من يشجّع على الفراغ الرئاسي في لبنان؟

مقالات 23 يوليو 2007 0

بدأت حفلات الوداع للسفيرين الفرنسي والمصري في بيروت بانتظار أن يحين وقت مغادرة السفير الاميركي قريباً.
يحمل كل واحد منهم روايات لا تنتهي عن الايام التي أمضاها في لبنان. والأحداث التي عاصرها. بحيث يتحول كل منهم الى راوية، لا ينتهي ما يعرفه وما يرويه ولا تقل حماسة المصغي مهما أطال رواياته.
امر واحد يجمع عليه السفراء العرب والاجانب في بيروت، من يغادر منهم ومن بقي، وهو اهتمام اللبنانيين غير العادي والمبالغ به احياناً في تكريم السفراء خلال إقامتهم في لبنان. اذ ان هذا تقليد يعود الى عهد ما قبل الاستقلال حين كان القناصل ثم المندوب السامي هم الذين يقررون سياسة البلد وأهله.
لا بد من الاعتراف أن هذه السياسة اختفت الى حين مجيء المندوب السوري المقرر في السياسة اللبنانية في ال25 عاماً السابقة لاغتيال الرئيس الحريري في العام 2005 .لكن يبدو هذه الايام أننا نشهد تقليداً فرنسياً أميركياً مشابهاً للغابر من الايام، بعد طول اختفاء تحت الاطار الدبلوماسي التقليدي الذي يلعبه السفير عادة.
السفير الفرنسي برنارد ايمييه، القادم من المدرسة الوطنية للإدارة كما هو حال أقرانه في الإدارة الفرنسية، اختار حفل الوداع الذي اقامه له وليد جنبلاط في المختارة، منبراً ليعلن ما عنده من آراء واقتراحات وتأييد لسياسة ورفض لأخرى وتطمين للبنانيين ان السفير الذي يحل محله، قادم من ادارة الرئيس السابق جاك شيراك الصديق لقوى الرابع عشر من آذار دون غيرها من اللبنانيين، ولن يأتي إلا بعد رحيل اميل لحود عن القصر.
لم يكن هذا الموقف بجديد على من تعوّد الاستماع للسفير الفرنسي في الجلسات المغلقة، لكن الجو الشعبي الاحتفالي الذي أحيط به السفير ايمييه في المختارة أخذه الى حيث لا يجوز لسفير دولة كبرى ان يذهب. فإذا به يقترب من تاريخ حجارة دار المختارة وروايات القناصل ليسترجع التاريخ الفرنسي في السياسة اللبنانية.
غداً يكرّم السفير ايمييه في قريطم، وهي المرة الاولى التي يكرّم فيها احد منذ اغتيال سيّد الدار، ولن يكون كلامه هناك، كما سعد الحريري، أقل صراحة من المختارة.
بينما لم يحمل السفير المصري حسين ضرار معه وهو يغادر بعد تمديد لمدة سنة لمهامه في بيروت، ذكريات الدور لبلاده في لبنان. بعد ان قررت القيادة السياسية لبلاده التقليل الى الحد الادنى من الادوار الخارجية العربية والالتفات الى الداخل علّ وعسى يتحقق في الداخل تقدم يبرر الغياب عن الخارج العربي مهما بلغت الازمات العربية من حدة. لكن السفير ضرار الذاهب الى القطاع الخاص لبلوغه الستين من العمر وهو سن التقاعد في الخارجية المصرية، يحمل معه الكثير من الروايات عن متاعب اللبنانيين وتقلب آرائهم وأدوارهم بحيث تعرف اين يبدأ الحديث معهم ولا تعرف اين ينتهي.
لا شك في أن السفير ضرار استطاع ان يؤسس لشبكة واسعة من العلاقات السياسية والشخصية، لكنه لم يسمح لسياسي لبناني أن يأخذه الى حيث لا يريد هو الذهاب. ولو اضطره الامر الى التخلي عن اللغة الدبلوماسية واستعمال اللغة المباشرة الصريحة في كلامه. وهو ما اشتهر به على كل حال.
***
لم تبدأ بعد حفلات وداع السفير الاميركي جيفري فيلتمان رغم انه سيغادر قبل نهاية السنة الحالية الى منصب متقدم في الخارجية الاميركية. فيلتمان الذي عمل في مناطق النزاع الحارة العربية قبل وصوله الى لبنان اي في اربيل عاصمة المنطقة الكردية في العراق، حيث تطوّع للعمل في مكتب تحالف السلطة المؤقتة، بعد ان عمل قنصلاً لبلاده في القدس المحتلة منتقلاً من تل ابيب حيث كان مساعداً للسفير مارتن انديك للشؤون الاقتصادية في قطاع غزة واخيراً سفيراً في لبنان منذ ثلاث سنوات.
