من المسؤول عن “اغتيال” النظام السوري؟

مقالات 07 نوفمبر 2005 0

الثلاثاء الأول من شهر تشرين الثاني الحالي نوفمبر اجتمع مجلس الأمن الدولي بكامل أعضائه الخمسة عشر وبحضور وفد لبناني برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية بالوكالة السفير بطرس عساكر ووفد سوري برئاسة وزير الخارجية السوري المتخصص في “تلميع” السياسة السورية فاروق الشرع.
الموضوع. البحث في تقرير القاضي ديتليف ميليس رئيس اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
تنافس اسمان او تداخل اسمان بعضهما بالبعض الآخر في الكلمات التي ألقاها رؤساء وفود الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن حتى ضاع المستمعون بين الدعم المطلق للقاضي الالماني وتقريره، وبين الوصف المطلق للرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية كوندوليزا رايس: الرئيس الحريري قائد نزيه وفاعل خير مثير للإعجاب.
وزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي: الرئيس الحريري جسّد إرادة لا تلين من أجل الاستقلال والديموقراطية والحرية في لبنان. وهي إرادة شرعية تماما.
وزير الخارجية البريطانية جاك سترو: اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري ادى الى صدمة كبيرة لشعب لبنان وللعالم وللمجتمع الدولي برمته. ان الاغتيال السياسي هو سلوك بدائي يعرضنا جميعا للخطر. حتى الأمم المتحدة ستتعرض للخطر نتيجة هذا السلوك.
وزير الخارجية الجزائري محمد برجوي: ان جريمة الاغتيال الشنيعة لرفيق الحريري تتعرض لصناعة ودعم المؤسسات الديموقراطية في لبنان. ويخسر الشعب اللبناني أحد روّاد البناء السياسي والعمراني للبنان.
وزير خارجية رومانيا حيّا روح الرئيس السابق رفيق الحريري ورفاقه الذين قضوا معه.
وزير خارجية الصين: الرئيس الحريري يعبّر عن سياسة السلام والاستقرار وحسن الجوار والصداقة وتوق شعوب الشرق الأوسط الى الهدوء والوئام.
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف: الرئيس الحريري كان من عناصر الاستقرار في لبنان وفي المنطقة ككل.
السفير بطرس عساكر عبّر عن ايمان الرئيس الشهيد بمبادئ الأمم المتحدة في الدفاع عن الحق والعدالة، كما آمن بلبنان وطنا ديموقراطيا عربيا مستقلا.
نجم الجلسة كان الوزير السوري فاروق الشرع الذي أعلن ان بلاده تتبرع بالاقامة السياحية لاعضاء لجنة التحقيق الذين اعجبتهم الطبيعة السورية. واستعمل مقارنات “مفزعة” خالية من المعرفة البدائية في مخاطبة المجتمع الدولي. أراد ان ينال من صياغة تقرير لجنة التحقيق الدولية فإذا به يأتي على سيرة احداث 11 أيلول 2001 في نيويورك وتفجيرات القطارات في مدريد وتفجيرات مترو الانفاق في لندن. كل هذا ليقارن بين هذه الأحداث وافتراض معرفة المسؤولين عن الأمن المسبقة بها، وبين ما جاء في تقرير ميليس الذي يقول ان عملية اغتيال على هذه الدرجة من التعقيد لا تتم دون موافقة أمنيين مسؤولين لبنانيين وسوريين.
خاض معركة لغوية في وجه تقرير ميليس في حلبة سياسية من الدرجة الأولى اسمها مجلس الأمن الدولي. فإذا كان هناك من تنقصه الأدلة في اتهام سوريا. اتاه كلام الوزير الشرع ليتأكد من أدلة سوء الإدارة السياسية لهذا الموضوع منذ اليوم الأول لعملية الاغتيال في الرابع عشر من شهر شباط فبراير الماضي.
تولى وزير الخارجية البريطاني الرد عليه بأسلوب أقنع العالم كله ان الحقيقة والذكاء السياسي لم يكونا حاضرين في كلام الوزير الشرع.
الوزير السوري هو الوحيد الذي تجنّب وصف الرئيس الحريري.
***
نعود الى قاعة مجلس الأمن: اثنا عشر وزير خارجية من أصل خمس عشرة دولة عضو في المجلس لمناقشة تقرير جنائي أولي للجنة التحقيق الدولية.
يتكلم عدد من وزراء خارجية دول العضوية الدائمة في مجلس الأمن بما يتجاوز حجم التقرير وحجم الجريمة أيضا إذا جاز التعبير.
