“نهاركـــم سعيـــد” – 8 و14آذار : السياسة في لبنان تختبر عمرو موسى

مقابلات تلفزيونية 19 ديسمبر 2006 0

س- كيف تقرأ البيان الذي صدر عن المعارضة بالأمس ، الذي يتزامن مع عودة عمرو موسى الى بيروت اليوم، وهل تعتقد انه تصويب على مبادرة موسى، أو لإفشالها كما تقول الأكثرية، أو انه تفكير بالحصول على مطالب من عمرو موسى؟

ج- أي تفكير بالحصول على مطالب أو التنازل عن المطالب خاضع لتوازن القوى، وكل واحد يستطيع أن يرى حجمه في ميزان القوى، وعلى أساسها ممكن أن يقرر إذا كان بإمكانه زيادة مطالبه أو التنازل أو الوصول الى تسوية.

أنا شخصيا لا أرى أن هناك تسوية قريبة أو متوفرة أو موجودة، تحتاج الى من يطلق عليها النار مبكراً، وأعتقد ان الأمور مازالت في مجال الأفكار، ولن يتبلور أي شيء سريعا، وعلى الأقل ليس قبل عودة الرئيس الأسد من موسكو، وباعتقادي اننا سنشاهد أدوارا جديدة تختلف عن تلك التي تعودنا عليها، وباعتقادي سنشاهد دورا تركيا ودورا روسيا أكثر حركة وأكثر تعاملا مع الوضع اللبناني، وبالتالي الأمين العام للجامعة لا يحتاج لمن يطلق النار على مبادرته، لأنه لا يملك حتى الآن مبادرة ، وهو لا يزال “يجوجل” الأفكار ويناقش فيها.

س- لماذا تزامن تصعيد المعارضة مع زيارة عمرو موسى الى بيروت؟

ج- هناك تفسيران لهذا الموضوع، اما ان المعارضة شعرت بأن شعار الثلث المعطّل أو الثلث الضامن، لم يعد يُغري جمهورهم بما فيه الكفاية، وان المناقشات الدائرة حوله أفرغته كثيرا من مضمونه السياسي، وبالتالي هي مضطرة لاختراع عنوان جديد .

وعلى كل حال، رأيي الشخصي ان المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، ممارسة ديموقراطية أسلم بكثير من المطالبة بثلث معطّل في حكومة.

س- لكن هناك فرقا بين المطالبة والعمل، من أجل الوصول الى هذه المطالب؟

ج- لا يوجد فرق بين المطالبة والعمل، جزء من العمل السياسي انك تُطالب وتُمارس ضغوطا لتنفيذ هذه المطالب.

وبالعودة الى تصعيد المعارضة، هناك تفسير آخر، ربما استُبقت زيارة الأمين العام عمرو موسى لدمشق بإفراغ فكرته من مضمونها.

س- هل هذا يعني ان سوريا لن تسير في هذا المسعى؟

ج- أنا لا أريد الإستعجال في هذا الموضوع، ولكن لا أستطيع رؤية تسوية في لبنان في الظرف الحالي، لا تأخذ بعين الإعتبار العلاقات اللبنانية- السورية، والمصالح السورية في لبنان، وليس المصالح على الطريقة القديمة ، بل المصالح السياسية التي ممكن أن تكون جزءا من علاقات طبيعية بين البلدين، والتي أشار اليها الرئيس السنيورة أثناء زيارته الى موسكو بالقول انه ناقش القيادة الروسية بهذا المعنى.

س- صحيفة “الأخبار” نقلت عن مصادر ان هناك مسعى روسيا لإنهاء الأزمة بين لبنان وسوريا، وان بوتين نصح السنيورة بمعالجة الأزمة مع سوريا ثنائيا، بعيدا عن الخارج، وبعدم تحدي المعارضة ودمشق ، بإقرار قانون المحكمة في الصيغة التي أقرت أخيرا. ولفت بوتين السنيورة بأن تمرير المحكمة تحت الفصل السابع ليس مضمون النتائج ، وهو بمثابة إنذار مبكر لحرب أهلية في لبنان، ما رأيك بذلك؟

ج- لا أعتقد ان هذا الكلام دقيق، ولكن على كل حال الرئيس السنيورة، ليس بحاجة لمن يلفت له نظره الى خطورة الفصل السابع، وأنا سمعت منه منذ أسابيع ان هذا الموضوع غير وارد عنده على الإطلاق.

