من أصاب المشنوق بسهامه؟

قالـوا عنه 04 يونيو 2016 0
438

من أصاب الوزير نهاد المشنوق في سهامه؟ الإجابة تطاول الجميع من بين الحلفاء المحليين والخارجيين. هاجم نظيره أشرف ريفي علناً، اتهمه بالعمل على انتزاع جزء من إرث الرئيس رفيق الحريري السياسي.

مجرّد إطلاق هذا الإتهام، يعني أن المشنوق يلمّح إلى بعض إشارات الطموح لدى الوزير الطرابلسي بتوسيع إطار زعامته، لتمتدّ من الشمال إلى الجنوب، مروراً ببيروت التي ألمح ريفي كثيراً إليها من نافذة المجتمع المدني والأرقام التي حققتها لائحة “بيروت مدينتي”، ما يعكس سخطاً شعبياً على السياسات المعتمدة، وصولاً إلى البقاع، التي اتهم ريفي في السابق أنه يدعم عدداً من اللوائح المرشّحة لخوض الإستحقاق البلدي، بالإضافة إلى استقباله قبل يومين وفداً من العشائر العربية في البقاع مهنئاً بفوزه في انتخابات طرابلس.

لكنّ الهجوم الواضح على ريفي، والواضحة خلفياته أيضاً، انعكس هجوماً على المملكة العربية السعودية بإدارتها السابقة، على قاعدة أنها ارغمت الرئيس سعد الحريري على الدخول في تسويات سياسية مع “حزب الله”، زيارة دمشق، والتخلي عن المحكمة الدولية. وكما تناول هذا الكلام السعودية، أصاب أيضاً الحريري في صميمه، وعمق خطابه وتوجهاته.
المعروف عن المشنوق مدى دوزنته أي موقف يطلقه. لذلك، لا بد من التوقف عند ما قاله، والتساؤل حول الهدف منه. “هجومه” على السعودية، لم يكن الأول من نوعه، سبقه آخر مشابه، في اجتماع وزراء الداخلية العرب منذ نحو ثلاثة أشهر، حين ردّ على الإجراءات السعودية بحقّ لبنان، بأنه لا يمكنها تحميله مسؤولية كل ما يجري، خصوصاً أن طهران استطاعت السيطرة على أربع عواصم عربية بيروت هي الأضعف بينها، كما أردف أنه لا يمكن تحميل المسؤولية للحريري، المقطوع عنه أي دعم مالي.
أسئلة كثيرة تبادر إلى الذهن بشكل بديهي لدى الاطلاع على الموقف الجديد، أبرزها إذا ما كان المشنوق قد نسّق موقفه مع الحريري. لكن بمعزل عن تحري جواب، الأكيد أن المشنوق من خلال ما أطلق حاول الذهاب بعيداً في الدفاع عن الحريري، وتخفيف المسؤولية الملقاة على عاتقه، بشكل ظالم. بمعنى أنه ليس الوحيد المسؤول عن كل ما جرى. بل إن التنازلات التي قدمها فريق “14 آذار”، انطلقت من توجهات دولية لتترجم في لبنان من قبل الحريري وغيره. لكن مرامي وزير الداخلية لم تصب أهدافها كما يجب. إذ ثمة من قرأ فيها حشراً للحريري، كما أن هناك من اعتبرها مخاطبة للإدارة السعودية الجديدة على قاعدة “عم احكيك يا كنّة لتسمعي يا جارة”، في محاولة لإحداث تغيير في الموقف السعودي البارد تجاه الحريري، والذي لا ينعكس في السياسة فقط بل مالياً بشكل خاص.
بمجرّد كشف المشنوق أن مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، اتت بمسعى بريطاني عرض على السعودية ووافقت عليه، ومن ثم تسارع سفارتا الدولتين إلى النفي، يعني أن المشكلة واضحة. سعودياً على الأقل، إذ إن قادة مستقبليين قرأوا في ما جرى، محاولة لنفض اليد من مسعى الحريري، ومن فرنجية أيضاً. هذا “التخلّي” قابله ترحيب سعودي بالنتيجة التي حققها ريفي في طرابلس. وتؤكد مصادر ديبلوماسية لـ”المدن” أن الموقف السعودي لا يعني التخلي عن الحريري، وتعتبر أنه لا يمكن تخطيه وتخطي حيثيته اللبنانية. أما في شأن المبادرة الرئاسية، فتكشف المصادر عن أن المملكة مع أي حلّ للازمة اللبنانية، وتقول: “إن الحريري هو من طرحها، إنطلاقاً من ثقته بإنهاء الفراغ سريعاً، وانتخاب الرئيس وإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة، كما أنه أشار إلى شبه موافقة محلية ودولية على خياره. وبالتالي، نحن لم نعارض، إلا أن ما تبيّن لاحقاً هو أن الأزمة استمرت والإستحقاق لم ينجز. وطرح الحريري لم يحظ بالتوافق المطلوب”.
لم ينظر المستقبليون إلى كلام المشنوق بارتياح، بل يتوقعون ارتدادات عكسية له من قبل السعودية، خصوصاً ان المصادر الديبلوماسية تعتبر أن ما ورد على لسان المشنوق إساءة فادحة. وتتلخص القراءة المستقبلية بأن وزير الداخلية حشر الحريري مع السعوديين ومع اللبنانيين، لأنه صوّره وكأنه منفّذ للإملاءات السعودية فحسب. وهذا ما يخدم وجهة نظر “حزب الله”، وهناك من يتساءل إذا ما وصلت الأمور بين الحريري والسعودية إلى هذه الدرجة من التراجع التي تسمح للمشنوق بإطلاق السهام عليها.
ولكن الأمر الجوهري يبقى، هو السؤال عما ستحمله الأيام المقبلة، إذ إنه في وقت يؤكد المستقبل والسعودية أن همهما الأساسي هو إنجاز الإستحقاقات في أقرب وقت ممكن، وبما أن خيار فرنجية سقط، و”حزب الله” يصرّ على أن اختصار طريق الانتخابات الرئاسية يمرّ ويتسرّع في الرابية، هناك من يتخوف داخل المستقبل من عودة الحريري إلى خيار عون، في محاولة لاسترجاع زمام المبادرات والحلول، وإستعادة دوره من جهة، وردّ الصفعة لريفي من جهة أخرى، على لسان المشنوق، وهو السباق إلى القول: “لا يفتى بحضرة الجنرال”.