يقول فيلتمان في حديث الى مجلة متخرجي جامعة Ball State التي درس فيها، انه كان يعيش في لندن حين أنهى دراسته الثانوية. مما سهل عليه التفكير في الفرص المتاحة للعمل عبر البحار على الطريقة الاميركية. وجد فيلتمان تشجيعاً من أساتذته لدراسة جامعية متخصصة في العلاقات الدولية لأميركا.
يعتقد فيلتمان في الحديث نفسه أن الارتباط بين دراسته الثانوية والجامعية جعله أكثر قدرة على تمثيل السياسة الاميركية في الخارج، وأصبح متخصصاً في نقل وجهات النظر المتفقة او المختلفة بين صنّاع السياسة الخارجية في واشنطن ومقرري السياسة في البلد الذي يعمل فيه.
اذاً فيلتمان الذي عمل في العراق وفلسطين المحتلة ولبنان يستطيع ان يقول ان وجوده في لبنان جعله على مقربة من الانباء العراقية والفلسطينية، وان يتأثر بها وان يتصرف على اساسها.
بالفعل هذا ما فعله منذ اسابيع حتى الآن. إذ انه أمطر اللبنانيين مؤخراً بسلسلة من النصائح والتحذيرات والمواقف، ما يفسر مدى تأثره بأحداث العراق وانقلاب حماس الفلسطينية في قطاع غزة، فبعد حديث مطول مع الزميل مارسيل غانم على L.B.C. في ذكرى العيد الوطني لبلاده، أدلى فيلتمان بحديث على موقع ليبنانون فايلز الالكتروني، اظهر فيه موقفين مخالفين علناً على الأقل لسنوات عمله السابقة في بيروت.
الاول اعادة الصورة الإرهابية الدولية لحزب الله بعد اعتقال خلية له في العراق قال إنها كانت تدرب إرهابيين لمهاجمة السنة وقوات التحالف. وهي التهمة الاولى للحزب منذ العام 83 الذي تفرغ فيه الحزب كلياً لقتال الإسرائيليين في جنوب لبنان. لكن هذا الموقف لم يمنع فيلتمان من الاعتراف بالحجم السياسي المتقدم للحزب في الحياة السياسية اللبنانية.
الموقف الثاني هو دعم انتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية النصف زائد واحد من النواب. ولو أخذ هذا الموقف صفة اقتراح من ناخب لبناني لنوابه الذين يمثلونه في المجلس. باعتبار أن انتخاب أكثرية النواب افضل من الفراغ فدستور لبنان لم يشرع لمكافأة محبذي الفراغ على حد قوله.
ما الذي جعل السفير فيلتمان يقطع الطريق على الهدنة السياسية التي اعلنها التكتل الطرابلسي الذي يتزعمه الوزير محمد الصفدي، حين تبنى علنا اكثرية الثلثين لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في موقف لافت غيّر من صورة قوى الرابع عشر من آذار، المهددة بانتخاب رئيس على قاعدة الأكثرية المنضوية تحت لوائها؟
لا شك في أن الإدارة السياسية الاميركية تحسست من الحركة الدبلوماسية الفرنسية المنفتحة على ايران وسوريا والسعودية والقوى السياسية اللبنانية التي اجتمعت في ضاحية سان كلو القريبة من باريس، بمن في ذلك ممثلو حزب الله .
تأتي هذه الحساسية اولا مما سماه احد كبار المسؤولين اللبنانيين بخفة وزير الخارجية الفرنسي الجديد برنار كوشنير الذي اندفع نحو الساحة اللبنانية على قاعدة أن ما يراه امامه هو الواقع، ولا ضرورة لتغييره. فبدا وكأنه يعطي أطراف المعارضة ما لا تريده الادارة الاميركية ولا حلفاؤها في الاكثرية طبعاً، فلم يجد السفير فيلتمان من وسيلة امامه غير تعطيل المضمون السياسي للحوار اللبناني برعاية فرنسا، بإعلان الإرهاب الدولي ل حزب الله وتشجيع الانتخابات الرئاسية على قاعدة الاكثرية.
