من يجرؤ على “التسوية”؟

مقالات 04 ديسمبر 2006 0

السراي الكبيرة من الخارج غيرها من الداخل هذه الأيام. للوصول إليها ترى من الترتيبات العسكرية ما لم تتعود عليه أعيننا. الأسلاك الشائكة تلمع من حدة حداثتها وتحيط بالمدخل الوحيد المنظم للدخول الى حرم السراي. دقة التنظيم ترافق سهولة الانسياب نزولاً نحو من تقصد في داخلها.
ليس رئيس الوزراء أو معاونوه هم وحدهم الذين يداومون أمس الأحد على أنه يوم عادي من أيام الأسبوع. كذلك الوزراء المقيمون في ضيافة رئاسة الوزراء حرصا على أمنهم وتسهيلا لحركتهم. لذلك فإن الأسماء التي توضع على لائحة الزوار منوعة الأهواء والمشارب.
تصادف صديقا. تسأله هل قابلت دولته. يجيبك: لم آت من أجله. كان موعدي مع الوزير الفلاني. وهكذا لا تعود تعرف من يستقبل من، وفي أي غرفة. دار الضيافة التي ألح على بنائها الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما السراي الكبيرة كلها. بناها أي دار الضيافة ضمن السراي لاستضافة رؤساء وزراء الدول الزائرين للبنان. فلا يعود نزول الضيف في فندق أزمة أمنية له وللضيوف المقيمين في الفندق بغرض السياحة.
حرص، رحمه الله، على الإشراف عليها بعين العارف لحاجات الضيوف على هذا المستوى، وهو الخبير في بناء المقرات الرسمية.
لم يكن يتصور الرئيس الحريري بالتأكيد أنها ستتحول الى دار ضيافة للوزراء المحتجبين عن الأعين التي ترصدهم بهدف إنقاص عددهم الى الحد الذي يحقق انفراط عقد جلسات مجلس الوزراء.
لكل من الوزراء المقيمين هناك غرفته وأمنه حين يتنقل، وقاعات المبنى العثماني كافية لزوجات الضيوف على أزواجهن.
ترى في الممر سيدة أنيقة تلقي عليك السلام فترده بعد أن تنتبه الى أنها زوجة وزير صديق جاءت لزيارته حيث يقيم.
كأن يوم الأحد هو اليوم المخصص للزيارة لمن يقيم في أزمته عفوا في الحرم الداخلي لجامعته.
الأصوات ترتفع وتنخفض من الخارج، لكنها لا تؤثر على الحركة في الداخل. ربما للمرة الأولى أجد هذا الحشد من العاملين في الشأن العام، وزراء ونوابا وغيرهم، من أصناف العمل العام. منهم من ينتظر دولته. آخر يحدث زميله على أنهما في مكانهما الطبيعي.
دولته يتنقل بين القاعات. يستقبل الوزراء مجتمعين. أولهم يمشي الهوينا من باب الدقة في التعامل مع رئيس مجلس الوزراء. إنه وليد بك الذي أتى بوفد من رؤساء بلديات الشوف لدعم موقف الرئيس السنيورة.
ينفرد دولته بالوزيرين السياسيين بعد مغاردة البك ، أي مروان حمادة وغازي العريضي. كلاهما تعوّد الهمس لغة رغم اختلاف مقاصدهما.
يسمع دولته. يسمع كثيرا. لكنك لا ترى في تعابير وجهه رفضا أو قبولا. استماع فقط هو ما تراه أمامك. فتفترض أن في الذاكرة متسعا من المكان للحفظ والتداول والمراجعة حتى يحين وقت القرار. يصدر من دون ضجة ومن دون افتعال، إنما بقدرة الدفاع عن القرار أياً كانت حيثياته.
لا أستعجل الانفراد بدولته فالجو احتفالي في الخارج والداخل. الخارج يطالب بحكومة وحدة وطنية بكل أنواع أدوات المطبخ . والداخل لا حديث له إلا العناوين السياسية المطروحة خارجا.
