نهاد المشنوق.. فنان في بيته.. صقر في “الداخلية”

قالـوا عنه 14 مايو 2014 0

جرأة الوزير اللبناني دفعته لتحدي أبو إياد صغيرا.. والنظام السوري كبيرا

كان لافتا جدا، أن يصل نهاد المشنوق إلى منصب وزير الداخلية، في حكومة الرئيس تمام سلام. فهو، على الرغم من تصنيفه على أنه “صقر” من صقور تيار “المستقبل” الذي يرأسه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، إلا أن شخصيته تحمل في طياتها الكثير من المعاني “غير العسكرية”، فهو قارئ نهم، ومثقف بارز، وصحافي لامع تنقل في حياته المهنية بين كبريات الصحف، بالإضافة إلى أنه سياسي من الطراز الأول.
لكن المشنوق، نجح في أيامه القليلة في وزارة الداخلية، في أن يثبت نفسه بين “الكبار” الذين تعاقبوا على الوزارة لسرعة تأقلمه مع الدور الجديد وقيامه بدوره الجديد ببراعة لافتة. والوزير المشنوق هو رجل عصامي تدرج في حياته المهنية والسياسية من صحافي على علاقة وثيقة بالقيادات الفلسطينية، إلى مستشار سياسي وإعلامي للرئيس الراحل رفيق الحريري الذي كان صاحب الفضل الأكبر في استقرار المشنوق، ثم نائب في انتخابات عام 2009، فوزير للداخلية.
دفع المشنوق ثمنا لمواقفه من النظام السوري، بالنفي عن وطنه أكثر من مرة، أولها لمواقفه ضد السياسة السورية في لبنان عام 1976، وآخرها عام 1998 عندما أجبر على المغادرة إلى باريس بناء لتمنيات سوريا تحدثت عن اشتباه بعلاقاته مع إسرائيليين، لم تنته إلا بعد خمس سنوات بعودته بوساطة من طه ميقاتي، شقيق رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.
يقول المشنوق في حديث سابق “في اللحظة الأولى التي اختارني فيها رفيق الحريري لأكون أحد معاونيه في لبنان سنة 1989، كان واضحا أن الموقف السوري مني هو موقف سلبي، وعبر عن ذلك نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بالقول له (شو بدك فيه لنهاد المشنوق، هذا صوفته حمراء)، فرد الحريري مازحا (بسيطة منغسلها بتصير زهر)”. ولم يأخذ بهذه النصيحة من بدايات العمل معه.
من الملاحظات المهمة على شخصية المشنوق هي علاقته بطائفته، فهو يتصرف على أنه “سني سكر زيادة”. يقول عنه أحد أصدقائه، إنه “يجسد في شخصيته التحولات التي شهدتها طائفته، عندما انتقل من يسار الثورة الفلسطينية إلى يمين قوى (14 آذار). عاصر المشنوق كل الوجوه السنية الأساسية، فكان مقربا من الرئيس السابق للحكومة تقي الدين الصلح ممثل السنية البيروتية المدنية، وغادر معه إلى المنفى عندما ضغط عليه السوريون، ولم يتركه إلا عندما عاد إلى بيروت في زيارة خاطفة، توفي خلالها الصلح من دون أن يتمكن المشنوق من أن يحمل إليه البيجاما التي أوصاه عليها من محلات عريقة في بيروت، يكون لونها زهريا فاتحا مع خطوط مقلمة.
عاصر المشنوق الثورة الفلسطينية بما تحمله من معان سنية فوق كيانية، وصولا إلى رفيق الحريري ببعديه السني اللبناني صاحب المشروع الإنمائي ورفيق الحريري الشهيد. يحمل المشنوق في داخله جرأة كبيرة للغاية، تصل أحيانا إلى حد التهور، مثلما فعل عندما “سرق” ملف التحقيق في اغتيال المسؤول الفلسطيني أبو حسن سلامة في السبعينات من على مكتب المحقق الفلسطيني، ونشره في مجلة “النهار العربي والدولي”، فكان أن تحول من صديق لأبو إياد، المسؤول الفلسطيني الشهير، إلى طريد له، فنام ليله متنقلا، إلى أن احتمى بصديق أمّن له عفو أبو إياد، فيما تكفل هو في اللقاء الأول الذي جمعه به بعد الحادثة بإعادة الصداقة إلى مجراها الطبيعي.
