“نهاركم سعيد” – أزمة انتخاب رئيس الجمهورية

مقابلات تلفزيونية 09 سبتمبر 2007 0

س- قلت في مقالتك الأخيرة ” لا يريد فريق 14 آذار أن يعترف للرئيس بري برغبته وقدرته على كتابة تاريخه من جديد”، لماذا هذه الثقة ، وعلى ماذا مبنية بدور الرئيس بري وخلفية تعاطيه مع كل المراحل وآخرها إطلاق هذه المبادرة؟

ج- أولا ، بناءا على التجربة التي عايشها الجميع منذ 14 شباط 2005 مع إغتيال الرئيس الشهيد الكبير رفيق الحريري رحمه الله، وما أريد أن أقوله ان الرئيس بري أثبت طوال هذه الفترة، انه يملك ما أسميته الحد الضامن من اللبنانية القادرة على مواجهة الصعاب التي نراها كل يوم بقدر معقول وممكن من الإيجابية، من السهل أن نقول ان النظام السوري معادٍ للنظام اللبناني، وانه إغتال عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والفكرية في لبنان، وان هناك مراكز عسكرية في قوسايا والناعمة، وان هناك تدريبات تجري، وان هناك أحزاب تقوم بالتسلح، هذا كلام تقليدي نسمعه منذ خمس أو عشر سنوات، ولكن الأهم الذي قيل في السنوات الثلاث الأخيرة . السؤال هو كيف نواجه كل هذا الكلام؟ الرئيس بري يقول لنفترض كل هذا الكلام صحيح، وهو لا يعتقد بالتأكيد ان معظمه صحيحا، ولكن لنفترض انه صحيح كيف سنواجهه؟ بالمزيد من الوفاق أو بالمزيد من الإشتباك ؟ بالمزيد من الشتائم او بالمزيد من التهدئة؟ بالمزيد من دعوة الناس للائتلاف حول موضوع معيّن، وتأجيل أو تجميد الخلافات التي تدور حولها إشكالات كبيرة؟ وهل نضع الإشكالات التي تدور عليها الحروب في أول المفاوضات، أو في البند الثاني أوالثالث من المفاوضات؟ الرئيس بري لا ينكر ان هناك ملفات إشكالية حادة بين الأطراف اللبنانية السياسية ، ولكن هذه الإشكالية الحادة لا يمكن مواجهتها إلا بالمزيد من الحوار والوفاق، والمزيد من المبادرات والمزيد من التصرّف على أن هناك مجال ولو محدود ، ولو ضيّق ولو صغير للتفاهم بين الأطراف اللبنايين، ومن يملك خيارا آخر فليتفضل ويطرحه.

س- لماذا تأخر الرئيس بري في طرح مبادرة من هذا النوع؟ وماذا عن تعطيل الرئيس بري لمجلس النواب وكيف تفسّر ذلك؟

ج- عادة يُقال اني أقول هذا الكلام ، ولكني لا أدافع عن فلان . أما أنا فأريد أن أدافع عن الرئيس بري لأني مقتنع بما يقوله. صحيح الرئيس بري عطّل مجلس النواب، ولكن السبب المعلن قوله “بأن الحكومة غير دستورية” ، وأنا لا أوافق على هذا الكلام، وكتبت ذلك وقلت ان هذه الحكومة دستورية وشرعية ، لكنها لا تمثل الميثاق الوطني، بمعنى أنها تفتقد الى المشروعية الوطنية بسبب غياب طائفة كبرى عن التمثيل فيها. ولكن أنا ما أريد أن أقوله أني أعتقد لو عُقد مجلس النواب لكنا شهدنا إشتباكات أعنف بكثير من التي نشاهدها اليوم على شاشات التلفزة وفي الصحف.

أنا بطبيعية الحال مع الحوار داخل مجلس النواب ، ولكن هذا ليس الحد الأقصى أو الحد الطبيعي لمفهوم رئيس المجلس النيابي.

على كل حال، بالمسألة الإستراتيجية المتعلقة برئاسة الجمهورية ، الرئيس بري دعا الى جلسة في 25 ايلول، وبالتالي لو إنعقد مجلس النواب ماذا كان سيتم سوى مناقشة نفس العناوين التي ناقشوها على طاولة الحوار ، والتي إنتهت الى إشتباكات وتوتر وإستنفارات، وبالتالي لم نخسر أي شيء، ولا ينقصنا أو نحن لا نميل الى المزيد من التوتر والمشاكل والخصام.

عمليا هناك محطة إستراتيجية إسمها رئاسة الجمهورية، والرئيس بري دعا لجلسة في 25 أيلول.

س- كيف تقول لم نخسر شيء خاصة وان هناك وضعا إقتصاديا مُنهارا، وهناك أمور يلزمها تشريع، ومنها مؤتمر باريس؟

ج- في الملف الإقتصادي المتعلق بمؤتمر باريس، أنا أوافق معك، ولكن حتى باريس-3 هو مسألة تحتاج الى وفاق أيضا بين اللبنانيين.

إذا أردنا تبسيط الأمور بطريقة أن نعقد الجلسة ونقر هذا البند أو ذاك من المسائل المتعلقة بباريس-3 ، الذي سيؤدي الى إشتباكات سياسية كبيرة وهي غير حقيقية وغير طبيعية، ومن سيثير هذه الإشتباكات مخطيء، ولكن هو لأسباب سياسية سيقوم بذلك.

أنا من دعاة الحوار داخل مجلس النواب وفي أي مكان ، ولكن هذا الكلام لا يعني انني أرى فقط الجانب السلبي من الحركة . هناك جانب سياسي أكيد بتعطيل حركة مجلس النواب، وأنا سأعترض عليه يوميا وسأقول كل الكلام الذي قالته مجموعة 14 آذار ، لنفترض انه صحيح وسليم وان كلام الرئيس بري بما يتعلق بدستورية الحكومة غير صحيح.

س- على الأقل، كان على مجلس النواب، مناقشة دستورية أو عدم دستورية الحكومة؟

ج- ياسيدتي كل الاحاديث التي سمعتها من عشرة أيام حتى اليوم، في كل المجالات وكأنها حديث من الماضي، ولا يوجد من يريد طرح أي أمور للمستقبل، وما طرحه الرئيس بري مع عدم الإتفاق نهائيا معه على تعطيل جلسات مجلس النواب ، في ذلك الحين هو خطوة نحو المستقبل مهما كان رأينا فيها، وبالتالي كيف سنواجه هذه المرحلة المقبلة علينا؟ وهل هي مرحلة وفاق لمواجهة كل هذه العناوين المتفجرة؟ أو هي مرحلة إفتراق لمزيد من الإشتباكات والصدام؟.

جاء في الصحف ان سمير جعجع تحدث عن تدريبات عسكرية يقوم بها “حزب الله” للتيار الوطني الحر، وان “حزب الله” يريد تعطيل إنتخابات الرئاسة.

أنا أقول طبيعي أن يعطّل “حزب الله” الإنتخابات الرئاسية ، هذا ليس بجديد لأنه بالخلاف السياسي كيف يتصرف “حزب الله”، الطبيعي أن لا يذهب الى جلسة الإنتخاب بكل بساطة، فإذا كان فريق غير متفق مع “حزب الله” فهو ليس مجبرا على النزول الى مجلس النواب، دعينا نبسّط الأمور ولا نصوّرها وكأنه مُلزم بإنتخاب رئيس أبدا، هو غير مُلزم بالنظام الديموقراطي، وبالتالي هو جهة معارضة ويستطيع ان يقول أنا لا أريد النزول الى مجلس النواب. أما أن يُقال انه لا يجوز عدم المشاركة في جلسة الإنتخاب بموجب ان نصاب الثلثين لا يحصل إلا بنزول جهة من المعارضة، فهذه مسألة خاضعة للتجاذب في أي بلد في العالم.

بالعودة الى موضوع التسليح، فمع إحترامي لما جاء في الصحيفة، او لما قاله الدكتور جعجع، أنا أعتقد ان هذا التسليح والتدريب، شبيه بالتسليح والتدريب الذي حُكي ان القوات اللبناية تقوم به، وكانت النتيجة ان مرافقين للشيخ بيار الضاهر يتدربون على مزيد من الإحتراف للقيام بعملهم، وبالتالي ممكن أن تكون هناك تدريبات عسكرية كما قال الدكتور جعجع، وممكن أن لا تكون موجودة في الأصل. ان كل الكلام الذي يُقال في هذا المجال يهدف الى مزيد من التعبئة ومزيد من التعبئة ومزيد من التعبئة. ووسط كل هذا الكلام أتى الرئيس بري وقال نحن كجبهة معارضة تخلينا عن مطلب توسيع الحكومة، أقروا لنا بالثلثين نصابا لانتخاب رئيس الجمهورية وتفضلوا لنتفق عليه، هل إرتكب الرئيس بري جريمة، هذا كلام طبيعي وأكثر من طبيعي.

