تنتصر الآن على الشعب الفلسطيني، هي لن تنتصر على “حماس” وهذا الإنتصار إذا حدث وهو لن يحدث، فهو انتصار على الشعب الفلسطيني، وليس على “حماس” وهنا الفرق بالنظرة الى ما يحدث في غزة، هل هو معركة بين “حماس” وبين الجيش الإسرائيلي؟ كلا هي معركة بين الشعب الفلسطيني في غزة وغير غزة وبين الجيش الإسرائيلي، فلا يوجد جيش بإمكانه الإنتصار على شعب إلا إذا أراد إعادة الإحتلال، وهذه مسألة دولية مُعقّدة جداً. فالإسرائيلي احتلها 40 سنة ولم تنتهِ، وباعتقادي انه لن يتورّط مرة أخرى باحتلال لكي يصل الى نتيجة، ومن هنا الحذر المصري، بمعنى ان التصرّف الإسرائيلي يوحي وكأن غزة لم تعد أرض محتلة، هناك تعابير دبلوماسية من نوع ان غزة تحررت في الـ2005، وبالتالي مسؤوليتها تقع على نفسها ليس إنها أرض محتلة ومقاومة شعبها مقاومة طبيعية، وهذا جزء من خلاف فلسطيني- فلسطيني، جزء من خلاف بين “حماس” وبين القيادة المصرية.

س- بالنسبة للدور السوري يُقال ان الرئيس الفرنسي الذي التقى الرئيس الأسد طالبه بأن تمارس سوريا نفوذها على “حماس” من أجل إقناعها بتسوية مُعيّنة لعدم إجهاض المبادرة المصرية؟

ج- ولكن ماذا حدث، لم يحدث شيء.

س- ألا تعتقد ان ذلك ربما يؤثر على العلاقة الفرنسية- السورية؟

ج- باعتقادي ان القيادة تحصر الحقوق الفرنسية بالموضوع اللبناني وليس بالإنتشار العربي، لذلك قلت في البداية ان هناك مشكلة جدية في قراءة دور الوسيط المصري سواء عند السوريين أو الإيرانيين أو حركة “حماس” أو كل هذا الفريق غير مُعلنة، ولكن بالمضمون بالتأكيد موجودة، يعني الرئيس الفرنسي سمع من السعوديين ورئيس الوزراء التركي سمع من السعوديين ومن غير العرب كلهم أحالوه الى مصر، باعتبار غزة على الحدود المصرية، ولكن المهم ان أطراف النزاع أن يكون لهم ثقة بالوسيط وثقة بقدرته على تنفيذ وعوده، وانا أعتقد انه حتى الإسرائيليين أيضاً لا يثقون بالوسيط المصري، لأنهم يعتبرون إن جزءاً كبيراً من تهريب السلاح تم عبر المعبر المصري الى غزة بصرف النظر إذا كان هذا الأمر صحيح أو لا. وقد ردّ المصريون بأن هذا التهريب يتم عن طريق البحر، وهذا كلام كله يحتاج الى تأكيد، لكن واضح ان فريق “حزب الله” و”حماس” وإيران وسوريا ليست حريصة على الدور المصري ولا ترغب في نجاحه، لذلك هذه المفاوضات ستستغرق وقتاً طويلاً ولن تصل الى نتيجة.

وباعتقادي ان الوسيط الوحيد حتى هذه اللحظة ومن يملك القدرة على الإتصال والتأثير بكل القوى مجتمعة، أي إسرائيل، حركة “حماس”، سوريا، إيران، السلطة الفلسطينية وواشنطن هذا الوحيد الذي عنده هذه الشبكة من الإتصالات والتأثير أيضاً هو الوسيط التركي والى أن يحدث ذلك هي مسألة وقت لأن يصبح هو الجزء الأساسي أو الرئيسي بالمفاوضات الفلسطينية- الفلسطينية أو المصرية- الفلسطينية أو الدولية- الفلسطينية.

س- لماذا فجأة برز هذا الدور التركي في المنطقة، وحضرتك منذ سنوات بدأت تتحدث عن هذا الدور التركي؟

ج- بعد حرب تموز.

س- أيضاً تحدثت في المقابل عن المشروع الإيراني؟

ج- هذا كان في الـ2005.

