“نهاركم سعيد” – تقرير براميرتس والتفاهم الصعب مع دمشق

مقابلات تلفزيونية 15 يونيو 2006 0

س- من المتوقع ان يوافق مجلس الأمن اليوم، بالإجماع، على مشروع القرار الذي يسمح بالتمديد لمهمة براميرتس ولجنة التحقيق الدولية، لمدة سنة ، وأيضا قد يعطيه صلاحية للنظر في الجرائم الأخرى؟

ج- أعتقد أنهم سيعطونه صلاحيات عديدة كأن يحث على أن تقوم الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي بمساعدة السلطات اللبنانية، على إجراء التحقيقات بشكل تقني سليم، لأنه يقول ان هناك تقنيات غير متوفرة في لبنان، في الوقت الذي يشيد بالقضاء اللبناني، والواضح ان علاقته بالقضاء اللبناني أكثر من جيدة، خاصة ان للقضاة الذين يتعاطى معهم وعلى رأسهم مدّعي عام التمييز الاستاذ سعيد ميرزا، سمعة جيدة وكافية لحماية التحقيق.

س- كان لافتا في عمل اللجنة التزامها السرية التامة في عملها ، وهذا كان لافتا أيضا لدى القضاء اللبناني؟

ج- للحقيقة حاولت ولو من باب استقصاء الخبرية، وكلّمت الأستاذ ميرزا، عندما صدر التقرير، فوجدت انه إنتقل من الصمت الى الصمت المطبّق الآن، ولم آخذ منه ولا حرف سوى صباح الخير كيف الحال وفقط.

س- لكن صحيفة “السفير” سرّبت معلومات قبل أن يقدّم براميرتس تقريره ، ولكن تبيّن إنها لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، حيث توقعت أن يكون الانفجار حصل فوق الأرض وتحت الأرض؟

ج- راجعت نص التقرير باللغة الإنكليزية، وجاء فيه: “اما 1200 كلغ فوق الأرض وأما 500 كلغ تحت الأرض”. لكن بصورة إجمالية تقرير براميرتس يشبهه تماما ، ويحرص على سرية مطلّقة ، قد لا تكون مُبررة الى هذه الدرجة، ولكن إسلوبه في العمل فرض نفسه على صياغة التقرير، فهو كما يعمل، يكتب . ولذلك نجد التعابير دقيقة جدا وغير مفهومة وغير واضحة، وغير أكيدة، فقد كان الإنطباع لدينا ان هناك إدانة لكل ما حصل سابقا مع القاضي ميليس، فإذا دقّقنا بالتقرير نجد أن هناك واقعتين:

– الواقعة الأولى المتعلقة بالـ1200 كلغ فوق الأرض و500 تحت الأرض، وهي واقعة مذكورة ومتروكة للإجتهاد منذ أيام القاضي ميليس، وهذه تستند الى تقريرين ، واحد صدر عن معهد البحوث العلمية ومرصد الزلازل في الجامعة اللبنانية، وتقرير آخر صدر عن مركز مماثل في قبرص، يقول بأنه حصل إنفجارين أو رصدوا زلزالين، في فترة واحدة، الأول يسبق الثاني بثوانٍ، فهو تابع هذا الموضوع الذي كان موجودا في بيان ميليس. وهذه هي الواقعة الأولى.

الواقعة الثانية إنه وجد 27 قطعة من أشلاء جثة شخص في منطقة الجريمة غير محدّد الهوية، وأجرى عليها فحص الحمض النووي ، وتبيّن انه لا يمكن أن تنسب الى أحد من القتلى او الشهداء أو المفقودين حتى، أو من الجرحى أيضا. هذا الأمر كان معروفا منذ أيام ميليس وهذه هي الواقعة الثانية.

س- ولكن براميرتس يقول في التقرير “ان تحاليل مسرح الجريمة إكتملت، كما فهمت الى حد كبير ظروف الجريمة”؟

ج- قرأت بالأمس دراسة للعميد الياس حنا يقول فيها “ان براميرتس يعمد الى تثبيت الموروث” والمقصود التقارير التي ورثها عن سلفه ميليس، ولكنه أيضا يريد إرساء نظام يسمح بإدارة التحقيق بطريقة تناسبه ، بمعنى أنه يريد وضع الصورة الشاملة ويبدأ بإعادة ترطيبها من جديد، لكن ضمن هذه الصورة الشاملة وضمن الأشياء التي سيضعها في الداخل . هناك الكثير من الأمور التي أعدت في الفترة السابقة، وهناك أمور كثيرة أعدت في الفترة التي إستلم فيها هو. مثلا، لم يرد في التقرير ان سيارة “الميتسوبيتشي” التي سُرقت من اليابان وشُحنت الى دبي، قد فُكِّكت الى قطع ونُقلت وأٌعيد تركيبها في سوريا أو في لبنان ، مع أن هذه واقعة مؤكدة.

لكن الحقيقي والجدي الذي ورد في التقرير هو المتعلق بنقطتين:

الاولى انه فتح الباب على كل الإحتمالات، وان كانت بعض الإحتمالات تبدو سخيفة مثل الثأر الشخصي. فمن هذا الذي سيقتل الرئيس الحريري من أجل ثأر شخصي بهذه التقنية العالية؟ وبذات الوقت وضع إحتمال المافيات المالية.

اعتقد ان القاضي براميرتس كما وصفه لي أحد القضاة تقني أكاديمي ، بمعنى انه يضع كل الإحتمالات الموجودة في الكتاب، ولا يضع كل الإحتمالات التي تتناسب مع الشخصية التي اغتيلت. وبعد ذلك يُقرر ، أن يختار مما ورد في الكتاب، ما يناسب الضحية التي يُحقق في شأن إغتيالها، وبالتالي طبيعته مختلفة عما تعودّنا عليه.

صحيح ان القاضي ميليس كان منفتحا إجتماعيا أكثر من اللازم، ولكن هذا لم ينتقص من كفاءته ولا الإنكفاء والتقوقع الذي يمارسه، القاضي براميرتس يؤكد وصوله الى نتيجة، وبالتالي نحن نبالغ بالأولى ونبالغ بالثانية، بمعنى نبالغ بتصوّر الأولى بأنها كلها إساءة للتحقيق ، ونبالغ بتصوّر الانطباع الآخر بإنه هو الذي سيؤدي الى نجاح التحقيق.

س- ماذا يعني عندما يقول، ان اللجنة تعتقد ان الإفصاح عن أسماء المشتّبه بهم يجب ان يترك للمحكمة؟

ج- هو لا يستطيع أن يتجاوز الاسماء التي ذكرت، عندما كان التحقيق بيد القاضي ميليس. هو يقول هذا الكلام ، ولكن في نفس الوقت شجّع بطريقة أو بأخرى على الإبقاء على الضباط الأربعة موقوفين بناءا على التوصية السابقة للقاضي ميليس، لا يستطيع القاضي براميرتس أن يدين كل ما قام به ميليس، هو يأخذه كما هو، يختار منه ما يُناسبه ويُكمل بما يُناسبه.