الرئيس السنيورة هادئ. رصين. متزن. منفتح على الأفكار الأليفة منها والغريبة. لا تأخذه العزة بما هو متاح له من تأييد في الداخل ومن الخارج بحيث لا تعرف منه غير ما سمعه في السياسة من المتصلين، متجاهلا الشخصي من الدعم والتأييد. تآلف مع السكن في السراي بحيث لا تعرف ما إذا كان خارجا من مكتبه لملاقاتك أو من صالون المنزل المخصص لرئيس الوزراء.
يعرف الرئيس السنيورة أن من قتل الوزير الشاب بيار أمين الجميل افترض أن مجلس الوزراء لن ينعقد لإقرار قانون إنشاء المحكمة المختصة باغتيال الرئيس الحريري، إذ ما هي الرسالة التي لا تصل باغتيال وزير على مستوى عال من النسب في الشجرة المارونية؟
حدث العكس. عاد الوزير حسن السبع الى وزارة الداخلية متراجعا عن استقالته ليكتمل عقد الثلثين اللازم لعقد مجلس الوزراء حيث أقر القانون الخاص بالمحكمة ذات الطابع الدولي.
لم يعد توقيع رئيس الجمهورية مهماً ولا متوقعاً، إذ إنه بانقضاء المهلة الدستورية لتوقيعه يعود مشروع القانون تلقائيا الى مجلس الوزراء لتأكيده وإحالته الى مجلس النواب وذلك يوم الاثنين المقبل. لذلك جاءت فكرة احتماء الوزراء بالمقر الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء. فمن لم يفهم من الرسالة الأولى الوزارية قد يحتاج إلى إفهامه ثانية بنفس الطريقة ربما، وبهدف آخر. فلمَ المغامرة؟
يعلم الرئيس السنيورة أيضا أنه سبق الإقرار الأول للمحكمة ذهاب شاب في الرابعة والثلاثين من عمره الى حيث لا يريد الذهاب.
كان هذا القرار بديلا من النزول الى الشارع. فلمّا تجاهل مجلس الوزراء هذا الإنذار مكملاً طريقه، كان لا بد من العودة الى القرار الأول، أي النزول الى الشارع. وهو قرار بدا من طريقة اتخاذه بالتدريج انه احتاج الى مناقشات طويلة بين صاحب الزمان والقرار، أي حزب الله وحليفيه في حركة أمل و التيار الوطني الحر .
المهم أن كل العناوين السياسية المطروحة في الشارع وفي الإعلام هي الغبار الذي يحيط بالعنصر الرئيسي والاستراتيجي في الصراع السياسي، وهو المحكمة ذات الطابع الدولي. وكل الكلام حول إمكانية موافقة الوزراء الشيعة على مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي، لو تأخر عرضها أو لو درستها جهات قانونية مشتركة من القوى السياسية المعنية، هو في تقدير كثيرين من الأحلام التي لا يمكن بيعها لأحد، فكيف لأهل الشهيد سواء في قريطم أو في السراي الكبيرة أو عند المنضوين تحت خيمة الرابع عشر من آذار؟
لا يستطيع الرئيس السنيورة أن يفعل غير ما فعله حين دفع في اتجاه إقرار مشروع قانون المحكمة. ولا يجوز أن يتصرف بغير ما تصرف به. ليس لأسباب عامة فقط، مع العلم بأن العام من الأسباب يطال بخيره جميع اللبنانيين أمنا واستقرارا وانضباطا. ويؤكد أن علاقة الدولة بالمجرمين قائمة على القانون أصلا وفصلا، وليست معتمدة على السياسة التي تأخذ بطريقها عصب الدولة وتبقي على فتاتها في الطريق.
السبب الآخر لقرار الرئيس السنيورة إنساني. فهو يفي لرفيق سنوات طويلة من عمرهما أقل ما عليه من حساب. وهو في هذا القرار يجيب عن سؤال لجمهور رفيق الحريري الواسع الانتشار ليس لغيره أن يجيب عنه.
