نهاد المشنوق… حيث لا يجرؤ الآخرون

قالـوا عنه 25 أبريل 2014 0

كنا نتمنى لو ان زميلنا معالي الوزير , بثقافته المترامية وبأسلوبه الرائع، خارج ذلك الاصطفاف الذي يطبق على لبنان كما يطبق اللبنانيون. لاحظوا كيف يطلقون ديوكهم (مع تحياتنا الى علي الديك) وكيف يطلقون ببغاءاتهم.
لا مجال لتصنيف نهاد المشنوق كما الاخرون. ولكن كيف يمكن لاحدهم ان يصل او ان يصل صوته ان لم يكن جنديا، ويحمل الرماح (احياناً الرماح التي تستخدمها القبائل البدائية) في الاصطفاف الذي غالباً ما تعبّر عنه تلك الظواهر (البشرية) الضحلة والمملة والثقيلة الظل والتي لا تصلح حتى ظلاً للظلال.
الآراء تتباين، وفي بعض الاوقات على نحو عاصف, حول شخصية وزير الداخلية. في الطريق الجديدة صور له كتب تحتها “عضلاتو بعقلاتو”. لمّاح جداً من اختار الصورة ومن اختار كلام الصورة. هذا هو رأينا وان كانت هفوة مستودع الغاز حين قال لاحد المحتجين “اعرف مع مين عم تحكي”. هفوة عابرة. نهاد المشنوق فوجئ بأنه هو من استخدم العبارة التي مازال البعض يستعملها كحجة ساذجة ضده.
لا ريب ان هناك من اخذ عليه انه عندما كانت خطة تحرير قرية طفيل من الاحتمالات على انواعها ظهر في صيدا بدلاً من ان يظهر في بريتال التي يعلم صاحب المعالي ان الاكثرية الساحقة من اهلها طيبون ويفتحون له صدورهم قبل منازلهم ويرفضون ان تكون”جمهورية بريتال”. برر ذلك بالقول انه توجه جنوباً بعدما اطمأن الى ان العملية تسير على ما يرام. المسلحون ابتعدوا عن القرية التي رفض اهلها ان تكون ملجأ ومستودعاً لهم.
نهاد المشنوق قال في صيدا ما لا يتجرأ الآخرون على قوله، ولكل اسبابه الخاصة، سواء كانت الاسباب الاخلاقية او الاسباب الانتهازية او الاسباب القبلية. حتى المرشحون دونكيشوتياً او استعراضياً او بونابرتياً (او على طريقة الليدي غاغا او على طريقة غوار الطوشي) لرئاسة الجمهورية لم ياتوا على ذكر السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
قال الا جدوى من هذا السلاح الذي يستعمل بين الفلسطينيين والفلسطينيين الذين ذاقوا الامرّين من الليالي الليلاء في مخيم عين الحلوة: قنابل واغتيالات وكمائن وحالات هلع لم تعد تطاق. هل هذا بالجديد؟ نذكر كيف كانت القذائف الصاروخية بين الفصائل تتراقص بين الاكواخ، وبين الاطفال، في مخيم شاتيلا وفي المخيمات الاخرى. هؤلاء هم العرب لا يقتلون، تاريخياً ، سوى العرب.
لم يكن نهاد المشنوق يتحدث فقط باسم اللبنانيين الذين يشعرون بأنهم يعيشون على تخوم الادغال التي قد تنقضّ عليهم في اي لحظة بعدما تعددت الانتماءات والهويات (الهويات القاتلة كما قال امين معلوف) والبنادق والقاذفات والوجوه التي بعضها على شاكلة تورابورا. تحدث ايضاً باسم الفلسطينيين الذين طالما توسلوا الى الدولة ان تتدخل وتنهي منطق الكانتونات او المربعات او العصابات في المخيمات.
كنا قد طرحنا سؤلاً من هذا القبيل على وزير داخلية سابق. اجابنا “هل تريد اشعال العالم العربي ضدنا؟”. كان خائفاً من نبيل العربي الذي يمارس الديبلوماسية (الغراء) على طريقة فيفي عبده، وسألناه ما اذا كان الفلسطيني في اي دولة عربية يستطيع ان يحمل سكيناً لتقطيع البطيخ ويختال فيها امام الناس باعتبار انه مقاتل من اجل المسجد الاقصى.
اين هو الفلسطيني في المخيمات الذي قال فيه محمود درويش ان القمر يغفو على كتفه، لاحدكم ان يزور المخيمات ليسأل من صنع كل هذا الحطام؟
نهاد المشنوق يدرك ان البؤس الذي في المخيمات يتعدى بكثير البؤس
الذي يتحدث عنه غابريل غارسيا ماركيز في بوغوتا ” حيث كنا نعتذر من الذباب لان اطباقنا فارغة ومخيلاتنا فارغة”. البؤس في المخيمات اكثر فظاعة. آن الاوان لكي يتخلص الفلسطينييون واللبنانييون من هذا العار وبعباءته التي يقال انها تعود الى يعرب بن قحطان.
لا احد الا ويعلم ماذا فعل ابو الجماجم وابو الهول وكل اب آخر من آباء تلك الفضيحة حين اقتربت الدبابات الاسرائيلية من مخيم عين الحلوة. حملوا عشيقاتهم، ومصاغ عشيقاتهم, والملابس الداخلية لعشيقاتهم. فضلاً عن صناديق السيكار، ولاذوا بالفرار. هذا ليس حديث التواتر، شاهدناهم بالعين المجردة على طريق جزين يهبطون نزولاً باتجاه البقاع تاركين وراءهم رعاياهم الذين واجهوا الغزاة حتى الرمق الآخير، حتى الرصاصة الآخيرة.
لماذا السلاح الآن؟ من اجل تلك المفاوضات العبثية بل والكاريكاتورية، اغتيلت الحجارة في الضفة. الاخوان في غزة بصواريخهم التي لا تعدو كونها العاباً نارية (للمناسبات) منهمكون لمعرفة ما اذا كان صحيح البخاري قد نص على جواز ارتداء سراويل الجينز ام لا.
وزير الداخلية بصوته رفع الصوت. رأفة بالفلسطينيين الذين تحولوا وقوداً في لعبة الفصائل، وما وراء الفصائل. لا نقول بدخول الدولة الى المخيمات حتى لا يصرخ العرب (اي عرب واين العرب؟)، بل لتجريدها من السلاح الا اذا كان القادة في المخيمات، وقد ترهلت وجوههم وثيابهم ولحاهم. يعتبرون ان الوصول الى الفلسطينيين لن يتحقق الا على جثث الفلسطينيين.
نهاد المشنوق تجرأت حيث لا يتجرأ الآخرون وقلت. لا نعتقد انك ستتوقف عن القول!.