س- برأيك إذاً تقرير براميرتس، لا يختلف عن تقرير سلفه؟

ج- لايختلف بشأن الحقائق التي توصل إليها ميليس، لكن أسلوبه مختلف وطريقته مختلفة بالتحقيق في الأشياء، مثلا هو لا يستطيع إختراع مسرح جريمة جديد، ولكنه يفحص مكان الجريمة بطريقة مختلفة.

نحن نتصرّف وكأن نزوله الى مسرح الجريمة مفاجأة ، وهناك حدث كبير ان براميرتس نصب خيمة في مسرح الجريمة ، هذا شيء طبيعي، هو أراد أن يتأكد من مستندات موجودة عنده وأعتقد انه أعاد قراءة كل المستندات التي توفرت له من خلال عمل اللجنة السابقة، فوافق على بعضها ورفض بعضها، ولكن هذا أمر طبيعي، والدليل انه أعلن عن تحليل خمسة مليارات إتصال . لا أعرف إذا كان هذا الرقم صحيحا ، ومن أين يمكن أن يكون هناك خمس مليارات إتصال، هل هي الإتصالات الدولية للمنطقة أم للبنان؟ لا يمكن أن يكون ذلك للبنان لأنه رقم خيالي.

س- لماذا لم يرد موضوع “الميتسوبيتشي” في تقرير براميرتس، وهل هو يملك معلومات دقيقة؟

ج- بالنسبة للسيارة لا أعرف لماذا لم ترد في التقرير، ولكن هل يملك معلومات ، فالأكيد انه يملك معلومات ، لكن طبيعته لا تسمح له بكشف هذه المواضيع والأكيد ان لديه معلومات دقيقة وجدية، وسيصل الى معلومات دقيقة وجدية في مرحلة مقبلة، مثلا حول الشبكة التي قيل إنها تنتسب للقاعدة وتضم 13 شخصا، وحقق معهم القضاء اللبناني وأحيلت نتائج التحقيق للقاضي براميرتس الذي أتى على ذكرهم في مكان ما من التقرير، عندما ذكر إحتمالات بأنها تنظيمات أصولية أو عقائدية.

س- هل تعتقد انه سيكشف هذه المعلومات، أم أنه سيترك الأمر للمحكمة؟

ج- طبيعته وطبيعة عمله تشير الى انه لن يكشف شيئا قبل المحكمة، وكأنه يحضّر ملفا كاملا لكي يكون مدّعي عام المحكمة، ويكون كل الملف بين يديه، الوضع الحالي والوضع السابق والوضع المستقبلي، وهو يتصرف على هذا الأساس. ولكنني لا أحب المبالغات، لا بالتوقعات ولا بالإحباط، هذا عمل سياسي تقني وأكاديمي كبير.

س- لكن كان هناك إجماع على وصف هذا العمل بالحرفي والتقني؟

ج- لا ننسى انه عندما جاء ميليس قلنا عنه نفس الشيء.

س- لكن على الأقل سوريا لم تكن مرتاحة لطريقة عمل ميليس، بينما نراها اليوم ترحّب بطريقة عمل براميرتس؟

ج- رأيي ان سوريا مرحّبة جزئيا بسبب طريقة عمله، أما الجزء الأكبر فأن سوريا تجاوزت هذا الأمر، وتبحث الآن الوضع في المنطقة، سوريا لديها مشاكل من نوع آخر وليس مشاكل تتعلق بما سيفعله براميرتس.

في الفترة الأولى في بدايات التحقيق مع القاضي ميليس كان لبنان وسوريا ، وربما جزء من المنطقة مشغولين تماما بموضوع التحقيق، ولكن الآن تغيّرت الأمور في المنطقة، وهي تتغير بشكل سريع ودراماتيكي، والإعتقاد بأن كل التركيز سيكون على التحقيق غير دقيق، لانه ما هي فضائل التحقيق غير كشف المجرمين، وهذا أمر أساسي وفضائله أنه يفترض ان يساعد بتنظيم العلاقات اللبنانية- السورية خاصة بعدما وافق النائب سعد الحريري من خلال طاولة الحوار، ووافق الجميع معه بالإجماع على الفصل بين التحقيق وبين العلاقات اللبنانية- السورية، ولكن عمليا وجديا لم يتم هذا الفصل.

س- هل سيساعد تقرير براميرتس على إتمام هذا الفصل؟

ج- أعتقد ان هذا التقرير سوف يُلزم بإتمام الفصل لأنه لا يوجه إتهامات، وبالتالي لا يمكن الإستناد عليه، فأنا واحد من الناس الذين كتبوا وقالوا بمسؤولية سوريا عن إغتيال الرئيس الحريري، إستنادا الى مسألتين رئيسيتين:

الاولى ان تقرير ميليس الأول والثاني وجّه أصابع الإتهام الى سوريا، فأنا لم أفتعل ما أقوله ، كنت أستند الى هذا التقرير.

الثاني: ان تأزم العلاقات السورية أو علاقات القيادة السورية مع الرئيس الحريري في الفترة الأخيرة من حياته كان مُعلنا.

فمن الطبيعي امام تقرير من لجنة التحقيق الدولية وتأزم العلاقات، أن تذهب أو تندفع نحو معاملة سوريا بالمثل، بمعنى الإتهام بالقتل. الآن لا تستطيع أن تستند الى هذا التقرير للمضي في المعاملة نفسها.

س- كيف قرأت التقرير بالنسبة لتعاون سوريا؟

ج- التقرير دقيق جدا على عكس الإنطباع في الصحف ، عندما يقول التقرير ان التعاون كان مرضيا ، كلمة مُرضٍ هي أدنى درجات الإيجابية، وقال: ان الأجوبة التي حصل عليها من الرئيس بشارة الأسد ونائبه فاروق الشرع، هي أجوبة مفيدة للتحقيق، ولكن الى أين تؤدي، هذه مسألة يقررها براميرتس في وقت لاحق.

لقد حرص براميرتس على مسألة أساسية بألا يكرر تجربة ميليس السابقة، بمعنى الإندفاع بنشر معلومات وبعض الإتهامات التي تغلق الأبواب بوجهه في دمشق، مفضلاً إعتماد أسلوب آخر.

على كل حال، إعتبر براميرتس إستقبال الرئيس الأسد له، مع انه جاء بعد 11 شهرا من عمل لجنة التحقيق، تقدّما كبيرا في مجال عمله، على الأقل الشكلي وربما العملي.