بداية، هذا يعني ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى بيروت هذا الاسبوع، بعد ان يسبقه مبعوثه السفير جان كلود كوسران، لن تؤدي الى نتيجة وما يحكى عن لقاء من الصف الاول او الثاني لممثلي القوى السياسية اللبنانية، لو عقد، لن يخرج بأفضل مما خرج به اجتماع الضاحية الباريسية. اذ ان البحث عن دور لفرنسا في المسألة اللبنانية يغلب على معرفة المواقف الفعلية للاطراف المعنية، فالسفير كوسران استمع الى تشجيع من المسؤولين السعوديين على تسوية تمر من باب توسيع الحكومة الى الانتخابات الرئاسية بالتوافق بين اللبنانيين. وهو ما عمل الامين العام للجامعة العربية على إنضاجه في الشهر الماضي ولم ينجح بسبب موقف المعارضة.
أما في طهران فقد سمع كوسران ما يطمئن الى ضرورة صيانة الهدنة السياسية اللبنانية بتوسيع الحكومة. الى ان يحين وقت التسوية التي تعبّر عنها انتخابات رئاسة الجمهورية وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
ظهر ذلك في الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني احمدي نجاد الى دمشق في الاسبوع الماضي وإعلانه عن أهمية الهدوء الحاضن للمقاومة اللبنانية بعد لقائه امين عام حزب الله .
الجديد فيما نقله كوسران عن المسؤولين الايرانيين قولهم إن الطائفة الشيعية في لبنان لا تتمتع بحقوقها السياسية التي يعطيها إياها تعدادها وانتشارها الجغرافي. وإن الحل يكون اولاً في اعتماد المثالثة السنية الشيعية المسيحية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية مما يعطيها حق النقض على كل القرارات التي لا تناسبها.
عبّر عن ذلك حسين شريعتمداري مندوب المرشد الأعلى الايراني في مؤسسة كيهان الصحافية. كتب شريعتمداري مقالاً جاء فيه:
في ظل النظام الاستراتيجي الذي برز في الشرق الاوسط، صار واجباً ان يكون للشيعة في لبنان، أكبر حصة في المؤسسات الحكومية والرسمية. وعلينا أن نرى ونتابع كيف تتطور الامور. إن لبنان بواجه تطورات لا تستطيع الحكومة الراهنة ان تعالجها. لهذا، من الضرورة تغيير المؤسسات فيها، وأول ما يجب تغييره هو اتفاق الطائف . ويضيف شريعتمداري: إن الشيعة يمثلون اليوم 40 في المئة من السكان اللبنانيين ويشغلون 40 في المئة من الارض اللبنانية وهم المجموعة الاكثر وحدة وتوحداً فيه، وصارت قوتهم العسكرية الأقوى في تلك المنطقة من العالم العربي. لذلك يجب ان يكون لهم التمثيل الاكبر والاوسع في الحكومة وفي البرلمان في كافة المؤسسات اللبنانية .
المعلومات الواردة في المقال والتوصيفات المعطاة لقواعد التغيير تأتي على طريقة من يقف في مكانه، ويقول هنا نصف الدنيا ومن لم يعجبه فليبدأ بالقياس. مع العلم أن الحاج غالب ابو زينب عضو المجلس السياسي ل حزب الله ، استهجن واستنكر في الاسبوع الماضي الدعوة القادمة من الخارج الى المثالثة الطائفية اللبنانية وقال إن المعادلة المطروحة تغيّر في لبنان حتى اسمه. مما يجعله وقيادة الحزب يستنكرونه.
***
في العاصمة السورية لم يسمع كوسران جديداً إلا ما اعلنه المندوب السوري في الامم المتحدة في الاسبوع الماضي عن تجميد ترسيم الحدود اللبنانية السورية حتى تحرير مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
أعاد المندوب السوري في نيويورك الامور الى نصابها القديم في العلاقات بين البلدين. أي أن السياسة الخارجية المتعلقة بالنزاع العربي الاسرائيلي بين لبنان وسوريا مرتبطة جغرافياً بعد فض الحكومة اللبنانية للارتباط السياسي بين الأراضي اللبنانية المحتلة ومثيلتها السورية. وهذا مخالف لما وعد به وزير الخارجية السوري وليد المعلّم في زيارته الشهيرة والاخيرة الى بيروت في السابع من آب في العام الماضي. حين كان العدوان الإسرائيلي يواجه بأقصى درجات المقاومة اللبنانية. أبلغ الوزير المعلّم حينها الرئيس السنيورة أن حكومته توافق على وضع مزارع شبعا تحت الادارة الدولية للامم المتحدة حتى ترسيم الحدود بين البلدين بعد تحرير الجولان.
