ندوة بعلول- لقاء مع المغتربين: لبنان بلد المعرفة المصدّرة

محاضرات 02 يوليو 2011 0

المنظر من شتورا الى هنا أفضل بكثير من المنظر من بيروت الى شتورا. لا أعرف ما إذا كان الأخ رائد والسيدة أسمى تركوا لي شيئا لأقوله، السيدة أسمى بجولتها على الثورات العربية من جهة والأخ رائد بموقفه من العدالة والمحكمة والتطورات التي طرأت.
من حيث المبدأ الدعوة الى الندوة كانت مقررة قبل حدوث الكثير من التطورات السياسية مؤخرا.
أولاً لا أعرف ما إذا كان تعبير المغتربين صحيح، ولكن على كل حال مع تسمية المغتربين أنا متأكد انهم ولا مرة كانوا غائبين لا عن البلد ولا عن خيرهم الذي يأتي نتيجة جهدهم وعرقهم حيث يعيشون ويعملون وهم جزء كبير، إذا لم أقل الجزء الأكبر من الإستقرار ليس فقط بالإقتصاد اللبناني، والإستقرار بالمجتمع اللبناني بعائلاته وبعلمه وبطبابته وباستقراره وبتضامنه مع بعضه البعض.
أنا عشت ولم أعمل مع الرئيس الحريري، ولا أعتبر ان التعبير الصحيح هو أني عملت لأن طريقة العمل معه تشبه الحياة كلها من وقت أن يستيقظ الشخص الى أن ينام ليلاً، ولكن سمعت منه الكثير عن الإغتراب ورافقته في الكثير من الرحلات الى الدول التي فيها مغتربين لبنانيين.
بين العام 1990 أو العام 1999 قبل إرسالي بعثة سياحية لمدة أربع أو خمس سنوات الى الخارج، على كل حال، أنا أعتقد انه المغترب الأول لذلك يجب أن يكون الحديث عن الإغتراب هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي هو في معاني كثيرة أعطى لاغترابه ولعمله في الخارج والتصاقه حتى وهو مسافر ويعيش في الخارج بعائلته وبمدينته وبأهله وببيئته وبجماعته التي كانت أكثر من صيغة وأكثر من وثيقة، ومن يعرفه ويعرف صيدا حيث وُلد وعاش أول 27 سنة من حياته لأنه قضى 27 سنة أخرى أو أكثر في الإغتراب قبل العودة الى لبنان سنة 1992 لقيادة مسيرة الدولة وأن يعيد لمنصب رئاسة الوزارة عزّه ومجده وقدرته وحقه ايضا. وإن شاء الله الصديق العزيز اللواء الخطيب يتذكر انه هو مرة قال للرئيس الشهيد وجودك في السراي كبّر الكرسي لدرجة انك صعّبتها كثيراً على غيرك.
على كل حال، هذا ما يدعني أقول ان كل مغترب بالمعنى الأخلاقي وبالمعنى الإنساني وبالمعنى الوطني، وكل واحد منكم لا ينقصه شيء لا من الأخلاق ولا من الإنسانية ولا من الوطنية هو رفيق الحريري. أنا أرى في وجه كل مغترب ناجح، وفي كل مغترب صادق، وفي كل مغترب لم يغادر لا بعقله ولا بقلبه وكل همّه إنجاح عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة التي هي قريته وإنجاح بلده هو المغترب الأول الذي أُتيح لي أن أتعلم منه لسنوات ماذا يعني الإغتراب الوطني، وماذا يعني الإلتصاق بالأهل وبالمحيط وبالبيئة وبالقرية أو المدينة الذي هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

إذاً الإغتراب والحمد لله صفة أكثر من إيجابية وهي صفة قادرة على جمع الناس لا أن تفرّقهم، وهي الصفة الأكثر قدرة على حماية مجتمعاتها حتى وهي موجودة في المغتربات.
الإغتراب ليس معنى سياسي فقط بمعنى القدرة على التفاهم في الخارج أكثر من القدرة على التفاهم في لبنان. الإغتراب هو حالة إنسانية وأخلاقية ووطنية التي حين وجودها في الخارج أوحين عودتها الى لبنان أو من خلال اهتمامها بأهلها وببيئتها هي عنصر توافق وعنصر نجاح وعنصر اطمئنان وعنصر أمان، ولكن ليس كل الإغتراب هو بعلول.