س- هل ما جاء في التقرير عن تعاون سوريا المرضي يريح سوريا في هذه المرحلة؟

ج- يريحها لأن همومها في مكان آخر.

أولا: شئنا أم أبينا لا شك ان سوريا حققت تقدّما سياسيا كبيرا في لبنان.

ثانيا: شئنا أم أبينا حققوا تقدّما جزئيا في فلسطين.

أيضا شئنا أم أبينا ما من شك ان لهم حصة من الحوار الأميركي- الإيراني ، أو ما يسمى التقدّم الأميركي في العالم الإسلامي الآن.

س- لماذا دخل سفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن جون بولتون ، على خط التقرير ليقول كلاما آخر في موضوع تعاون سوريا؟

ج- طبيعة بولتون صدامية، ولا تزال سوريا في موقع المرفوض للحوار مع القادة الأميركيين، وبالتالي هو يمارس سياسته وليس معرفته بالتحقيق.

س- ألا يعبّر عن موقف الولايات المتحدة؟

ج- هناك صحف نشرت ان براميرتس سوف يصل الى واشنطن يوم الإثنين الماضي لمقابلة كبار المسؤولين هناك. من ناحيتي قلت لزملاء في الجريدة ان هذا الخبر مستحيل، فسألوني لماذا؟ فقلت لهم “عندما عيّن الأمين العام للامم المتحدة قاضي التحقيق في البداية وكبار موظفي الجنة ، حرص على الا تضم لا أميركيا ولا فرنسيا ولا لبنانيا ولا سوريا، فكيف يمكن أن يزور رئيس اللجنة أميركا ويقابل مسؤولين أميركيين، فماذا سيطلب منهم، وعلى ماذا سيطلعهم ؟ أو ماذا سيطلبون منه؟” وفعلا لم يقم براميرتس بهذه الزيارة.

براميرتس يقوم بعمله وهو يستطيع بهذا التقرير أن يفتح الباب أوسع بقليل باتجاه تنظيم العلاقات اللبنانية- السورية.

س- كيف سينعكس التقرير على الوضع الداخلي اللبناني، وكيف تتوقع أن يكون الصيف؟

ج- أعتقد ان التقرير يشجّع على الهدوء السياسي ، وبالتالي الإنتقال الى إهتمامات أخرى مثل السياحة والإصطياف.

س- من الآن وإلى ان يقدّم براميرتس تقريره الثاني في أيلول ، هل برأيك ممكن حصول تطورات ما تؤثر على مسار التحقيق، أو على مسار تشكيل المحكمة الدولية؟

ج- لا أعتقد ان هناك قدرة عند أحد لمقاومة قرارات من هذا النوع في مجلس الأمن الدولي، لها أيضا علاقة بما أسميه جمهور رفيق الحريري، ليس فقط آل الحريري، فهناك جمهور كبير لرفيق الحريري في لبنان والعالم العربي على الأقل، يحرص على أن يكون هناك تحقيق جدي يصل الى نهايته ومحكمة دولية.

س- تقول ان هذا التقرير أراح سوريا، هل ممكن أن يعطيها دفعا جديدا للتقدّم؟

ج- الى أين ستتقدّم؟ التقدّم بالفراغ؟ لا يوجد شيء تتقدّم فيه. الأمر العملي الوحيد المطروح له علاقة بالعلاقات اللبنانية- السورية وهو خطوات عملية، وان غير عقلانية هو إجراء إنتخابات نيابية مبكّرة، وإعادة تشكيل النظام السياسي للبنان، لكن هذه مسألة معقدّة جدا وصعبة جدا، ربما تحصل بعد سنة . ولكن حتى الآن يبدو ان هذا الأمر معقد وصعب، وكل التطورات الحاصلة في البلد لا تساعد على حصوله.

س- ألا ترى انه بإعادة تجميع هذه القوى، وعودتها الى طرح نفسها من جديد على الساحة الداخلية تُربك الفريق الآخر، الذي لم يعد أمامه شيء والذي لم يستطع أن يغيّر بموضوع رئاسة الجمهورية، ولم يستطع تنفيذ ما تم الإتفاق عليه على طاولة الحوار؟

ج- دعينا لا نظلمهم لأنه ما إتخذ على طاولة الحوار بالإجماع قرارات مهمة جدا، سيأتي وقت مناسب لتنفيذ أحدها أو تنفيذها كلها، أيا يكن الموجود في الحكومة أو في مجلس النواب، سواء أكثرية أو أقلية وسط، إعتدال، تطرّف ، هذه مسائل أصبحت من المسلّمات لذلك يجب أن الا نستخف بها.

ما قام به الرئيس بري من بداية الحوار حتى اليوم، دور أساسي جدا، كان البلد يحتاجه، وهو دور شبه المحايد بين القوى المتصارعة. يُقال بالمثل الشعبي” اللي ما عندو كبير يشتري كبير”.

أنا أرى إن الرئيس بري قام عمليا بهذا الدور بشكل ممتاز، إستوعب الجميع وإستمع للجميع، ومازح الجميع وإختلف مع الجميع وإتفق مع الجميع، لقد كانت هناك ضرورة جدية وأساسية، وكان صعبا ان تسير الأمور بدون وجود شخص أساسي على طاولة الحوار محايد أو يأخذ شكل المحايد طوال فترة الحوار.

إذاً على الأقل ، أصبح عندنا نصوص لقرارات مُتخذة بالإجماع، يمكن العودة إليها في اللحظة المناسبة لتنفيذها.

س- برأيك ان هذا التقدّم لسوريا في لبنان من خلال حلفائها ليس له أفق ، ولكن هؤلاء يطالبون بإسقاط الحكومة؟

ج- هذه أوهام لا يمكن الوصول اليها عمليا. هذه رغبات، لكن الوضع السياسي في لبنان الآن أعقد بكثير من أن يستطيع أي من الأطراف، تحقيق إنتصارات على الآخر، هذه مرحلة تجاوزناها، إنما تغيير الحكومة موازٍ للإنتخابات المبكّرة، أي بحجمها، وباعتقادي ان مواجهة مئة مشكلة مع الحكومة الحالية أسهل من تشكيل حكومة جديدة، لأن ذلك يفتح شهية كل الناس على التوزير ، وهذا الامر طبيعي، وثانيا يفتح شهية كل الجهات على التمثيل داخل الحكومة، وثالثا يعيد خلط الأوراق من جديد. وبالتالي لماذا قد تسلّم الأكثرية تحت أي ظرف من الظروف بإعادة تشكيل حكومة، الثلث المعطّل ليس بيدهم ، وباعتقادي ان الضغط الحاصل لا يوصل الى تغيير حكومي.