الآن يجلس الرئيس السنيورة في مكتبه وعشرات الآلاف وأكثر من جمهور حزب الله وحلفائه يطالبونه بما لا يستطيع أن يعطيه. ليصح في وصف الحال أن من لا يستحق يطالب بالحصول على غرضه السياسي ممن لا يملك القدرة على إعطائه.
سوريا لا تخفي موقفها من المحكمة ذات الطابع الدولي. وتعتبر إقرارها في مجلس الأمن الدولي قرارا سياسيا يقصد به حصارها ووضع مطلب تحسين سلوك النظام السوري في أيدي قضاة المحكمة.
جاءت الرسالة التي بعثت بها الخارجية السورية الى الأمانة العامة للأمم المتحدة برفضها التعاون مع المحكمة من الآن فصاعدا. جاءت هذه الرسالة لتؤكد الموقف السوري من دون تجميل أو تأجيل.
من هنا تأييد وزير الخارجية وليد المعلم لاعتصام المعارضة المستند الى شعار المطالبة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
لم يتردد التلفزيون السوري الرسمي بالنقل المباشر والحي للاعتصام وإجراء مقابلات مع المعتصمين باعتبار أن هذا شأن داخلي سوري. فلم الارتباك؟
لم يعد ممكنا العودة الى الوراء. وليس هناك من مجال للانفعال. فالأيام التي تفصلنا عن الإقرار الثاني لقانون إنشاء المحكمة يوم الاثنين أو الثلاثاء المقبلين قليلة وحبلى بالمفاجآت التي يتوقعها كثيرون. لكن لا أحد يعرفها إلا من خطط لتنفيذها.
هل هناك من مجال لتسوية مسبقة تخفف من الأضرار، أم أنه علينا الصمود في وجه الانقلاب السياسي الذي ينفذ على مراحل. وهي الطريقة الأسلم والأكثر اعتمادا في النظامين السوري والإيراني؟
التسويات عادة يقوم بها الكبار الذين يستشرفون المستقبل فلا يبحثون عن ربح سريع بدلا من أرباح مؤجلة، ولكن مؤكدة.
أصعب ما في التسويات هو القدرة على كسب الوقت وحسن التفاوض ودقة الموازين. أي خلل في واحد من هذه المعطيات الثلاثة يفضي الى فقدان القدرة على ضبط الأداء في المعطيين الآخرين.
من السهل القول إن خللا وارتباكا أصابا ميزان القوى الدولي، إذ إن الدعم الدولي لايمكن أن يعطي الحكومة أكثر مما أعطاها في مجلس الأمن. ولا يمكن أن يكون أقوى من القدرة على المشاركة في قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان.
هذا لا يعني استمرار الخلل ولا انتشار الارتباك بل يعني ان هناك مرحلة من الوقت لا بد أن تستند فيها إلى تسوية ولو مؤقتة تحفظ لك ولخصمك إمكانية الاستقرار والاستمرار.
إذ ان كل الدعم الدولي والدعم العربي المعلن للبنان السيد المستقل الحر لن يغيّر من مسار المشروع السياسي الإيراني السوري المشترك. بل ما يحدث هو العكس تماماً. إذ كلما زادت حركة الدعم الدولي والعربي أصبحت الحكومة اللبنانية معرّضة لأكثر من القصف السياسي. حاول مستشار رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير أن يستعيد النظام السوري إلى المجتمع الدولي. ذهب إلى دمشق منذ أسبوعين وحاور المسؤولين السوريين طالباً خطوة واحدة تفتح باب الحوار. فتبين أنها الخطوة الأولى والأخيرة. إذ انه طالب بفك التحالف الإيراني السوري فجاءه الجواب انه تحالف استراتيجي لا عودة عنه.
حاول سعد الحريري محلياً، قابل السفير الإيراني في قريطم وطلب منه نقل رسالة إلى طهران عن مدى الخطر الذي تتعرض له العلاقات السنية الشيعية بسبب تصرف حلفائهم في لبنان. في الوقت الذي يتحدث فيه رئيس مجلس الشورى الإيراني عن ضرورة حماية العلاقات السنية الشيعية وعن أهمية حركة حماس السنية في علاقات إيران العربية. أصر السفير الإيراني على عدم مسؤولية بلاده عن هذه السياسة ودعمها لأحسن العلاقات بين الطوائف اللبنانية.