على كل حال بعلول منها انطلقت المقاومة، وبالتالي هذا إغتراب العروبة واغتراب المقاومة وهذا نجاح وهذا يؤكد دائماً وأبداً ان البقاع هو بقاع العروبة، بقاع المقاومة وبقاع الوطنية.
لقد ذكرت الأستاذ ناظم رحمه الله، أنا تعلمت منه الكثير ورافقته أيضاً سنوات، تعلمت من صبره أكثر شيء، أنا لا أدّعي أني أملك الصبر. وعلى كل حال هناك الكثير من الصفات في الأستاذ ناظم رحمه الله، ليس الصبر فقط، فإذا لم يأخذ نجله الزميل الأستاذ زياد منه الصبر فإنه أخذ كل الصفات الجيدة فلا مشكلة في ذلك.

لبنان رغم صغره الشائع عنه انه بلد خدمات وسياحة، ونحن نشأنا لفترة طويلة على هذا المفهوم للبنان، وفي الحقيقة مع الوعي والتجربة والسفر ومقابلة الناس والتعرّف عليهم ومناقشتهم، أنا أعتقد ان لبنان ليس بلد سياحة وخدمات، لبنان بلد معرفة، لبنان عنده فائض من المعرفة وهو قادر كل يوم على تصدير المعرفة الى كل أنحاء العالم، وكل جيل يذهب يأتي جيل من بعده يعرف أكثر من الجيل الذي رحل، وكل جيل يعيش في الخارج يعلّم أولاده ويعطيهم معرفة أكثر من التي حملها معه.

إذاً نحن بلد معرفة وبلد قادرة على تصدير هذه المعرفة في كل الميادين، في المحاماة، في الهندسة، في الطبابة، في التجارة، في الخبرة المصرفية، في البورصة، في كل أنواع الأعمال الحديثة التي أعتقد انها في منتصف القرن العشرين أصبح لها مجالات كبرى في العمل بالعالم العربي والعالم الخارجي، وبالتالي أنا ولا مرة كنت خائفاً على لبنان لأنني كنت متأكد دائماً ان كل جيل من المعرفة يهاجر يأتي من بعده جيل يتعلم، ويأتي جيل أذا لم يكن أحسن من الذي هاجر فهو متعلم أكثر من الذي هاجر. هذا بلد كان يُسّميه الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، بلد المليون طالب بدل المليون شهيد في الجزائر، لأنه رغم كل الحرب ورغم كل القسوة ورغم كل الظروف الصعبة التي مررنا بها، كان دائماً الشيء الوحيد المستمر هو العلم، والشيء الوحيد الدائم هو ذهاب الأولاد الى المدارس، والشيء الوحيد الأكيد ان كل الجامعات مفتوحة، وكل الجامعات تستطيع أن تُعلّم وتُخرّج جيل يعرف ومطّلع وخبير، وإذا أُتيحت له فرصة العمل في لبنان فكان به، وإذا لم تُتح فالعالم هو ساحته وملعبه والمكان الذي يستطيع أن ينافس فيه وينجح. الحمدلله كل اللبنانيين الذين هاجروا بشكل أو بآخر نجحوا بنسب مختلفة، ولكن هناك قول آخر شائع أيضا بين الناس بأن الهجرة حرام، وان لبنان يجب أن يحتفظ بأبنائه وبخريجيه وبقدراته، لبنان منذ 250 سنة وحتى الآن، لا يملك عملياً الخير الكافي لكل أهله فهو لا يملك موارد طبيعية ولا إمكانيات ذاتية، وبالتالي جزء كبير من حالته الإقتصادية ومتانته الإقتصادية وقدرته هو الإغتراب اللبناني، أنا سأذكر رقم ربما تعرفونه أو لا تعرفونه، فالمغتربين اللبنانيين سنة 2010 حولوا الى لبنان أكثر من المغتربين السوريين والمصريين والعراقيين مجتمعين، لأن الهجرة قديمة.