س- في آخر جلسة لطاولة الحوار، هاجم العماد عون الحكومة وقال “قد يكون هناك تحركات في الشارع” والبعض يرى ان وضع حكومة الرئيس السنيورة اليوم، يشبه وضع حكومة الرئيس عمر كرامي عشية إغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

ج- أبدا، هذه لا تشبه تلك أبدا، هذه حكومة تتمتع بثقة عالية جدا من الوضع السياسي اللبناني. وأعتقد ان هذه الحكومة تتمتع بثقة المعارضين الرئيسيين رغم مشاركتهم في الحكومة، أي “حزب الله” أكثر من أي حكومة ممكن ان تتشكل ، خاصة بالنسبة للبيان الوزاري والنص المتعلق بالمقاومة.

س- هل هناك إمكانية لإعادة النظر في توسيعها مثلا، وإشراك قوى لكي تصبح حكومة وحدة وطنية؟

ج- أنا أقول حتى ألوان الكراسي التي يجلس عليها الوزراء لن تتغير.

س- سيبقى لون الأورانج خارج هذه الحكومة وهناك أيضا اللون الأخضر للمردة؟

ج- الأورانج لن يجلس على كرسي مجلس الوزراء ولا اخضر المردة. ولكن اللون الجدي الوحيد الجديد هو اخضر المردة بمناسبة القوى السياسية التي تتشكل حديثا. أعتقد ان سليمان فرنجية هو الشخص الوحيد الذي نستطيع القول ان لديه حيثية مستقبلية يستطيع العمل عليها ويمارسها يوميا.

س- على أي صعيد؟

ج- على الصعيد اللبناني، أولا نتائج الإنتخابات أعطته شيئا ليس بقليل في منطقته وفي وضعه وفي بيئته.

س- هل هذا كاف ليفرض نفسه على الصعيد المسيحي؟

ج- لا خيار أمامه سوى ان يفرض نفسه على الصعيد المسيحي، هذا خياره الأول ولم يترك له مجال آخر بسبب كثرة الدم، ولم يكن بإمكانه سوى الإعتماد على الجو المسيحي، والآن أعتقد انه يبالغ بالتعبير عن رغبته باكتساب الجو المسيحي.

س- طرحت سؤالا في مقالك يوم الإثنين “الرئيس السنيورة رئيس مفاوضة أم مقاومة؟” كيف سيستمر دور الرئيس السنيورة على رأس هذه الحكومة وهل حُلّت الإشكالية في الإجتماع التي حصلت بينه وبين النائب سعد الحريري، حول هذا الدور؟

ج- أنتِ أعطيتها الكلمة الصحيحة، إشكالية وليس أكثر من ذلك. وأعتقد ان الرئيس السنيورة لديه قدرة على إعادة تشكيل دوره بشكل يناسب البلد، لا أن يناسبه، لأن هناك مشكلة، إذا أصبحنا كلنا مقاومين، يجب أن يكون هناك شخص قادر عل التفاوض، لذلك بدت زيارة الرئيس بري لدمشق مريحة جدا وأراحت البلد كثيرا.

س- اذاً الرئيس بري يقوم بهذا الدور التفاوضي؟

ج- ولكن هذا مؤقت، ولا يمكن أن يكون عبر السلطة التشريعية ، يجب أن يحصل عبر السلطة التنفيذية اي مجلس الوزراء، لأن ذلك يلزمه آليات وإستمرارية ومناقشات . للحقيقة ان الرئيس السنيورة مال قليلا عن الخط، ولا أستطيع أن اقول انه مارس دوره كاملا لا كمفاوض ولا كمقاوم، ولا السوريين أراحوه كمفاوض . السوريون أعتدوا عليه ، وليس العكس. على كلٍ، هذا جزء من المشكلة في المفاوضات.

أرى ان الرئيس السنيورة مسؤول عن المفاوضات بقدر ما يستطيع ان يصل اليها، ولكن من الطبيعي عندما يقول هذا الكلام في اميركا، ألا ينتظر تحقيق تقدّم في سوريا، والأمر الطبيعي عندما يقول هذا الكلام في بريطانيا ألا ينتظر تحقيق تقدّم في سوريا. وأمر طبيعي عندما يدخل الى مجلس الأمن، ويشتبك في هذه المسرحية مع نائب وزير الخارجية السوري مصطفى مقداد أيضا ، هذا لا يساعده على التقدّم في سوريا، وبالتالي هل يعقل ان نفتش عن شخص آخر ليذهب لمفاوضة السوريين و”يتبهدل” معهم؟.

س- لكن أيضا الرئيس السنيورة لا يستطيع إلا أن يقول قناعاته، وبالتالي هو منبثق من أكثرية مُنتخبة؟

ج- لا مانع لدي ولكن هذه الأكثرية سمّته على انه مفاوض ، لأن الأكثرية كل يوم تطلق أعلى الخطابات وأعلى الكلام ضد سوريا، مثلا الاستاذ وليد جنبلاط لا ينتظر من يساعده بالمعارضة للسياسة السورية، ولا من يساعده بالكلام الكبير او بالتجييش والتعبئة، وهو سيد من فعل ذلك، أما دور الرئيس السنيورة فهو مختلف.

س- هل ترى ان هناك أي إمكانية لمعاودة التفاوض مع سوريا بعد التحرك الذي يقوم به الرئيس بري وتقرير براميرتس؟

أعتقد ان الأمر يلزمه تدخل عربي جديد.

س- ولكن لا يبدو ان السوريين متحمسون لهذا الأمر؟

ج- حتى الآن ولكن دعينا ننتظر، لدى السوريين حذر كبير من الرئيس السنيورة الآن، وربما هذا يشرّف الرئيس السنيورة أمام اللبنانيين، وانا أيضا عندهم مني حذر أكبر وهذا يشرفني أيضا، ولكن أنا لا أطرح نفسي كمفاوض، اما هو فقد سُمي رئيسا للحكومة للقيام بالتفاوض.

س- لكن الرئيس السنيورة نال أكثر من صفعة ، وآخرها في قمة الخرطوم؟

ج- أبدا في قمة الخرطوم الرئيس السنيورة هو من أخطأ بمسألة النص المتعلق بالمقاومة.

س- لكنه إلتقى الرئيس الأسد وصافحه، وقال له الأسد أن يرتِب جدول أعمال لزيارته سوريا؟

ج- صحيح، قال له رتب جدول أعمال ، ولكن الرئيس الاسد تصرّف كتصرّف رئيس الدولة، ولكن على قول المثل “عايز ومستغني” عن التفاوض مع لبنان.

س- لكن بالنتيجة التفاوض لن يتم ، إذا لم تكن سوريا تريده مهما كان موقف الرئيس السنيورة؟

ج- هل يمكن أن يتم مع لبنان لو لم يكن لبنان يريده؟ وبالتالي من الطبيعي ان تكون سوريا تريد أو لا تريد.

