نقاش مؤجل مع نقيب الصداقة الوطنية رشيد درباس

مقالات 30 مارس 2008 0

رأى النقيب الدائم للصداقة رشيد درباس من طرابلس، انني عمّمت على جمهور رفيق الحريري ما ليس فيه من انتماء دائم الى اللبنانية العدائية المستنفرة للدفاع عن ثأرها، فكتب نصا هو الثاني له، بعد مقال أول ثبّت فيه عباءة عروبته على كتفيه، بإلحاح من الفيلسوف بيدبا.
أترك له المساحة هذه المرة. لأعود لاحقا الى مناقشته في ما كتبتُ وكتب.
نهاد…
عزيزي الاستاذ نهاد،
وجدت في الحلقة الاولى من مقالك (فلسطين دائما… ماذا عن لبنان؟ ( إرهاصات لكتاب او بحث مطوّل يتعدّى مسافة حلقتين، لان الاشكالات المطروحة، لها تداعيات ذات اغوار، خاصة ان عنوانك الذي اخترته يعيد الازمة اللبنانية الى اصولها الاولى.
لا شك عندي انك بوضعك أفكارك ضمن اطار هذا العنوان، رميت الى تسليط الضوء على ان الصراع القائم في لبنان، مرتبط بشكل متين بأزمة المنطقة، وأنه من السذاجة بمكان ان يبحث الباحثون عن حلول من خلال تقريب وجهات نظر الفرقاء على قواسم مشتركة محلية، ذلك ان الصراع راح يتنقل منذ النكبة، وعبر الاجيال الى فرقاء يتوارثونه رغم تغير اشكالهم وأيديولوجياتهم وبياناتهم السياسية والوسائل المستعملة، وتبدل المواقع وتبادل الشعارات، وهذا ما اوصلك الى نتيجة مؤداها ان “التسوية الداخلية مستحيلة التحقيق حتى إشعار اقليمي”.
ايضا لا شك أنك بإجرائك المقارنة بين “المشروع” و”الشرعية” قد تصديت بشجاعة ووضوح لتقول بفصيح اللغة وقويم اللسان ما كان يقال همهمة، وقمت بطريقة نقدية بعرض نقاط قوة المشروع وأسباب ضعفه في آن، وأشرت الى القوى التي تريد دعم بناء دولة غربية الثقافة ولبنانية عدائية في انتمائها…» من هنا شجعتني عندما ناقشتك هاتفيا، وأشرت عليّ ان أخط ملاحظاتي من أجل نشر ما أظنّه صالحا لنقاش يختلف المراقبون فيه اختلافا صحيا، فيستولدون من قول الآخر افكارا جديدة قد تطوره او تعدل فيه او تناقضه من اجل صيغ متطورة.
لقد كتبت سابقا، وأشرت في مقابلاتك الى ان السواعد التي سقطت منها الراية الفلسطينية، لوهن اصابها، وبسبب الخيبات المتفاقمة، ولتجاوز الحكام العرب حاجز “الحرام”، وتجاوز الفلسطينيين حراماً آخر، هو الاقتتال الداخلي، قد سمحت لسواعد جديدة ان تلتقط هذه الراية بعدما اثبتت قوتها وجدارتها، ونجاعتها، بتحرير الشريط الحدودي الذي ظل تحت الهيمنة الاسرائيلية عقودا من الزمن، وبسبب مقدرتها على وضع حد للحرية المطلقة للآلة العسكرية العدوة، خاصة ان هذه السواعد، قد وظفت امكاناتها بعيدا عن العشوائية ونظمّت امورها فيما كان الشكل السابق للصراع مشوبا بالتشتت. هذه المسألة شكلت خلفية تفكيرك وأنت تفحص “المشروع” وتتصفح “الشرعية” لكي توضح للقارئ ان الاحتدام الداخلي مرده بالدرجة الاولى الى محاولة تصدي الحالة العربية الرسمية لامتداد المشروع الايراني الذي توشك صواريخه ان تداهم ثروة الخليج وهدوءه، ويجتاح حلفاؤه معبر رفح فيما ينتظرهم مهدي عاكف ليرحب بهم في القاهرة بالحفاوة التي تليق تحت راية فلسطين، ولكنه لم يفتكَ التنويه الى انه من اسباب ضعف المشروع هو قابلية طرفيه الرئيسيين، ايران وسورية، للتباعد رغم تطابق الاهداف المرحلية، اذا ما سارت تسوية بين سوريا وإسرائيل مسارا منتجاً، لان الاستراتيجية المعلنة لسوريا هي السلام العادل، بخلاف استراتيجية احمدي نجاد القائمة على محو اسرائيل، خاصة ان “المشروع” يرتهن بنجاحه واستمراره للوصلة الجغرافية والسياسية السورية. لقد وجدت في هذا مناسبة لأن اشير الى أمر في غاية الخطورة هو ان الجمهور الاكبر العريق بمعاداته لاميركا وإسرائيل قد جرى دفعه من غير حصافة الى مواقع ليست له منذ العام ,2005 وبدلا من ان تكون المقاومة قضيته، اصبحت هاجسه، وذلك بسبب التوظيف الداخلي المفرط للقوة في المكان الخاطئ، رغم مشروعية المطالبة بالمشاركة في الحكم، ولكن من ضمن قواعد لعبة الطائف التي لم يتسنّ للبنانيين ان يطبقّوها ولو ليوم واحد. من هنا، صرت مؤمنا، انه رغم اختلال ميزان القوى العسكري الداخلي كليا لمصلحة فريق المعارضة، لا سيما “حزب الله”، لأن المشروع غير قابل للتحقيق إذا كان يرمي الى تغيير بنية الدولة وميثاقها، بسبب الاستقطاب الحاد والاستعداد النفسي والشعبي الى فتنة لا ينبثق عنها منتصر.