لماذا؟
لا شك ان اللبنانيين فرحوا بما سمعوه من كلام عن كبير من زعمائهم، وشعروا بالفخر به وهو شهيد. إذ كيف لشهيد من لبنان ان يملأ العالم اهتماما باغتياله، وان يصوّت وزراؤه “بالاجماع” على القرار 1636 الذي ينص على إلزام سوريا بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية. هذا أبسط الأوصاف للقرار.
رفيق بهاء الدين الحريري ولد في صيدا في الأول من تشرين الثاني نوفمبر العام 1944. انتسب في شبابه المبكر الى حركة القوميين العرب وهي حركة انتشرت في الستينيات في مدن بيروت وطرابلس وصيدا حيث يتجنب ابناؤها عادة الانتساب الى الاحزاب. درس في جامعة بيروت العربية بسبب الوضع الصعب اقتصاديا لعائلته.
هاجر الى السعودية حيث عمل في شركات عدة قبل ان يؤسس شركته الصغيرة للمقاولات. فتحت له صفات الجدية والصدق والالتزام باب الحظ فأصبح خلال عشر سنوات أحد المقاولين الأكبر حجما في السعودية. حقق ثروة طائلة من عمله.
أعطى المال العربي معنى مختلفا عما هو معروف عنه. إذ ان مؤسسة الحريري التعليمية والخيرية خرّجت 36 ألف طالب لبناني في مختلف الاختصاصات. صرفت المؤسسة المسمّاة باسم عائلته ثلاثة مليارات دولار خلال 25 سنة بدءا من العام 1980.
اقترب تدريجيا من العمل السياسي في بلد يعيش الاشتباكات يوميا. شارك في الصياغة النهائية لاتفاق الطائف الذي أرسى السلام في لبنان وانبثق منه الدستور الجديد.
صديق شخصي للرئيس جاك شيراك. قريب جدا من العائلة الحاكمة في السعودية.
وافقت السعودية على تسمية الرئيس المرحوم حافظ الأسد له رئيسا للحكومة في العام 1992. استمر رئيسا للحكومة حتى العام 96 حين خاض الانتخابات في بيروت ودعم مرشحين في مختلف المناطق. حقق شرعيته اللبنانية. أصبح الزعيم الأكثر شمولية في كل لبنان. بدأت حرارة خلافاته مع النظام الأمني اللبناني السوري تتصاعد منذ العام 1998 حين انتخب العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية. العمل الأول الذي قام به هو اخراج الحريري من رئاسة الحكومة حتى انتخابات العام 2000 حيث حقق الحريري اكتساحا انتخابيا، شكل سابقة، إذ للمرة الأولى في تاريخ بيروت يحصل مرشح على كل مقاعدها (وعدد من المقاعد في مختلف المدن والمناطق اللبنانية).
حققت حركته الدولية انفتاحا على كل عواصم العالم وبالأخص عواصم القرار حضورا لبنانيا لم يعرفه لبنان منذ الاستقلال. أصبح شخصا معروفا وموثوقا في كثير من عواصم العالم.
وصلت الحماسة لدى من عرفه عن قرب وأنا منهم الى اعتباره قد استحق عضوية نادي الكبار.
هذا بالطبع غير دقيق. فهو كان واستمر حتى اغتياله زعيما لبنانيا كبيرا له انتشاره العربي المتصل بكل اوساط القرار الدولي، وصديقا شخصيا لكل اعضاء نادي الكبار. الرئيس شيراك قدّمه بأحسن ما لديه من تعابير ومضامين. لكنه نجح بجهده الشخصي وجديته ان يستحق كلمات تقديمه الى الزعماء الكبار في العالم.
ما سبق من صفات تجعل الرئيس الحريري مرشحا من الدرجة الأولى للاغتيال. هذا قد تم فعلا. إنما رد الفعل الدولي على جريمة الاغتيال عملية سياسية أكبر من لبنان. الرئيس رفيق الحريري هو رئيس لوزراء لبنان سواء أكان أسبق او في المنصب لحظة اغتياله. هذا يفترض رد فعل بحجم لبنان. هذا لم يحدث.