يقول أحد المقربين جدا من الوزير المشنوق لـ”الشرق الأوسط” إن “لدى المشنوق نقطة ضعف وقوة واحدة، وهي ثقته الشديدة بالنفس”. ويشير إلى أن المشكلة هي أن هذه الثقة تجعله يتخذ قرارات متطرفة، مشيرا إلى أن رصيده الشخصي كاف لتغطيتها، كواقعة وجود مسؤول حزب الله الأمني وفيق صفا على طاولة اجتماع أمني رسمي تحت أضواء كاميرات الصحافيين.
يقول المقربون من وزير الداخلية إن “المشنوق كان واضحا في حديثه إلى صفا من أنه لا يعد وجوده حوارا ثنائيا ولا تنسيقا أمنيا بين الداخلية والحزب، فنحن نتحاور مع الحزب في (القصر الجمهوري) في بعبدا، لكني أتحاور معك كقوة أمر واقع في سوريا لأن الحوار مع النظام غير ممكن والحوار مع المعارضة (السورية) لا يجدي”. ويقول صديق للمشنوق إن “هذه الخطوة لا يقوم بها أي من كان، إلا إذا اعتقد أن لديه رصيدا كافيا لعدم تخوينه من قبل حلفائه”.
لكن هذا الرصيد لم يكن كافيا تماما، إذ تصاعدت أصوات من داخل تيار المستقبل تندد بخطوة المشنوق وصولا إلى دعوة الصحافي فارس خشان المشنوق إلى الاستقالة، قائلا في مقالة نشرها على موقع «يقال» إن “ثمة من يريد أن يقنعنا بأن مجرد وصول شخصه العظيم إلى السلطة، يقلب المعطيات، ويصحح الأخطاء، ويسمح بجعل الأسود أبيض، والتعاطي مع الذئب على أنه حمل، ويجعل القبور المكلسة صالونات فخمة؟”. ويضيف “هل يعرف هؤلاء الذين احتفلوا بمطرقة العدالة أن وفيق صفا، يعد بالمقارنة، مع مصطفى بدر الدين – كبير المتهمين باغتيال رفيق الحريري – مجرد حاجب”.
أما الجانب الآخر من شخصية المشنوق، فيتحدث عنه الصديق بحماسة بالغة، قائلا إن “كل الوقار والهيبة في شخصية المشنوق، تسقط، ويتحول إلى ابتسامة طفولية عندما يبدأ الحديث عن اللوحات والقطع الفنية، فيصبح بينها كطفل صغير في متجر للألعاب، أو عندما يتحدث عن ابنته ثريا، أول العنقود الذي تربطه بها علاقة مميزة”.
مجموعته الفنية النادرة، تترجم شخصية المشنوق وتجربته واهتماماته، وهي تضم أعمالا لبنانية وعراقية وسورية ويمنية ومغربية، وصولا إلى مالي. فالمشنوق حريص أن يأتي من كل مدينة يزورها بما يمثل تراثها وفنها، ولذلك فعندما تتجول في بيته، تشعر وكأنك تتنقل من مدينة عربية إلى مدينة أخرى، حتى احتاج معها إلى المزيد من الجدران لتعليق لوحاته.
ويؤمن المشنوق بالترويج للفن اللبناني، فاللوحة التي تظهر للناس خلال استقبالاته هي من أعمال الفنان اللبناني نبيل نحاس بعث إليه برسالة شكر على عرضها لظهورها في كل وسائل الإعلام خلال استقبالات المشنوق. وكان المشنوق بالتنسيق مع زميلته الراحلة ريما تقي الدين، قد أقنع الرئيس الحريري بتقديم هدايا للمسؤولين في البلدان التي يزورها من أعمال الفنانين اللبنانيين.
