من يريد نبش المخاوف ودفن طمأنينة اللبنانيين؟

مقالات 08 ديسمبر 2005 0

رحم الله عظام “مقابر” عنجر أطفالاً ورجالاً ونساءً.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين في هذا الجانب.
رحم الله عظام مقابر لبنانيين آخرين في الجانب الآخر.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين من العدو الاسرائيلي.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين من “العدو” الفلسطيني اللبناني المشترك.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين بين دمشق وبيروت.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين بين مسجدهم وكنيستهم وكلاهما خال من المؤمنين.
رحم الله عظام مقابر اللبنانيين من إعلامهم الذي اكتفى من انتشاره العربي والعالمي فبات يبحث في المقابر عن مستقبل جيله الشاب.
رحم الله عظام مقابر كل الجنسيات التي يمكن أن تكتشف تحت أرض النظام اللبناني الجديد.
لا يمكن إلا أن تحترم مقدراً حرقة قلب الأم، الشقيقة، الأخ، الأب، في إيجاد من فقدوه منذ عشرات السنوات والاشهر.
لا يمكن إلا أن يحترق قلبك معهم على ما تفقده وإياهم من قدرة سياسية وإنسانية على تحمل الاستغلال الفظيع والمجرم للمقابر في العمل السياسي على كل المستويات.
هل هناك في التاريخ والجغرافيا والعلوم الإنسانية والمبادئ الطبيعية من قرأ أو سمع أو رأى استغلالاً فرحاً للمقابر في انتظام العمل السياسي بعد خمس عشرة سنة من انتهاء الحرب الاهلية. أم أن انتخاباتنا أخرجت من المقابر من يمثل اللبنانيين في مجالس نوابهم ووزرائهم وحتى بلدياتهم الصغيرة؟
تعوّدنا أن لا تحترم هذه المجالس بأكثريتها وأقليتها الاحياء. لكننا نتعلم الآن أن هناك بين من أعطيناهم حق تمثيلنا لا يعرفون رهبة الموت ولا قدسية العظام، بل يبحثون عن مقابر للسياسة.
هل أن عروبة لبنان، اتفاق الطائف، العلاقة السورية اللبنانية، علاقات اللبنانيين ببعضهم البعض تحتاج إلى نبش المقابر لاستخراج رفات المظلومين، المقهورين، التائبين الى شهادتهم حيث هم وكيفما توزعوا ديناً وجنساً وجنسية؟
أم أن هذه هي الوسيلة الباقية للمسعورين سياسياً على صورتهم تلمع أمام شاشات التلفزيون متباهين بقدرتهم على نبش الرفات.
هل هناك انتخابات مبكرة غداً تحتاج الى عظام الأبرياء المظلومين لدفعها شعاراً في وجه الناخبين ليختاروا بين عظام المقابر واصطفاف “وسامة” المرشحين؟
أين حرمة الموت وقدسية العظام المدفونة تحت التراب منذ سنوات طويلة هنا وهناك وعلى خطوط تماس الطوائف والأحزاب والملل والألوان.
من يبحث عن اصطفاف على حدود المقابر يوقظ بها كل البشاعات التي عمّت النظام السياسي وأبنائه الجدد المنتشرين كل على مقبرة مقعده النيابي أو الوزاري. معظمهم قد يخطئ في الحساب وفي الجغرافيا فيجد نفسه على حدود مقبرة مقعد غيره.
أين الدعوة المحترمة الصابرة، القادرة، الجلودة، الدؤوبة، الصامتة، الجدية، الفعالة لمعرفة ما يسعى إليه أهل المفقودين من إجابات فشلت كل الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990 في تسطيرها تلبية لصرخة أهل ظلموا بفقدان واحد منهم وظلموا أكثر بتجاهلهم الرسمي.
بديلاً عن هذه الدعوة تجد من يبحث عن مقبرة للعلاقات اللبنانية السورية، وأخرى لعروبة لبنان، وثالثة لعلاقات الطوائف ببعضها البعض. حتى ليخال لمن يسمع الكلام السياسي عن هذا الموضوع أن هناك من يفتش عن مزيد من المقابر ليضع فيها اللبنانيين ويدفن ما تبقى فيهم من تفاهم ورغبة صادقة في حياة أفضل من التي عرفوها حتى العام 1990. سواء أكان ذلك في مفاهيمهم الخاصة أو في ما استحدث لهم من نقاط لقاء مشتركة ودائمة عاقلة وموزونة وضرورية.
هل اكتشاف المقابر نبأ يستوجب إدارة معينة ومسؤولة عن مضمونه ورفاته وعظامه هذا إذا كان هناك من اكتشاف أم أنه “فرح” سياسي يريده مجهولو النظام السياسي الجديد لتعريف أنفسهم الى الأموات بعد استيلائهم على الاحياء بقانون وهمي لانتخابات هجينة لا يليق بها إلا هذا النوع من الأفراح الشعبية؟
ببساطة، هؤلاء “المجهولون” ينصبون فخاً للبنانيين العاديين، البسطاء، الساعين في رزقهم كل صباح. يريدون من ورائه جر شعبهم الى البحث عن مقبرة يدفنون فيها سلمهم الاهلي. استقرارهم اليومي. طمأنينة الأهل على أحبائهم والدة ووالد وشقيق وشقيقة وكل أفراد العائلة.
هل هناك من اطمأن الى ذهاب الشهداء رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهم وجورج حاوي وسمير قصير الى مثواهم الأخير فوجد أن الوقت قد حان لدفن السلم الاهلي ومعه النظام السياسي الموضوع في غرفة العناية الفائقة، بأيدي أبناء النظام نفسه؟
هذا في السياسة. أما في الجانب الانساني فالبحث جار عن طبيب أو أكثر يفسر هذه “الاحتفالية” اللبنانية بنبش مقابر النظام السياسي اللبناني.

* ملاحظة: الأجوبة السورية “المشتبكة” عن مقبرة عنجر هي رفات عقل سياسي توفي لكنه لم يدفن بعد.