الرئيس الشهيد لم يكن جزءا من مخطط تغيير المنطقة لا في الجغرافيا ولا في التاريخ. فلماذا رد الفعل الدولي بهذا الحجم؟
آخر زعيم عربي اغتيل قبل الرئيس الحريري كان الرئيس أنور السادات. “فرعون مصر” بعد جمال عبد الناصر الزعيم العربي الكبير. لن اتناول ردود الفعل المصرية والعربية. لكنه بالنسبة للغرب كان الرئيس السادات واحدا من “أبطال السلام” في العالم. تجرأ وهو رئيس الدولة الأكبر في العالم العربي على ما لم يجرؤ عليه أحد. زار القدس متحديا كل القيادات العربية. أكمل طريقه نحو “السلام” مثيرا لاعجاب المجتمع الدولي. تقاسم جائزة نوبل للسلام مع الرئيس الاسبق للحكومة الإسرائيلية مناحم بيغن.
كانت النظرة إليه قبل رئاسته في العام 1970 انه الأضعف شخصية بين ضباط ثورة 1952 التي قادها جمال عبد الناصر. لذلك اختاره نائبا له في العام 1964 .
فاجأ زملاءه أولا. استخفوا به رئيسا فوضعهم جميعا في السجن. أخرج الخبراء السوفيات من مصر. خاض حرب تشرين مع سوريا في العام 1973. قلب موازين القوى. دخل في مفاوضات مع الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الاشهر في تاريخ أميركا. وقّع اتفاقية كامب ديفيد مع مناحيم بيغن. اخرج الاحتلال الإسرائيلي من كل الأراضي المصرية. اعتمد الانفتاح الاقتصادي سياسة للخروج من الأزمة الاشتراكية التي كانت تعصف بمصر.
اغتيل في السادس من تشرين الأول اكتوبر في العام 1981 برصاص مسلم أصولي. كان في الثانية والستين من عمره.
وُصف الرئيس السادات بعد اغتياله بالشجاعة وبعد النظر. عرّض نفسه للأخطار. وقيل فيه انه يستحق “أعمق الامتنان والتقدير لخطوته الأولى نحو السلام”.
وانه “استطاع ان يمنح السلام للشعبين المصري والإسرائيلي”
وانه “قائد عظيم من أجل خير الإنسانية وخير السلام”
وانه “علّمنا ان السلام يمكن ان يأتي ويصبح حقيقة”
وانه “صاحب رؤيا قلّ نظيرها في الشرق الأوسط”
لا لبنان هو مصر حجما ووزنا وتأثيرا في العالم العربي. ولا الرئيس السادات الذي فعل ما لم يفعله أحد في العالم العربي، في اندفاعه بالسلام تجاه إسرائيل هو رئيس وزراء لبنان الأسبق والزعيم الأكثر شمولية في النظام اللبناني. مع الأخذ في عين الاعتبار الفارق بين الطبيعة الشخصية للإثنين وأسباب اغتيالهما.
إذاً لماذا هذه الحماسة الدولية او الانفعال إذا صحّ التعبير تجاه اغتيال الرئيس الحريري، مع الاعتراف بالتقدير والحماسة لبنانياً، لهذا الانفعال؟
التقرير الأول وضعه القاضي ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لقي تقرير ميليس دعما دوليا ولبنانيا منقطع النظير. لم يترك وزير خارجية دولة كبرى تحدّث في جلسة مجلس الأمن الدولي إلا وأبدى دعم بلاده غير المشروط للتقرير ولواضعه.
كلهم اعترفوا بأنه تقرير أولي ومبدئي لكنهم تبنوا كامل الاسهم السياسية للتقرير من حيث اتهام سوريا وحلفائها الأمنيين في لبنان بتدبير جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
لم يترك أي منهم مجالا لمناقشة ثغرات في التقرير. سواء أكانت عقلانية او أمنية او جنائية. التمديد الأول حتى الخامس عشر من كانون الأول المقبل حصل والتمديد الثاني “لسنة” جاهز منذ الآن.
يعترف ميليس انه يحتاج الى وقت طويل للوصول الى أدلة تدعم “تصوّره” النهائي لتخطيط وتدبير وتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
الثغرة الأخيرة المؤكدة في تقرير ميليس ان أحمد عبد العال المسؤول في تنظيم »الأحباش« الموالي لسوريا أمنيا لم يتصل برئيس الجمهورية قبل وبعد جريمة الاغتيال كما جاء في تقرير ميليس. بل انه اتصل باميل لحود وهو نجل رئيس الجمهورية على الرقم 900000.
اميل لحود الابن لم يرد على الاتصالين اللذين تلقاهما. عندها اتصل عبد العال بمدير المخابرات السابق العميد ريمون عازار. ما جاء في المكالمة بين الإثنين يخضع للتدقيق عند المحقق العدلي في جريمة الاغتيال.