س- هل تعتقد انه كلام خال من الأفخاخ، خاصة وانه يعرف ان الأكثرية سترفض ذلك؟ وأيضا مواقف حلفاؤه في المعارضة مُلتبسة حيال هذه المبادرة؟

ج- أولا، الأكثرية لم ترفضها ولا توجد أفخاخ. ثانيا انا أدّعي على مسؤوليتي ان الرئيس بري لم يشاور أحدا في مبادرته لا السوريين ولا الفرنسيين ولا السعوديين ولا الأميركيين، بطبيعة الحال ولا حتى حلفاءه في المعارضة ، وأعتقد ان كل ما قام به الرئيس بري هو دراسة الأجواء الدولية والإقليمية والعربية المحيطة بنا ومراجعتها والتدقيق فيها ، وقام بمبادرته دون أن يتشاور مع أحد، وأنا أكيد انه لو تشاور معهم لكان دخل في مفاوضات معهم حول مبادرته ولم تنته حتى الآن.

يقول الصديق محسن ابراهيم ان مبادرة الرئيس بري هي شجاعة محسوبة وخبيرة في السياسة اللبنانية، وليست شجاعة مغامر يريد أن يفترض بأن الآخرين سيرفضونها.

أنا واحد من جمهور رفيق الحريري وليس لي أي صفة ، وأنا أعتقد ان جمهور رفيق الحريري يؤيد هذه المبادرة ، ويؤيد أي مبادرة وفاقية بمعناها الوفاقي، وليس بنصّها الحرفي. طبعا جمهور رفيق الحريري يريد إنتخاب رئيس جمهورية.

س- هل جمهور رفيق الحريري مازال جمهورا واحدا، أم انه جمهور بدأ يتفرق على أساس مصالح سياسية؟

ج- بالوفاق هو جمهور واحد أما المصالح السياسية فهي عند الزعماء وليست موجودة عند الناس.

جمهور رفيق الحريري بكامله، لا يمكن أن يكون إلا مجتمعا ومؤيدا وداعما لأي وفاق بين اللبنانيين، وإنطلاقا من هذه القاعدة نستطيع البدء بأي حوار.

أما الكلام عن رفض مسبق أو أفخاخ، لنفترض إننا وافقنا على الثلثين، وذهبنا لمناقشة إنتخاب رئيس الجمهورية ولم نتفق فماذا يحصل؟ هل يصبح مستحيل إجراء إنتخابات بالنصف زائد واحد؟ من قال ان الإنتخابات بالنصف زائد واحد هي إنتخابات دستورية أو منطقية أو عقلانية أو حتى وطنية؟ من قال ذلك وإستنادا لأي مقاييس؟.

هناك مشكلة بالتمثيل المسيحي موجودة من 1990 الى 2007 ، وبالتالي المسيحيين الموجودين في النصف زائد واحد، حتى إنتخابات أخرى يمثلون قلّة ضئيلّة من المسيحيين، فكيف يمكن أن ننتخب بالنصف زائد واحد، ونقول ان هذا الرئيس يمثل المسيحيين بالسلطة.

س- ليس من المفترض ان يمثل الرئيس المسيحيين، بل يمثل جميع اللبنانيين ويكون له توجه، كما قال وليد بك سيادي ، إستقلالي مع العدالة؟

ج- أولا مع إحترامي لوليد بك ومتابعني لكل أموره السياسية، وصيانتي الدائمة لمحبتي له، ولكن ما قاله وليد بك هو ليس مشروط على المرشّح ، هذا أمر طبيعي بالمرشحين وهو متوفر بالمرشحين أكثر بكثير مما يتصوّر وليد بك، وأكثر مما نتصوّر أنا وأنت.

س- ممكن أن يكون مفهوم السيادة عدم وجود قوات اجنبية على أرض لبنان، ولكن إذا اردنا المحافظة على السيادة، ممكن عقد صفقات مع دول مجاورة لرعاية مصالحها في لبنان، لكي لا تؤثر على أوضاعنا سلبيا، وهذه الصفقة يمكن ان تعيد الوصاية علينا؟

ج- أريد ان افترض بأن الرئيس المنتخب يريد عقد صفقة مع الجانب السوري، وأنا أشجع على تسوية طبعا، وليس على صفقة، ولكن أنا أسأل هل يستطيع رئيس الجمهورية عقد صفقة مع الجار السوري بموجب الدستور؟ وهل يستطيع عقد إتفاقات سياسية بموجب الدستور؟ أو هل يستطيع ان ينفذ ما يطلبه منه قادة 14 آذار بموجب الدستور؟ لو كان هذا الأمر ممكنا لكان قام به الرئيس لحود.

س- لكن الرئيس لحود أتهم بحماية المصالح السورية في لبنان؟

ج- ياسيدتي اثناء الوجود السوري في لبنان الجميع كانوا تحت خيمة واحدة، ولكن بعد خروج الجيش السوري، إستمر الرئيس لحود تحت الخيمة السورية، ولكن ماذا نفذ أو ماذا إستطاع أن ينفّذ.

س- لكن لماذا يُتهم حلفاء سوريا ومنهم رئيس الجمهورية ايضا ، انهم من الحلفاء لسوريا الذين مازالوا يعملون على عرقلة أي حل، لأن سوريا تريد ذلك على خلفية المحكمة الدولية خاصة؟

ج- هذا صحيح، ولكن يكفي بيع اللبنانيين خطر المحكمة عليهم وارباح المحكمة لهم. المحكمة أقرت وقطعت شوطا كبيرا وأصبحت في مجال التنفيذ، إذاً لا أحد يستطيع أن يعطّلها وبالتالي هل إنتخاب رئيس الجمهورية يلغي المحكمة؟ أبدا غير صحيح.

دعينا نقرأ الدستور، فهذا الدستور يضع الصلاحيات بيد مجلس الوزراء ، المجلس الذي سيشكّل بعد إنتخاب رئيس الجمهورية ، والسؤال هل يستطيع هذا الرئيس ان يعقد إتفاقات بوجود أكثرية أو تمثيل سياسي داخل مجلس الوزراء؟ أبدا.

أنا سمعت الدكتورجعجع على التلفزيون، ولفتنني نقطة كنت أحب الا أسمعها عندما تكلم عن مخيم نهر البارد، وقال ان المواجهة العسكرية التي وقعت هناك، لما كانت ستتم، لو كان هناك في مجلس الوزراء ثلث المعارضة المعطّل.

أنا سأفترض ان السيد حسن نصرالله في وقت من الأوقات اعلن ان المخيم خط احمر، ولكن الرئيس بري ووزراء ونواب حركة “أمل” وشخصيات حركة “أمل”، أيدت حركة الجيش منذ اللحظة الأولى، ايضا الجنرال عون أيدّ تحرك الجيش ، وهذا أمر طبيعي فهو إبن المؤسسة التي يعتمد عليها في الكثير من شعبيته.

يكفي. يجب الإقلاع عن هذا الحق الحصري بالوطنية الذي يمارسها فلان أو فلان، هذا الكلام جرّبناه أيام الحركة الوطنية، وجرّبناه في أيام الفلسطينيين، وأثناء وجود الأمن السوري في البلد، والآن القوى اللبنانية تريد أن تمارسه علينا، وأقصد بالقوى اللبنانية، كل القيادات السياسية التي تطرح ذلك.

لذلك ، فلنقلع عن هذا الحق الحصري، فلو كان وزراء عون موجودين هم وطنيون مثلهم مثل غيرهم، وأيضا وزراء حركة “أمل” هم وطنيون، أيضا وزراء “حزب الله” هم وطنيون ، ولكن لهم رأي آخر يقولوه. ولكن الإفتراض بأنهم سيقفون جميعا ضد المواجهة العسكرية في مخيم نهر البارد، بعد 23 شهيدا في الساعة الأولى من الإشتباك في صفوف الجيش اللبناني، هذا كلام غير منطقي. أنا أدعو الى وقف التعبئة ، وليقولوا لنا كيف سنواجه كل هذه الوقائع القاتلة والمجرمة القائمة بوجهنا؟.