الآن وبما أنه تحدثنا عن سوريا ومصر والعراق بالإغتراب سنبدأ بالجار الأقرب بالحديث.
يُقال لا بد من صنعاء ان طال السفر، ويُقال لا بد من دمشق ان طال الكلام وإن قصُر.
هناك جو سياسي شائع يعتقد أصحابه انهم على صواب، وأنا لا أعتقد ذلك بأننا نحن على الحياد مما يحدث في سوريا منذ أكثر من مئة يوم حتى الآن، هذا غير صحيح، أو دعني أقول هذا غير صحي إذا لم يكن غير صحيح، لأن دفاعنا وهذا أمر طبيعي عن الحرية وعن الكرامة وعن العدالة لكل مواطن سوري، مثل دفاعنا عن حق كل مواطن لبناني أو أي مواطن عربي آخر، بهذه الحرية والعدالة والكرامة.

هذه مسائل مبدئية لا تخضع لسياسة اليوميات ولا تخضع للحسابات السياسية سواء الإنتخابية أو الداخلية أو المناطقية، حان الوقت وقد دفعنا كثيراً من الدماء، وقدّمنا الكثير من الشهداء وعملنا وتعبنا، وأنا متأكد بأن الكثير منكم ساهموا بكل حركة سياسية حديثة إعتراضية، هم أو أهلهم أو جارهم أو محيطهم أو بيئتهم، ساهموا في كل ما فعلناه منذ 14 شباط 2005 حتى الآن، لن نضيّع هذه المبادىء أياً كانت المبررات لا في سوريا ولا في مصر ولا في أي بلد عربي آخر، هذه قضية مبدئية وليست قضية إنتخابية أو قضية سياسية، هذه الحرية والعدالة والكرامة التي جعلت حتى الآن على الأقل المعلن من الفي سوري شهداء رجالاً ونساءً و أطفالاً ليست قضية يُطلب منا أن نكون على الحياد ونقف ونتفرج عليها، وكأننا غير معنيين، نحن معنيين بهذا الأمر ليس فقط من أجل نهاية عصر الدكتاتوريات في العالم، بل من أجل مصلحة لبنانية ذاتية، نحن لا نستطيع أن نحقق استقراراً سياسياً واقتصادياً وأمنياً في لبنان دون علاقات سوية طبيعية عاقلة، ولا أقول عادلة، لأن العدل فقط في الجنة، ومن لديه تجربة تقول بأننا استطعنا منذ العام 2000 حتى الآن، ولن أعود الى ما قبل العام 2000 أو الى بداية الدخول السوري، ولا الى كل هذا التاريخ الذي يستوجب وقتاً طويلاً للمناقشة، ولكن كل منا عنده الذاكرة الحاضرة والقادرة والجاهزة لكي يتذكر من عام 2000 حتى اليوم، هل استطاع أحد منكم أن يرى إن بإمكاننا إقامة علاقات سوّية وطبيعية وعاقلة بين البلدين في ظل هذا النظام فليجاوبني أحدكم؟

إذاً هذه مصلحة لبنانية أكيدة وبحتة وضرورية، هذا ليس اعتداءاً على أحد ولا مطالبة للشعب السوري لأنه لا ينتظرنا وهو مُتقدّم علينا بعناوينه وبقدرته وباستشهاده في سبيل حصوله على حقه بالحرية والكرامة والعدالة، ولكن هذا مطلب لبنان نريد من ورائه تحقيق الأمن والإستقرار لبلدنا ولشعبنا في دولة جارة لم نعرف منها في العشر سنوات الأخيرة سوى المرارة، ولن أستعمل كلاماً كبيراً وسأبقى في حدود المرارة، وأنا لست مرتبكاً كي لا أقول أكثر من ذلك، لأني أعرف أني موجود في المنطقة التي صبرت كثيراً على المكروه والتي صبرت على المرارة كثيراً، والتي قاست الكثير، ولكن أنا أريد أن أتحدث هنا عن مصلحتنا كلبنانيين وليس فقط على حق الشعب السوري بأن يُنهي هذه الفترة الظالمة السوداء الدكتناتورية من تاريخه، وأنا أتحدث هنا حتى لا يُنسب أحد كلامي لغيري، أنا أتحدث هنا بصفتي الشخصية وبصفة من أمثّل سواء في الكتلة أو من انتخبني أو من يرى في كلامي منطقاً يُقارب منطقه أو يتفق معه.