نقطة ثانية ، أعتقد ان لدى الرئيس السنيورة الرغبة في مساعٍ ثنائية لتحسين العلاقات مع سوريا، ولكن هذا يلزمه من سيبدأ بهذا المسعى. وأعتقد ان القيادة السورية تتخذ موقفا حادا جدا من الرئيس السنيورة ومستمرا حتى الآن، ولا أتصوّر إنها مستعدة لتسهيل مهمة السنيورة.

لذلك، أعتقد ان الدور الروسي متوقع ، والدور التركي متوقع، وهناك قوى جديدة ستدخل على مساعي التسوية بين بيروت ودمشق، وعلى مساعي التسوية الداخلية .

س- الأجواء المنقولة عن الذين قابلوا الرئيس الأسد مثل اردوغان وغيره ، ان سوريا تعتبر ان لا مشكلة لديها مع المحكمة بقدر ما يعاني “حزب الله” من هذه المشكلة؟

ج- هذا ما أبلغته القيادة السورية للرئيس التركي اردوغان، ولكن ليس بالضرورة أن يكون دقيقا.

س- أيضا سوريا أبلغت زوارها، ان “حزب الله” لا مانع لديه من بقاء السنيورة على رأس حكومة وحدة وطنية ، ولكنه يريد ضمانات؟

ج-هل تفترضين بسؤالك ان موقف الرئيس السوري، هو نفس موقف “حزب الله” ؟.

س- أنا أفترض ان سوريا تبدي وجهة نظرها ، بموقف “حزب الله” وكأنها مطلعة على موقف “حزب الله”؟

ج- من المؤكد انها مطلعة على موقف الحزب، ولكن ليس بالضرورة معبّرة بشكل كامل، لأن طبيعة العلاقات اللبنانية تختلف عن رأي السوريين باللبنانيين، ويجوز الا ترتاح القيادة السورية لبقاء السنيورة رئيسا للحكومة، ولكن هذا لا يعني انها تستطيع أن تأتي بغيره.

وفي ما يتعلق بالرئيس السنيورة تحديدا هو نتاج أزمة، ويُقال “ان الرجال تكشفهم الأزمات والثروات” ، فالرئيس السنيورة أثبت خلال الأزمة الحادة التي مررنا بها، أنه قادر على إدارة الموضوع السياسي والإداري بشكل ممتاز، وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون الرأي السوري بالرئيس السنيورة دقيقاً، وهذه ليست أول تسوية تحصل بين أي سياسي لبناني والنظام السوري.

س- كيف تفسّر قول المعارضة، انها تقبل بحكومة وحدة وطنية برئاسة السنيورة، فيما تشن الهجوم عليه؟

ج- باعتقادي ان كل اللغة السياسية في لبنان، فيها العجائب والغرائب والمبالغات وأحجام غير طبيعية، سواء بالقبول أو بالرفض، ونحن لا نعيش حالة طبيعية من الموالاة والمعارضة ، لكي نستند الى كلام هذه الجهة أوتلك، باعتبار ان هذا هو الكلام الذي لا عودة عنه، وهذا هو الموقف الذي لا يُناقش.

س- كنت تقول دائما ان المحكمة الدولية ستنشأ، هل مازلت عند رأيك؟

ج- مازلت عند رأيي. المحكمة ستنشأ.

س- لكن ليس تحت الفصل السابع؟

ج- أبدا، وأنا لم أقل ولا مرة إنها ستنشأ تحت الفصل السابع، لأن ذلك يعني إعلان حرب داخل لبنان، وإعلان حرب رسمي أيضا بين لبنان وسوريا، ولا ضرورة أبدا لإنشائها تحت الفصل السابع. ولا بد من مفاوضات للوصول الى نتيجة ، هذا حق ليس للبنانيين فقط، هذا حق للمجتمع الدولي ايضا.

لنفترض ان بعض اللبنانيين تنازلوا عن هذا الحق، هذا لا يلغي المحكمة، هذا يلغي الناس الذين تنازلوا عن المحكمة. المحكمة شكل من أشكال الضمانة لحياتنا وليست من أشكال الثأر للذين ماتوا، هذه ضمانة لحياة الناس الذين بقوا ، ولوضع حد لموجة الإغتيالات ولموجة الفلتان الأمني الاستراتيجي ، بمعنى الإغتيال السياسي، هذا هو دور المحكمة.