س- بحسب أيضا وليد جنبلاط ان هؤلاء الأطراف في المعارضة، تقريبا تعمل عند “حزب الله” أو تخضع للقرار السياسي لـ”حزب الله”؟

ج- فليكن، ولكن لماذا نفترض ان هؤلاء ميؤوس منهم ولا يوجد مجال للعمل السياسي معهم. والأكيد ان هناك مجالا للحوار السياسي، مع كثير من الأطراف الموجودة في المعارضة وخارج المعارضة، وبالتالي يجب الا نفقد الصلة.

بالعودة الى ما يقوله وليد بك، الذي يجب أن نعترف له بأنه إستطاع أن يقود 14 آذار من اللحظة الأولى لاغتيال الرئيس الحريري ، الى ما وصلت إليه البلاد الآن، وما وصلت إليه حركة 14 آذار السياسية من إنجازات، ليس هناك من إنتصارات لأحد من اللبنانيين على غيره من اللبنانيين، ولن يكون هناك إنتصارات ، هذه مرحلة مضت في لبنان ونادرا ما حدثت. ما نراه الآن، هو نتيجة القيادات التي قام بها وليد بك لحركة 14 آذار، والتي حققت فعليا صلابة وصمودا وقدرة وإنجاز عدد إستراتيجي من الأمور، أهمها وأولها المحكمة الدولية.

إذن، صار عندك رصيد تستطيع التمسّك به وتتصرّف على أساسه، هذا الرصيد لا يعني القلق ولا التوتر ولا الضعف أو العجز، ولا يعني الغياب. هذا الرصيد هو رصيد كبير يحقق إنتشارا بتأثيره السياسي على كل الطوائف اللبنانية، وأولها السُنة اللبنانيين، وهذا عمل كبير إستطاع وليد بك إنجازه في فترة سنتين ونصف. فإذا كان عندك هذا الرصيد الكبير من الإنجازات والأفكار التي تم بثها في هذه الجموع الغفيرة من الجماهير، يجب ان تتصرّف بمزيد من الإطمئنان، وبمزيد من بث القدرة عند الناس، وبمزيد من إعطاء الأمل للناس ، لأن المعركة لم تنته، ولا أحد يستطيع أن يقول إنه إنتصر أو هُزم.

س- على أساس هذه الإنجازات وليد بك قال إننا حتى الآن إنتصرنا، على أساسها، يريد الإستمرار ، ولماذا التراجع الآن؟

ج- أنا لا أوافق على كلمة إنتصرنا، الأفضل أن يقول أنجزنا، وبالتالي عن ماذا سيتراجع؟ باعتقادي ان هذه الفكرة التي يخدعونا من خلالها، نتراجع عن ماذا ؟ هل عن المحكمة الدولية وهي أصبحت واقعا؟.

س- يقصد الإستمرار في المسيرة عبر إنتخاب رئيس جمهورية من فريق 14 آذار، والتي أعتقد انه لا يوجد أي مرشح منها يمكن أن يقف أو يعلن العداء للطرف الآخر؟

ج- برأيي لا يوجد مرشح داخل 14 آذار أو خارج 14 آذار يمكن أن يكون خارج إتفاق الطائف، أو مُعارض للعدالة والحرية والسيادة والإستقلال، هذه أوصاف غير صحيحة ومسبقة لناس يستحقون أن نصدّقهم ونقتنع بهم ونثق بهم عندما يتكلمون. وبالتالي انا سألت هل قال الرئيس بري انه يرفض رئيس من 14 آذار؟ أنا لم أسمع ذلك منه، هو قال تفضلوا لنتوافق على رئيس، وهو في مبادرته أعلن عمليا انه لا توسيع للحكومة، وأيضا أعلن أمرا دون أن يقوله وهو ان العماد عون ليس مرشحي ، لأنه يعرف ان العماد عون ليس مرشحا توافقيا.

س- لكن العماد عون يطرح نفسه مرشحا توافقيا؟

ج- لكن هذا لا يكفي، لأن كل القوى السياسية الأخرى لا تعتقد انه وفاقي، وأيضا الرئيس بري قال لقد إنتهت المرحلة بيننا وبين الرئيس لحود. لقد سمعت تصريحا للرئيس بري قال فيه “في جلسات الحوار أنا على الحياد، إلا عندما يتعلق الأمر بسلاح المقاومة”، أنا أناشده من هنا أن يقول: انا كرئيس للمجلس النيابي وبناءا على دوري إدارة الحوار بين مختلف الأطراف اللبنانية، أنا على حياد بينهم الى أن يوضع على الطاولة ملف سلاح المقاومة. أنا أناشد الرئيس بري وأدعوه الى تأكيد حياده ودعم مبادرته وزيادة مصداقيته وتوسيع إنتشار أفكاره، من خلال الإنسحاب من المظاهر السلبية التي أقول انها مجرمة ، ومنها الإعتصام في وسط العاصمة، لأنها لم تؤد الى نتيجة سياسية، ولن تؤدي الى أية نتيجة سياسية.

س- هل لهذا الأمر علاقة بالشر المستطير، الذي حذّر منه الرئيس بري إذا ما حصل الفراغ؟

ج- أنا لا أعرف ما هو الفرق بين وسط العاصمة وبشارة الخوري ورأس النبع والحرش والشياح ، وبالتالي كل من يريد القيام باشتباك سياسي هو ليس محتاجا للإعتصام في الوسط التجاري. ولكن ليس هنا الموضوع، أنا أقول إذا أراد الرئيس بري إستمرار مبادرته فلينسحب من وسط البلد ، إذا لم يستطع إقناع القوى الأخرى بالإنسحاب أيضا، خاصة ان مبادرته تخلّت عن توسيع الحكومة وأيضا سلاح المقاومة غير مطروح، ولذلك لا معنى للإعتصام الآن في الوسط التجاري.

س- حتى الآن ليس هناك من موقف للنائب سعد الحريري من مبادرة الرئيس بري، ويُقال انه سيعلن هذا الموقف بعد عودته الى بيروت، وأنه سيكون إيجابيا ، وينتظر أن يأتي الى لبنان لكي يُقنع أو يُطمئن حلفاؤه ، وبالتالي صدور موقف إيجابي جامع تجاه المبادرة؟

ج- أنا متأكد بعد إتصالات أجريتها قبل حضوري الى البرنامج، ان النائب سعد الحريري يتصرّف برصانة وحكمة ووعي وجدية تجاه المبادرة بصمته، وكذلك فعل الرئيس السنيورة بقوله ان هذه مبادرة يجب درسها ومناقشتها.

س- هل هذا الموقف للنائب سعد الحريري، نابع من ان هذا ما يريده جمهور رفيق الحريري، أو لأنه هو يؤيد هذا الشيء ، أو لأن هناك ضغط عليه، أو تأثير سعودي وفرنسي؟

ج- لا أحد يستطيع القول انه بعيد عن التأثير السعودي ، الفرنسي، اللبناني، ولكن التأثير الأول عند سعد الحريري هو تأثير جمهوره عليه وجمهور والده رحمه الله، وباعتقادي ان الجو الغالب هو الجو الإيجابي تجاه المبادرة . لذلك يتصرّف سعد الحريري بإيجابية بصمته، وأعتقد إذا تكلم يتكلم بإيجابية ، وهو إتصل بالرئيس بري، كما جاء في جريدة السفير، لا أعرف إذا كان هذا الأمر صحيح أم لا، ولكن مجرّد عدم النفي هو مسألة إيجابية، وهذا كله يؤكد انه يتجاوب مع اللبانيين، ثم مع رغبته ورغبة جمهور والده وجمهوره بالسلام والإطمئنان وتمرير الوقت بأقل خسائر ممكنة.

س- ولكن الموضوع أكبر ، لأن التسوية ستتم بجهد وموافقة دولية وعربية مشتركة؟

ج- أنا لا أوافق على كلمة تسوية، دعينا نرجع الى الأصول. ما هو معروض على لبنان الآن ليس تسوية يوافق فلان على التنازل على جزء منها وآخر يرفض التنازل ، هذا غير صحيح. ما هو معروض علينا الآن بقاء الهدنة السياسية على ما هي عليه مع رئيس جديد والخيار الآخر فوضى بدون رئيس جديد.

وأنا أعتقد انه في السياسة هناك مراحل ، فهذه الجهة حققت إنجازا فعليها المحافظة عليه وعدم تضييعه في إشتباك آخر. لقد سمعت الكثيرين بعد خروج الجيش من معركة نهر البارد يتحدثون عن المخيمات في قوسايا والناعمة، أنا أسأل هل هذا تكليف بمهام عسكرية جديدة، وأن كل أمورنا يجب أن نحلّها بالعضلات؟. أنا رأيي نحلّها بالسياسة ونحن مُلزمون بذلك إذا كنا نستطيع . ولكن عندما نفقد الأمل نستعمل العضلات والعسكر، ولكن يجب عدم إستعجال الأمور.