س- تحدثت عن أدوار جديدة إقليمية؟

ج- المشكلة إنها ليست جديدة، ولكن نحن لم نراقبها مُبكّراً ولا أعتقد ان الكثير من العرب على الأقل يتصرفون تجاهها على إنها مُقبلة عليهم، وكل واحد يعتقد إنه بقدرته الأمنية باستطاعته إقفال بلاده ومنع التظاهر فيها والحياة بخير، هذا غير صحيح، وثبت ان الأمن لا يمكن أن يحل أي مشكلة بالسياسة، إنما بالعكس السياسة تحل المشاكل الأمنية، وعلى كل حال الدور التركي ليس جديداً، بل هو تدرّج وكان دائماً هادئاً، هو تدرّج منذ الـ2003، هذه الحكومة التركية الحالية في الـ2003 لم تسمح للأميركيين باستعمال القواعد الأميركية على الأراضي التركية لغزو العراق، وكانت هذه أول خطوة مواجهة سياسية بين تركيا والإدارة الأميركية، والأتراك كانت هذه قناعتهم، وتصرّفوا من مصلحة أمنهم القومي.

س- ولكن بعد أن كانت تركيا داعمة للسياسة الأميركية- الإسرائيلية في المنطقة ومناهضة للأنظمة الإسلامية والعربية؟

ج- واضح ان هذه الحكومة معتدلة، أولاً يجب أن نُسجّل ان هذه الحكومة اتت بانتخابات للمرة الأولى، ربما حركة إسلامية ليبيرالية تصل الى الحكم بوسائل ديموقراطية وبحتة، وهذه تجربة ليست سهلة، تجربة تستند أيضاً الى تجربة اقتصادية ناجحة، فالدخل القومي في تركيا وهي دولة غير نفطية، دولة زراعية وصناعية، الدخل القومي هو 650 بليون دولار في السنة، وهذا رقم خيالي لدولة غير نفطية، شعبها 70 مليون، يعني عندها كل مقومات الدور التاريخية بسبب علاقاتها بالمنطقة والجغرافية وهي لم تتخلَ عن أهدافها الغربية، بمعنى ان هذه الحكومة ترغب بالدخول الى المجموعة الأوروبية، السوق الأوروبية المشتركة وتتصرّف بدقة وهدوء، وتدريجياً صارت تتصرّف على إنها جزء رئيسي من أمن المنطقة، أخذت مشروعيتها من خلاف مع الإدارة الأميركية حول استعمال القواعد، ثم عاد رئيس الوزراء التركي أيضاً وجدّد مشروعيته بالوقوف بوجه إسرائيل واتهامها بأنها تستعمل القوة المُفرّطة. وقال في أحاديث صحافية وفي البرلمان قال “ان هذه إهانة للشعب التركي” وهذا كلام فيه ذكاء، لأن هذا الشعب التركي يضم كل الفصائل السياسية المُتفقة أو المختلفة معه. وتحدث عن الدور وإنه حفيد الدولة العثمانية، يعني استعمل كل الأسلحة التاريخية التي تعطي المزيد من المصداقية. تركيا تتميز بأنها دولة عندها تعاون عسكري مع إسرائيل وهو أعلى بكثير من التمثيل السياسي أو التبادل الدبلوماسي، دولياً هي عضو في حلف الناتو، ومع ذلك رئيس الحكومة هذا رجب أردوغان استطاع أن يقول على الأقل كلمة حق في الوقت الصعب، لذلك هو أخذ مصداقية عند الجميع.

س- لكن هذا الموقف من إسرائيل هل يؤهله في المرحلة المقبلة ان يُكمل بموضوع الوسيط؟

ج- هو مؤهل قبل الموقف، وطبيعة علاقته مع إسرائيل وطبيعية علاقته مع السوريين، وبطبيعة علاقته مع “حماس” وبطبيعة دوره التاريخي، وبطبيعة عدم تجرؤ الإيرانيين عليه، وهذه مسألة مهمة أيضاً بأنه هو القوة الموازية حتى لا أقول المنافسة أو المختلفة، هو القوة الموازية للقوة الإيرانية في المنطقة، فهو مقبول أكثر من إيران بطبيعة الحال، وهو ينال مصداقية تدريجية، يعني هو يتدرج بهدؤ، طلبوا منه الذهاب الى مصر، ويدع المصريين يحاولون، ذهب الى مصر وهو مستعد لمساعدة مصر في أي فكرة أو تسوية، المصريون لا يريدون الآن، ولكن بعد وقت سيريدون ذلك، لأن المطلوب من الوسيط أن يحوز على ثقة جميع الأطراف، وأنا أعتقد ان مصر لديها مشكلة مع جميع الأطراف، مختلفة معهم جميعاً، ولكن هناك جهات أساسية في تسوية من هذا النوع على خلاف مع مصر، وهناك مسؤول إيراني زار لبنان منذ يومين سعيد جليلي وقال “إن إيران مستعدة للمساعدة بالتسوية”، يعني لمّح لرغبة بدور بتسوية مسألة “حماس”، وبالتالي من سيتحدث مع الإيراني، بطبيعة الحال المصري لن يُناقش الإيراني ولا سيُناقش الإسرائيلي من موقع الخلاف معه، وعلى الأقل المصري يُعلن اتفاقه على نقاط أو سكوته على نقاط الخلاف، ولكن بالتأكيد عنده نقاط خلاف ربما مثل التركي أو أكثر، ولكن طريقة إعلانه لها لا تُعطيه هذه المصداقية تجاه دور الوسيط.

