نهاد المشنوق أعرنا يديك

قالـوا عنه 18 يناير 2015 0

حين سمعت بتكليف نهاد المشنوق بحقيبة الداخلية وضعت يدي على قلبي، خوفا عليه أم خوفا على لبنان؟ رجل الكتابة، الشغوف بالفنون يمكن توقع نجاحه لو أختير وزيرا للثقافة مثلا وإن كان ذلك النجاح هو الآخر مرهونا بظروف البلد وأمزجة مثقفيه وهنا نتحدث عن لبنان وهو بلد استثنائي في ظروفه ومزاج مثقفيه.
أما أن تُمد إلى ذلك الرجل، رفيع الرؤى حقيبة مليئة بالمتفجرات ويُترك له شأن تفكيك محتوياتها فقد كان ذلك الأمر من وجهة نظري يومها اختبارا قاسيا. فالمقاربة تكاد تكون مستحيلة إن وضعنا الثقافة والعمل الأمني على طاولة واحدة.
صحيح أن المشنوق كان قد عمل في السياسة زمنا طويلا وما وصوله إلى المجلس النيابي إلا برهان على حضوره السياسي اللافت، ذلك الحضور الذي مزج بين الاعتدال والصرامة، حيث كانت لغته المستقيمة تباغت الكثيرين من جهة ما تحمله من شحنة صدق في مواجهة الوقائع وتسمية الأشياء بأسمائها، من غير دوران أو مداهنة. كانت لغته جديدة على الناس، في بلد أضاع السياسيون فيه الكثير من حقائق العيش.
لقد مثل المشنوق جيلا سياسيا جديدا، لم تعد لغته قادرة على استيعاب فكرة التهديد بالحرب في مقابل الصمت الجريح الذي هو اشارة خنوع. كان رجل السياسة التي تسعى إلى الخروج من الازمة لا إلى الاكتفاء بإدارة تلك الأزمة.
غير أن التمكن من فن السياسة واختراع مسارب جديدة لها شيء وضبط الأمن من خلال اعادة الهيبة إلى الدولة، لا في صفتها مشروعا مؤجلا بل باعتبارها واقعة ينبغي أن يستظل المواطنون بحمايتها هو شيء آخر.
يومها قلت لنفسي “لقد هلك الرجل”.
لذلك لم أهنئه بالمنصب وأنا أدرك حجم الكارثة التي صار عليه أن يواجهها ويدفع ثمن تداعياتها المأساوية. فلبنان بلد فيه الكثير من المواقع السيادية لا يمكن النظر إليها إلا من خلال طابعها الرمزي.
أما الشؤون الداخلية فقد تركت لعبث لعبة جر الحبل. هناك الكثير من الاستقواء بما لا ينسجم مع الاعتراف بوجود دولة، هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن الاستقرار والأمن في البلد.
وبسبب ما تراكم من سوء الفهم الذي هو من مخلفات الحرب الأهلية فقد كانت ثقة المواطنين بالدولة نوعا من الخرافة. وهو أمر مفهوم في ظل التنازع السياسي على مقاعد التمثيل الطائفي.
ما كانت أخشاه على المشنوق أن يجد نفسه واقفا بحيرة في مواجهة ذلك الجدار الصلب الذي لا يمكن اختراقه. وهو ما كانت جماعات لبنانية تعتبره واقع حال. غير أن المشنوق فاجأني كما فاجأ تلك الجماعات بسلوك يمزج الهدوء بالصرامة حين صار يشق طريقه وسط التحديات الخطيرة من غير أن يرتد خطوة إلى الوراء.
مغامرة الادب والفن تصنع مقاتلا من طراز جديد.
كان خطابه أمام وزراء الداخلية العرب ناريا غير أن أفعاله في الداخل اللبناني وقد صار مسؤولا عنه تؤكد أن الرجل كان مصنوعا من مادة أخرى، غير تلك المادة التي تخيلتها. كنت شخصيا أحلم في أن لا يأخذ الفشل رجلا مهذبا مثل المشنوق إلى الشعور بالندم أما أن يكون فولاذه مسقيا بدعاء اللبنانيين ودموعهم وتطلعاتهم إلى ضرب الارهاب وفضح ذرائعه الطائفية، فهو ما لم أكن أتخيله.
وضعنا المشنوق في مواجهته للإرهاب الداخلي أو الارهاب العابر للحدود أمام صيغة جديدة لعلاقة المسؤول السياسي بوظيفته، وهي علاقة صار علينا أن ننزع عنها طابعا الرمزي. في كل ما فعله، وزير داخلية حقيقيا، مساحة حركته لبنان كله، فلا يسمح لأحد أن يزور ارادة شعبية في الامن، هي أمانته في هذه المرحلة من حياته.
ليت المشنوق يعير يديه لحديديتين للآخرين ليضربوا بها الارهاب.