سعد الحريري كما تعلمين وكما يعلم الجميع إستلم مركزا سياسيا بالوراثة، يعبّر عن غالبية عظمى من اللبنانيين لأسباب طائفية ومذهبية، وطريقة إغتيال والده وأسباب كثيرة، فهو بهذه الغالبية العظمى التي تؤيده سيفعل المستحيل، لكي لا يترك أحدا من حلفائه خارج الخيار الذي يتم الإتفاق عليه، وأولهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم وليد بك.

س- مع إحترامنا للطرفين، ولكن للمسيحيين أيضا كلمة أساسية في هذا الموضوع؟

ج- أكيد هذا الأمر، ولنتفق ان البطريرك صفير نقطة إلتقاء، فالرئيس بري على تواصل معه، وايضا سعد الحريري يزوره ، وليد بك ايضا يزوره، والدكتور جعجع دائما يتحدث عنه، فهذه إذاً نقطة إلتقاء وفاق مسيحي، والدليل كل الكلام الذي يحصل في الفاتيكان اليوم.

دعينا ننظر الى الأمور من منظار أوسع، الواضح ان الفرنسي والفاتيكاني وأوروبا الموحدة والرباعي العربي: السعودية، مصر، الأردن والإمارات كل هذه القوى تعمل على صيانة الهدنة الحالية مع إنتخاب رئيس جديد، وبالتالي من واجب اللبنانيين مساعدة كل هذه القوى وليس الوقوف في وجهها، وبالتالي من واجبهم دعم هذه المبادرة التي أنتجت مبادرة الرئيس بري، والتي ممكن أن تنتج مبادرة أخرى من شخص آخر، أو من الرئيس بري فيطوّرها ويُحسّنها ويُغيّر بمضمونها ، وهذا يجب أن يكون بندا إيجابيا في علاقاتنا وليس بندا للإشتباك.

نحن بفضل هذا الجيش اللبناني إستطعنا أن نحقق إنجازا عربيا ودوليا كبيرا في مخيم نهر البارد، إذ انه لم يحدث في العالم العربي ان إستطاع جيش أن يواجه مجموعة متطرفة إسلامية من هذا النوع، (حتى لو كان، وبالتأكيد عندها) تسهيل سوري في وقت من الأوقات، ولصلة من الصلات ولعلاقة من العلاقات. حتى الجنرال سليمان عندما تكلم فهو وضع معادلة سياسية حكيمة حيث قال “ان السوريين لا علاقة لهم بـ”فتح الإسلام” بصرف النظر عن معلومات ما إذا كان هذا الأمر صحيحا أوغير صحيح، هذه حكمة سياسية وهو وضع معادلة سياسية تحمي حركته، هو لا يستطيع إنكار ان النظام السوري ساعده بذخائر أو غيرها، ولكن النظام السوري الذي أعرفه جيدا ، ساعده لتغطية ما إرتكب باسم “فتح الإسلام” ، وبالتالي ما قاله العماد سليمان فيه الكثير من الحكمة ورغبة بالتهدئة والتسوية والعقل.

س- أيضا هناك رهانات وبما ان الأمور وصلت الى هذا الحدود، وكما قال اليوم الأستاذ رفيق خوري ان الجميع قرر السقوط بالهاوية علّهم يتمسكون بشجرة ما لنجاتهم. ويبدو ان هناك رهانات على أمور كثيرة ، وكما يقول ماوتسي تونغ “الأمور يجب ان تسؤ كثيرا لكي تتحسن”؟

ج- صحيح، هناك رهانات ونحن نعرف هذا الأمر، هناك رهانات عند قوى 14 آذار أكيد هناك رهانات عند بعض قوى 14 آذار، وأيضا هناك رهانات عند بعض المعارضة ، ولكن هل يكفي أن أقول ان هناك رهانات، أم أنه يجب أن نتمسّك بالجانب الإيجابي إذا وجدته في مكان ما؟ ولهذا أنا تحمست لمبادرة الرئيس بري.

دعينا نقول انه في عام 1957 عندما كانت هناك رهانات مشابهة بالصراع بين المعسكر العربي وبين القومية العربية في ذلك الحين، بزعامة الرئيس عبدالناصر ، هذا الأمر عرّض الصيغة اللبنانية الى أخطار كبيرة وإنتهت باللقاء الذي تمّ بين الزعيم اللبناني الجدي والكبير اللواء فؤاد شهاب على الحدود مع الرئيس عبدالناصر. ويومها أنقذنا الصيغة وليس النظام. لبنان صيغة أكثر مما هو نظام، صيغة عيش مشترك وتفاهم وسلوك إجتماعي مختلف وسلوك علمي مختلف.

س- لكن في المراحل السابقة كانت الحسابات الدولية دقيقة، اليوم الحسابات الدولية تراها خاطئة ، وهنا يوجد تضليل حتى عند اللاعبين الصغار بالمعنى السياسي، لذلك ترى انه من الخطورة أن يراهن الجميع على أمور؟

ج- نحن نواجه الآن مصاعب ومشاكل وصراعات، مشابهة للتي واجهناها في سنة 1957، بانقسام المعسكر الدولي بين العرب والغرب، والمواجهة العظيمة التي حصلت وإنتصر فيها ناس وخسروا ناس. الآن هناك صراع بقوى مختلفة ، بطبيعة صراع مختلفة، في ظل عدم وجود حدود أو رادع لقدرة هذه المعسكرات ، سواء الإيراني ومن معه أو الأميركي ومن معه.

لذلك أنا أقول ان البطل اللبناني هو الذي يستطيع أن يتصّرف بكثير من الحكمة والوعي والمرونة والليونة، لتخفيف وتحديد الخسائر التي ممكن أن تنتج عن هذا الصراع بين القوى الكبرى.

أنا أتذكر صورة الأدميرال وليام فالن في وزارةالدفاع اللبنانية وهو يقدّم سيارات هامر للجيش اللبناني “شوها الشيء العظيم” هذه صورة غير لبنانية، هذه صورة صراع وليست صورة وفاق، وأنا قلت ذلك في حينه.

أيضا نسمع السفير الأميركي جيفري فيلتمان يقول لبنان حليف إستراتيجي. أنا أسأل إستراتيجي بماذا ؟ بقراءة ماذا؟ وبالصراع مع مَن ؟ ممكن لأميركا قوى حليفة ولكن لبنان ليس حليفا إستراتيجيا، ولا يستطيع أن يكون حليفا إستراتيجيا. لقد جرّب لبنان عام 1957 وكان حليفا إستراتيجيا وقد رأينا ما حصل.

الآن لا يوجد عبد الناصر ولا فؤاد شهاب، ولا الإتحاد السوفياتي الذي يمكن أن يردع الولايات المتحدة، ولا يوجد حليف لإيران ممكن أن يردعها، ولا يوجد عاقل في واشنطن يستطيع التصرّف.

إذاً كل هذا غير موجود فما العمل؟ هل العمل بمزيد من التعبئة والمزيد من الإلتحاق بالمعسكرات، ومزيد من الصراع حول معسكرات؟ أبدا أبدا هذا لا يمكن.

أنا شاهدت مؤخرا عبدالعزيز الصغير وهو مدير المعهد الأمني التابع لوزارة الداخلية السعودية، سمعته يشكك بنسبة عالية بإمكانية حضور السعودية للمؤتمر الدولي، بمعنى الجلوس مع إسرائيل إلى نفس الطاولة في الخريف المقبل.

س- على أي أساس شكك بذلك؟

ج- لأن هذه مسألة كبرى ، فرئيس الحكومة الإسرائيلية يتصرّف من لحظة عقد إتفاق مكة على قاعدة معاقبة السعودية على نجاحها باتفاق مكة. ماذا يعني معاقبة السعودية؟ هذا يعني ان إسرائيل تريد أن تأتي السعودية على طاولة التطبيع معها ولو شكليا مجانا، كمثل الذي يريد أن يربح اللوتو وهو لم يقطع ورقة.

أنا أعتقد ان هناك ترددا كبيرا داخل السعودية حول مسألة المشاركة في هذا المؤتمر ، وقد عبّر الامير سعود الفيصل عن ذلك أكثر من مرة، بوضع أربعة شروط رئيسية تتعلق بتسوية القضية الفلسطينية لإحتمال الحضور.