اللبنانيون بغالبيتهم العظمى، مثلهم مثل وزراء خارجية الدول الكبرى متحمسون لتقرير ميليس ولاستمراره في عمله. هذا خيارهم الأوحد للوصول الى الحقيقة في اغتيال زعيمهم.
لكن هذا لا يمنع ان التقرير ضعيف في الوقائع التقنية، حتى لو كان تقريرا أوليا.
عمر نشابه الاستاذ في الجامعة الأميركية والمحايد عرض لهذه النقاط في مقال على حلقتين نشر في “السفير” منذ عشرة أيام.
التقرير الثاني جاء في النص الذي قدمه تيري رود لارسن المسؤول دوليا عن تقدّم تنفيذ القرار 1559 في لبنان الى مجلس الأمن الدولي.
حدد تقرير لارسن نصف السنوي نقاط الضعف في الحركة السياسية والإدارة اللبنانية وشدد على التقدّم الذي تحقق في المجال نفسه. وصف الوضع اللبناني “بأنه بقي هشا وحصلت تطورات مثيرة للقلق أثّرت على استقرار لبنان، خصوصا على شكل اعمال إرهابية والانتقال غير الشرعي للاسلحة والاشخاص عبر الحدود الى لبنان”.
من حيث الوصف العام هذا صحيح. أما من حيث القراءة المفصّلة للتقرير فهو يعطي الانطباع بأنه جدول أعمال “النظام الجديد” في لبنان. ليس من حيث التثبت من سيادة وسلامة اراضي ووحدة واستقلال لبنان السياسي فقط كما جاء في التقرير، بل بالتوجيه المباشر التفصيلي لكل ما يجب على آلنظام الجديد ان يفعله. مع استعمال مكثّف لتعابير غير دبلوماسية وشخصانية لا تتناسب والدور الذي يقوم به المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. مثل “بناء على طلبي”. “نقاشاتي”. “أنا ماضٍ”. “أنا متشجع”. “أكدّت لي”. “شعرت بقلق”.
ان المعرفة السياسية الدقيقة للوضع اللبناني المتوفرة في تقرير لارسن من حيث الوقائع واللقاءات مع مختلف المسؤولين لا تنسجم مع العناوين السياسية والأمنية المستعجلة التنفيذ الواردة في التقرير. إلا ان خارطة الطريق الدولية للبنان هي جزء من خريطة المنطقة، مما يبرر استعجال تنفيذها و”عدوانيتها” بالمعنى الدبلوماسي للكلمة.
الطبعة الأخيرة من القرارات الدولية الأشهر هذه الأيام قررت وضع يد لجنة التحقيق الدولية على الأراضي السورية من حدودها مع العراق الى حدودها مع لبنان. القرار 1636. الموضوع: التحقيق في اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري على الاراضي السورية.
يؤكد التقرير على وحدة لبنان ويكلّف الشعب اللبناني بتقرير مصيره بالوسائل السلمية ودون تدخل أجنبي.
يستنتج التقرير انه يصعب تخيّل سيناريو الاغتيال دون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين ولبنانيين رفيعي المستوى. وان السلطات السورية بعد تردد تعاونت بدرجة محدودة، وان المسؤولين السوريين حاولوا تضليل التحقيق بإعطاء بيانات مغلوطة او غير دقيقة.
الأهم في المضمون هو تأكيد القرار الحق بالتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على “انه في حال فشل الحل السلمي بين المتنازعين ولم تنفع قرارات الحصار فان لمجلس الأمن الحق في استعمال ما يلزم من القوات المسلحة للدول الاعضاء والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي ومن ذلك حق المرور”.
الطريف في ملحق التقرير، البند المتعلق بتجميد الأموال للأشخاص المشتبه بهم. إذ ان الملحق يأخذ في عين الاعتبار حاجاتهم الضرورية بما فيها الغذائية والايجارات واقساط القروض العقارية والدواء والعلاج الطبي والضرائب واقساط التأمين ورسوم المنافع العامة. وهي تعابير تذكر “بالنفط مقابل الغذاء” العراقي.
كل هذا وبالاجماع يتم التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي؟؟
***
يطلب الى المغترّ بنفسه ان يضع رجليه على الأرض ليتساوى مع الناس الآخرين موقعا وحوارا. أما هذه السلسلة من القرارات الدولية بالاجماع وتداعياتها فإنها تتطلب ان يضع المراقب عقله على الأرض حتى يستوعب ما يجري بهذه السرعة الفائقة.