س- لكن الفريق الآخر حتى الآن، يصعد تحركه للحصول على ضمانة على إنها لن تُشكل خطرا عليه؟

ج- من يعطي الضمانة؟.

س- الرئيس الأسد في موسكو ، ماذا سيطلب من الرئيس بوتين؟

ج- أشك في أنه سيطلب ضمانة، ولكن روسيا دولة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن، وربما لديها قدرة للتفاوض على مسألة من هذا النوع، أقول ممكن أن تكون لها هذه القدرة، ولكن ليس أكيدا، لأن هذه مسألة تحتاج الى تشاور أوسع من الروس.

أنا أرى أيضا ان كل ما يُحكى عن تعديلات، هي إفتراضات وتحاليل نقرأها في الصحف، عن، مثلا تعديل بند علاقة الرئيس بالمرؤوس، وعلاقة المحكمة بجرائم الإغتيال الباقية، أنا أسأل من سيعدّل هذه البنود؟ هل الحكومة اللبنانية ؟.

س- الحكومة ترسل التعديلات الى مجلس الأمن؟

ج- هل تعتقدين ان مجلس الأمن ، لا عمل له صباحا ومساءً سوى إنتظار التعديلات؟.

س- المحكمة اقرت ونُشرت في الجريدة الرسمية ، والرئيس بري إعتبرها خطوة إستفزازية ، ما رأيك؟

ج- أولا طبيعي ان تُنشر في الجريدة الرسمية. ثانيا: أنا سمعت الرئيس بري مساء أمس، وأعتقد ان موقفه اقل من ذلك، لأن الخبر الأول الذي وصل إليه فيه مبالغة وكأن الرئيس السنيورة حوّل مشروع القانون الى مجلس النواب وتبيّن ان هذا غير صحيح، وكان هناك خلط بين النشر في الجريدة الرسمية والإحالة الى مجلس النواب. والرئيس السنيورة تعهد للأمين العام للجامعة بعدم إحالتها الى مجلس النواب قبل عودته ، وقبل إتمام مهمته في هذا الموضوع.

س- لنفترض ان الحكومة سارت في الموضوع حتى النهاية، وتعرقلت مهمة عمرو موسى ماذا يحصل؟

ج- الحكومة قامت بواجبها ولم يعد أمامها لا السير الى النهاية ولا أي شيء، الآن أقرّتها الحكومة بشكلها الحالي.

دعينا نقول ان ما يجري الآن هو “جوجلة” أفكار بكل الإتجاهات، وبكل العناوين التي وضعتها المعارضة والتي وضعتها الموالاة. نحن نعرف ان هناك إنتخابات نيابية مبكّرة من جهة، وهناك الثلث المشارك والضامن، وهناك من جهة أخرى إنتخابات رئاسية مبكّرة وموضوع المحكمة الدولية. إذاً هناك ثلاثة مواضيع أصبحت كالمثلث ، ولكن رأس هذا المثلث هو المحكمة الدولية.

س- هل تمثل هذه المحكمة هاجسا سوريا أم هاجسا داخليا له علاقة بـ”حزب الله”، وقد قرأنا في مجلة “العربي” الصادرة في القاهرة ، حديثا للسيد حسن نصرالله ونشرته أيضا وكالة “سانا” عن المحكمة الدولية قال: “كنا أول من وافق عليها في البدء، ولكننا طالبنا بوضع ضمانات وضوابط حتى لا تتحول هذه المحكمة سيفا مسلّطا على رقاب اللبنانيين، وأداة إبتزاز وحصار للمقاومة، وهو ما حاولنا الحصول عليه، حول طاولة التشاور، ولكن هذه المحاولات فشلت”؟

ج- أين هي هذه التعديلات والضمانات بمسألة المحكمة التي تتعلق بـ”حزب الله” ؟ انا لأول مرة أسمع بهذا الأمر، وبالأصل يجب ألا تكون سرية.