في هذا الوقت نأتي نحن ونقول يجب أن يحضر لبنان كرمى للملك عبدالله، من قال ان الملك عبدالله سيحضر أو أنه يجب أن يحضر هذا المؤتمر؟ ما هو مُعلن في الموقف المصري والسعودي الإصرار على حضور سوريا. يجب الا نفترض ان الملك عبدالله سيحضر المؤتمر، وبالتالي يجب على لبنان أن يحضر، هذا غير صحيح، أنا أفهم أن تذهب السعودية وبتقديري لن تحضر أيضا، تحضر سوريا ومصر وبعد ذلك أنا أفكّر ما إذا كنت سأحضر أم لا لماذا العجلة؟ ولماذا علينا أن نذهب للجلوس على طاولة التطبيع؟ إستنادا الى ماذا ووفق أي مقاييس؟.

س- لأنه يبدو مبدئيا ان كل دول الجامعة العربية يفترض انها ستحضر المؤتمر؟

ج- هذا غير صحيح، وهنا لا بد ان أذكر الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، فقد دار حديث في فترة من الفترات عن إمكانية عقد مؤتمر دولي لنفس الموضوع المتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، فطلب موعدا من الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، وقابله وفاتحه بموضوع هذا المؤتمر، قائلا له “نحن في لبنان لا نذهب ولا نشارك في أي مؤتمر دولي له علاقة بالصراع العربي- الإسرائيلي إلا بعد سوريا”، فكان جواب الرئيس الأسد “بأنه لا فرق بين لبنان وسوريا، ولا بأس أن نذهب معا لحضور المؤتمر”، فأجابه الرئيس الحريري “كلا لبنان ياسيادة الرئيس في هذا الموضوع بعد سوريا”. هذا الموقف سليم ومنطقي وعاقل ، يحمي البلد ويحمي جمهور رفيق الحريري ويحمي أهل 8 آذار وأرزاق الناس وأملاكهم.

أنا أسأل لماذا العجلة؟ وما هو المعروض علينا في هذا المؤتمر وما هو المشكل الذي لا حلّ له ؟ نريد المراجعة بشأنه، قد تحضر سوريا، السعودية، تونس، المغرب والجزائر وكل من يريد الحضور، لكن نحن آخر دولة عربية يجب أن تحضر.

س- لكن ما زال هناك أراضي لبنانية محتلة ، من هنا منطلق حضورنا المؤتمر؟

ج- أعرف ، ولكن نحن آخر دولة عربية تشارك ويكفينا إتهامات بالخيانة.

س- نفهم لماذا إستثنت الولايات المتحدة سوريا من الدعوة الى هذا المؤتمر، ولكن لماذا إستثنت لبنان؟

ج- لأنه واضح ان الصياد يريد طريدة واحدة وهي السعودية، لأن الإسرائيلي يتصرّف على قاعدة الإستفادة من الفراغ الذي حصل بعد فشل إتفاق مكة، أو الأصح، بعد إفشال النظام السوري وقيادة “حماس” للإتفاق، رأت إسرائيل ان هذا هو الوقت المناسب للحصول على رد فعل سريع من السعودية، بتطبيع آخر دولة عربية كبيرة متماسكة طبيعية، عندها بترول وكل ما تحتاجه دولة جدية ، بأن تفضلوا لكي نطّبع معكمم.

أنا أعتقد انه من المبكر جدا للحديث الجدي حول هذا المبدأ، وهناك نقاش وكلام أكثر من جدي، وأكثر من عميق داخل السعودية حول هذا الموضوع.

س- لكن في البداية تمّ التعاطي بالترحيب مع هذا الموضوع في السعودية؟

ج- لا ليس بالترحيب، بل بوضع دفتر شروط، وهذا الدفتر لن يتحقق. غدا ، هناك إجتماع بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية اولمرت، إجتماع مسجّل، لأن كل الإجتماعات السابقة كانت إجتماعات شفهية لا يتم تسجيلها، غدا سيتضح أن الإسرائيلي غير مستعد لتقديم أي شيء وان دفتر الشروط السعودي لن يتحقق، فلماذا الإستعجال والقول هنا بأن السعودية ستحضر ، ونحن سنحضر كرمى للسعودية. أولا من نحن، يجب أن نتفق على من نحن؟ هل لبنان بتمثيله الواسع؟ هل 14 آذار بتمثيلها المحدود؟ أنا أكيد أكيد إننا لن نحضر مهما قيل، ومن قال اننا سنحضر؟ نحن لن نحضر وممكن أن لا ينعقد هذا المؤتمر، فلماذا نعرض أنفسنا على أمر قد لا يحصل؟.

أنا لا أشك لحظة ولا رغبة غير بدعم سياسة الملك عبدالله باعتبارها سياسة إعتدال وتفاهم ووفاق لبناني وعربي، وكل تاريخ الملك عبدالله قائم على هذه العناوين من النخوة، الصدق، المنطق، العقل والعروبة، ولكن هذا شيء ، وموضوع التطبيع مع إسرائيل شيء آخر، يلزمه الكثير من المناقشة الجدية والبحث الجدي والعميق، ومن المبكر جدا البحث فيه أو مناقشته.

س- ما هو تأثير الدور السوري على الإستحقاق الرئاسي، وهل ان الأكثرية محقة باتهام سوريا بتعطيل الإستحقاق الرئاسي؟

ج- الأكثرية محقّة، وأيضا جميع اللبنانيين معهم حق باتهام النظام السوري بتعطيل الإنتخابات الرئاسية كاملة، وهذا ليس كلاما جديدا ولا إتهاما جديدا، السؤال هو كيف تواجه هذا الموضوع وليس كيف تصفه؟ السؤال كيف تواجه هذا النظام الأمني الخطير القائم على حدودك، والذي يعتبر ان النظام اللبناني القائم الآن معاد له ، وربما متآمر عليه؟.

هذا نظام أمني لا علاقة له بكل ما نريده ونرغبه، من أمان وإستقرار ووضع إقتصادي جيد ووضع أمني جيد. ولكن السؤال كيف نواجه هذا النظام ؟ هل باستطاعتنا مواجهته بعمليات عسكرية؟ طبعا لا، ولا يجوز أن نفكّر بهذه الطريقة، بل المواجهة تكون بمزيد من الصمود السياسي، وتأمين الحد الطبيعي من إستقرار اللبنانيين لكي يصمدوا معك، وليس لتجرّهم كل يوم على مشكل، ولكي يصمدوا معك يجب أن تأخذ بعين الإعتبار، إنه لا يحق لك ولا يجوز لك أن تفكّر بالإتيان برئيس معادي لسوريا.

س- ماذا تعني بالصمود السياسي؟

ج- أعني بصيانة الهدنة ولا يجوز إعتبار صيانة الهدنة عمل معيب ، بل عمل وطني كبير. وصيانة الهدنة هي ذكاء وحكمة وشجاعة لأنها تحقق إستقرار اللبنانيين لمرحلة مؤقتة، ولا بد في مرحلة لاحقة بظروف أحسن ، بطبيعة قوى دولية وعربية أخرى مختلفة، بهجوم أميركي ساحق ماحق على إيران، بضربة إيرانية للقوات الأميركية في العراق، أي هناك ظروف ممكن أن تتغير وتخدمنا، أو ظروف ممكن تتغير وتضرّنا. ولكن ما هو معروض علينا الآن ضمن ظروف موضوعية ومنطقية وهادئة، هو صيانة الهدنة الحالية برئيس تتحاور معه ومع حكومة جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إستقرار وأمن اللبنانيين ، وهذا ما يحاول ان يقوم به سعد الحريري الآن. وأعتقد هي رغبة الغالبية العظمى من اللبنانيين ، وهذا لا يعني انه يريد الإختلاف مع حلفائه أو التخلي عن حلفائه، بل يحاول إقناع الحلفاء بأن هناك مصلحة في تحقيق الحد الأدنى من الإستقرار المؤقت لهؤلاء اللبنانيين، الذين ساروا معنا وناضلوا معنا وصمدوا معنا وخسروا معنا وأنجزوا معنا.

س- هناك إشكالية ترافق هذا الموضوع وهي إذا توافقنا على إسم رئيس جمهورية مقبول ، كيف سنتوافق على إسم رئيس الحكومة، وأي رئيس حكومة سيأتي في العهد الجديد؟

ج- بطبيعة الحوار السياسي، الأكثرية تسمّي رئيس حكومة، وهذا أمر لا يلزمه الكثير من التفكير، ولا يستطيع أحد تعطيل قدرة الأكثرية على تسمية رئيس الحكومة.