أكد الحريري على المسؤولية الإيرانية فعاد السفير الإيراني إلى تأكيد موقف بلاده.
بالتأكيد تناولت الاتصالات السعودية الإيرانية هذه الأخطار. لكن الجواب السعودي جاء في الاتصال الاستثنائي الذي أجراه الملك عبد الله بن عبد العزيز بالرئيس السنيورة مؤكداً دعم بلاده للحكومة اللبنانية ومحدثاً الوزراء الموجودين في السراي الكبير مقدراً موقفهم.
الرئيس السنيورة طلب من نائب وزير الخارجية الروسي سلطانوف الذي زار بيروت منذ أسبوع أن يتوسط بين بيروت ودمشق. ذهب سلطانوف وعاد ليقول إن المسؤولين السوريين أبلغوه بعدم مسؤوليتهم عما يحدث في لبنان، وانهم لا يتدخلون في الشؤون اللبنانية.
كل ما سبق أجوبة متوقعة. ولكن ما القدرة على التسوية؟
تشكّل العناوين السياسية المطروحة على طاولة الحوار مثلثاً رأسه المحكمة ذات الطابع الدولي. زاويته اليمنى الانتخابات النيابية المبكّرة. الزاوية اليسرى انتخابات رئاسية مبكّرة.
بقليل من الخيال السياسة خيال أيضاً يتصرف مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل بمسؤوليته دون مسؤولية غيره، ويحيل مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي إلى مجلس النواب طالباً التصويت على القانون عند انتهاء لجنة التحقيق من عملها في الشهر السادس من العام المقبل. بهذا يكون مجلس الوزراء قد أعطى من جيب غيره. إذ ان الرئيس نبيه بري سيضع مشروع القانون في الدرج إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وكلما أثارت مجموعة من النواب الموضوع سيفتي بعدم دستورية الحكومة وقراراتها. يردد الرئيس بري حين يراجعه واحد من القريبين الى عقله بموضوع المحكمة. يردد لماذا لا تقرّ في مجلس الأمن بموجب الفصل التاسع عشر؟ .
هو يعرف أن حاملها كمن يمسك بالجمر. حين أبلغه وزير في الحكومة بإقرار مشروع القانون سأله هل قرأت الرسالة التي بعثت بها سوريا إلى الأمم المتحدة، وعندما أجابه بنعم قال له اقرأها مرة ثانية وثالثة ورابعة وأقفل الحديث.
الذين راهنوا على دور الرئيس بري وهم كثر يقدّرون مدى حرجِهِ. فلمَ لا تقوم الحكومة بطلب تأجيل ما هو مؤجل عملياً حتى موعد انتهاء التحقيق؟
الخيال الثاني أن يتم الاتفاق بين الحكومة والمعارضة على وضع قانون انتخابات جديد مع موعد محدد لإجراء انتخابات مبكّرة بالشهر والأسبوع واليوم بمشاركة وممارسة الوزراء المستقيلين.
الخيال الثالث انه بعد صدور قانون الانتخابات النيابية المبكّرة ومواعيدها عن مجلس النواب، يتم التوافق على رئيس جديد للجمهورية يمارس حتى نهاية الرئيس لحود، أو يتضمن الاتفاق استقالة الرئيس الحالي.
التوافق هنا ملزم للجميع عملياً، إذ ان النصاب لجلسة انتخابات رئيس الجمهورية يحتاج إلى ثلثي المجلس وهو ما يفرض التوافق.
بهذه الخيالات الثلاثة تكون الحكومة قد أعطت إشارة إلى إمكانية التفاوض حتى حزيران المقبل على موضوع المحكمة.
وتكون المعارضة قد حققت مطلبها العلني أي الانتخابات النيابية المبكرة اعتقاداً منها انها ستحقق انقلاباً في الموازين داخل المجلس الجديد!!
أما سعد الحريري فيكون حقق لنفسه ما يستحقه من سكينة بدلاً من الغليان في صدره، ويكون حقق لجمهور والده ما يهدئ سريرته.