لقد قرأت مقابلة للرئيس الأسد سنة 2000 في مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” يتحدث فيها عن انه زار مكتب والده مرتين في حياته، مرة عندما كان في السابعة من عمره لكي يخبره بأنه نجح في المادة الفرنسية، ومرة بعدما توفى مباشرة.
يقول انه في المرة الأولى رأى زجاجة عطر مقفلة وموجودة، وبعد 27 سنة وجدها هي ذاتها مقفلة وموجودة، وبعد عشر سنوات، أريد أن أقول ان هذه الزجاجة إنكسرت وفاحت منها رائحة الحرية، ولن يستطيع أي ظلم ولن تستطيع رائحة الدم مهما غالى وفعل وقتل هذا النظام لن تستطيع أن تُلغي رائحة الحرية من الزجاجة التي إنكسرت، لأن هذه الرائحة إنتشرت في كل المنطقة ولم يعد باستطاعة أحد أن يقفل عليها لا في غرفة ولا في قاعة ولا في مدينة ولا في دولة. ولكن أعود وأقول اني لست في موقع التحريض ليس لأن هذه ليست رغبتي بل لأنهم لا يحتاجون لي ولا يحتاجون لغيري. أنا في موقع المسؤول المعني بالعلاقات اللبنانية-السورية، قدّمنا ما لا يُقدّم في هذا المجال منذ العام 2008 حتى اليوم، تحملنا فوق ما يستطيع أحد أن يتحمل، قال الرئيس سعد الحريري ما لم يُرِد أحد منا أن يقوله قدّم ما لم يُرد أحد منا أن يُقدّمه، فعل ما لم نكن نريده أن يفعل في هذه المسألة فماذا كانت النتيجة؟.

أول نتيجة كانت مذكرات التوقيف، فما هذه المبادلة بالخير؟ وما هذا المنطق بين نظام يعتقد أنه يستطيع أن يُخضع كل اللبنانيين لدورة تأديبية تحت شعار الثأر من الماضي وتحت شعار القدرة على الظلم، وتحت شعار مليء بالأحقاد التي لا تنتهي؟ ماذا كانت النتيجة؟ مذكرات توقيف توتر العلاقات ثم شتائم.. ثم.. ثم.. ثم.. وانتهينا بإسقاط الحكومة.
شهود الزور جزء من الفولكلور ولكن الى ماذا انتهينا؟ انتهينا بإسقاط الحكومة التي لم أكن أنا في لحظة من اللحظات موافق عليها أو مُريداً لها. والزملاء يعرفون هذا الأمر، وخطابي في جلسة الثقة منذ اليوم الأول لهذه الحكومة كان واضحاً، ما بُني على باطل فهو باطل والحكومة السابقة بُنيّت على اتفاق باطل بالقوة العسكرية بعد 7 أيار ولم يكن بالإمكان أن تنتج إلا المزيد من الخلاف والمزيد من الخطأ والمزيد من بطلان القدرة على تحقيق العدالة والكرامة والحرية للبنانيين، ولكن مع ذلك وصلنا الآن الى ما يسمّونه البعض انقلاب، ولبعض تسميات أخرى، أنا أعتقد ان هذه الحكومة هي حكومة الخيانة والأكثرية المسروقة، هذه حكومة الأكثرية المسروقة، وهذا ليس اعتداءُ على أحد ، هذا وصف دقيق للحالة ، هناك نواب من الشوف ومن طرابلس ومن بيروت انتخبوا لن أقول أننا نحن فقط الذين انتخبناهم، ولكن بالتأكيد جمهور رفيق الحريري كان العنصر الرئيس في إنجاحهم وإيصالهم الى الندوة البرلمانية، ماذا قدّمت هذه الأكثرية المسروقة؟ وأنا هنا أتحدث في ما يتعلق بالرئيس ميقاتي ومن معه الوزير الصفدي والوزير احمد كرامي والوزير فيصل كرامي الذي لم نشارك في انتخابه لأن والده كان مرشحا في العام 2009 وسقط في الإنتخابات. وأتحدث عن الشوف وتحديدا الشوف وإقليم الخروب، حيث لا يستطيع أحد أن ينكر بأن جمهور رفيق الحريري ساهم في إنجاح النواب الذين وصلوا الى الندوة البرلمانية عن هذه المناطق فجاؤوا وسرقوا أصواتنا وأخذوها الى مكان آخر، وإذا اعترضنا يقولون اننا نسعى للفتنة ولعدم الإستقرار.