وزيرة الخارجية الأميركية هي الوحيدة التي وضعت عنوانا لخارطة الطريق السورية. دعت سوريا في كلمتها الى اتخاذ قرار استراتيجي بتغيير سلوكها.
ماذا يعني تغيير السلوك؟
في مقال نشرته “مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” وهي واحدة من أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية المؤيدة لسياسة المحافظين الجدد، يحدد المقال الذي كتبه روبرت رابيل نقاطا خمسا للسلوك السوري الجديد:
أولا: إقالة واعتقال كل المتدخلين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
ثانيا: قطع كل الصلات بالإرهابيين الموجودين في لبنان وسوريا.
ثالثا: وقف عمل شبكة المخابرات السورية من لبنان فورا وسحب عناصرها السورية الى بلادهم.
رابعا: تحمّل المسؤولية الكاملة في مراقبة الحدود اللبنانية السورية والحدود العراقية السورية ومنع تسلل الاشخاص والاسلحة.
خامسا: انفتاح النظام السياسي على الاغلبية العربية السنية. الخطوة الأولى تكون بتسليمهم وزارة الداخلية، المخابرات العسكرية، المخابرات العامة.
قد لا يكون ما جاء في مقال الباحث الأميركي دقيقا. لكن بالتأكيد هناك قرارا دوليا بكتابة تاريخ جديد لسوريا تدريجيا، وليس دفعة واحدة على الطريقة اللبنانية. إذ انه عمليا وموضوعيا لا يمكن لتاريخ لبنان الجديد إذا اكتمل ان يلازم او يجاور تاريخا قديما في سوريا مشتبكا مع المجتمع الدولي وممسكا الى اقصى حد بالحرية السياسية لمواطنيه.
اغتيال الرئيس الحريري هو المدخل لكتابة هذه الصفحات الجديدة في البلدين. لكن القرار السياسي للإدارة الأميركية متخذ منذ العام 2003 بعد خيبة الأمل التي أصيب بها الرئيس بوش من السياسة السورية بعد محادثات وزير الخارجية السابق كولن باول مع الرئيس بشار الأسد.
وبعد ما حدث في العراق، اتخذ قرار عزل لبنان وسوريا عن نتائج المقاومة العراقية السياسية وعن الدور الايراني المتمرّد والمتمادي في العراق.
هل يستطيع النظام السوري استيعاب هذه المتغيرات المتطلبات الدولية؟
صحيفة “نيويورك تايمز” عنونت صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي بوصف رئيس المخابرات العسكرية اللواء آصف شوكت “ان من باستطاعته دخول منزل حافظ الأسد وأخذ ابنته دون استئذانه يملك من القوة ما يكفي لفعل أي شيء”. ويلاحظ المقال ان حالة من التوتر العالي تسود الاوساط العليا في دمشق، مع ان اللواء شوكت هو الذي تولى بعد احداث أيلول 2001 في أميركا التنسيق مع اجهزة المخابرات الاميركية والاوروبية. يقول عنه أحد اصدقائه ان المشاعر نحوه تتداخل بين الاعجاب والخوف.
المهم انه أحد أعمدة النظام المطلوبين للجنة التحقيق الدولية في “المونتفردي” بصفة شاهد، بعد ان أدلى أحد الشهود برواية تتحدث عن اجتماع عقد في منزل شوكت للتخطيط لجريمة الاغتيال.
تجربة النظام السوري السياسية منذ خمس سنوات وحتى الآن لا تظهر انه بقي شيء من حكمة الرئيس حافظ الأسد في أروقة القرار. آخر التجارب ان الإدارة السورية السياسية الأمنية احتاجت الى تسعة شهور لتقرر التعامل مع اغتيال الرئيس الحريري على انه قضية دولية. اكتفت بالنفي “الفولكلوري” يوميا، اعتقادا منها بأن هذا سيؤكد وحدة المجتمع السوري حول نظامه.
علّق مسؤول سوري كبير على مقال كتبته في “السفير” قبل أسابيع تحت عنوان سوريا: “الخيار الدولي او الانتحار” فقال:” ماذا يبقى من النظام السوري اذا نفذنا الطلبات الأميركية؟ إن هذه الطلبات هي الانتحار بحد ذاته تحت غطاء دولي.”
الجواب عند القاضي ميليس وفي “المونتفردي” أيضا.