الرئيس السنيورة يسمع عن الخيالات الثلاثة فلا يفاجأ. إنما لا يجيب. يقول فقط الحوار هو شروع في التسوية. وهو ما أدعو إليه دائماً.
النسر الجارح في المختارة يستعمل طريقته في الحوار. هادئ. يستمع كثيراً. يقاطع قليلاً بجمل قصيرة. إنما لا يعطي توتر عقله إجازة ولو لدقائق معدودة. يذهب نحو الأبعد من تحليل الأوضاع الدولية وتطوراتها ثم يعود إلى أرض الواقع في الصالون الشرقي الدافئ الذي يمضي فيه أمسياته الشتوية.
يبادرني بالقول: هل تريدني وغسان تويني وأمين الجميل وسعد الحريري أن نذهب إلى تسوية مع النظام السوري. أنا نسيت وصالحت في العام 77 الرئيس حافظ الأسد. لكن لم يكن عندي خيار. سعد الحريري يمثل طائفة كبرى في لبنان والعالم العربي وظروفه مختلفة عن ظروفي.
أجبته قبل أن يكمل: أنا لا أتحدث عن النظام السوري. بل عن لبنان بوقائعه وليس برغباتي. ثم من قال ان النظام السوري يريد تسوية معكم الآن. تأجيل المؤجّل ليس منّة بل حسن إدارة سياسية لما نمر به من أزمات.
يستعيد البك عقله اللمّاع دون أن يتخلى عن رغبته في القتال. يقول أنا لست معنياً بما يحدث داخل سوريا. لكنني أريد ضمانة السلوك الأمني السوري في لبنان. أجيبه: هذه ضمانة لا يستطيع أحد ممن تعرفه من العرب والدوليين الحصول عليها. لم يستطيعوا قبلاً ولن يستطيعوا الآن. ما رأيك في الذهاب إلى موسكو واسطمبول علّنا نجد الجواب؟
سعد الحريري يعيش في دائرة من الضجيج والتوتر. غرف وقاعات ملأى. مجموعة 14 آذار في قاعة. صحافة أجنبية في أخرى. مجموعة بيروتية في الثالثة. زوار في الغرفة الرابعة. في الخامسة دولة الشيخ فريد مكاري مع مجموعة ابتكار فيها سياسة وفن ولطافة. الممرات لا تخلو من الناس.
سعد يتنقل بين الجميع حاملاً وجعه في قلبه ويده التي ضربها بالحائط عندما علم باغتيال صديقه بيار الجميل. يستعيد هدوءه بسرعة محذراً من الشارع وما يحمل من مفاجآت. يكرر نحن أهل حكمة ودراية وتبصّر. أنعم الله على أهل السنّة بخصائص لن يتخلوا عنها مهما حصل. نحن أهل الأمة. قدرتنا على الاستيعاب واجب علينا في الصغيرة والكبيرة. لن نذهب إلا إلى الحوار. هو هدفنا ومقرنا .
ماذا عن الخيالات الثلاثة. يركّز قليلاً. يستنكر بداية الأولويات. إذ هو يريد حصته أولاً أي انتخابات الرئاسة، ثم يستدرك بسؤال كيف يمكن إجراء انتخابات نيابية في مثل هذه الأجواء. من هو القادر على التحرك في كل الاتجاهات حتى يدير معارك انتخاباته. يهدأ ويذهب بنظره إلى البعيد. أشعر بأن الخيالات بدأت تسلل إليه. أتركه على أمل العودة إلى المناقشة.
من يحمل هذه الخيالات الثلاثة ويحولها إلى وقائع؟
من الواضح أن كل الدول العربية والعواصم الغربية الفاعلة تقليديا في المنطقة تتراجع بأسرع مما هو متوقع. بعد انهيار السياسة الأميركية في العراق والتي بدأت منفردة وأحادية مستبعدة روسيا وأوروبا.