أنا أسأل هل هناك من يريد الإستقرار بدون عدالة وبدون كرامة وبدون حرية؟ وما قيمة هذا الإستقرار؟ نحن لسنا موجودين فقط لكي نأكل ونشرب ونذهب الى العمل، فإذا كان المصريين رفضوا والتوانسة رفضوا والليبيين يرفضون والسوريين يرفضون واليمنيين يرفضون هل نحن نستقبل الإستقرار على حساب حريتنا وكرامتنا وعدالتنا ووطنيتنا؟ كل نحن لن نقبل، أياً كانت حسابات الإستقرار، وأنا أعرف انه ربما بعض الناس سعتقدون ان الإستقرار بدل الفتنة، انا لم أسمع أحد من الزملاء نواب أو قيادات سياسية معنية أو قوى 14 آذار نص واحد يُحرّض على الفتنة أو يُلمّح الى الفتنة أو يتحدث حتى بالمعنى الطائفي، بينما كل يوم صباحاً نستيقظ على مقولة حذار من الفتنة، ومعلوم ان الفتنة تحتاج الى من يوقظها والى من يستعملها وتحتاج الى السلاح، نحن لا نريد إيقاظها ولا التحدث عنها، ولا عندنا سلاح ولن نقبل أن نحمل السلاح في وجه أي لبناني آخر لكي نعبّر عن موقفنا السياسي بالغلبة العسكرية، لأن ما رفضناه لغيرنا وما نرفضه من غيرنا لا نقبله لأنفسنا، نحن دعاة معارضة ومواجهة سياسية، ولكن هذه الحكومة لم تكتفِ فقط بالأكثرية المسروقة بل قررت أن تسرق كرامتنا السياسية، جاءت ببيان وزاري تراجع في نص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن التزام حقق إجماعاً لبنانياً منذ قيام المحكمة حتى الحكومة الأخيرة، كل البيانات الوزارية والبيانات الصادرة عن هيئة الحوار أكدت على التزام لبنان بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتزام اللبنانيين بالنتائج التي ستصدر عن هذه المحكمة.

صدر القرار الظني فأصبحنا نحن من يعرّض الإستقرار ونحرّض على الفتنة فلا حول ولا قوة إلا بالله. نحن نطالب بنص عليه إجماع لبناني دولي نتيجة لقرار من مجلس الأمن يحقق العدالة والحرية والكرامة لكل اللبنانيين، ويمنع المزيد من الإغتيال السياسي الذي عانينا منه منذ العام 1943 حتى العام 2000 حيث هناك 220 شخصية عامة اغتيلت سياسياً منذ العام 43 حتى العام 2005 منهم ثلاثة رؤساء حكومات ومنهم مفتي ومنهم رئيسي جمهورية ونواب ووزراء وإعلاميين وشخصيات عامة، وقد حان الوقت أن يتوقف هذا المسلسل من الدم والإغتيال السياسي. لم نطلب الشيء الكثير وهذا مطلب لكل اللبنانيين، الحرية والعدالة والكرامة والأمن والأمان، هذا حق لكل اللبنانيين وليس فقط لـ14 آذار ومفروض على الآخرين، ودائماً يقولون لا يجوز أن نتحدث عن هذا الموضوع لأن هذا يُعرّض الإستقرار ونحن نتحدث عن فتنة.

نحن لا نتحدث عن فتنة ولا نعمل للفتنة ولا نريد تقويض الإستقرار، ولكننا بالتأكيد نريد أن ندافع عن كرامتنا السياسية بكل الوسائل السلمية المتاحة والمدنية التي يُقرها القانون والتي تعتمد عليكم في كل ما تفعلونه وفي كل ما تنادون به من شعارات صادقة وطنية، لبنانية ولا ينقصها على الإطلاق شيء من العروبة.