الآن كلهم يتحسسون، الدول العربية الكبرى مُتحسسة بتنامي الدور التركي وقدرته على الإتصال بجميع الأطراف وإمكانية تحقيق تقدّم وأنا أعتقد ان الوقت سيمر، وستستمر المعارك وتكبر الأمور ولن تنجح إسرائيل بتحقيق أهدافها، وسنعود ونجد وسيلة من وسائل الإتصال العربي- التركي للوصول الى تسوية بالوقت المناسب، لأن هذه التسوية تحتاج الى طرفين ولا ننسى ان الإسرائيليين مُقبلين على انتخابات وأي قوة سياسية إسرائيلية سواءً وزير الدفاع أو وزيرة الخارجية الكل سيخوض الإنتخابات، ومن الطبيعي بتصرفه أن يأخذ بالحسبان الإنتخابات المقبلة في 10 شباط القادم، يعني بعد شهر تقريباً، وبالتالي صعب على كل الأطراف وصعب الإتفاق من دون الوسيط، أنا أشجع الدور المصري، وأتمنى أن يكون المُقرر، ولكن هذا أمر يحتاج الى تراكم وقدرة على المواجهة السياسية وعدم الدخول في التفاصيل الصغيرة، وعدم اتباع سياسة التوتر التي أفهمها، ولكنها بالسياسة ليست عملية ولا ضرورية، ولكن واضح ان التركي هو الوحيد المؤهل للعب دور الوسيط.

س- لكن مع اية دولة عربية واليوم كل الدول العربية تعمل، ولكن الطابة اليوم في الساحة المصرية؟

ج- أعود وأقول ان غزة جزءاً من الأمن القومي المصري، ولكن أيضاً مصر دولة واقعية، بمعنى إذا وجدت إنها غير قادرة بمفردها أن تُحقق نتيجة سريعة وضرورية لوقف هذا النزف، ولا يمنع في الوقت المناسب أن تُخفف من حساسيتها وتتعامل مع الدور التركي بواقعية أكثر، وحسب معلوماتي وقراءتي للدور التاريخي والجغرافي لتركيا، هو الدور القادر على أن يساعد، لن أقول هو الدورالوحيد، ولكن بالتأكيد هو الدور الوحيد المساعد جدياً، يعني هو أكيد أكثر قدرة على الإتصال بفرنسا، وأكثر قدرة على التأثير من وزير خارجية المانيا الذي كان بالأمس في القاهرة وعرض أموراً تقنية عن مسألة معابر الحدود، ولكن مسألة الشرعية الفلسطينية ومسألة إيقاف العدوان الإسرائيلي وإعطاء “حماس” شيء من الإعتراف السياسي في مكان ما هذه لا يمكن لمصر تحقيقها لأنها جزء من الصراع، وهي جزء من المسؤولية، فهي مسؤولة مباشرة، وأعود وأقول ان هناك مخطط إسرائيلي له من يسمعه في الإدارة الأميركية بتحميل مصر مسؤولية غزة من جديد لإنهاء فكرة الدولتين، وبعد وقت تُصبح الضفة الغربية مع الأردن، يعني تغيير كل جغرافيا المنطقة وهذا موضوع حساس جداً، يعني تفهّم المصريين في هذا الأمر، ولكن تشجيعهم على التفاهم مع الأتراك كقوة واقعية للوصول الى نتيجة، وأعتقد انه حتى السعودية يمكن أن تساعد في هذا المجال، ولكن يبدو ان الوقت لم يحن، وهناك بعض الوقت لكي نصل الى هذا الأمر وبعد استنفاذ كل المفاوضات بدون نتيجة.

س- مازلت مصرّاً ان المفاوضات بدون نتيجة؟

ج- حتى الآن أنا لا أقول إنه ليس هناك نتيجة أبداً، ولكن المفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً لأنه من عير الطبيعي لا لحركة “حماس” على الأقل ولا للقوى التي تدعمها بأن تنهي هذه المعركة دون أن تشعر “حماس” بأنها حققت تقدّما سياسياً بوضعها، وإلا ستكون مسؤولة فقط عن الدمار لا عن أي تقدّم سياسي، هذا الأمر لن تتحمله “حماس” ولا أحد يمكن أن يتحمله بوضعهم على الأقل.