لاحظنا ان الرئيس بري في وقت من الأوقات، شعر أن باستطاعته ان يأخذ شيئا من القيادة السورية بالمعنى السياسي، ولكن هذا المجال ليس مفتوحا دائما.

أنا لا أقلل لا من وطنية ولا من عروبة ولا من دور الرئيس السنيورة، أنا أقول ان طبيعة دوره مختلفة عما يقوم به.

س- الآن بماذ شعر الرئيس بري حتى توجه الى الدول العربية من جديد؟

ج- هو يعلن يوميا بأنه لا تزال الفرصة متاحة، ولا أعتقد ذلك الآن، ربما الأمر يلزمه بعض الوقت، ولكن على كل حال الرئيس بري حرّك الموضوع وهذا شيء مفيد.

س- إستمرار الوضع بين لبنان وسوريا على ما هو عليه اليوم، كيف سينعكس على موضوع عمل الحكومة، واليوم سمعنا النائب سعد الحريري يقول”الإستقلال” وإستعمال معركة الإستقلال تكون بالإصلاح والإعمار والتشديد من جديد، على هذه الناحية من عمل الحكومة ربما لتجنّب العناوين المعرقلة الأخرى ؟

ج- هذه من الخيارات المطروحة، وأعتقد ان الخيار الوحيد المطروح غير الإستمرار بالكلام السياسي الإشتباكي، هو مسألة مبلغ مليار و200 مليون دولار متوفرة كقروض لمجلس الإنمار والإعمار وهي موجودة منذ زمن، وبالتالي إذا تم تلزيم مشاريع وغيرها يمكن أن تتحرك العجلة الإقتصادية، وهذا خيار مناسب وجيد لا مانع من أن يحصل.

وأعتقد ان النائب سعد الحريري بطرح المشاريع الإعمارية وبهذه السياسة يتذكر والده رحمه الله، الذي كان سمع كلاما كثيرا في السياسة وإعتراضات ومشاكل، ولكن بالنتيجة يعرف ان الذي يصل للناس، هو العمل والبناء والمال والدورة الإقتصادية، لذلك نرى ان النائب سعد الحريري يأخذ من والده هذه الفكرة ويحاول تنفيذها بشكل أو بآخر.

س- لكن نحن نعرف كم عانى الرئيس رفيق الحريري؟

ج- أعتقد ان ظروف الحكومة الحالية افضل، فالمشاريع المطروحة هي لكل المناطق، يعني نواب الجنوب سيطالبون للجنوب، نواب البقاع للبقاع ونواب بيروت لبيروت، لذلك الخطة الإقتصادية يجب ان تشمل الكثير من المناطق ولتلبية الكثير من إحتياجاتها.

س- في موضوع الخطة الإصلاحية الإقتصادية؟

ج- هذه مسألة ثانية لها علاقة بالإتفاق السياسي الكبير في البلد، إنما تنفيذ المشاريع هو ضخ بعض المال في الدورة الإقتصادية اللبنانية.

س- ولكن مؤتمر بيروت-1 يجب ان تسبقه الخطة الإصلاحية؟

ج- أنا لم أنكر هذا الأمر، ولكن هذه مسألة يلزمها قرار أكبر من الذي نناقشه حاليا.

س- من أين سيأتي هذا القرار الأكبر ؟

ج- هذا قرار سياسي كبير متعلق بالتطورات في المنطقة.

س- هل هو مرتبط بالمسائل الشائكة الأخرى؟

ج- لا توجد مسائل شائكة أخرى، هناك مسألة واحدة شائكة، وهي أننا أصبحنا جزءا من منطقة مليئة الآن بالصراعات، ولكنها تتقدّم نحو الحلول بأماكن ولازالت صعبة بأماكن أخرى.

الآن من يصدّق أو من كان ينتظر ان نرى مفاوضات أميركية- إيرانية، وأن نرى المسؤول عن الملف النووي علي لاريجاني موجود في صالون الرئيس مبارك، بعد كل ما قاله مبارك عن ولاء الشيعة العرب لغير بلادهم وولاءهم لإيران. كذلك نرى اليوم وزير الخارجية السعودي في طهران، هذه أمور كبيرة تحصل في المنطقة بينما نحن ننصرف الى التفاصيل ، ولكن ما يحصل في المنطقة هو إعادة رسم الخريطة السياسية بأكملها ، الخريطة السياسية وليس الجغرافية، من إسرائيل الى الأردن للسعودية الى مصر الى تركيا وإيران وسوريا، لبنان يأتي في آخر الترتيب ، لم يعد ترتيب لبنان في المقدّمة. ومثلا عندما يأتي رئيس مصلحة تشخيص النظام الإيراني الى دمشق، ويقول بحثت مع الرئيس الأسد بالأوضاع في العراق وفلسطين ولبنان، هذه حقيقة يجب ان نتعاطى معها على هذا الأساس، وعلى هذه القاعدة.

س- ومن اجل ذلك، ولان لبنان لم يعد أولوية، يقولون لنا حسنا إجلسوا على طاولة الحوار وتحاوروا وماشي الحال؟

ج- لكن هناك تقدّما على طاولة الحوار، وأنا مقتنع بذلك ولم يبق سوى نقطة واحدة للمناقشة المتعلقة بالاستراتيجية الدفاعية.

س- هناك نقطة لم يتفقوا عليها، هي موضوع رئاسة الجمهورية بالإضافة الى موضوع الإستراتيجية الدفاعية؟

ج- الموضوع الرئيسي والأساسي المطروح على طاولة الحوار، العلاقات مع سوريا والإستراتيجية الدفاعية، وما تبقّى هو تزيين للطاولة، وبالتالي لا مشكلة إذا سقط لحود أو إستمر لحود، هذه نقطة تجازوها ولم يعد يتذكر إنه موجود.

س- ربما هناك مشكلة عند البطريرك بأن هذا الموقع أصبح مهمشا؟

ج- هذا ليس هم سيدنا البطريرك، هذا هم كل اللبنانيين، ولكن أيضا نحن نعرف ان الإتفاق على رئيس جديد مسألة كبرى وليس مسألة محلية. ولكن الرئيس بري قال لي انه سأل الرئيس الأسد “ما اذا كانت قد تمت مراجعته في موضوع الرئاسة”، وسأله الأسد من تقصد؟ قال الرئيس بري “أقصد الأميركي” فكان جواب الأسد انه لم يتحدث معه أحد بهذا الموضوع.

أيضا سأل الرئيس بري السفير الأميركي عن هذا الموضوع فأجابه “ان علاقتنا سيئة جدا في الفترة الأخيرة مع سوريا لدرجة انه لا يسمح للدبلوماسيين الدخول الى دمشق بدون فيزا”. فقال الرئيس بري للسفير الأميركي “إذا هل تنتظرون منا ومن السيد حسن ان نحل مشكلة رئاسة الجمهورية؟”.