نحن ليس لنا أي شيء على خصومنا السياسيين ولا يجوز أن نُفاجأ بهم، ولا يجوز أن ننتظر منهم غير ما فعلوا، هذا موقفهم وهذا رأيهم وهم يتصرفون على أساسه، مادام هذا الأمر تحت القانون وضمن الأصول الديموقراطية المتبعة في النظام اللبناني، هم طبعا تجاوزوا ذلك مرات ومرات ومرات في 7 أيار وبعد 7 أيار مرات ومرات استعملوا السلاح لفرض رأيهم وغلبتهم ، ولكن يُقال من لا يستذكر التاريخ محكوم بإعادته لكن ذاكرتهم ضعيفة، فلو كانت ذاكرتهم قوية كانوا تذكروا ان هنالك لبنانيين آخرين من طوائف أخرى، اعتقدوا في وقت من الأوقات إن بإمكانهم وضع يدهم على البلد وأن يغيّروه وإن بإمكانهم أخذ كل اللبنانيين الى السياسة التي هم يقررونها وينتهي الأمر بدم وشهداء وضحايا وظلم وقهر، ثم نعود الى الوراء ليتبيّن من جديد ان لا أحد في لبنان لا طائفة ولا حزب ولا مجموعة تستطيع أخذ اللبنانيين الى خيار غير خيارهم، خاصة إذا كانت تريد أخذ كل اللبنانيين. إنما إذا كانت أخذت حزبها فقط باستطاعتها ذلك وأن تجلس معه وتنفرد به ولكن لا يمكن أن تأخذه وتجلس مع الآخرين.

هذا الأمر يوصلنا الى الأصدقاء، المرشد الأعلى وليد بك يُحذّرنا من الفتنة ويطالبنا بالإستقرار ويدعونا للحوار، أولاً أنا وحتى أشهر قليلة على صداقة حميمة معه ولسنوات طويلة ولكن أنا هنا أتحدث بالسياسة وليس بالشخصي، لأقول جيد الحوار عنوان عظيم والإستقرار عنوان عظيم وضرورة عدم تعرّض اللبنانيين لفتنة أعظم وأكثر صدقاً وضرورة لكل اللبنانيين، ولكن أنا أسأله هو ماذا فعل من اجل تحقيق ذلك؟ هو ما فعله انه انقلب سياسياً وذهب في اتجاه آخر، مُنكّرا بذلك حتى الذين انتخبوه في سياسته هو ومن معه.

أما الطويل الذي تحدثتم عنه الرئيس ميقاتي فهو يحب طبع الإلتباس وهو يجيد الإلتباس في كل المواضيع بما فيها المواضيع المتعلقة بكرامتنا السياسية هذا الأمر لن نسمح به على الإطلاق، ولن يستطيع لا هو ولا من معه رغم كل ما يحاولون ، هذا البيان الوزاري هو بيان نحن نعتبره اعتداءاً على كرامتنا السياسية وعلى عنواننا الوطني الذي عملنا عليه منذ عام 2005 وحتى اليوم، وهذا البيان الوزاري هو اعتداء على الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قبره، فليس هناك من هو أكبر من وطنه، ولكن أيضاً لا أحد يستطيع أن يطلب منا أن نتخلّى عن كرامتنا السياسية من اجل الإستقرار وأن نتخلى عن حقنا بالحرية والعدالة والكرامة من أجل الإستقرار، فلا الأستاذ وليد يستطيع أن يدعونا الى هذه الدعوة ولو متأخراً بعد انقلابه الأول الذي أسّس للإنقلاب الأخير، ولا الرئيس ميقاتي، ونستطيع أن نقول له إذا استمر في هذا البيان فهو ليس منا ولسنا منه، تحت أي ظرف من الظروف.

أنا من بقاع العروبة ومن بقاع المقاومة ومن بقاع الكرامة الوطنية الحقيقية ومن بقاع ليس الإغتراب بل المقيم والمغترب، أطالب وزراء “حزب الله” بالتنحي وتعليق عضويتهم في هذه الوزارة الى حين جلاء الحقيقة، وأنا هنا استعمل تعبيراً دقيقاً منعا للفتنة ومنعا للاجتهاد، أنا أدعو الى تنحي وزراء “حزب الله” التنحي وليس الإستقالة ، تنحيهم الى حين جلاء الحقيقة، هذا أمر فيه اشتباه.

صحيح التهمة تقع على الأفراد، وصحيح ان القرار الظني يتحدث عن الأفراد، وأنا مثلكم ومثل جميع اللبنانيين بالتأكيد لا أقبل تحت أي ظرف من الظروف ليس فقط توجيه التهمة الى الطائفة او احتمال الكلام عن طائفة، فهذه طائفة لبنانية عربية شهمة وأصيلة في الكيان اللبناني، وهذه الطائفة المسلمة الشيعية هي جزء منا ونحن جزء منها.