أنا أدّعي أني أتابع وأقرأ، ولكن لم أسمع بأي تحفظات محدّدة لـ”حزب الله” من مخاطر تتعلق بقدرة المحكمة على تعطيل المقاومة، وبالتالي ما علاقة المحكمة بمحاصرة المقاومة؟.

س- ربما هناك خوف من أن تتناول هذه المحكمة ما حصل في السابق؟

ج- هل هناك إعتقاد بأنها ستعود الى حادثة المارينز في 1983، هذا غير ممكن لأن مهمة المحكمة محدّدة.

س- ربما هناك تخوّف من ربط هذه المحكمة بشيء معيّن، يؤدي الى تسييس هذه المحكمة لتوريط المقاومة بأمر ما؟

ج- لقد سمعنا إحتمالات تطال كل الناس في جريمة إغتيال الرئيس الحريري، ماعدا “حزب الله” وهناك تأكيد شبه دائم ومتكرر من سعد الحريري على هذا الأمر.

س- لماذا قال السيد نصر الله هذه الكلام؟ وأردوغان نقل أيضا عن الرئيس الأسد هذا الكلام؟

ج- أردوغان نقل عن الرئيس الأسد المطالبة بتعديل بند مسؤولية الرئيس بالمرؤوس، وهذه لا علاقة لها بالمقاومة، وإنما يُقصد منها حماية النظام السوري. كذلك طالبه بتعديل تعبير ضمّ جرائم الإغتيال السياسية التي حدثت في لبنان الى مهام المحكمة. أنا أعتقد ان هذا الأمر غير متوفر ولا يمكن ان تحصل هذه التعديلات إلا ضمن تسوية دولية كبرى.

بالعودة الى التعديلات ومحادثات أردوغان في دمشق، قال رئيس الوزراء التركي “ان الرئيس الأسد أبلغنا انه ليس لدى سوريا تحفظات على المحكمة، لكن سوريا تعتقد ان هناك تحفظات لدى “حزب الله” على هذه المحكمة”، ولكن انا أستغرب أن يكون لهذين التعديلين علاقة بـ”حزب الله” والمقاومة ، لا بند الرئيس والمرؤوس ولا ضمّ الجرائم.

س- لكن ربما طرح “حزب الله” هذين التعديلين لحماية أحد حلفائه؟

ج- من المؤكد ان هذا حصل لحماية حليفه الرئيسي ، ولكن تبنّي “حزب الله” لهذا التعديل وبالتحديد بشأن الرئيس والمرؤوس غير مبرر.

على كل حال هذا هو تضييع للوقت، ولن يوصل الى نتيجة، والصراع حول هذا الموضوع ليس لبنانيا، ولا صراعا لبنانيا- سوريا، هو أكبر من لبنان وسوريا.

س- هل تعتقد ان زيارة الرئيس الأسد الى روسيا، تهدف بشكل خاص الى طرح الهواجس من المحكمة الدولية؟

ج- لا بد ان يكون ذلك مطروحا على جدول الأعمال، وان تكون المحكمة من النقاط الرئيسية.

س- هناك إذاً دور تركي ودور روسي ، كيف تتقاطع هذه الأدوار مع الدور العربي؟

ج- لا تختلف هذه الأدوار مع بعضها بالعكس، ستكون عنصرا مساعدا للدور العربي كما ان الدور العربي عنصر مساعد للدور الروسي والتركي، ولكن في نفس الوقت، ما نراه اليوم ليس دورا عربيا بمعنى دور عربي، إنما بمعنى ان الأمانة العامة للجامعة العربية تقوم بمهمة الإستماع ومناقشة وجهات النظر.

س- برأيك بماذا يعود عمروموسى من السعودية مثلا، خاصة وان الصحف المؤيدة لمواقف المعارضة تقول اليوم “ان مواقف فريق السلطة المتشنجة سببها حصول موسى على موافقة سعودية، على مطلب رئيس المجلس نبيه بري ان تدرس مسالة حكومة الوحدة الوطنية الموسعة، ومشروع المحكمة في ضوء ملاحظات اللجنة السداسية”؟

ج- إذا كان هذا هو المطلوب وان عمرو موسى حصل على موافقة الملك عبدالله، فهذه اللجنة السداسية تستطيع القيام بهذه المهمة، ولماذا إنتظار تشكيل حكومة؟. ولكنني لا أعرف مدى دقة هذا الكلام ، وأنا لا أملك معلومات عما حصل في السعودية ، ولكن أستطيع القول انه تبيّن بالتجربة ان كل الخير يأتينا من الملك عبدالله، وبالتأكيد لديه رغبة أكثر من جدية وأكثر من فعّالة، بأن تكون الأمور في لبنان هادئة ومستقرة.

