مَن يربح الرهان على السلام؟

مقالات 16 أبريل 2007 0

لم ينتظر خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز أكثر من أسبوعين ليعيد التأكيد على ما جاء في بيان القمة العربية التي عقدت في الرياض في أواخر الشهر الماضي.
أراد العاهل السعودي أن ينفي الانطباع التقليدي العربي بأن ما تقرر في الرياض بقي حيث هو. لا من يتابع ولا من يراقب ولا من ينفذ. كما كان يحدث في نتائج القمم السابقة. فأوضح في كلامه أول من أمس في مجلس الشورى السعودي جدول أعمال بلاده في السياسة الخارجية العربية.
يمكن القول ببساطة إن العناوين التي تحدث عنها العاهل السعودي، العراقية واللبنانية والفلسطينية أصبحت عناوين للداخل السعودي أكثر مما هي ملفات خارجية. ولن يكون مفاجئاً أن يبدو حديث العاهل السعودي في كل مناسبة أعلى وتيرة وأكثر صراحة وأشد وتراً، من المرة السابقة التي تحدث فيها، حتى يعتاد المستمعون إليه على الصياغة السياسية الجديدة لكلامه بعد 17 عاماً من الركود في السياسة الخارجية السعودية.
في خطاب القمة قدّم الملك عبد الله مفاجأتين لجمهور مستمعيه، الأولى عربية حين حمّل نفسه والحكّام العرب مسؤولية ما آلت إليه أحوال الأمة. الثانية دولية حين سمّى الوجود العسكري الأميركي في العراق بأنه احتلال غير مشروع لأرض عربية.
لم يتخلَّ الإعلام الغربي عن مناقشة هذا الوصف للاحتلال الأميركي منذ قوله حتى الآن. كل المعلقين الغربيين من دون استثناء لم يجدوا في كلام العاهل السعودي غير هذا التعبير للتعليق عليه باعتباره تجرؤاً من صديق للسياسة الأميركية في المنطقة على تضحيات الجيش الأميركي في العراق . إلا أن رد الفعل الرسمي الأميركي انحصر في مكالمة مبرمجة بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس والسفير السعودي الجديد في واشنطن عادل جبير الذي صودف أنه كان في الرياض حين تلقى المكالمة التي يمكن إدراجها تحت بند العتب أكثر مما هي مطالبة بتفسير سياسي.
الأمير سعود الفيصل كان الأبسط في الإيضاح حين قال في برنامج صباح الخير، أميركا التلفزيوني إن مليكه عفوي ومباشر ويقول ما في ذهنه. قال ذلك وهو يبتسم ابتسامة المستغرب للأسئلة الأميركية المتلاحقة حول هذا الموضوع.
لكن الأمير الفيصل وجد أنه يجب استعمال الحد اللازم من الدبلوماسية للإجابة على السؤال الثاني عن سبب اعتذار الملك عبد الله عن العشاء الذي كان سيقام على شرفه في البيت الأبيض في السابع عشر من الشهر الحالي. فنفى المسؤول السعودي أن يكون الملك قد اعتذر عن العشاء، بل إن زيارة رسمية مقررة في هذا التاريخ إلى واشنطن، تأجلت الى موعد يحدد فيما بعد لا أكثر ولا أقل.
***
جاء كلام العاهل السعودي في افتتاح السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى السعودي مكملاً لما بدأه في القمة. عن لبنان دعا الى تغليب صوت الحكمة في حوار موضوعي حول الخلافات اللبنانية. مؤكداً أن المملكة لن تدّخر جهداً في سبيل دعم اقتصاد لبنان وإعادة إعماره على المستويين الثنائي والدولي. مع العلم أن السعودية خصصت حتى الآن مبلغ مليارين وخمسمئة مليون دولار لصالح لبنان. مليار وديعة في المصرف المركزي ومليار في مؤتمر باريس ,3 وخمسمئة مليون مساعدات للإعمار في الجنوب.
إن هذه الإشارة المالية من العاهل السعودي توضح مدى إصراره على متابعة ضخ الحياة في الاقتصاد اللبناني حتى عودته الى صحته.
لم يحدّد آلية سياسية أو مالية لما تحدث عنه. لكنه ترك للتطورات السياسية المرتقبة في دمشق وبيروت خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أن تحدد الحاجة للآلية السعودية.