أما الحزب فيجب أن يسمح لي هو جسم سياسي وأمني، وأنا أتعامل معه على هذا الأساس، فلا يستطيع الحزب أن يكون ممثلاً في الحكومة وفي نفس الوقت تكون هذه الحكومة هي المؤتمنة على نص قرار مجلس الأمن الدولي الذي يعنينا ويُحقق كرامتنا السياسية، وهو العنوان الرئيسي لحريتنا وعدالتنا ووقف الإغتيال السياسي في لبنان.

أنا لست قاضياً ولا مُحققاً لا أُبرّىء ولا أُدين، أنا أتحدث في السياسة وفي السياسة واجبات، على الحزب الى حين جلاء الحقيقة الخروج من السلطة التنفيذية وترك السلطة التنفيذية العادلة البريئة غير المشتبه بها تأخذ دورها في معالجة القرار الدولي والإستقرار والعدالة والكرامة والحرية لكل اللبنانيين وإلا نكون كمن يُعيّن القاضي والمتهم في نفس المكان المؤتمن والمشتبه به في نفس الموقع، هذا أمر لا يستوي ولا يجوز أن نوافق عليه تحت أي ظرف من الظروف، إذاً سقفنا السياسي هو اننا نريد حكومة تستطيع أن تعالج كل أمورنا، بما يتعلق بالإستقرار والعدالة والكرامة والحرية قادرة وليس فيها أعضاء من الحزب المشتبه في أعضائه الآخرين باغتيال الرئيس الحريري، فهذا حقنا ولا أحد يستطيع أن يمنعنا من المطالبة بحقنا، نحن لا تطالب بالإدانة، ومعلوم ان القاضي عندما يكون له قرابة أو مصلحة أو جيرة يطلب التنحي عن القضية، فإذا أنا شبّهتهم بالقضاة فلا أظلمهم ولا أعتدي عليهم، بل أطلب منهم التشبّه بالقضاة تجاه كل اللبنانيين الى أن تنجلي الحقيقة، ونعرف من هو المُدان ومن هو البريء. وقبل ذلك هذا موضع اشتباه واشتباك، نحن لا نريد مشتبهين في الحكومة ولا نريد أن نشتبك مع أحد. أنا سبق وقلت أني لم أكن مؤيدا لحكومة الوحدة الوطنيةـ الآن سأضيف أكثر من ذلك، وأعتقد ان الزملاء يعرفون رأيي بهذا الموضوع، أنا أيضا لم أكن ولا لحظة أعتقد أو مؤيد لتشكيل حكومة منفردة من قوى 14 آذار، لأني أعتقد ان وضع النزاع والإشتباك وحجم الصراع السياسي في المنطقة لا يُبرر ولا يوجب ولا من المنطقي وجود حكومة تمثّل جهة واحدة تريد أن تحكم في أمر كل اللبنانيين المختلفين على كثير من العناوين.

عندما طرحت حكومة التكنوقراط في أول اسبوع بعد تكليف الرئيس ميقاتي قصدت من هذه الحكومة أن تكون هناك حكومة سكر خفيف كما يُقال بالسياسة، قادرة على الإهتمام بشؤون اللبنانيين بعيداً عن عناوين الإشتباك وتذهب عناوين الإشتباك الى طاولة الحوار، فماذا كان جواب طويل القامة؟ كان جوابه أني أطالبه بانقلاب على الإنقلاب، نعم طبعا، ذلك لأن هناك الكثيرين ممن يعتقدون انه غير مشارك في الإنقلاب، وأنا لست منهم لأني أعتقد منذ اللحظة الأولى انه شريكاً أساسياً. الرئيس ميقاني شريك تأسيسي في الإنقلاب الذي حدث والمستمر حتى الآن، وليس شريكا ظرفياً وانه في آخر دقيقة التحق بركب الإنقلاب أبداً هو شريك أساسي مثله مثل وليد جنبلاط في نفس الرغبة وفي نفس المشاركة، وفي نفس الإندفاع وفي نفس الإرتكاب.