س- هل تحتاج السعودية الى إنتظار رؤية الولايات المتحدة لهكذا نوع من الحل أو التسوية المطلوبة، أو تنتظر موافقتها على هذا الموضوع؟

ج- لا أعتقد ان السعوديين في هذا الظرف بالذات، وفي الموضوع اللبناني بالذات الآن، يحتاجون الى موقف أميركا لتقرير ما هو مناسب وغير مناسب. والسعودية تتصرّف بالموضوع اللبناني بما تراه مصلحة لبنان ومصلحة إستقراره.

س- هل تعتقد ان المحكمة الدولية سبب هذا التباعد السوري- السعودي؟

ج- لا أتصوّر ذلك، ولكن قد تكون المحكمة قد دخلت على جدول أعمال الخلاف ، ولكنها ليست سبب الخلاف، لأن هناك نظرة مختلفة بين البلدين للسياسة في المنطقة ولسياسة السلام في المنطقة، رغم ان التصريحات السورية الأخيرة متقدمة جدا حول الرغبة بعلاقة مع الأميركيين ، واليوم أيضا نشر الإسرائيليون نبأ ان الرئيس الأسد طلب محادثات سرية وعدم إعلانها في موضوع السلام بين إسرائيل وسوريا، وقرأنا تصريحين لوزير الخارجية السورية ولنائب الرئيس فيها إستدراج عروض للتعامل مع السياسة الأميركية، أو مع الإدارة الأميركية في المنطقة.

لكنني كنت في واشنطن منذ ثلاثة أسابيع وكان من الواضح ، انه على الأقل لفترة طويلة، لا رغبة لدى الأميركيين أو القدرة أو التفهم لمسألة الحوار مع سوريا الآن.

س- أيضا المحاور التي نشأت في هذه المنطقة كانت من أسباب الأزمة السعودية -السورية، وهناك عتب أو قلق سعودي بأن سوريا أصبحت نهائيا في المحور الإيراني الذي يثير خشية السعودية، وخاصة ان “الواشنطن بوست” نشرت معلومات اليوم حول تقرير أمني سعودي يقول “ان إيران دولة شيعية فعّالة ضمن الدولة في العراق، وانها تتحدى العراقيين السُنة والدول السُنية المجاورة”، هل ما يحصل في لبنان في إطار هذا الصراع؟

ج- هذا حصل وليس سيحصل، وما نراه الآن مناقشة لتغييره. ما حدث في العراق كان نتيجة سياسة محدّدة متخلفة إتبعها الأميركيون منذ اللحظة الأولى في العراق، واليوم بدأوا بمحاولة بلورة أفكار تسوية ما في العراق، ولكن هذا ليس سبب الخوف السعودي، بل بسبب السياسة الأحادية الأميركية التي دعت السعوديين وكل دول الجوار الى الجلوس جانبا، وتركت سوريا وإيران تتعاطيان لوحدهما بالموضوع العراقي رغما عن السياسة الأميركية، ولكنهم اكتشفوا مؤخرا ان دول الجوار يحق لها بالمشاركة، لأن لها مصالح أمنية وسياسية ، وبالتالي لا تستطيع الإستمرار في التفرّد على سياسة تغرق رويداً رويداً، أو على مركب بدأ يغرق وهو السياسة الأميركية.

س- برأيك كيف بالإمكان أن تعود العلاقات السورية- السعودية الى طبيعتها، والى أي مدى ستؤثر عودة العلاقات على الوضع في لبنان، خصوصا ان الرئيس بري حريص على هذا الأمر، لدرجة انه إتصل بعمرو موسى وطلب منه ضرورة التوجه الى سوريا بعد السعودية؟

ج- هذا تصرّف عاقل من الرئيس بري ، وهذه خريطة عمل عاقلة وحكيمة ، والرئيس بري منذ لحظة عودته من الرياض اكد على ضرورة التفاهم السوري-السعودي، مما يسهّل الأمور في لبنان ، وأعتقد ان هذا الرأي عند الرئيس بري صحيح.