اليوم يزور نائب وزير الخارجية الروسي بيروت وغداً إلى دمشق للبحث في العلاقات اللبنانية السورية وقانون إنشاء المحكمة الدولية الموجود على طاولة الأمين العام للأمم المتحدة قبل مناقشته بموجب البند 39 من الفصل السابع. وغداً يصل المستشار القانوني للأمين العام نيكولا ميشال الى بيروت للاستماع الى رأي الأطراف اللبنانية اللبنانية وحمل اقتراحاتهم، هذا إذا كان هناك من اقتراحات لدى المعارضة الى رئيسه الذاهب الى دمشق قبل نهاية الشهر الحالي.
هذا في المعلن. أما ما هو ليس معروفاً أن الاتصالات الدبلوماسية اللبنانية والعربية بالدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الدائمين وغير الدائمين قد حققت تقدماً كبيراً تجاوز الحد الأدنى لما هو مطلوب لإقرار قانون المحكمة وهو تسعة أصوات. وعلى الأخص حسم الجدل حول موقف جنوب أفريقيا التي يترأس مندوبها مجلس الأمن هذه الدورة لصالح التصويت.
المصادر الدبلوماسية العربية نفسها أوضحت أن زيارة الأمير سعود الفيصل الى دمشق مؤجلة حتى ورود جواب من الرئيس الأسد للعاهل السعودي حول استعداده لمناقشة ما يمكن تسميته تعديلات اللحظة الأخيرة لقانون إنشاء المحكمة الدولية. باعتبار أن ما سمعه وزير الخارجية السعودي من الجانب السوري حتى الآن لا يبرر تعميق المناقشات السورية السعودية حول هذا الموضوع.
***
في الموضوع العراقي أعاد الملك عبد الله تأكيد موقف بلاده من وحدة العراق المستقل كامل السيادة. وحق الشعب العراقي في تقرير مستقبله بمنأى عن أية تدخلات خارجية.
أهمية الكلام السعودي عن الوحدة العراقية أنه يأتي بعد استقبال الملك عبد الله لمسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان في العراق. ولا شك أن الحديث السعودي وجد آذاناً صاغية عند الزعيم الكردي باعتبار إقليمه المثل الصالح الذي يمكن لأطياف عراقية أخرى أن تستعمله للمطالبة بالأشكال المختلفة من صياغة الدولة العراقية في وجه ما سماه الملك عبد الله من دعوات مستترة للتقسيم والتفتيت .
إلا أن الأوضح في كلام العاهل السعودي هو الحديث عن المشاركة في الثروات بين كل أبناء العراق بمختلف مذاهبهم وأعراقهم وأطيافهم السياسية. مما يعني رفضاً سعودياً علنياً لما طرح عن حصر الثروات النفطية بالأرض التي تضم آبار النفط ودعم المشروع الذي لم يجد سبيلاً الى التصويت عليه بعد في البرلمان العراقي بتوزيع عادل للثروة على كل العراقيين.
الحديث عن الثروات النفطية يجر الى الحديث عن مدينة كركوك والخلافات الحادة بين الحكومة التركية والبرزاني حول هوية هذه المدينة. والذي أدى إلى إعلان رئيس أركان الجيش التركي عن استعداده للتدخل عسكريا لحسم هوية المدينة التي تقطنها الأقلية التركمانية.
لم يعلن أي من الطرفين الكردي والسعودي ما إذا كانا تناولا هذا الموضوع خلال زيارة البرزاني الى السعودية. لكن من الطبيعي أن يكون هذا الموضوع قد وضع على طاولة البحث، وكانت النصيحة السعودية باعتماد الوسائل الدبلوماسية لإيجاد حل مقبول لهوية المدينة بدلاً من الدخول في تصعيد متبادل لا مصلحة للمسلمين في البلدين أي تركيا والعراق بحصوله.
المصادر الدبلوماسية العربية قالت إن الموضوع العراقي كان مدار بحث بين العاهل السعودي والرئيس بشار الأسد في اللقاء الطويل الذي جمع بينهما خلال قمة الرياض. وأن العاهل السعودي أوضح للأسد أنه يرى في التدخل الإيراني في العراق سبباً في مزيد من الاضطراب بدلاً من الاستقرار. وأنه حين يتحدث عن التدخل الخارجي فإنه يقصد الدور الإيراني المخابراتي والاحتلال الأميركي.