س- هل يبقى الرئيس السنيورة مثلا؟

ج- ليس بالضرورة أن يبقى ، وممكن أن يبقى أو ممكن انه حان وقت سعد الحريري.

س- هل تعتقد إنه حان وقت سعد الحريري؟

ج- أرجح انه من الصعب جدا في المرحلة المقبلة، تجاهل حقّ زعيم الأكثرية بالتسمية كرئيس للحكومة.

على كل حال ، لا زالت مسألة أو قدرة تسمية رئيس الحكومة عند الأكثرية، ولا تخضع للنقاش في أي مكان ما.

س- هل تعتقد ان المعارضة لن تضع شروطا في موضوع رئيس الحكومة؟

ج- إذا كان هناك من شروط، فأنا إعدكِ بأنه لن يُنفّذ، ولكن لا أعتقد ان هناك شروطا. أعتقد ان هناك حدودا للمسائل الوفاقية. ليس كل المسائل وفاقية ، فمثلا إذا تم التوافق بين البطريرك صفير معنويا وبين عدد من القوى السياسية على تسمية رئيس الجمهورية، لا أعتقد ان هذه مسألة معيبة للبنانيين، وتنازل لقوة سياسة أو إنتصار لقوة سياسية أخرى.

الوفاق شجاعة، الوفاق شجاعة وليس تنازلا، دعونا ننزع الفكرة التي تقول ان الوفاق تنازل، ومن يستطيع إنجاز التوافق هو شجاع وقادر، ويمثل أهله بشكل سليم وصادق، ويؤدي الى مزيد من الصمود، والمزيد من الإستمرارية.

س- بالعودة الى الموقف السوري ، إلى أي مدى إذا تمّ تسهيل الإستحقاق الرئاسي سيكون أيضا بتأثير إيراني على الموقف السوري ، وما هو دور إيران بهذا الموضوع وفرنسا طبعا لأننا نعرف ان هناك تنسيق ، والسعودية أيضا لها دور في هذا المجال؟

ج- هناك قوى كثيرة منها السعودية وجزء من العقل الإيراني وجزء من العقل السوري وجزء من العقل الفرنسي، وهناك أمر يجب الإشارة اليه حصل في هذه الأيام في سوريا، يكتسب أهمية ، وهو ان ملك إسبانيا الذي نادرا ما يراسل أحدا من رؤساء الدول أو يتعاطى بالسياسة مباشرة، بعث برسالة شخصية الى الرئيس الأسد يشجعه فيها على ما سميته أنا صيانة الهدنة، لذلك أنا أعتقد ان الإتحاد الأوروبي يقوم بمساع جدية والرباعي العربي يقوم بمساع أكثر من جدية، وبعض الدول الاخرى بقدر إستطاعتها تساهم بتجميع القوى لدعم فكرة صيانة الهدنة اللبنانية، منعا لحدوث فراغ أو لحدوث إنقلابات، على طريقة الفوضى من جهة، أو الإنتخاب بالنصف زائد واحد من جهة أخرى، والذي أعتبره إنقلابا.

على كل حال، إذا كانت مسألة الثلثين أو النصف زائد واحد ورقة للتفاوض ، فهذا طبيعي في السياسة، أما إذا كانت ورقة للعناد والإنقلاب، فهذا بالتأكيد مخالف لرأي غالبية عظمى من اللبنانيين.

هناك رأيان في سوريا وهناك رأيان في غير سوريا ايضا، إنما السؤال هو نحن كجهة معنية بالأمن والإستقرار وصيانة هذه الهدنة، أي رأي نشجّع ؟ هل نشجّع الرأي القائل بإمكانية الوفاق على الرئيس؟ أو الرأي القائل بالإستمرار والصدام؟ في كل تاريخ لبنان لم يشهد أي رئيس غير وفاقي، فقط مرة واحدة، يوم فاز الرئيس سليمان فرنجية بفارق صوت واحد.

س- ماذا يعني ان نتوافق على رئيس، هل يعني أن نضع أسماء ونمنحها علامات، وأن يضع كل فريق علامة ونجمع مجموع العلامات ومن ينال أكثر يكون هو الرئيس؟

ج- هذه الآلية فولكلورية تحصل دائما ، لكن هناك وفاق لبناني يمكن ضخّه للخارج عبر الفرنسي والسعودي والفاتيكاني الذي أصبح له دور أساسي كما هو واضح، بالتسمية أو بالموافقة على التسمية.

س- حُكي في الصحف اليوم عن مبادرة فاتيكانية ما قد تظهر؟

ج- المبادرة هي بإشاعة جو الوفاق، والتشجيع على الوفاق.

س- برأيك المبادرة لا تحمل أسماء؟

ج- لا أعتقد ان هناك أسماء وفاقية مطروحة الآن بهذه السرعة، لأن برأيي معظم المرشحين وفاقيين. نحن نفترض أنه يوجد في لبنان عدد كبير من مرشحي التحدي ، وهذا خطأ، ممكن هناك مرشح أو إثنين ولكن كل الباقين وفاقيين.

س- لقد أعلن النائب بطرس حرب برنامجه الرئاسي، وغدا سيعلن النائب السابق نسيب لحود ترشيحه، وكذلك النائب روبير غانم، ولكن أنت قلت ان هناك اربعة أو خمسة مرشحين جديين من هم هؤلاء؟

ج- ياسيدتي، دعينا نعتبر ان الذين أُعلنوا جديين، ولكن هم يعرفون أن رئيس الجمهورية ليس برنامجا، وان رئيس الجمهورية يلتزم سياسة الحكومة ويساهم بوضعها، ويعرفون أيضا ان رئيس الجمهورية بعد الطائف، هو رئيس مشارك للآخرين بالتصوّر السياسي، وحكم عند الخلاف بين الفرقاء اللبنانيين، لذلك هم لا يحتاجون الى برامج سياسية تقدّم شخصيتهم التي يعرفها كل الناس.

ولكن لنفترض ان الأسماء الثلاثة التي سميناها الآن بطرس حرب ، نسيب لحود وروبير غانم مَن مِن هؤلاء معادٍ لسوريا؟ لا أحد منهم معارض لسوريا، وهؤلاء الثلاثة من 14 آذار، وهل اللبنانيين يرفضون هذه الأسماء؟ أنا لا أرى بين هؤلاء شخص نافر لا نستطيع قبوله.

س- دعنا نقول ان هناك شريحة كبيرة من المسيحيين تتمثل بالتيار الوطني الحر، تتحفظ على هذه الأسماء بأنها لا تمثل المسيحيين، ويُقال ان النائب نسيب لحود سقط في الإنتخابات النيابية، وهناك “حزب الله” لديه هواجس تجاه بعض الأسماء؟

ج- أنا لا أريد أن أناقش حساسية الموضوع من يؤيد من، ولكن بالتأكيد “حزب الله” عنده حساسية من إسم، و14 آذار نفس الشيء، هذا أمر طبيعي لسبب أو لآخر. ولكن عندما نشيّع الفكرة الوفاقية بين الناس ففي النهاية تسير الأمور بطريقة أو بأخرى.

مثلا، العماد عون أيضا ، ما من شك ولا لحظة، بأغلبية التمثيل المسيحي للتيار الوطني الحر الذي يرأسه الجنرال ميشال عون، بصرف النظر عن إنتخابات المتن الفرعية.

أيضا ما من شك ان القوات اللبنانية في الفترة الممتدة من سنة الى اليوم، حققت تقدّما وإنتشارا في كثير من المناطق التي لم تكن موجودة فيها، ولكن الجنرال عون بعد الإنتخابات، إستطاعت قوى سياسية كثيرة أن تجره الى إشتباكات يومية وسياسية، وأنا قلت له هذا الكلام مما أفقده صفة المرشح الوفاقي بين اللبنايين، لو لم ينجر العماد عون الى فكرة رد الفعل العنيف والحاد.

س- هل تعتبر ان العماد عون إنجّر أم إنه إختار المواجهة؟

ج- باعتقادي هو إنجّر وغيره من إختار ، هذا رأيي، هو إنجّر لاشتباك لم يكن يجوز الدخول فيه، وأنا قلت له هذا الكلام من أكثر من سنة، وشرحت له ان هناك إشتباكا مُجهّزا لك، المقصود منه ضرب صورتك الوفاقية بين اللبنانيين، وقد حدث ذلك ونجح الهجوم عليه.