س- لماذا؟

ج- طبيعة القوى اللبنانية وعلاقاتها بالدولتين والقدرة التصالحية لدى السعودية وتأثير السوري على حلفائهم ، هذا كله يفضي الى جو إيجابي. وبالتالي حتى لا يحصل الإشتباك السوري- السعودي على الأرض اللبنانية، يجب أن يكون هناك علاقات سورية – سعودية بشكل أو بآخر تسهّل الأمور، أنا لا أعتقد ان الباب مقفل الى الأبد ولا يوجد شيء في السياسة يقول ان هذا الموضوع إنتهى أو توقف ، فكل ما يلزم هو المزيد من الوقت والمزيد من الجهود لم تتم حتى الآن.

س- ألا تعتقد ان السعودية لا يمكنها أن ترى الرئيس الأسد، يذهب الى موسكو لشراء أسلحة روسية بتمويل إيراني؟

ج- التمويل الإيراني لم يثبت بشكل نهائي، ولكن سوريا لا تمانع الشراء بتمويل سعودي ، هل اعطته السعودية ورفض؟.

س- هل هكذا تسير الأمور: من يعطينا نمشي معه؟

ج- هناك ضرورة سورية للسلاح، وبالتالي هي لا ترفض اي تمويل لشراء هذا السلاح.

س- ولكن هذا يؤكد ان هناك إلتزاما سوريا نهائيا بالمحور الإيراني؟

ج- أنا أرى ان هناك إلتزاما إيرانيا بهذا المحور، لأن من يدفع هو الإيراني وليس السوري، نحن دائما نخلط الأمور ببعضها البعض، بمعنى ان هناك شيئا اسمه سوريا في لبنان، مختلف عن سوريا في تسوية أزمة المنطقة، ومختلف عن علاقات سوريا العربية ، طبعا سوريا هي نفسها ولكن من حقها ان تذهب الى أي مكان تريده.

س- كتبت بالأمس رسالة باسم الرئيس بري الى السيد حسن نصر الله، هل إتصل بك الرئيس بري بخصوص هذه الرسالة؟

ج- هو لم يتصل أبدا ليفاتحني في هذا المقال، ولكن يبدو أني تجنيت على الرئيس بري وبالتالي كانت رسالة إفترائية؟

س- ولكن يبدو ان هذه رسالة صادرة عنك ولكنك ألبستها رداء الرئيس بري، هل أثارت ردود فعل وصلت اصداؤها اليك؟

ج- سمعت الكثير الكثير من الكلام عن هذه الرسالة ، طبعا منه الإيجابي ومنه السلبي.

س- لماذا إفترضت ان الرئيس بري قد يوجه هكذا كلام الى السيد حسن أم أنك تتتمنى ذلك؟

ج- أنا أعتقد ان أي لبناني يتمنى أن يوجه الرئيس بري هذا الكلام ، ولكن دعيني أقول ان عنصر الفن أو عنصر الكتابة تغلّب على الدقة الشخصية لأنه بالطبع لم يقل الرئيس بري لي هذا الكلام، ولا هو في جو رسالة من هذا النوع.

س- يبدو انه يتم تصوير الرئيس بري دائما على انه مغلوب على أمره؟

ج- الرئيس بري يقوم بدور فيه ضمانة وطنية للحياة السياسية، والحياة الطبيعية في البلد، أنا قلت هذا وأكرره اليوم، وهو يعبّر عن وجهة نظره بشكل صريح، وليس مغلوبا على أمره، يسوّق قناعاته ويناقش بينه وبين الآخرين انه ليس غاضبا ولا حادا، وهذا جزء من طبيعته وليس جزءا من طبيعة دور رئيس المجلس.

أريد التأكيد على أمر مهم وهو انه في بعض الأحيان تبيّن من مقال الرسالة، ان هناك سوء فهم للمقال، وفي بعض الأحيان سوء تصرّف مني بإسناد الرسائل الى الرئيس بري أو توجيهها للسيد نصرالله:

أولا: أنا قصدت في هذا الموضوع ان أطرح كل ملفات العلاقات الشيعية اللبنانية، للتأكيد على أنه لا يمكن تصوّر لبنان بدون مكوّن رئيسي من مكونات مجتمعه، وهو الطائفة الشيعية ودورها في كثير من الأمور، وآخرها دور المقاومة في الجنوب.