وأكمل الملك عبد الله أن هذا النوع من التدخلات يفتح الباب على مصراعيه أمام الفتنة السنية الشيعية في العالم العربي. وهو أمر لا مصلحة للعرب ولا لسوريا بحدوثه. إذ أن انتشار هذه الفتنة لا تحول دونه الحدود بين الدول. بل التصرف السياسي الحكيم والقادر.
وافق الرئيس الأسد على مطالعة العاهل السعودي وأجاب بأنه يحرص في اتصالاته مع العراقيين على الانفتاح على كل القوى السياسية وإن كان لا يرى في رئيس الحكومة العراقية الحالي نوري المالكي عنوانا لتلبية رغبة العراقيين بالتخلص من الاحتلال. وأشاد الرئيس السوري بالسيد مقتدى الصدر الذي يتزعم التيار الشيعي المعارض للاحتلال على أنواعه.
ثم تطرق البحث الى الوعاء السياسي الذي يمكن أن يضم العراقيين بمختلف أطيافهم أو بأغلبهم على الأقل. فاستقر رأي العاهل السعودي والرئيس السوري على أن التجربة الحزبية الوحيدة المنتشرة بين العراقيين جميعا هي التجربة البعثية. وأن تشجيع إحيائها بتوجه سياسي جديد واقتصادي مختلف أيضا سيجعل بإمكان هذه التجربة أن تكون وعاءً سياسياً متنوعاً يخفف من سيطرة الاصطفافات المذهبية الحالية.
تمّ الاتفاق بين الرئيس السوري والعاهل السعودي على أن تقوم سوريا بالاتصال بكل القيادات البعثية المعنية ما عدا التي كانت تعمل مباشرة مع الرئيس الراحل صدام حسين ودعوتها الى دمشق لعقد مؤتمر قيادي يبحث في الشأن العراقي ويعلن توجهه السياسي والاقتصادي. على أن تقوم السعودية بدعم هذا التوجه قبل المؤتمر وبعده.
لن يعقد المؤتمر الحزبي المقترح، قبل المؤتمر العربي والدولي الذي سيجتمع في مطلع الشهر المقبل في شرم الشيخ بعد أن كان مقرراً عقده في اسطنبول.
أعطت الخارجية المصرية اسم إطلاق مبادرة العهد الدولي للعراق على هذا الاجتماع قبل قيام رئيس الوزراء العراقي بزيارته المقررة الى القاهرة. التسمية مأخوذة من وثيقة العهد الدولي وهي خطة خمسية لترميم الاقتصاد العراقي أطلقت في بغداد والأمم المتحدة بدعم من البنك الدولي.
ربما يعوّض هذا الاجتماع السياسي الاقتصادي جزءاً من الدور الذي كانت تحظى به مصر على مدى التاريخ وتركته يقع من يدها في سبيل تنمية داخلية لم يتحقق إلا الجزء اليسير منها. إذ ان العراق وربما لأسباب كردية رفض عقد الاجتماع في اسطنبول فكانت مدينة شرم الشيخ هي الحل حيث ستكون الصورة الأولى لوزيري خارجية أميركا وإيران مجتمعين بعد، أو خلال، طول صراع.
لن يجد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وقتا في مشاغله الانتخابية لمعالجة الاعتراضات العراقية، لكنه بالتأكيد سيفاجأ حين يطلع على تعليق صحيفة الوطن السعودية الذي يتحدث بأن تركيا تفتش عن موطئ قدم في المنطقة بعد تلاشي دورها في مواجهة الشيوعية الغائبة.
وتابع التعليق وبغض النظر عمن يحكم تركيا، فإن الأحلام هي نفسها، لأن الحاكم الفعلي في أنقرة هو الجيش، وما السياسيون إلا واجهة له، وإن تغيرت أو تبدلت اتجاهاتهم السياسية.
فالمعركة ضد الأكراد في هضبة الأناضول لم تتوقف في ظل حكم العلمانيين، ولا هي توقفت في ظل حكم الإسلاميين، كما أن التوجه لدخول الاتحاد الأوروبي امتد على مر الحكام، وما زال حتى اليوم، كما أن العلاقة مع إسرائيل لم تدفع بقادة حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان الذي هو الوريث الشرعي لحزب الرفاه الذي أسسه نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق، الى قطع هذه العلاقة القديمة، والتي عايشت كل العهود التي مرت على تركيا الحديثة.