س- هل ستقول لي ان مسألة الإستراتيجية الدفاعية سيحلها الرئيس بري والسيد حسن والجالسين على طاولة الحوار، وليست مرتبطة بالملف الإيراني والملف السوري؟

ج- أعتقد ان هذا الموضوع سيخضع لبحث جدي، وعلى الجميع ان يقدّموا تنازلات في هذه المسألة. أعتقد ان الجالسين على الطاولة يحرصون على عدم إطلاعنا على أي شيء يدور هناك، ولكن حسبما عرفت ان الأستاذ وليد جنبلاط قدّم ورقة للإستراتيجية الدفاعية ، وأيضا السيد حسن قدّم ورقة لا أعرف إذا كانت شفهية أو خطية أيضا ، وقيل لي ان الدكتور جعجع قدّم ورقة غريبة.

س- الدكتور جعجع قدّم ورقة باسم 14 آذار؟

ج- وليد جنبلاط قدّم ورقة، هل هو من 15 آذار؟.

س- ممكن لدى الأستاذ وليد تصوّر مفصّل أكثر، ولماذا إعتبرت ورقة الدكتور جعجع غريبة؟

ج- لأنها تحدثت عن نشر قوات دولية على الحدود بين البلدين، وهذا الأمر يستوجب إتفاقا مع إسرائيل، وبالتالي لا أظن ان أحدا في لبنان، يركض لإبرام إتفاق مع اسرائيل؟ هذا من جهة. ومن جهة ثانية تشبيه سلاح “حزب الله” وسلاح المقاومة بالسلاح الذي بيع أيام الميليشيات ، أيضا فيه شيء من الغرابة، باستعمال هذه التعابير تجاه سلاح من هذا النوع، لأن طبيعة السلاح مختلفة، وطبيعة الناس مختلفة، وعنوانهم مختلف، هذا غريب ولا أعرف إذا كان ما قرأته دقيقا.

أما ورقة وليد بك فلم أقرأها، وما نُقل عن السيد نصرالله، من باب المزح أصبحت أقول: “في لبنان هم ضد خصخصة الكهرباء وغيرها، ولكنهم مع خصخصة الحرب والسلم”، وهذا أمر غير طبيعي. وهل السؤال إننا لا نستطيع تسليم الأمر للدولة لا الآن ولا في المستقبل؟.

أنا أقول ان موضوع الإستراتيجية الدفاعية يلزمه مدّة محدّدة مع ميزانية كبرى تخصص للجيش، بحيث يدرّب على وسائل معينة، وأن تتم تعبئته على وسائل معينة، لمدة خمس سنوات أو ست سنوات مثلا ، يحتاج لعشرة مليارات دولار، وفق هذا النظام أو ذاك ، فمن الممكن ان تكون هذه استراتيجية دفاعية مؤقتة تقوم بها جهة أهلية مع الإحترام والإعتراف بدورها، ولكن تركها مفتوحة هو خصخصة، وكأنك تقول انا من يتخذ قرار الحرب والسلم وأنا أقرر فيه بالتنسيق مع الجيش وفي ما بعد أقرر ماذا أفعل ، هذا الكلام لا يجوز لأنه يمنع فكرة الدولة في المستقبل.

س- في الموضوع الفلسطيني، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مندوبة فلسطين لدى المفوضية الأوروبية، ان الحرب الأهلية قد إندلعت قليلا في فلسطين، هل ممكن أن يتطور هذا الأمر؟

ج- قليلا يمكن إستعمال هذا التعبير، ولكنني أعتقد ان المشكلة ليست هنا، المشكلة هي ان حركة “حماس” التي فازت بالإنتخابات بغالبية في الفترةالأخيرة، هناك مسألتان لم تعترف بهما حتى الآن:

أولا : مسألة منظمة التحرير التي هي مسألة كبرى وتاريخية في حياة الشعب الفلسطيني

ثانيا: مسألة الصفقات التي عقدتها منظمة التحرير سابقا، سواء مع إسرائيل أو غير إسرائيل ، ولكن تحديدا مع إسرائيل.

“حماس” تعتبر عدم وجودها في هذه الهيئة ، يعني عدم موافقتها على هذه الإتفاقات، بينما الآخرون يعتبرون انهم مُلزمون بهذه الإتفاقات التي وقّعوها.

إذّا هذه هي المسـألة الأساسية والإستراتيجية، هل تنوي “حماس” التعامل مع إسرائيل وفق القرارات التي إتخذت أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات وأوسلو وما بعدها.

س- اليوم يقول الزميل ابراهيم حميدي في صحيفة “الحياة” ان سوريا تحاول مع حركة “حماس”، إقناعها بالإعتراف بالمبادرة العربية للسلام؟

ج- هذا مدخل مختلف لنفس الموضوع، أي لقرارات منظمة التحرير، ولكن عبر مدخل سوري. وعلى كل حال، في هذه الفترة، سنشاهد الكثير من آثار حركة سوريا السياسية باتجاه العالم العربي.

س- ماذا تريد سوريا من هذا الوضع؟

ج- سوريا تريد أولا، ان تستعيد دورها الإقليمي ، فهذه مسألة أساسية بالنسبة لها، حيث الأزمات في العراق، فلسطين ولبنان، بالمناسبة إذا فكّرنا بالمسائل الثلاث ، نجد ان الرئيس صدام حسين والرئيس ياسر عرفات والرئيس رفيق الحريري، إختفوا من السلطة خلال سنتين في الدول الثلاث وهذا أمر مُلفت للنظر.

ولكن على كل حال، سيحاول السوريون الآن إستعادة الدورالسابق الذي كان أيام الرئيس حافظ الأسد، على انهم عنصر توازن في العلاقات العربية – الإيرانية وليس عنصرا ملحقا بالمشروع الإيراني.

إنتشر لفترة طويلة كلام ووصف بأن سوريا أصبحت جزءا من الفلك الإيراني ، وليست دولة حليفة، بل باتت المدخل للعالم العربي. أنا أعتقد الآن ان لدى السوريين رغبة جدية باستعادة دورهم في هذه المناطق.