ثانيا: التأكيد على انه إذا ورد أي أمر شخصي في الرسالة، فلا الرئيس بري مسؤول عن الإساءة إذا حدثت ولا أنا وجهتها بشكل شخصي، أو ان لدي خلافات شخصية أو حادة تتقصد الإساءة للسيد نصرالله، وبالعكس قلت عن السيد نصرالله، أني أرى في عمامته رمز الإنتصار وفي عباءته خزان إيمان للمقاتلين في الجنوب ، فمن المؤكد من قال هذا الكلام لا يقصد الإساءة الشخصية.

ما أريد قوله انه ما دام الحزب قد تلبنن ودخل الى النسيج اللبناني، عليه التعامل إذاً مع السياسة اللبنانية وحدتها وخلافاتها وخصوماتها وصداقاتها، وهذا مختلف عن قتال إسرائيل . فالمقاومة شيء والعمل السياسي الداخلي شيء آخر.

س- لكن السيد حسن يصوّر ما تقوم به المعارضة وكأنه مرتبط بالمقاومة، حيث قال ان هناك صراعا بين فريقين: فريق تعامل وتآمر مع إسرائيل وفريق قاوم إسرائيل؟

ج- انا لا أحب الكلام المتعلق بالتآمر والتواطؤ والتخوين، وباعتقادي هذا الكلام ليس جديا ولا موثقا، إنما هو نوع من أنواع الجدل السياسي العقيم على كل حال. وعليه فإن العصب والشعبية والهياج غير الطبيعي من الناس لدعم الرئيس السنيورة لم يأت فقط من محبتهم له، إنما أتى من ردّ فعل على الكلام الذي صدر بحقه.

س- هل أتتك تحذيرات على خلفية المقال-الرسالة؟

ج- لا أبدا، فالمعروف عني أني أكتب بهذه الطريقة إذا كان لي رأي سياسي، فأنا كتبت بشكل مماثل عن الشيخ سعد الحريري، وكتبت عن الرئيس السنيورة بشكل قاس، وعن وليد جنبلاط يوم المبادرة العربية كتبت بقسوة، ولكن الكل يعرف ان لا شيئ شخصيا في كتاباتي وان هذا رأيي السياسي، وأنا لا ألتزم جهة لكي أختلف مع جهة أخرى.

س- يعني انك حاولت حماية نفسك عندما كتبتها باسم الرئيس بري؟

ج- قلت لكِ لقد تغلّبت الرغبة الفنية أو الاسلوب في إستعمال الإسم لجذب المزيد من القراء، لأن رسالة مني للسيد لا تجذب بقدر ما تجذبه رسالة من الرئيس بري للسيد حسن ، ولكن كما قلت كانت إفترائية على الإثنين.

س- أيضا في الرسالة تسأل عن المراجعة، وقلت “هل علينا إنتظار المزيد من المصائب لكي نراجع أنفسنا؟” ، ولكن هل السيد نصرالله هو الوحيد الذي يجب أن يقوم بهذه المراجعة؟

ج- أنا أتحدث بملف العلاقات الشيعية – السورية وهذا كان أساس المقال، فأنا لست مختلفا مع السيد لا على المقاومة ولا على زيادة الوزراء أو الإعتصام أو الإنتخابات النيابية المبكّرة. طبعا الإنتخابات المبكّرة هي مطلب ديموقراطي لا غبار عليه، أما باقي العناوين فهي خاضعة للنقاش، وبالتالي أنا أرى انه ليس مبالغاً فيه أن ندافع عن الرغبة في الحياة أمام إستمرار الإعتصام، وبالتالي يجب على الناس ان تقول رأيها بشكل هادئ. لم تعد الصيغة اللبنانية تحتمل هذا الهز والخضخضة، ولم تعد حياة اللبنانيين تستأهل هذا القدر من القسوة، فهذا الخطاب السياسي القاسي ، لا يستأهله اللبنانيون الذين لم يرتكبوا خطأ يستأهل، هذا الكم الهائل من الخطاب السياسي القاسي.

