ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق في حواره المتلفز مساء الخميس الماضي، ليس كلاما عابرا، ولا يفترض أن يمر عليه المراقبون مرور الكرام. يكفي أنه أطرب وليد جنبلاط فغرد واصفا كلامه بـ «الطرب المشنوقي» الذي يكاد يشبه رقص «التانغو».
للوهلة الأولى ظهر في كلام المشنوق حنين دفين الى الكاتب الصحافي الذي كانت صفحته الاسبوعية في «السفير»، قبل أن يحترف السياسة، تلقى صدى لدى القارئ، لما تحمله من معطيات ومعلومات قيمة جدا. ولا شك بأن نهاد المشنوق لو عاد اليوم الى الكتابة الصحافية، لكان أبدع أكثر من ممارسته للسياسة، على الرغم من أن الأصدقاء والخصوم يعترفون له بالنجاح السياسي، ويتوقعون أن يكون مستقبله أكثر إشراقا.
ليس كلاما عابرا ما قاله المشنوق عن السعودية. الترجمة الحرفية وبالفم الملآن: «أرهقتنا السياسة السعودية، وذبحت سعد الحريري، ودفعتنا للتحالف والتحاور مع ألد خصومنا، وغلّبت أشرف ريفي في طرابلس، وجعلت بيروت تختارنا بأدنى الأرقام، وحملتنا على الانسحاب من معظم المعارك الانتخابية». هو دفع بالحمل الى أكتاف «السياسة السعودية السابقة»، لكنه يعرف كما يعرف الآخرون أن السياسة السعودية الحالية ليست أفضل حالا مع الحريري، والتفاصيل معروفة.
كان من الطبيعي أن يدافع عن سعد الحريري، ولو من باب الوفاء له ولأبيه الراحل. لكن المشنوق يعرف أيضا أن إطاحة سعد الحريري في هذه المرحلة الداخلية والاقليمية الحرجة، ليست من باب الحكمة، لأن البديل السني ليس محمودا ولا مقبولا ولا هو أفضل. وليس سرا أن هذه الرؤية تلقى مقبولية، حتى لدى خصوم الحريرية، وبالذات لدى الثنائي الشيعي الذي لا ينفك يتعاطى معه كشريك ومحاور لا بديل منه.
وفي رؤيته لما هو آت، ينسجم كلام المشنوق تماما مع كلام السيد حسن نصر الله. فالمنطقة مقبلة على مزيد من التصعيد. وقد بات الجاهل كما العالم يعرف أن لا أفق للحلول السياسية في سوريا والعراق قبل الحلول العسكرية، وأن على لبنان أن يتفادى انتقال التصعيد الى ساحته التي لا تحتمل المزيد من الأثقال. يكفي ما يتكبده «حزب الله « ومقاومته من أحمال خارج الحدود من أجل هذا الهدف.
ربما غاب عن بال المشنوق، أو هو تفادى القول إن خصوم الحريري كانوا أكثر رحمة به من بعض الأصدقاء والحاشية، خاصة من ضربهم الغرور فأساؤوا عن قصد أو غير قصد، ومشوا في الأرض مرحا، وما يزالون، كأن شيئا لم يكن، حتى صحت فيهم القاعدة التي تقول: «اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم».
في الخلاصة، كانت رسالة المشنوق واضحة للفرقاء اللبنانيين وغير اللبنانيين: «لا تخسروا سعد الحريري في هذه المرحلة، فلا بديل من زعامته للطائفة وحضوره اللبناني العام، أيا كان القائم على كرسي الرئاسة الثالثة، حتى لو كان نهاد المشنوق نفسه».