ويمتلك المشنوق مجموعة فنية استثنائية، فلديه أهم لوحات لفنانين عربا، كلؤي كيالي وعاديل سيوي وعارف الريس وإسماعيل فتاح وأيمن بعلبكي، كما لديه مجموعة أخرى جميلة وثمينة من السجاد. حياته العاطفية مثيرة للاهتمام. فالرجل تنقل بين جميلات سماهن في مذكراته التي حملت اسم “النفي الرباعي” أسماء حركية كـ”المرجة الخضراء” التي كان يغازلها بشغف، إلى أن خيرته بين حياة المغامرات السياسية التي يعيشها، والمغامرة العاطفية معها. وبين البقاء معها في باريس، أو العودة إلى بيروت بعد تعرضه للاعتقال على حاجز للجيش السوري بينما كانا يتنزهان، اختار بيروت. عندما عاد تعرف على “عروس الحي” أحبها، وكانت من طائفة أخرى، فانتهت علاقتهما المعقدة بسفرها إلى الخارج، فأتت علاقته الثالثة مع “أم صالح” التي كانت تقليدية بعض الشيء، لكنها حملت له أجمل ما في حياته، ابنته ثريا، ثم ابنه صالح، فالابنة ديما. انتهت هذه العلاقة عمليا بعد عودته إلى بيروت من المنفى الرابع في باريس، حتي تزوج الإعلامية ليلى وهبة ورزق منها بابنته سارة.
أناقة المشنوق كانت مضرب مثل منذ الصغر. فالشاب البيروتي القادم من عائلة متواضعة ماديا، كان لا يظهر إلا على درجة عالية من الأناقة بين زملائه الطلاب، حتى في أشد أيام الحرب، لدرجة لقب معها بـ”المكوي” لظهوره دائما وكأن المكواة مرت على ثيابه للتو. وكان المشنوق يظهر ببدلته البيج، كعلامة فارقة في اجتماع القوى الفلسطينية التي كان مقربا من قياداتها، تفوح رائحة عطره بين شخصيات يعفرها تراب الميدان. أما اللافت، فكان أن المشنوق حافظ على أناقته هذه، في سجن للاستخبارات السورية قضى فيه عدة أيام بسبب انتقاده السياسات السورية، فخرج من السجن ليصل إلى الفندق أكثر ترتيبا وأناقة من الكثير من مستقبليه.
وبين صوته الأجش، الذي يعتبر من علاماته المميزة، وشخصيته المسيطرة، يقول الصديق إن “المشنوق ليس نكهة بديهية، فعليك أن تعود نفسك عليه”، ويضيف: “أما إذا رأيته للمرة الأولى وخرجت بانطباع سريع، فليس من السهل أن تكون صديقا له”، ليتابع مؤكدا أن للمشنوق “قلب طفل حقيقيا”.والمشنوق مثقف استثنائي، كما يقول عنه عارفوه، وهو متابع وقارئ نهم. يناقش ويهاتف الكثير من المفكرين والإعلاميين أسبوعيا، فلديه حجم ثابت من الاتصالات لمتابعة ملفات مصر وسوريا والعراق.
العقل المنظم للمشنوق، جعله يدرك سريعا ما يمكن – وما لا يمكن – إنجازه في العمر الافتراضي القصير للحكومة. حدد سريعا ثلاث أولويات للعمل عليها، حيث يمكنه الإنجاز في الوقت الذي تتيحه له الفترة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية.
الملف الأول، هو ملف السجون الذي يحظى باهتمام لافت من المشنوق، وكأنه كان يبحث في معالجته قبل أن يعرف أنه آت لتسلم وزارة الداخلية، فكان أول نشاط قام به في مؤتمر وزراء الداخلية العرب البحث مع نظرائه العرب في كيفية مساعدة لبنان على تخطي هذه الأزمة. ومبعث قلق المشنوق أن القدرة الاستيعابية للسجون اللبنانية لا تتناسب مع أعداد السجناء، ما جعل بعض هذه السجون حصينة على الضبط من قبل القوى الأمنية.
بعد توصله إلى تفاهمات مبدئية مع بعض الوزراء العرب، لتبني إنشاء أربعة سجون في المناطق اللبنانية، ينصب اهتمام المشنوق اليوم على السجن المركزي في رومية. أنشأ لجنة مختصة لمتابعة الملف، أدخل فيها المعنيين بالأمن، والمعنيين بالمال، ومن بينهم رئيس جمعية المصارف والمسؤولين الأمنيين والقضائيين، علما أن هذه المقاعد لا ترتبط بشاغلها، بل بمنصبه، فإذا تغير الشخص يحل محله من يشغل المركز. كما استعمل علاقاته الشخصية لدفع أصدقائه من رجال الأعمال للاستثمار في الأمن من خلال التبرع لدعم عملية إعادة تأهيل السجون.