لقد أوت الطوائف الى انظمتها المرصوصة، لا سيما الطائفتان المحتدّتان، وتنابذت بالشعارات، ودفعت الى الخلف ما يجمعها، واستحضرت ما يفرقها ويدفع لشن الحروب في ما بينها، وغلبت التناقضات الثانوية على التناقضات الرئيسة، وصار اشهار القضية الفلسطينية بوجه الشريك وسيلة لرميه بالخيانة العظمى، في الوقت الذي يتربّص المغتصب الاسرائيلي، لينتقي الوقت المناسب للانقضاض بعد ان يطمئن الى ان النسيج الاجتماعي المتماسك الذي أفشل حرب تموز قد جرى تمزيقه من قبل اهله، بكثير من قلة المسؤولية وعدم الدراية.
من خلال ما ذكرت، اوافقك الرأي، ان “المشروع” ببعديه الخارجي والداخلي، مستحيل التنفيذ لاصطدامه بمعطيات قديمة وجديدة جرت الاشارة اليها، وأنه محكوم بقدر من الواقعية لا بد ان يلتمسها أصحابه الا اذا كان الخراب هو امر مطلوب بحد ذاته.
أما قولك ان الفريق الآخر يرمي الى تثبيت دولة غربية الثقافة ولبنانية عدائية، فلي عليه ملاحظات:
أولا : ان طبيعة التكوين السياسي والاجتماعي لفريق الموالاة تنفر من الرضوخ للتعميم، وذلك بسبب تنوعه وتباعد مناهله، وتباين بناه الثقافية، واختلاف مرجعياته الفكرية، خاصة انك اسبغت عليه مستندا الى شعاراته الراهنة التي تتسم بعصبية المأزق الذي يعيشه فرقاؤه، ويعيشه لبنان، في حين ان هذه الشعارات لا تعبر الا عن غضب ناجم عن فقدان الدولة لمقومات الوجود، والفراغ الذي يستشري ليمتد الى المؤسسات كلها. وعليه فإنني استطيع القول ان قسما لا يستهان به من هذا الجمهور لا يستسيغ في المآل، ان يكون لبنان كيانا عدائيا لانتمائه، وخاصة لعروبته.
ثانيا : ان افتراض ان فريق 14 آذار يحاول ان يلوي عنق الحقيقة الجغرافية والتاريخية، محكوم ايضا بالفشل الأكيد، لأن كل من حاول ان يقفز فوق هوية الارض والانتماء، اصطدمت أحلامه بصلابة الواقع.
ثالثا : ان “ثورة الأرز” ان لم تأخذ بعين الاعتبار، وجود “ملايين” اخرى غير “ملايينها”، تختلف معها بالمشروع السياسي والنظرة الى مستقبل لبنان، وتأبى ان ترضخ لنتائج الصناديق ان لم تكن تناسبها، تقع في خطيئة استنساخ نظام منقول عن ديموقراطيات لم تستقر أوضاعها الا على أكوام الجثث والدمار، ومخلفات الحروب الضاربة.
رابعا : ان قولك ان التسوية الداخلية مستحيلة الى ان يحل الأجل الاقليمي، فيه نوع من التسليم غير المعهود عندك، لأن التشابك بين المحلي والاقليمي والدولي، ذو طبيعة جدلية، بحيث يحدث التأثير المتبادل، خاصة اذا استطاع العامل المحلي ان يقنع العامل الخارجي بعدم جدوى استمرار الصراع في شكله القائم، ويبيّن له مدى الاضرار والاخطار المحدقة بالاطراف كلها.
أما بعد،
لقد ساهمت بهذه الاسطر طواعية بأن يمتد الكلام، وتستدعي الآراء ما يخالفها، ولأقول لك، انني توصلتُ من خلال عرضكَ الى نتيجة مغايرة نوعا ما لما توصلتَ اليه انت، اذ تبين لي ان التسوية الداخلية صارت أمرا ممكنا، بل لا بد منه، وذلك بسبب استحالة انتصار اي من المشروعين المتصارعين، وبسبب ضرورة اللقاء على دولة تستطيع ان تؤلّف بين التنمية والأمن والانتماء.
وتفضل بقبول تقديري ومحبتي