س- لكن يبدو انه لم يقتنع، ومازال مستمرا في هذه السياسة الهجومية، على وليد جنبلاط والرئيس السنيورة وغيرهما؟

ج- لكن هذا لا يمنع ان صورته عند اللبنانيين ليست صورة المرشّح الوفاقي، قد يكون لدى اللبنانيين صورة مرشح الإنتصار ، ولكن ليس المرشّح الوفاقي، يجب الإعتراف بالوقائع على الأرض اليوم، فكما إعترفنا بأغلبية تمثيله حتى إنتخابات أخرى وليس حتى إشعار آخر، وهو دعا عدّة مرات لانتخابات مبّكرة لكي يؤكد قدرته التمثيلية عند المسيحيين، ولم تتجاوب قوى 14 آذار مع هذا الطلب، ولكن في نفس الوقت لا يتطلع إليه اللبنانيون على أنه مرشّح وفاقي.

س- فقط لأنه تهجم على الآخرين، وهو يقول دائما انه يتعرض للهجوم بسبب الورقة مع “حزب الله”، ويتعرض للإنتقادات، مع أنهم ينادون بالعلاقات الجيدة مع سوريا؟

ج- أنا قرأت ورقة التفاهم التي صاغها التيار الوطني الحر مع “حزب الله” ولا بد أن أعترف بأن مضمونها جدي ورصين ، ويتناول كل المواضيع بدّقة ، على عكس ما هو شائع، فهي تتناول القدرات الدولية بدقة والعلاقات مع سوريا بدقة، وتدعو الى إقامة علاقات دبلوماسية وترسيم الحدود، والكثير من الأسئلة المطروحة عند قوى 14 آذار، هو أجاب عليها في هذه الورقة. ولكن الصورة التي رسمت له عند غالبية كبيرة من اللبنانيين، من خلال الإشتباك الذي خاضه مع جنبلاط وسعد الحريري وآخرين من قوى 14 آذار، أفقدته صورة المرشّح الوفاقي.

س- في هذه الحالة ، ما مدى استطاعة “حزب الله” بالتخلي عن حليفه؟

ج- لماذا سيتخلى، وغير مطلوب منه أن يتخلى ، وممكن يتمسّك بالجنرال عون ، وأنا أعتقد انه لن يتخلى، فـ”حزب الله” لا يمكن أن ينسى مواقف العماد عون أثناء حرب تموز عندما قال “بالرزق ولا بأصحابه”.

س- إذاً كيف سيوافق “حزب الله” على الرئيس الوفاقي؟

ج- ليس بالضرورة أن يمشي بالرئيس التوافقي، غيره سيمشي.

س- ماذا لو وقفت قوتان أساسيتان ، التيار الوطني الحر و”حزب الله” ورفضا هذا الرئيس، وقالا انه لا يمثلهما؟

ج- في هذه الحالة نناقش معهم الحكومة، فإما أن يشاركوا فيها أو العكس، فإذا شاركوا يصبحون جزءا من السلطة التنفيذية، وإذا رفضوا يصبحون جزءا من المعارضة، ولكن المعارضة والأكثرية في ذلك الحين تتخذ شكلا آخر، يتمثل برئيس طبيعي ماروني موجود في قصر بعبدا، وإستقرار وحد أدنى من الإطمئنان في البلد. وتأخذ شكل الحوار السياسي الطبيعي.

لذلك يجب عدم إستباق الأمور، ونفترض ان ما نراه الآن هو الصورة النهائية لجميع الأطراف، فهناك وقت للمناقشة وللتغيير والتعديل والتبديل ، وكل هذا لصالح البلد وليس بالضرورة أن يكون ضده.

أنا لا أعتقد ان الجنرال عون من النوع الذي يمكن أن يتوافق على رئيس آخر غيره، وبالتالي إضطر أن يحجز لنفسه مقعد المعارضة لما بعد الرئاسة. أما “حزب الله” فمن المبكر الحكم على موقفه، ولكن بتقديري الشخصي لن يتخلى عن الجنرال عون.

س- على كل حال، هناك إنتظار موقف الأكثرية من المبادرة فمن الممكن أن تجاوب بـ”نعم للمبادرة” ولكن؟

ج- كلمة “ولكن” هي الآلية، وليست مشكلة إذ يمكن مناقشتها، إذا كان هناك قرار جدي بمضمون كلمة نعم.

دعينا نرجع الى الصورة الأوسع، نحن نواجه صراعا دوليا لا ضوابط له ونواجه تطورات كبيرة جدا في الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي، ووضع في العراق مجهول ، ونحن نواجه كل هذه الوقائع بدلع لبناني بسيط، وأصبح من الواجب أن نفكّر بطريقة مختلفة ونفكّر بكيفية الوصول الى حد أدنى من الوفاق الذي يسمح ايضا بحد معقول من الصمود لمواجهة كل هذه المتغيرات.

س- في موضوع المرشحين لرئاسة الجمهورية ، أي من الأسماء غير المعلنة حتى الآن برأيك مطروحة لأن تكون مرشحين وفاقيين غير بطرس حرب ونسيب لحود وروبير غانم؟

ج- هناك العماد عون والأستاذ جان عبيد والأستاذ رياض سلامه، أيضا الجنرال سليمان قائد الجيش ، وهذه شخصيات محترمة.

س- لكن رياض سلامه والجنرال سليمان يلزم تعديل دستوري لانتخاب واحد منهما؟

ج- أعتقد ان هناك رفض لتعديل الدستور من قبل البطريرك صفير والوزير جنبلاط والدكتور جعجع وسعد الحريري، فمسألة تعديل الدستور ليست واردة، والكلام على أنه لا حاجة لتعديل الدستورهو مماثل لرفض تعديل الدستور، بمعنى ان هذا الأمر غير مطروح، ولا أعتقد ان هناك أمرا دراماتيكيا يفرض تعديل الدستور، والذي عبّر عنه سيدنا البطريرك بالقول من اجل إنقاذ لبنان.

إذاً هناك ثلاثة مرشحين من 14 آذار حتى الآن، وهناك العماد عون وأيضا من أسميته أنت مرشحا وسطيا هو جان عبيد، وأنا لا اعتقد انه وسطي كمرشح، ولا أعتقد انه سيترشح بعد الذي سمعته مؤخرا.

س- ماذا سمعت؟

ج- لقد سمعت تحفظات من بعض القوى عليه، وتحفظات من جماعة لهم علاقة بالنظام السوري وتحفظات جدية، وسمعت أيضا تحفظات جدية من السفير الأميركي فيلتمان . ولكن أعتقد ان هذا شهادة له بأنه ليس لبنانيا صميما فحسب ، بل هو شخص مستقل يعبّر دون أن يعلن ذلك بصراحة كل يوم على طريقة غيره، عن سيادة واستقلال وحرية وعدالة اللبنانيين جميعا.

أيضا هو على دراية تامة بالصيغة اللبنانية، وعنده قدرة على التعامل معها، وقدرة على مواجهة التغيرات في العالم العربي والدولي، ونادرا غيره من السياسيين اللبنانيين من كل الطوائف الذي يعرف الصيغة اللبنانية كما يعرفها جان عبيد.

أنا مقتنع تماما بأن جان عبيد هو الأقدر بين السياسيين اللبنانيين، على فهم ومعرفة ومعالجة وإحتواء الصيغة اللبنانية. أيضا جان عبيد من القادرين على معالجة العلاقات اللبنانية – السورية وعلى معالجة العلاقات العربية – اللبنانية، ومن القادرين ايضا على تخفيف الخسائر بنظرته ورؤيته للأمور، من الصراع الدولي الكبير الدائر في المنطقة، قد يكون عند غيره الكثير من الصفات، ولكن بالتأكيد لا يملك الآخرين معرفة دقيقة ووثيقة وعميقة بالصيغة اللبنانية.

س- غبطة البطريرك في الفاتيكان وسيلتقي قداسة البابا ومسؤولين إيطاليين، ايضا إتصل رئيس الوزراء لإيطالي بالرئيس الأسد وطلب منه شيء ما بالنسبة للوضع في لبنان، مع انه تم نفي هذا الأمر في دمشق، كيف تنظر الى كل هذه التحركات؟

ج- لي صديق يقول ان هناك إنتعاشا كاثوليكيا لمواجهة السياسة الأميركية في المنطقة، بمعنى أخذ إيجابياتها والحد من سلبياتها، وليس مواجهة الأميركيين . هذا الإنتعاش الكاثوليكي يعبّر عنه الرئيس الفرنسي الجديد، ورئيس الوزراء الإيطالي والمستشارة الألمانية والفاتيكان، وبالتالي هناك رباعي كاثوليكي يتحرك وأعتقد انه سيصل الى نتيجة.