ليس جديداً على القيادة السورية الدوران في اتخاذ المقررات طالما ان الامر يتعلق بلبنان حيث ميزان القوى هو الذي يقرر ما ينفذ وما لا ينفذ من الوعود.. ولكن هل تغيّر ميزان القوى الى حد يسمح بتجاهل القيادة السورية لرغبات محلية ودولية في آن؟
إن إعادة النظر في الخريطة الدولية والعربية للبنان في الوقت الحالي توضح أن فرنسا مدعومة من الاتحاد الاوروبي والسعودية قائدة الرباعي العربي من مصر والاردن والامارات العربية، تريدان تسوية للوضع اللبناني بحكومة موسعة وبانتخابات رئاسية، لذلك بدا التفهم السعودي لموقف تكتل الوزير محمد الصفدي من نصاب جلسة الانتخاب الرئاسية، بدا سريعاً وداعياً إلى عدم التعرض السياسي لقوى الرابع عشر من آذار للوزير الطرابلسي. بل بالعكس دعا المسؤولون السعوديون لاحتضان تكتله وإعطائه الاهتمام المناسب السياسي لحضوره وتكتله.
إلا أن القيادة السورية لا ترى إمكانية لتحقيق توافق رئاسي الآن وتريد تأجيل هذا الاستحقاق حتى يتم تعديل لميزان القوى يسمح بالتوافق، على أن يتم خلال هذا الوقت توسيع الحكومة بما يضمن للمعارضة حصة تعطيل أي قرار لا يناسبها، وإلا… إلا هنا تعني مزيداً من الضغوط الأمنية التي تتخذ في كل مرة شكلاً مختلفاً. هنا يلتقي السوري مع الأميركي في توفير أسباب الاشتباك وضرورات اشتعاله.
تعرف القيادة الايرانية هذه الوقائع. لذلك فهي تشاور السعودية رغم معرفتها بأن هنالك في الرياض من يندفع نحو قرار بالمواجهة، لولا الحاجز الملكي الداعي إلى الصبر. وتحادث الفرنسيين وعبرهم الأوروبيين على قاعدة تأجيل التسوية الرئاسية وتسريع الهدنة الحكومية . ثم يذهب الرئيس الايراني إلى دمشق ليحتوي قرارات المواجهة المتسرعة.
***
هذا في الخارج، ماذا عن الداخل اللبناني؟
لا يبدو على الرئيس السنيورة المتنقّل بين مقاعد السرايا الكبيرة ليرتاح من الجلوس على الكرسي نفسه في النهار والليل. لا يبدو على السنيورة أنه قلق من تغيّر في ميزان القوى في الداخل اللبناني لفرض الهدنة الحكومية الدائمة بدلاً من التسوية الرئاسية التي يدعو للعمل عليها.
لا يعترض الرئيس السنيورة على اقتراح نصاب الثلثين من النواب للانتخابات الرئاسية، الذي ورد على لسان الوزير الصفدي. بل يعتبره تصوراً طبيعياً لشكل جلسة انتخاب الرئيس العتيد. لكنه لا يرى توقيت الطرح مناسباً، اذ ان الوزير الطرابلسي سلّم المعارضة ورقة تفاوضية في غير موعدها. وكان يمكن الاستفادة منها في المفاوضات لولا استعجال التكتل الطرابلسي. مع ان مصادر دبلوماسية عربية ترى في إقرار الصفدي سبباً لوقف الاغتيالات النيابية اذ لم يعد هناك من مبرر لأكثرية تحقق الانتخابات، بل صار التوافق بين المعارضة والأكثرية هو العنوان الوحيد للوصول الى جلسة الانتخابات الرئاسية.
يتذكر الرئيس السنيورة أنه أكد للرئيس الفرنسي ولرئيس الوزراء الايطالي وللمسؤولين في الفاتيكان، موقفه الداعي الى عدم تعديل الدستور تحت أي ظرف من الظروف مما ينفي الكلام الذي أشيع عن رغبته برئاسة انتقالية لمدة سنتين والتي تستوجب اولاً تعديل الدستور. البند الثاني في موقفه ينص على دعم البطريرك صفير في خياراته العامة وخاصة في الوضع المسيحي. البند الثالث هو حث الفرنسيين على العمل في العواصم الأوروبية وفي واشنطن على عدم اعتبار حزب الله منظمة إرهابية والانفتاح على الحوار مع دمشق.
كذلك الأمر مع وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس التي شجعها على الحوار مع دمشق وطهران وتجنب وصم حزب الله بالإرهاب لما يسبب ذلك من مشاكل داخلية في لبنان، خاصة وان المقاومين من الحزب استطاعوا في الحد الأدنى منع اسرائيل من تحقيق أي انتصار على الأراضي اللبنانية، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير لمنظمة أهلية.