س- ربما ستكون سوريا جزءا من المفاوضات الإيرانية – الأميركية، هل يمكن ذلك أن يترجم باستعادة دورها الإقليمي؟

ج- بالتأكيد إيران ستسعى لحماية سوريا، ولكن لحماية دورها الإقليمي، هذه مسألة مختلفة. ولكن أعتقد انه سيكون هناك حرص على حفظ سوريا ، ولكن إستعادة دورها الإقليمي يحتاج الى جهد كبير من النظام السوري نفسه، ومشكلته إذا تحرك بكل الإتجاهات فهذا له ثمن بطبيعة الحال بالسياسة، وإذا إنكفأ عن كل هذه الإتجاهات فأيضا له ثمن في السياسة، بمعنى ان السوريين مصرون الآن على التعاطي مع مصر ومع السعودية، بطريقة أفضل وبطريقة متفاهمة أكثر. أنا قرأت منذ اسبوع في الجريدة خبر يُركز عليه كما يجب ، ولكن أعتقد انه خبر رئيسي، وهو ان اللواء محمد ناصيف الذي تم تعيينه برتبة نائب وزير معاون لنائب رئيس الجمهورية قام بزيارة لطهران أُعلنت لأول مرة.

س- لكن ايضا من بعد ناصيف، رئيس الأركان حسن تركوماني قام بزيارة طهران؟

ج- هذه لها طبيعة أخرى، لأن المعني بهذا الملف تاريخيا منذ بدايات الثورة الإيرانية عام 1976 هو اللواء ناصيف، وهو رجل عميق الفكر ويتعاطى بالأمور الإستراتيجية أكثر مما يتعاطى بالتفاصيل، ولديه شيء من القدرة على التعاطي مع بائع السجاد الإيراني.

لذلك أعتقد ان هناك محاولات لإعادة رسم الدور لسوري في المنطقة ليس بالضرورة نجاحها، ولكنها محاولات بإعادة دور توازن بين العرب وإيران، لأن هناك طاولة للمنطقة يتم تحضيرها الآن سيجلس عليها التركي، الإسرائيلي، الإيراني، المصري والسعودي، يبقى هناك كرسي واحد يفترض أن تكون الكرسي السورية. ما هي شروط الجلوس على هذه الطاولة وكيفية الجلوس على الطاولة أمر آخر؟.

على كل حال ما هو حاصل في المنطقة كبيرا جدا، هو إعادة رسم خريطة سياسية للمنطقة كلها، فيها رسم خريطة العراق ورسم خريطة فلسطين ورسم خريطة لبنان السياسية ورسم خريطة سوريا ، أما مصر وسوريا، فلن يتغير فيهما شيء من حيث الرسم.

س- ما هو تأثير ماحصل من كشف مخابرات الجيش لللبناني، لشبكة التعامل مع الموساد الإسرائيلي، على موضوع الإستراتيجية الدفاعية خاصة وان كل جانب حاول أن يسجل لنفسه موضوع كشف الشبكة؟

ج- هل يعني ان هناك أكثر من جانب في هذا الموضوع؟.

س- نعم وذلك دعما لنظريته بالإستراتيجية الدفاعية؟

ج- أنا أريد أن أقول ان الجيش منذ 14 شباط الماضي، عندما إغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري تصرّف بقيادة العماد سليمان، بكثير من التوازن والتعقل والمنطق السياسي الواعي، وعدم الإصطدام بالناس وإحتضان مشاكلهم، وبالتالي لم يثر أي حساسية لدى أي من الأطراف.

لذلك جاء الآن موضوع الشبكة ، وهو أمر ممتاز وجيد، ولكنني لا أعتقد انه يستأهل هذه المبالغات، قامت مديرية المخابرات بدور ممتاز، وأعتقد ان لـ”حزب الله” مساهمة في هذا الموضوع، أنا أدّعي ذلك، ولكن لا أملك أي معلومات، ولكن أريد قراءة الموضوع قراءة أخرى.

كل التركيز في هذه الشبكة الآن هو على محمود رافع، ولكن إذا استعرضنا الأشخاص الذين يعملون معه ومنهم هذا الشخص الذي يُقال ان لديه شبكة أخرى حسين خطاب. إذا إستعرضنا كل هؤلاء سنجد انهم جميعا فلسطينيون من مخيم عين الحلوة، إذاً أما آن الأوان لطرح السؤال حول مسألة الفلسطينيين المسلحين في لبنان؟ وإنها مسألة معيبة بحق الفلسطينيين وبحق اللبنانيين وخلق ما يسمى مناطق الإطمئنان داخل المخيمات. الى درجة انك تستطيع الدخول الى المخيم وتبقى هناك مثلا عشر سنوات دون أن يسالك أحد ماذا تفعل؟ ايضا في ما يتعلق بخلية القاعدة هناك شخص إسمه خالد طه مرتبط بهذه الخلية، يُقال انه موجود في مخيم عين الحلوة.

ما أقوله، ان النقاشات التي دارت مؤخرا حول الموضوع الفلسطيني تمثل فضيحة في العمل السياسي، وسأقول كلاما أبشع ، شذوذا في العمل السياسي.

س- من أي ناحية وكيف؟

ج- في موضوع الناعمة وقوسايا، هل يعقل ان يقتل جندي من الجيش اللبناني ولا يجتمع مجلس الوزراء ويعطي أوامر للجيش اللبناني على الأقل، لحل المشكل في موقعه بقسوة وبحدّة؟ أنا أسأل ماذا يريدون من الناعمة وقوسايا وما هذه الشعارات التي تدعو الى قتال إسرائيل من كوسايا والناعمة؟ لقد خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان من 23 سنة ، هل تعرّض أحد للمخيمات منذ ذلك الوقت حتى اليوم؟ أنا أمضيت شبابي كله في الثورة الفلسطينية وأعرف الكثير من الأسماء التي أراها وأسمعها ، ولكن ما يحصل الآن مُعيب .. مُعيب.. مُعيب، حيث نسمع هؤلاء المسؤولين في “الجبهة الشعبية” و”فتح الإنتفاضة”، يتحدثون عن هذه المراكز وكأنها حق مُكتسب لهم، من أعطاهم هذا الحق المُكتسب؟ هل من خلال قتال إسرائيل؟ أنا أسأل متى قاتل هؤلاء إسرائيل من 23 سنة حتى اليوم؟.

س- لكن هذا الأمر يصب في نفس السلطة المتعلقة بالعلاقة مع سوريا؟

ج- هذا الأمر لا يتمتع بحماية دولية.

س- أليس له حماية سورية؟

ج- حتى إذا كانت له حماية سورية، يجب ان نتصرف بما يناسبنا، فهل يعقل أن يُقتل جندي من الجيش اللبناني ونذهب للإستئذان من سوريا في التصرّف تجاه هذه الحادثة وإعتقال المتسببين أم لا؟.

س- لكن قد يؤسس هذا العمل الى حرب ، خاصة وان هذا السلاح مازال يأخذ رعاية من قبل “حزب الله”؟

ج- وما المشكلة، إذا أسس لحرب وفي النهاية يجب ان ندفع ثمنا. أما “حزب الله” فلا يستطيع أن يقول على طاولة الحوار أنا أريد حماية هذا السلاح، والدليل انه تم الإتفاق على الطاولة بأنه يجب نزع هذا السلاح خلال ستة أشهر.