الدور السعودي هو الدور العربي الوحيد الذي استيقظ مؤخرا على المخاطر ولم يعد باستطاعة المملكة تجاهل هذه المخاطر بناء لرغبة أميركية. إلا أنه لا يتوقع أن يكون للدور السعودي السرعة في التأثير خاصة في الخط الإيراني العراقي السوري. إلا أن للإدارة السياسية السعودية خبرة في الصبر تحتاج الى استعمالها الآن مع قليل من الحركة والكثير من الانفتاح على كل القوى خاصة في لبنان.
الجديد في التقدم السعودي أنها صرفت النظر عن الشريط الكهربائي الذي كانت تفاوض شركات أميركية لتنفيذه على الحدود السعودية مع العراق لمنع التسلل وتهريب الأسلحة. كلفة الشريط 12 مليار دولار. ويبدو أن الإدارة السعودية قررت صرفها في السياسة. اكتفت السعودية بصرف 1.8 مليار دولار منذ العام 2004 على محطات مراقبة على الحدود البالغ طولها 900 كيلومتر.
القيصر بوتين يريد استعادة الدور الروسي إنما بهدوء ولكل خطوة ثمن.
هناك خمسة مواقع سياسية وجغرافية أخرج منها الاتحاد السوفياتي سابقا.
الموقعة الأولى هي إخراج الخبراء السوفيات من مصر في العام .73 ثم دخول الجيش السوري المسلح سوفياتيا الى لبنان بالاتفاق مع الولايات المتحدة بدون موافقة موسكو. الموقعة الثالثة هي الهجوم العراقي على إيران بتحريض من الغرب مع رفض تام من الاتحاد السوفياتي. ثم سقوط النظام الشيوعي المحمي من الجيش السوفياتي في أفغانستان. وأخيرا إخراج القوات السوفياتية من باب المندب وإسقاط دولة اليمن الجنوبي وضمها الى الشمال.
قد تبدو هذه اللائحة من الأهداف طويلة لتتحقق. إنما حتى الآن استطاع بوتين إدخال بلاده الى منظمة التجارة العالمية بعد تخليها عن تعديلاتها على المحكمة الدولية والاكتفاء بتعديل واحد لا يمنح المحكمة صلاحية محاكمة الرؤساء.
استعادت روسيا السيطرة على أوكرانيا بعد سقوط قادة الحزب المؤيد للسيادة الأميركية في الانتخابات الأخيرة.
الآن تنتظر روسيا دورها في سوريا وإيران ولاحقا في العراق. إذ أنها المصدر الرئيسي للسلاح لكل من سوريا وإيران.
الرئيسان بشار الأسد وفؤاد السنيورة يزوران موسكو هذا الشهر. الأول في التاسع عشر والثاني في موعد لم يحدد بعد.
تركيا تتحمس لدور من التاريخ في المنطقة أيضا. رئيس الوزراء أردوغان يقوم بزيارة طهران ثم دمشق وأخيرا لبنان في نهاية الأسبوع.
تحول دون استعجال الدور التركي ثلاث عقبات. الأولى أن هناك انتخابات نيابية في شهر نيسان أبريل المقبل في تركيا. الثانية أن أردوغان يريد إقرار نظام رئاسي قائم على الاستفتاء الشعبي وهذا الأمر يجب أن يتم قبل نهاية العام المقبل. العقبة الثالثة أن تركيا مندفعة نحو أوروبا في يوميات قرارات سياسييها الذين يواجهون حربا شعواء من الغرب ضد دخول الإسلام التركي الى المحيط المسيحي.
من سيدفع لتركيا وروسيا ثمن دورهما في لبنان؟
تركيا تريد دعما فرنسيا جديا لدخولها الى السوق الأوروبية. فما الذي يمنع تنفيذ السياسة الفرنسية في لبنان باللغة التركية؟
روسيا تريد اعترافا مباشرا وواضحا من الإدارة الأميركية بدورها في منطقة الشرق الأوسط حيث الفائض من الأموال يذهب الى الاستثمار في روسيا.
هما أحسن من يحمل التسوية اللبنانية الى طاولة المنطقة مع السعودية ومصر فهل يفعلان؟
التسوية قدر الكبار فمن يجرؤ عليها؟