أنا لن أطيل عليكم ولكن أريد أن أقول ان غداً هناك اجتماع لقيادات 14 آذار وان شاء الله ستسمعون كلاماً مطمئناً ومشجعاً أكثر وقادر على تحقيق ما تفكرون به أكثر مما قلته الآن، ولكن كلامي وكلام غيري وكلام الغد وكلام الأمس وكلام بعد غد كله ليس فعالا دون الإستمرار منكم بدعمكم وبتأييدكم وبإخلاصكم لمسيرة وطنية كبرى بدأت ونجحت بجهودكم وبزنودكم ولا يمكن أن تستمر إلا بهذه الجهود وبهذا الصبر وبهذه القدرة وبهذه النسبة العالية من العروبة.

ومن هذا الموقع الذي انطلقت منه المقاومة في العام 82 أقول لكم اننا نعتمد عليكم وعلى أمثالكم في كل لبنان في إنجاح مسيرتكم وفي الوصول الى الدفاع عما حققتموه في السنوات الخمس الأخيرة، وأعتقد انه يجب ترك المجال أكثر للأسئلة والأجوبة وإن شاء الله بما قلته أكون قد عبّرت قدر استطاعتي عما تفكرون به وعما تطمحون اليه.

أسئلة وأجوبة
سئل عن موقف تيار المستقبل؟
ج- أنا غير مخّول بالإجابة، أنا أستطيع أن أجيب ولو تجاوزاً عن كتلة المستقبل ولكن تيار المستقبل له من يمثله وله من يستطيع التعبير عن موقفه، إذا كنت تسأل عن الموقف الفعلي لجمهور رفيق الحريري فهذا الموقف هو الذي عبّرت عنه بأننا لسنا على الحياد لذلك أقول لك هذا ليس بسؤال، نحن لسنا على الحياد وأكرر ذلك للمرة العاشرة.

س- ما هو الفرق بين العناصر وبين الجهاز السياسي؟
ج- أنا قلت أني لا أفصل بين العناصر وبين الجهاز السياسي، ولذلك أنا طالبت بتنحي الوزراء لأن الوزراء يُمثلون الإنتماء السياسي، إنما هذا موقف مؤقت الى حين جلاء الحقيقة، وهذا ليس اتهاما وعلينا عدم تعيين أنفسنا كقضاة وان نتهم وندين ونبريء نحن نعتبر ان هذه المجموعة لها انتماء سياسي، ولكن نحن لا نحاسب الإنـتماء السياسي إلا من خلال تعليق مشاركته في الحكومة التي هي السلطة التنفيذية.
أما عن السؤال عن موقف السعودية فأنا لا أستطيع الإجابة ولكن أعتقد ان السعوديين لديهم عادة التمهل ولو أكثر من اللازم والأطول من قدرتنا على الإحتمال لكي يظهر موقفهم على حقيقته.

س- ماذا عن الحوار؟
ج- نحن لن نعود الى طاولة الحوار على قاعدة البيان الوزاري لهذه الحكومة، وفي حال تعديل البند المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه والجرائم المرتبطة بعملية الإغتيال يمكن أن نذهب الى طاولة الحوار لأن هذه المحكمة، أكرر ذلك للمرة العاشرة هي ليست عنوان حريتنا وكرامتنا والعدالة فقط، بل هي العنوان الرئيسي والأساسي لكرامتنا الوطنية والسياسية.

س- ما هو مصير المحكمة الدولية؟
ج- الأفق السياسي معروف والسيد نصرالله سيتحدث الليلة وستسمعون منه ان المتهمين هؤلاء أبطال ولا يجوز الإقتراب منهم تحت أي ظرف من الظروف، ولكن هذا لن يغيّر شيء في مسار المحكمة، وأتمنى أن لا يغير شيئاً في موقفكم ولا في صلابتكم ولا في تضامنكم.

س- هل سيرضى الرئيس سعد الحريري ليعود ويتفق مع الذين خانوه في انتخابات 2013 بالرغم من ان جمهور تيار المستقبل لا يرضى بذلك؟
ج- الرئيس سعد الحريري ولو كان غائباً فهو موجود في كل واحد منا ، موجود في الزملاء النواب وموجود فيكم وموجود في كل جمهور رفيق الحريري هذا أولاً.
ثانياً: إذا هو قرر التعاون المرة المقبلة مع من خاننا سياسياً فأنا وإياكم سنقف ضده