س- ما دام الأمر كذلك، ما هو السبب لعدم تصرّف الحكومة في هذا الموضوع؟

“قبل أن أجيب، إسمحي لي أن أصحّح خطأ ورد في كلامي عن الإنفجار. فقد جاء في تقرير براميرتس انه وقع بـ1200 كلغ فوق الأرض”.

ج هذا الأمر يتعلق بالقرار السياسي أيضا، نسمع هؤلاء على الشاشات بأنهم قاموا بحرب الجبل وأنهم ساعدوا وليد جنبلاط، كفانا حروبا ، كذلك وليد جنبلاط حمّل نفسه منذ العام 1983 أكثر مما يستطيع أن يتحمّل فقد حمّل أكتافه دما، وحمّل يديه حروبا، وحمّل عقله وحمّل حياته ، وناصر سوريا في ذلك الحين وليس سوريا فقط إنتصرت له، هو إنتصر لسوريا بعروبة لبنان التي يعتقدون انها أفضل للعلاقة مع سوريا إذا أردنا تسميته بهذا الإسم.

هذا الملف لا يجوز .. لا يجوز إلا إغلاقه بأي ثمن حتى لو كلّف دما ، وهذا كلام لا يحق لي أن أقوله ويجب ألا أقوله ، ولكن أصبح الأمر مهينا لدرجة يعبّر عن إستخفاف بكل اللبنانيين.

أنا أعرف موقف السيد حسن نصرالله في هذا الموضوع، هو يتكلم سياسة في هذا الموضوع، ولكن هذا ليس موقفه الشخصي، وهو كان قد قال في فترة من الفترات، انه يأخذ على عاتقه مسألة نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات.

س- ولكن يلزم الأمر القرار السياسي؟

ج- غير صحيح القول انك تستطيع إتخاذ القرار السياسي، هذه مسألة، “شعبيتها منها وفيها”، لا أحد يستطيع المدافعة عن كوسايا ، لماذا الدبابات في كوسايا؟ والى أين تريد أن تتجه هذه الدبابات؟.

س- لكن إذا قررت الحكومة اللبنانية أن تتصدى لهذا الوضع وتواجهه، ولو بالعنف هل تظن ان من يحمي هذه المجموعات سيبقى متفرجاً مكتوف اليدين؟

ج- ماذا باستطاعتهم أن يفعلوا، هل سيرسلون طيرانهم؟ دعينا لا نبالغ في هذا الموضوع، المشكلة ان هناك مواقع يجب ألا يكونوا فيها. ولا يجوز أن نكتفي بالتفرّج وننتظر شهرا أو إثنين أو ستة، فيكون عددهم 200 مسلح ليصبحوا 800 ومن ثم 1600.

س- نريد ان نختم بالوضع في العراق؟

ج- ما نراه في العراق اليوم هو تهيئة لصورة العراق النهائية، بمعنى ان هناك تشكيلا جديدا للعراق، ولكن هذا التشكيل لن ينتهي إلا على الطاولة الشرق أوسطية، وأعتقد ان الإيرانيين قدّموا تطمينات للمصريين وللسعوديين بأن دورهم في العراق لن يكون دورا سلبيا، بل سيكون من الآن وصاعدا دورا إيجابيا ، يجمع الأطراف ويسهل التفاهم في ما بينها ويعيد تشكيل النظام السياسي بشكل مستقر.

س- كيف ترى زيارة الرئيس بوش المفاجئة لبغداد؟

ج- أعتقد انها جزء في هذا المجال الذي أتكلم عنه الآن، ولا أعتقد ان الرئيس بوش حضر فجأة الى العراق، دون أن يكون هناك شيء يحضّر للمنطقة له علاقة بالحوار الأميركي-الإيراني، وله علاقة بتشجيع العراقيين على التفاهم، وتشكيل نظام سياسي بشكل مستقر وهادىء وشبه نهائي.

لذلك أعتقد ان هناك شيئا ما في المنطقة أهم بكثير من متابعتنا، فهناك الحركة السورية سواء نجحت أم لم تنجح، هذا سيتضح مع الوقت ، ولكن تبيّن الآن في العراق ان الوزير المعلم مرحّب به والرئيس الطالباني ذكّر بكل سنوات إقامته في دمشق موطنه الأول ومساعدة سوريا للمعارضة العراقية، فهذا تطور في الموقف العراقي. إذاً هناك شيء ما يتشكل في المنطقة يجب متابعته والتدقيق الى أين يمكن أن يصل ، ومن الممكن أن يصل الى مكان ما، وممكن أن يفشل في مكان ما، ولكن كل الجهود تتركز على السعي لانجاح هذا الأمر، والواضح ان إيران التي كانت دائما تفتح هلال الأزمات كما أسميه تريد الآن إقفاله ، ومن الطبيعي أن يكون ذلك على طاولة المفاوضات، وبالتالي السوري رأى أنه لا يجوز أن يبقى مُنكفئا ويترك إيران تتقدّم في هذا الموضوع، فعاد وتقدّم وبدأ يتعاطى مع الوضع العربي بطريقة مختلفة . وأعتقد ان السوري يساهم في موضوع “حماس” بشكل أو بآخر، مع ان”حماس” مستقلة عن السوريين، ولكنها قريبة منهم وتتعاطى معهم بشكل مُتفهم، وبطبيعة الحال يجب على لبنان أن يفكّر كيف سيتحرك إزاء هذه التطورات ووسط هذه الخريطة.

س- ماذا تعتقد على اللبنانيين أن يفعلوا؟

ج- لا شيء سوى الإستمرار في حوارهم، والتوصل الى نتائج جدية ونهائية، وبعد ذلك يتجهوا صوب سوريا ليقرروا ماذا سيفعلون معها.

أعتقد ان الرئيس بري سمع كلاما في مصر وسيسمع كلاما في السعودية مُطمئنا، بمعنى تقدّم المحادثات الإيرانية- السعودية ، والأمير سعود الفيصل صرّح في طهران ان المحادثات تناولت لبنان وفلسطين والعراق. لبنان ليس لديه مشكلة لا مع المصري ولا بالتأكيد مع السعودي، إنهم يحمون حقنا فهي دول معتدلة وتريد لبنان في أفضل وأحسن أوضاعه. وأنا أرى ان سفيري هاتين الدولتين في لبنان وخاصة السفير السعودي في لبنان من الناس الذين يلعبون دورا إيجابيا بين كل الأطراف. فمن الملك عبد الله الى الأمير سعود الفيصل مرورا بالسفير السعودي في لبنان، وكذلك الرئيس مبارك وصولا الى سفير مصر في لبنان، أعتقد ان الأمور ستكون أفضل.