يقول المشنوق لـ”لشرق الأوسط” إنه “حازم جدا في مسألة السجون”، مشددا على أنه سيتم في نهاية المطاف الدخول إلى مبنى السجناء الإسلاميين حتى لو أدى ذلك إلى سقوط الدماء، فأنا موافق على ذلك. ويرى المشنوق أن معالجة هذا الملف من خلال تحسين وضع مباني السجون، ومعالجة ملف السجناء الخطيرين، ولو بالقوة في نهاية المطاف، أمر لن يجرؤ وزير غير سني على القيام به.
الملف الثاني، هو الملف الأمني الذي كان الأكثر ضغطا على لبنان، مع ظاهرة الانتحاريين الذين ضربوا في الكثير من المناطق اللبنانية، والتي لم يكن من الممكن معالجتها- كما يقول المشنوق – من دون معالجة العوامل الكاملة، فكان أن تحدث بوضوح عن “مربع الموت” الذي يشكله تجار السيارات المسروقة مع المفخخين والمفجرين، بين بريتال وحي الشراونة والنبي شيت الشيعية وعرسال السنية.
في هذا الملف أيضا، كان المشنوق الأكثر قدرة على التحرك. أعاد الاعتبار إلى قوى الأمن الداخلي كشريك للجيش في حفظ الأمن، بدلا من أن تكون تابعا. ويقول: “لقد كان ينظر إلى قوى الأمن نظرة دونية، لا معنى لها. فعلى الرغم من أن كثيرها أقل من كثير الجيش، غير أنها قادرة على القيام بواجباتها إذا ما أتيحت لها الفرصة، وهذا ما حصل، فبدأ تدحرج الخطط الأمنية، من الشمال والبقاع وصولا إلى العاصمة.. أما الضاحية الجنوبية، حيث معقل حزب الله، فلها ظروفها المرتبطة بالحوار الدائر حول سلاح الحزب. ويستدرك قائلا على أي حال، وضع الضاحية مضبوط اليوم أكثر من أي وقت مضى بسبب الإجراءات الأمنية المتخذة لمكافحة التفجيرات، فلا يخرج منها ولا يدخل حتى دراجة مخالفة.
ويشير المشنوق إلى أن التنسيق بين الجيش وقوى الأمن، وغيرها من القوى الأمنية الأخرى المرتبطة بوزارة الداخلية أعطى ثمارا إيجابية جدا. فالجيش ارتبط اسمه في بعض الأحيان في أذهان بعض اللبنانيين بعدم الحياد حيالهم، ولهذا كنت مصرا على قيام الطرفين بدورهما معا، في طرابلس وفي البقاع وبيروت. مشددا على أن التنسيق الأمني بات في أعلى درجاته بين الجانبين، حتى إن لوائح المطلوبين باتت موحدة بين الطرفين. وفي مجال آخر يؤكد المشنوق أن التنسيق الأمني بين شعبة المعلومات والاستخبارات الغربية عاد في ملف الإرهاب بعد توقف طويل إثر اغتيال العميد وسام الحسن.
أما الملف الثالث، فهو ملف اللجوء السوري إلى لبنان. فعدد النازحين يقترب من الحدود الخطرة، ويقول المشنوق إن “الأمر سيحتاج في نهاية المطاف لإجراءات قاسية قد يكون من بينها وضع قواعد صارمة لدخول اللاجئين إلى لبنان”. مشيرا إلى أنه لا يمكن من الناحية الإنسانية منع لاجئ هارب من الموت، لكن هناك بعض اللاجئين الذين يأتون إلى لبنان من مناطق تعتبر آمنة في سوريا، وهذا أمر غير مقبول ويجب الحد منه. ويخلص المشنوق إلى أن إقفال الحدود بطريقة ما سيكون الأمر الصحيح الواجب القيام به، نتيجة الضغط الكبير للاجئين على البنية اللبنانية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.