س- ولكن استمرار المعارك كم يمكن أن يعطيها مكاسب سياسية بعد؟

ج- استمرار المعارك بالتأكيد لا يعطي الإسرائيلي أي مكسب سياسي وسيحرجها أكثر وأكثر لأنها لا تُحقق أي تقدّم جدّي وفعلي للعناوين التي طرحتها، أنا لن أقارن مع الوضع وتجربتهم في لبنان والمقاومة، وباعتقادي من الظلم المقارنة لأن وضع الحزب في لبنان كان أفضل بكثير، فعمقه مفتوح وأهله حضنوه واللبنانيين كلهم معه، الطبيعة مختلفة تماماً، ولكن لا يوجد حل لموضوع الصراع العربي- الإسرائيلي أو الفلسطيني- الإسرائيلي تحديداً بقيام دولة فلسطينية مستقلة حدودها طبيعية، وضعها الداخلي طبيعي، سلطتها منتخبة ديموقراطياً، لا أريد الدخول الآن على الملف الفلسطيني- الفلسطيني، فمشاكله مُتشعبة ومُتنوعة، فالحق كله ليس مع “حماس” التي هي النظرية الأساسية.

س- إذا كان الوضع الآن على ما هو، وحتى المفاوضات السورية- الإسرائيلية غير المباشرة توقفت، بعد هذا الوضع لم يعد هناك أي إمكانية لأي مفاوضات من هذا النوع؟

ج- الوقت مُبكّر على هذه الإجابات ولا ننسى ان هناك إدارة أميركية جديدة قادمة بكل الأحوال أو بالأحوال الطبيعية، هذه الإدارة عندها فترة سماح، يعني كل الناس ستتعاطى معها بهدوء ما عدا الإيرانيين الذين أعلنوا مُبكّراً اعتراضهم على كلام اوباما ووصفه بأوصاف حادّة.

س- رغم كل ذلك أعلن اوباما ان إيران خطر على أميركا، ولكنه أعلن ان الولايات المتحدة ستعتمد الطرق الدبلوماسية مع إيران؟

ج- أنا لا أعتقد بوجود تغيير استراتيجي في الموقف الأميركي غير بتعبير الحوار وان المشكلة قائمة واعتراضاتنا هي ذاتها، ولكن سنتبع طريق الحوار، وأكثر من ذلك كل المعلومات تقول ان الولايات المتحدة ستتبع طريق الحوار لفترة مُحدّدة وليس حواراً مفتوحاً لمدة خمس سنوات دون الوصول الى نتيجة، يعني هناك حوار مُحدّد زمنيا على الأقل ستة أشهر أو سنة لا أعرف، ولا أعرف خلال هذه الفترة كل طرف كيف سيُثبت مصداقية ما يعرض أو مصداقية ما يُنفّذ سواءً الإيراني أو السوري أو الأميركي أو الإسرائيلي، فهذه مسألة ستتضح ولا أحد يعتقد ان الإدارة الأميركية الجديدة ستدخل في حوار الى أبد الآبدين، ربما هناك شيء آخر سيتم ليس بالضرورة عسكري ولكن سيكون هناك شيء آخر ربما عسكري أو غير عسكري.

أريد العودة الى الموضوع اللبناني، أنا أعتقد ان وضع لبنان في المعركة الحادة جداً في المنطقة العربية والإسلامية وضع معقول نسبة لمحيطه وإحراجاته، ولبنان دفع مُسبقاً الكثير من الحقوق المتوجبة عليه، وبالتالي إحراجه أقل بكثير من غيره، حتى لو تحقق نسبة معقولة أو طبيعية من الحوار بين اللبنانيين، يعني حوار غير انتخابي في فترة حساسة من هذا النوع، وحوار لا يأخذ طابع الطرف، ولذلك أنا أعتبر ان أحسن وأفضل وسيلة تضامن رأيتها في الفترة الأخيرة، هي المبادرة التي قامت بها السيدة بهية الحريري في صيدا، بأنها جمعت آلاف الناس، وكان الخطباء أسامة حمدان ممثل “حماس” وعباس زكي سفير السلطة الفلسطينية في لبنان، فأظهرت إنها خارج النزاع الفلسطيني- الفلسطيني.

س- أيضاً الفلسطيني خارج النزاع اللبناني- اللبناني؟

ج- طبعاً هم يأخذون بعين الإعتبار حساسية الوضع اللبناني وحماية شعبهم في المخيمات، وهم يتصرفون بعقل ويمكن أن تقول انهم يتلبننون بالإتصال بالجميع والإنفتاح على الجميع، والتعامل مع الجميع بهدوء وبموضوعية، المهم أن يتعامل اللبنانيين مع بعضهم بقليل من الموضوعية وهدوء وسط ظروف صعبة لهذه الدرجة في المنطقة، الى أن تتكشف الى أين الأمور ذاهبة.