لا بل إن قادة حزب العدالة والتنمية الذين يمسكون بالسياسة التركية حاليا، يفتحون أذرعتهم لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ويعقدون الصفقات العسكرية والتسلحية مع إسرائيل، ولا يتوانون عن فتح أراضيهم وأجوائهم للقوات الأميركية خلال احتلالها العراق.
إن الحنين الى الشرق والعودة الى عز الإمبراطورية العثمانية، ليس بالتخلي عن الثوابت الإسلامية، فتركيا مقبولة في المنطقة وهي كذلك، اقتصاديا واجتماعيا، وحتى تكون مقبولة سياسيا، عليها أن تكون منسجمة في أفكارها سواء التي انطلقت من مفاهيم إسلامية أو علمانية، وعدم إقصاء أي طرف من المعادلة السياسية، والاعتراف بحق التيارات المختلفة في التعبير، ومواجهة الولايات المتحدة أو الاختلاف معها في الواقع لا في الشعارات.
الشرق الأوسط الجديد الذي نادت به رايس، سقط أولاً في العراق ومن ثم في لبنان، وعلى الأطراف الفاعلة في المنطقة الابتعاد عن المفاهيم الأميركية التي لم تقدم سوى الدمار، ابتداء من أفغانستان، وانتهاء بالعراق .
لا بد من التسجيل هنا غرابة هذا التعليق الذي لا ينسجم مع الخفر الدبلوماسي السعودي السابق ولا مع الزعامة السياسية المستجدة التي سلمت تركيا الدولة ذات الموقع الاستراتيجي والأهمية التاريخية بها للسعودية في العالم الإسلامي.
***
الجزء الثالث والأهم في حديث العاهل السعودي لمجلس الشورى هو القضية المركزية في العالمين الإسلامي والعربي أي الوضع الفلسطيني. أكد العاهل السعودي على أن القضية الفلسطينية ستظل محور جهود المملكة بغية الوصول الى الحل السلمي والشامل والعاجل والدائم وفقا لمبادرة السلام التي أقرت في قمة بيروت وأكدته القمم العربية اللاحقة وخاصة قمة الرياض الأخيرة.
ما الذي يجعل من مبادرة الملك عبد الله في الرياض أكثر قبولاً واهتماماً من مبادرة ولي العهد السعودي في قمة بيروت في العام 2002؟
هناك رأيان حول تطور هذه المبادرة الى عناصر تنفيذية توضع على طاولة المفاوضات. الرأي الأول يقول إن هناك نقطة ما يتلاقى فيها الرباعي العربي أي السعودية ومصر والأردن والإمارات العربية مع واشنطن وإسرائيل، وهو ضرورة إحداث تقدم في عملية السلام في الداخل الفلسطيني تشريعاً للدور السعودي من جهة وحماية للانتشار العسكري الأميركي في الخليج المواجه لإيران. وأنه دون هذا التقدم لا يمكن للدول العربية السكوت عن أي اضطرابات يحدثها هذا الوجود الأميركي العسكري.
ويعطي أصحاب هذا الرأي دليلاً تجده في وصف الملك عبد الله للاحتلال العسكري الأميركي للعراق والذي جعل لكلمته أمام الزعماء العرب والمسلمين في الرياض وقعا شعبيا عربيا كبيرا لا يمكن تجاهله.
الدليل الثاني أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رحّبوا بهذه المبادرة وأعلنوا عن استعدادهم للتعاون مع الوزراء الفلسطينيين من غير حماس.
الدليل الثالث هو أن حركة حماس نفسها عبّرت عن رضاها عن المبادرة مرتين. الأولى على لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الذي قال إن حركته توافق على ما يجمع عليه العرب. والثانية أن تصويت الرئيس الفلسطيني محمود عباس على المبادرة تمّ بحضور رئيس وزرائه اسماعيل هنية.
يمكن أخذ الموافقة على الإجماع والسكوت عن التصويت باعتبارهما اعترافا غير مباشر بإسرائيل، إذا ما أردت التفاوض. واعتبارهما غير كافيين إذا ما أردت تجاهلهما.