نقطة ثانية: الألمان والإيطاليون وتحديدا رئيس الوزراء برودي والمستشارة ميركل لديهما رغبة منذ بداية الأزمة، من حوالي سنة ، لديهما رغبة جدية بالتشاور مع النظام السوري للوصول الى نتيجة بالحد الأدنى في لبنان ، بصرف النظر عن الوضع العراقي والفلسطيني، الذي ترفض الإدارة الأميركية التشاور مع سوريا بشأنه.

لذلك، أنا أعتقد انه في الحركة التي يقوم بها سيدنا البطرك هناك شيئاً جديا ، واللقاء الذي جمع الرئيس السنيورة مع برودي وميركل قيل فيها أيضا كلام جدي وإيجابي. لذلك عندما عاد الى بيروت، حدّد الرئيس السنيورة موقفه من مبادرة الرئيس بري بالقول “انها جيدة وتحتاج الى تفكير ودرس وتفاهم” لأنه باعتقادي سمع من الكاثوليك الأوروبيين كلاما مشجعا.

س- ماذا عن الموقف الأميركي؟

ج- باعتقادي ان الرئيس الفرنسي ساركوزي نجح في أن ينتزع من الرئيس بوش موافقة على دور أوروبي وفرنسي، تحديدا في لبنان تحت سقف إنتخاب رئيس جمهورية فقط، دون توسيع البيكار، وطرح برامج سياسية طويلة عريضة لا تؤدي الى نتيجة.

س- هناك موضوع أساسي ايضا هو العلاقة السورية- السعودية التي إحتدمت في مرحلة من المراحل خصوصا في الموضوع الذي نشرته “مهر نيوز” وإتهام السفير عبدالعزيز خوجه ومدى علاقة هذا الإتهام بالتوتر السعودي- السوري؟

ج- هذه إحدى نتائج التوتر السوري- السعودي ولكن إعتمد السوريون هذه المرة وكالة أنباء إيرانية بدل إعتماد “شام برس” هذا هو الفارق الوحيد.

الرواية التي قرأتها عن المؤامرة لاغتيال السيد نصر الله، والحمدلله ان السيد نصرالله وقيادة “حزب الله” لا يصدّقوا هذه الروايات الخفيفة، والتي تحدثت عن مجموعة كبيرة بينها النائب سعد الحريري والمقدم وسام الحسن ونائب رئيس المخابرات السعودية ورئيس المخابرات الأردنية إجتمعوا في نيس لمناقشة إغتيال السيد نصرالله. هذه قصة خالية من الإحتراف ونكتة سخيفة. ولكن هذا يذكّرني برواية أخرى ، فكل الناس تتحدث عن الإجتماع الذي عُقد بين الرئيس الحريري والرئيس بشار الأسد حول موضوع التمديد، وتعتمد هذا الإجتماع كقاعدة للتأزم في العلاقة بين الرئيس الحريري والقيادة السورية. أنا لا أعتقد ان هذا الأمر دقيق، فالأزمة كانت أوضح بكثير من الإجتماع الذي عُقد في كانون الأول 2003 ، قبل 14 شهر من إغتياله وبحضور الضباط السوريين الثلاثة غازي كنعان، رستم غزالة والعميد خلوف حيث صدر عن الرئيس والضباط ، أسوأ ما يمكن أن يُقال من كلام بحق الرئيس الحريري، إستنادا لرواية تقول بأنه توسّط مع الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، لكي يطلب من الإسرائيليين عرقلة مفاوضات الأسرى بين إسرائيل و”حزب الله”، وكانت مضبطة إتهام طويلة وعريضة من أوسخ ما يمكن، وليس فيها شيء من الواقعية والمنطق. وأعتقد انه منذ ذلك الحين تأسست أزمة العلاقات وأُعلنت بأوسع وأسوأ صورها، وبالتالي كانت رواية مماثلة لما جاء في “مهر نيوز” لاغتيال السيد حسن نصرالله ، وعن المؤامرة التي عُقدت في نيس وهي مثل الأوهام، وتذكرني كيف ان السوريين كرموني باتهامات كبيرة وأبعدوني خارج لبنان أربع سنوات، فهذا نظام لا يجيد العمل إلا بهذه الطريقة السيئة. إنما أنا أقول ان النجاح هو الثأر، وباعتقادي ان رواية ” مهر نيوز” عن السعودية هي لمنع السعوديين من المزيد من النجاح.

صحيح السفير السعودي ماهر بالتآمر للإعتدال، وماهر بالتآمر لتحقيق الأمن والإستقرار لبنان. وعلى كل هو تصرّف قبل مغادرته الأخيرة، على انه شخصية لبنانية عندما دعا الطلاب المتخرجين في الجامعة اللبنانية- الأميركية الى ألا يدعوا أحدا يسرق أحلامهم.

س- هل سيعود السفير خوجه قريبا الى بيروت لاستئناف نشاطه؟

ج- معلوماتي انه سيمضي شهر رمضان في لبنان، ولكن سأعود الى القول، ان كل المعلومات التي نشرت عن تآمر السفير خوجه، المقصود منها إبعاده عن الساحة اللبنانية. والسفير خوجه إستطاع خلال سنتين ونصف منذ إغتيال الرئيس الحريري، ان يجمع عددا كبيرا جدا من القيادات السياسية اللبنانية على دوره، وعلى سياسة بلده وعلى إعتدال ملكه وعلى قدرته. وأعتقد ان الملك عبدالله، الحريص على العروبة، وعلى اللبنانيين خاصة، سيحرص على عودة سفيره الى بيروت.

س- كل هذا يعني ان العلاقات السورية- السعودية مازالت متوترة؟

ج- طبعا، ولكن السوريين يتصرفون مداورة، لأن هناك إستحقاق القمة العربية في دمشق في آذار.

س- ما مدى إنعكاس توتر العلاقات السعودية- السورية على الإستحقاق الرئاسي؟

ج- السعوديون يقفون الآن بموقف الداعم للحركة الأوروبية ، وأعلنوا دعمهم لمبادرة الرئيس بري، وبالتالي ليس من الضرورة أن يمارسوا دورا مع سوريا ، لأن هناك قوى أخرى ستلعب الدور مع سوريا ولكن يبقى الدور السعودي موجودا وهو الأكثر فعالية ، عندما يتعلق الأمر بالإستقرار، عندما يتعلق الأمر بالواقعية والحكمة وحسن التصرّف. أما طبيعة النظام السوري فهي معاكسة تماما، طبيعة القادر على التخريب والإغتيال، وضرب علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض تحت شعار، موافقة جميع اللبنانيين على اي قرار.

س- كتبت في إحدى مقالاتك ان وليد جنبلاط يتصرّف على قاعدة انه خارج التسوية حتى الآن، وبالتالي لا يقبل تسوية تجعل من المرشحين يتنازعون منبر عين اتينة لإعلان ترشيحهم بعدما كانت تجري إمتحانات الرئاسة في بيته، عن أي دور يبحث جنبلاط؟

ج – مسألتان ذكرتهما في هذا المقطع، الأولى اني كررت كلمة حتى الآن أكثر من مرة، لأنه لن يقبل أحد ولا يقدر أحد، ترك وليد بك خارج إطار الهدنة التي نعيشها جميعا، لا سعد الحريري ولا الفرنسي ولا البطريرك ولا الرئيس بري بالتأكيد.

س- هل تعتقد ان الرئيس بري لن يقبل بترك وليد جنبلاط، بعد كل ما قاله جنبلاط عن الرئيس بري، ومن أنه ساعي بريد وما الى ذلك؟

ج- باعتقادي ان الرئيس بري ووليد بك “صحبة أيام سوء”، وأيام أسوأ بكثير من اليوم، منها أيام حرب العلمين وغيرها، وبالتالي عندما كانت الذكريات السيئة ما يكفي لنسيان ما قالوه بحق بعضهم البعض. وعلى كل حال لم يكن هناك اي مبرر لكل ما قيل.

س- في النهاية يبدو انك متفائل، وتدعو الى ان نتساهل الى هذا الحد؟

ج- أنا واقعي وأنا أشجع وأدعم وأدعو الناس الى التفاؤل، والقيام بكل ما تستطيعه بالكلمة الحسنة وبالتصرّف الطيب، لدعم الوفاق ولصيانة الهدنة التي هي خيارنا الوحيد الآن.