لكن هذه الوقائع لا تعني لدى الرئيس السنيورة أنه بالإمكان توسيع الحكومة في الشهرين المتبقيين لبدء الدورة الانتخابية الرئاسية او في الأشهر الأربعة حتى نهاية الدورة الانتخابية. فهو يعتبر ان العمل في هذا الاتجاه يسهّل تعطيل المسعى نحو التوافق الرئاسي. ويشجع على تجاهله طالما أن النصاب السياسي مكتمل داخل الحكومة. وهذا ما لا يريد السنيورة الانفتاح عليه. بل يعتبر أن هذه الأشهر كفيلة بإيجاد متغيرات سياسية تؤدي الى توافق رئاسي، في الخارج أولاً ثم في الداخل ثانيا.
يستمع سعد الحريري زعيم تيار المستقبل، أكثر مما يتكلم. فهو العائد من السعودية بعد غياب طويل لا يستغرب كلام الوزير الصفدي. بل يصغي باهتمام الى طرح الهدنة الحكومية المواجهة للفراغ الرئاسي المحتمل.
الاطمئنان الصامت يغطي محياه ولا يبدو القلق شريكاً في قراراته. إذ انه لا يريد استعجال أمر ما. بل لمن يعرف أطباعه، لن يذهب الى الهدنة الحكومية إلا في اللحظة الأخيرة.
يعرف الحريري ان إقرار الصفدي أنقذه من الإحراج الذي يشعر به تجاه حلفائه الموارنة المرشحين جميعاً للرئاسة. فالتوافق مع المعارضة يعني قبولها بالمرشح الرئاسي مما يفسح في المجال أمام التفاوض دون تعريض تحالف قوى الرابع عشر من آذار الى هزة رئاسية. لذا ما دام الرصيد متماسكاً في هذا التحالف فلمَ الإسراع في استعمال الحساب الآخر أي الحكومة الآن؟
لا يبدو على الحريري أن ما سمعه في الخارج يشجعه على الإسراع، بل إن ما سمعه يملأه استقراراً واطمئناناً، ولو ان الصفتين لم تصلا الى جمهور الرابع عشر من آذار.
حمل وليد بك معه الهدوء من جدة حيث قابل العاهل السعودي وسهر مع الامراء المعنيين بالملف اللبناني. بدا على جنبلاط هذه المرة ان لتاريخ والده مكاناً في الديوانية الملكية. مما جعل لاستقلاليته مقعداً دائماً في العلاقات السعودية اللبنانية. لذلك بدا إيجابياً وجدياً في مناقشة الوضع الحكومي المواجه لاحتمال فراغ رئاسي، وأكثر قبولاً لفكرة التوسيع، تحسباً لتطورات سياسية وأمنية ليست في الحسبان.
لا يستعجل وليد بك القرار، ويؤكد التشاور مع حلفائه، لكنه لا يظهر حماساً لفكرة المواجهة التي أعلن عنها السفير الأميركي.
يقول إن الانتخابات الرئاسية بالأكثرية نكتة لا يريد أحد ان يضحك بسببها. إن ما قاله الصفدي طبيعي ومفهوم. أما التوقيت فهو صار خلفنا الآن ولا داعي لتذكّره. المهم الاحاطة بالتكتل الطرابلسي وصيانة استمراره في التحالف مع قوى الرابع عشر من آذار . وبادر للخوض في حوار مع التكتل عبر احد نوابه.
العماد ميشال عون يخوض معركة الانتخابات الفرعية في المتن على قاعدة إنها المدخل لحسم تمثيله الشامل للمسيحيين فإذا ربح مرشحه كان له درع التثبيت الذي يجعل من تمثيل غيره للموارنة نبأ قديماً. وإذا خسر بقي ما لديه عنده. لذلك فهو يوجه مدفعيته السياسية نحو الرئيس السنيورة ويفتح باب التواصل مع سعد الحريري.
المعادلة صارت واضحة: إما توسيع حكومي تعتبره المعارضة معبرا الزاميا نحو التوافق الرئاسي وإما إبقاء الوضع على ما هو عليه بانتظار متغيرات سياسية اقليمية تفتح الباب أمام التوافق الرئاسي في اللحظة الاخيرة أو تطيير الاستحقاق الرئاسي دون هدنة حكومية، فيأتي المجهول الى البلد بدلا من ان نذهب نحن إليه.