س- لكن رغم حدّة الخطاب الأمور لا تزال في إطار الكلام ، وباستطاعتك أن تقرر الا تسمع ولكن الأسوأ هو التحذير من الآتي؟

ج- هذا الكلام من صميم عملي عندما أسمعه، وبالتالي لا يوترني ، ولكنني أشعر بما يجري من حولي، فهذا حرام. كل هذا القهر والظلم حرام.

س- ينقل زوار الرئيس بري عنه قوله انه امام عمرو موسى عشرة أيام حاسمة وفاصلة كي لا يتجه الوضع نحو الإحتمالات البالغة السوء؟

ج- ان شاء الله لا نصل الى “بالغة السوء” لأنه لا أعتقد ان هناك مكانا يتسع بعد للأسوأ. باعتقادي عمرو موسى قادم ليعمل. وأمامه مهلة عشرة أيام وهناك قوى ستضاف ، ولكن أعود وأقول، ليس هناك من تسوية فعّالة وناجحة وقابلة للحياة، دونما الأخذ بعين الإعتبار المصالح السياسية السورية في لبنان، وهذا ما عبّر عنه التركي والروسي والرئيس السنيورة، والسوري في فترة لاحقة أيضا عبر عن ذلك، وبالتالي لنكن واضحين نحن لا نستطيع إنجاز تسوية داخلية وهناك مشكلة قائمة منذ سنتين اسمها العلاقات اللبنانية- السورية.

ملاحظة: أثناء الحلقة ورد البيان الصادر عن إجتماع قوى 14 آذار في منزل النائب بطرس حرب، والذي جاء فيه “ان طرح المعارضة لفكرة إنتخابات نيابية مبكّرة أمر غير مستحب مع قرب وصول عمرو موسى الى بيروت ومن يريد الإستقرار عليه العودة الى طاولة حوار تطرح عليها كل الأمور الخلافية”.

تعليق الاستاذ نهاد: “لفتني تعبير عير مستحب، وهو تعبير لطيف تجاه الإنـتخابات النيابية المبكّرة ، أنا وبحسب معرفتني أدرك مدى صعوبة إجراء إنتخابات نيابية مبكّرة، ولكنني لا أعتقد ان هذا المجلس الموجود اليوم ، بطبيعته السياسية الحالية مؤهل لخلق حالة توافق وإستقرار سياسي في البلد. وأنا قلت هذا منذ اليوم الأول لإنتخابه ، صورة هذا المجلس السياسية حادة لدرجة انها لا يمكن ان تولّد إلا الإشتباكات. كل يوم هناك إشتباك.

س- لماذا؟

ج- الكل يعرف ان الإنتخابات حصلت في ظروف صعبة جدا، منها الخروج السوري وإغتيال الرئيس الحريري.

س- لكن كل القوى السياسية متمثلة بهذا المجلس؟

ج- ممكن ان تكون المشكلة في أن كل القوى الأساسية متمثلة في هذا المجلس، وهذا ما أبعد كل الطوائف عن بعضها ، فكل طائفة موضوعة في زاوية ومحجور عليها.

س- إذا كان عندنا مشكلة في كل هذه المؤسسات ولكن هناك حاجة لآليات معينة للوصول الى التغيير أو الى التحسين كيف يكون ذلك؟

ج- بقانون إنتخابات، لا شيء يؤسس لحياة طبيعية سياسية في البلد أو في أي بلد في العالم، سوى قانون الإنتخابات وهو الوسيلة الوحيدة فقط لا غير.

وأنا أعتقد ان أي تطور سياسي أساسي ، يجب أن يؤدي الى قانون إنتخاب إن كان على طاولة الحوار او في الحكومة أو في مجلس النواب.

س- العودة الى الحوار، كما يقول الزميل نقولا ناصيف اليوم يلزمها “تحمية” من جديد، وهذه التحمية ربما تكون حدثا أمنيا كبيرا أو حدثا سياسيا كبيرا؟

ج- أتمنى ألا يكون هناك أي حدث أمني، أما الحدث السياسي فنحن نعيش كل يوم حدثا سياسيا كبيرا، وباعتقادي على اللبنانيين ان يسيروا باتجاهات معينة يقولوا فيها رأيهم ويرفعوا صوتهم بطريقة مختلفة عن الحجر على الطوائف ، وباعتقادي ان اللبنانيين أقوياء لكي يصلوا الى ما يريدون.