من يحمي الشهيد العلني الموثّق جبران تويني؟

مقالات 16 ديسمبر 2005 0

جبران بن غسان بن جبران التويني. صحافي شاب. مندفع. سياسي أكثر شباباً وأكثر اندفاعا. مستعجل على الحروب. تتفق معه او تختلف معه لا تستطيع ان تتجاهله او تتجاوزه حيث هو صحافة وسياسة.
والدته المرحومة الشاعرة ناديا محمد علي حمادة. شقيقة الوزير والنائب الدائم منذ 23 سنة مروان حمادة. مشهور باعتداله وتوازنه وقدرته على شبك الخيوط ومعرفة الخطوط. منفتح على العصر. حديث العقل. التزم المواجهة الصارمة والحادة للنظام السوري منذ سنة بعد ان عُيّن شهيداً حياً إثر محاولة اغتياله على طريق منزله. شقيقها الاخر علي ملتزم حدة شقيقه وابن شقيقته جبران خطياً ومرئياً. تزوج جبران مرتين. الاولى من ميرنا ميشال المر. أنجب منها ابنتين. تعرّف اللبنانيون الى الكبرى عزيزتي نايلة من التلفزيون. هي خطيبة الجنازتين وهي في ورد شبابها. زميلها في “النهار” سمير قصير، وحبيب عمرها الذي شهقت عليه دمعاً لا ينتهي. والدها الشهيد جبران تويني.
الإبنة الثانية ميشيل. تعرفنا عليها تلفزيونياً أيضاً.
تزوج مرة ثانية من سهام عسيلي وله منها ابنتان توأمان عمرهما أشهر قليلة.
عمّه الأول ميشال المر شجرة عتيقة متجذرة في أرض السياسة اللبنانية. نجله الياس نائب لرئيس الوزراء وزير للدفاع متزوج من إبنة رئيس الجمهورية “المؤقت” العماد إميل لحود. أنقذه الله وتعاويذ وأيقونات وتمتمات والدته السيدة سيلفي أبو جودة من الموت بعد انفجار سيارة به على مقربة من منزله.
حتى الآن لدينا في الحساب شهيدان حيّان مروان حمادة والياس المر.
والد جبران حكيمنا وشيخنا وكبيرنا وجليلنا غسان تويني. يحدث في الصحافة والسياسة العربية منذ اكثر من نصف قرن. عَلم من أعلام الحرية اللبنانية والدبلوماسية المتمكنة والعارف بدقة للعروبة الحديثة.
غلّب حكمته وعروبته الرصينة على كل اعتبار. كيف لوالد ان تغلبه الحكمة وهو يقف على اشلاء جثة آخر أبنائه؟
فعل ذلك كرمى لعيون تاريخه وتاريخ صحيفته التي تسلّم مسؤوليتها من والده.
إذا جبران من الدوحة التوينية، حسب التعابير القديمة لأوصاف العائلات التي عرفت الاحجار الاولى لبيروت.
حليف لسعد الحريري وريث والده الشهيد رفيق الحريري. فائز بالتزكية في محيطه وبيئته بالمقعد النيابي الارثوذكسي في الدائرة الاولى من بيروت منارة العواصم العربية. لو حذفنا كل الصفات السابقة، ولا أحد قادر على حذفها حتى لو أراد، جبران تويني نائب منتخب له على الدولة اللبنانية التي تلملم جديدها حاليا حق الحماية والرعاية بموجب القانون والعرف والدستور.
لجبران ميزة تفاضلية اخرى لا يتذكرها الا القليلون. هو يملك شهادة وفاة دولية معنونة باسم الامم المتحدة. لجنة التحقيق الدولية. يذكر فيها اسمه واسم البطريرك صفير على لائحة المهددين بالتصفية الجسدية.
تسلّم شهادة وفاته الدولية من مرجع رسمي. سافر بعدها الى باريس لفترة اسابيع. استخار ايقوناته فعاد مستهزئا بشهادة الوفاة الدولية. او مستمعا لضمانات وهمية لا تعرف مجاهل طريق المكلّس الداخلية التي يعتمدها جبران… للنزول من بيته الى مكتبه.
يصل الى بيروت ليلة اغتياله قادما من باريس. قلّة من الناس تعلم بوصوله. يستريح من الاتصالات إلا الضروري منها.
تأتي سيارة شرعية مشتراة من طرابلس مجهولة المالك. تنتظره على الطريق في الصباح التالي لوصوله تنفجر به وبمن معه وتحوّلهم الى أشلاء.
كيف يحدث هذا وشهادة الوفاة الدولية موجودة على نسخ عند كل الأجهزة الأمنية المعنية بحماية منجزات 14 آذار فكيف برجالها؟ هل سأل الرئيس فؤاد السنيورة هذا السؤال وهو يترأس مجلس الأمن المركزي يوم الاغتيال؟ هل سمع جوابا أم تساؤلات تزيد السائل حيرة.
لست خبيرا أمنيا حتى أقارن بين البرقية الأمنية التي تتحدث عن تدابير تعد لاغتيال نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الياس المر والتي رمتها الاجهزة المعنية على الارجح في سلة المهملات، وبين شهادة الوفاة الدولية التي حملها النائب جبران تويني.