ردود الفعل الإسرائيلية العلنية الهادئة تجاه المبادرة والهاربة منها أثارت غلاة الاعتدال العربي.
الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مركز الدراسات السياسية في الأهرام وصف رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه مهزلة فهو لا يهتم لتسويق المسار السلمي ولا يريد تجربة الرأي الآخر.
المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي قال ل “نيويورك تايمز” : الإسرائيليون يريدون ربح اللوتو دون شراء تذكرة. اللوتو هو تطبيع العلاقات مع السعودية أما التذكرة فهي الوصول الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين.
رد الفعل الوحيد الواضح هو ما قاله الجنرال أموس يالدين رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ل “واشنطن بوست”: لقد أصبحت الكرة في الملعب الإسرائيلي وهناك حاجة للاستجابة .
كل هذه الدلائل والآراء تفسح في المجال أمام تقدم المبادرة السلمية. حتى الحديث عن ضعف رئيس الحكومة الإسرائيلية يرد عليه أصحاب هذا الرأي بأن عنصر الضعف هو الأساس الذي يمكن الاستفادة منه لتحقيق التقدم في المفاوضات.
أصحاب الرأي الثاني وهم خبراء في الشؤون الأميركية والإسرائيلية يقولون ويستشهدون بتعرض السعودية للهجوم من الصحف الأميركية بالعودة الى القول إنها ليست دولة معتدلة كما تعتقد إدارة بوش. يستشهدون بالهجوم ليقولوا إن الإدارة الأميركية عاجزة والإدارة الإسرائيلية أضعف من القدرة على احتواء الهجوم السلمي العربي. لذلك لا أمل مع الإدارة الحالية في واشنطن من الوصول الى بداية التفاوض على الحل النهائي. ويكملون نحو ما نقل عن مصادر إدارة بوش أن الرئيس ومستشاريه لم يرتاحوا للتفسيرات التي حملها إليهم الأمير بند بن سلطان عن تأجيل زيارة مليكه. خصوصاً بعد ظهور القواسم المشتركة السعودية مع إيران ومع حماس بدلاً من مواجهتهما حسب تقسيمات رايس للمتطرفين والمعتدلين في الشرق الأوسط.
دنيس روس مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهدي بوش الأب وكلينتون كتب مقالاً صوفياً عن الإدارة الأميركية بعنوان الطرق والأساليب قال فيه إن الإدارة السياسية الأميركية تفتقد الى حسن التقدير. لأن الإدارة يجب أن تحاط بتقديرات ترتكز على الوقائع. يجب أن يروا العالم كما هو وصياغة أهداف وأساليب لنا ولحلفائنا. هذا ليس دعوة لتخلي الحكومة عن أهدافها الطموحة ولكنها دعوة لرؤية الأشياء واضحة وتسويق الأهداف بطريقة مقنعة للآخر.
عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقول روس إن التقدير المرتبك للإدارة الأميركية يعيق قدرتها على صياغة سياسات ناجحة.
إن رغبة رايس جدية في تحقيق تقدم بعد 6 سنوات من تجنّب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن هذه الرغبة لم تكن مصحوبة بفهم صحيح لطبيعة الوضع القائم. هذا الفهم هو نقطة الانطلاق الضرورية لصياغة أهداف وتطوير سبل وتسويق الأهداف بشكل تتقبلها الأطراف المتصارعة. دبلوماسي أوروبي معجب ومراقب لحركة رايس في الشرق الأوسط قال إن كوندي تراقص جثة تقفز من مكانها في الاتجاه المعاكس كلما حاولت أن تحركها .
مَن سيربح الرهان؟
حتى الآن الملك عبد الله، مجلة “نيوزويك” وصفته في الأسبوع الماضي بأنه ثعلب الصحراء السعودية، الحقيقة هي أنه يملك صبر الجمل ووثبة الحصان وهو في الثمانينيات من عمره على حد قول المجلة نفسها.
في الوقت الذي يكون فيه المستقبل مظلماً في منطقة الشرق الأوسط، سيجد مقاتلو الصحراء القدامى منفذاً نحو السلام. على الأقل سيكون الملك عبد الله هناك ينظر حوله ويقود من حوله .