قالوا ان الأولى حدثت في عهد الوصاية السابق وان المسؤولين المعنيين غير قادرين على تعطيل قرار من قوى يعملون بإمرتها عملياً.
سكتنا على مضض.
هل يريدون تكرار معزوفة الأعذار السياسية على مسمع جبران تويني؟
هناك في مواقع المسؤولية الأمنية والقضائية من ينالون تقدير أعلى جهة دولية في العالم أي مجلس الأمن الدولي. يلاقيهم في ذلك الكثير من اللبنانيين الراغبين في كفاءة أمنية تحميهم ونزاهة قضائية تحمي حقوقهم. ماذا فعلت الأجهزة الأمنية المعنية. مخابرات الجيش، دائرة معلومات قوى الأمن الداخلي، الفرع المعني في أمن الدولة. وغيرها حفظا لجهاز لم أذكره.
ماذا اتخذت هذه الأجهزة من تدابير استباقية لحماية النائب حامل شهادة الوفاة الدولية؟
ماذا فعل وزير الداخلية العميد المتقاعد حسن السبع لحماية وحفظ أحد أبرز رموز 14 آذار التي جاءت به وزيرا من بعثة الحاج التي كان يديرها متطوعا ومتدينا ومستقيما؟
هل وجّه الأجهزة التي تعمل بإمرته لفعل ما يلزم وفعلت ولكن كان القدر سبّاقا الى جبران؟ هل وجّه الأجهزة ووجد منها عجزا او تقاعسا فاتخذ بحق من عجز او تقاعس أي تدبير؟
هل يعني هذا الحد المعقول من المعرفة المهنية بما يحمي مُعلنين للشهادة مثل النائب جبران تويني؟
هل يوفر هذا قدرة سياسية استباقية لأحداث مقررة ومختومة دوليا مثل عملية الاغتيال؟
لا أمن دون سياسة كما هو معروف. الدليل الأوضح على ذلك ان مئات الآلاف من شباب لبنان ينزلون الى شوارع المدينة موجهين سياسيا في اتجاهات مختلفة ولا يحصل حادث واحد لافت للانتباه.
غير ان التأزم السياسي باق على ما هو عليه. يرتفع مرات ومرات. وإذا هدأ يحصل ذلك لفترة قصيرة غير محددة الأفق. لا قدرة لنا ولا يجوز ان يطلب منا التأثير في قرار النظام السوري كي تتخذ تدابير احتياطية لمنع اغتيال نائب معلن الوفاة بشهادة دولية مثل جبران تويني.
لا قدرة لنا ولا يجوز ان يُطلب من وعينا ان يلتزم معيار ان من في السجن اليوم من قادة الأجهزة الأمنية هم الذين كانوا يحققون الأمن المبرمج للمواطنين على مختلف درجات مسؤولياتهم.
من يتحكّم بقرار البلد السياسي هو الملزم بتحقيق الأمن لشهيد معلن مثل جبران تويني.
لا يدّعي أحد ان الخلاف على جدول الأعمال مع رئيس الجمهورية المؤقت العماد اميل لحود هو الذي يضع الأمن السياسي على رفّ معرفة الحقائق لأخذ العلم فقط.
لا يقول لنا أحد ان التوتر السياسي وأشدد على السياسي وليس السيادي او الأمني مع وزراء وجمهور “حزب الله” مشجبة يعلّق عليها التقصير الأمني لشهادة اغتيال دولية معلنة اسمها النائب جبران تويني.
لا يقنعنا أحد ان الأجهزة الأمنية المعنية تفتقد شرعية نظام سياسي يحمي عملها ويحقق نجاحها في المتاح والمعلن مسبقا من عملية اغتيال النائب جبران تويني.
الذين يريدون قتله راقبوه لأيام. عرفوا بوصوله. أتوا بالسيارة الجاهزة. وضعوها حيث يجب. انفجرت. أودت بالهدف الى حيث يريدونه ان يذهب.
مارسوا ذلك بجدية واحتراف وقدرة.
ماذا فعل المعنيون القادرون لحماية شهيد علني محدد الاسم والشكل والعنوان منزلا ومكتبا؟
لا يدّعي أحد انه غير قادر على مراقبة حركة جبران. منزله. طريقه. ربما صادفوا من يراقبه ليقتله. أم انهم غير معنيين؟ هم النظام الآن. مشروعيتهم السياسية يمثلها وزيرهم القادم من جماهير 14 آذار. مشروعية وزيرهم آتية من رئيس الوزراء. مشروعية رئيس الوزراء تأتي من أكثريته النيابية.
إلا إذا كانوا بانتظار مشروعية جديدة من نظام لم يتحقق بعد. او وزير جديد متأكد من امتلاكه للمشروعية السياسية، او شهيد جديد ليس له حصانات وآخرها أيقونة الشهادة الموثقة دولياً. نصّها مخجل لنا جميعا. انتظر اغتيالك. أعزلا. وحيدا. بين منزلك ومكتبك.
كثر يسكنون منازلهم ليلا. يعملون في مكاتبهم نهارا. يحملون العلم اللبناني ليلا ونهارا. هل نطلب منهم الانسحاب من لبنان؟ ماذا يبقى من 14 آذار؟
سيأتي من يقول إنني اعمل من “القبّة حبّة” على عكس التعبير الشائع. من قال إن الحبّة لا تسند خابية الحرية؟