“ملفــــــــــات” – أصعب بلد في العالم

مقابلات تلفزيونية 10 يوليو 2007 0

س- يقول المسؤول عن مؤسسة الإستشارات والدراسات في لندن ، مجموعة الأزمات الدولية العاصفة ستصل الى لبنان ، ما رأيك؟
ج- أنا لا أوافق على هذا التقييم أبدا، وأعتقد ان الوضع في لبنان، نسبة لطبيعة الصراع في المنطقة، بخير والقوى السياسية اللبنانية الإستقلالية ، حققت تقدما كبيرا في حركتها منذ 30 شهرا حتى اليوم، حتى الوضع الإقتصادي في لبنان مازال معقولا. وأنا سمعت بالأمس من مرجع إقتصادي جدي بأن اللبنانيين في الخارج حوّلوا العام 2006 خمسة مليارات وستمئة مليون دولار الى أهلهم في لبنان، هذا يعني انه شعب عظيم، لديه مقدرة على الصمود، وعلى الصبر، وعلى التقدّم، وعلى تحقيق الكثير من أهدافه. لذلك أنا لا أعتقد ان العاصفة قادمة، وإذا كان هناك من عاصفة فهي قادمة على المنطقة وليس على لبنان، ولبنان لم يعد جزيرة سياسية معزولة عن محيطه، لبنان جزء من منظومة من الواضح ان فيها إشتباك سياسي وعسكري كبير وان هناك مشروعين في المنطقة يتصارعان ، والحمدلله، خسائر لبنان من جراء هذا الصراع محدودة جدا. لذلك دعينا نتطلع الى الخسائر التي ستصيب غيرنا. أنا لست مع نظرية جلد الذات أو نظرية المقارنة مع الغرب، لا لأنني ضد الغرب، بالعكس، ولكن أنا أرى اننا جزء من منطقة، إذا كان هناك مجال للمقارنة، فلتكن هذه المقارنة مع محيطنا. نحن من إختار طريق الديموقراطية، والحرية وأن نمارس حرياتنا السياسية.

س- لكننا ندفع ثمن ذلك؟
ج- صحيح، إننا ندفع الثمن، ولكن برأيي نحن لا ندفع كثيرا. إذا أردنا الصراحة، هناك قرارات أولية أتخذت بشأن لبنان مثل 1559 ثم 1701 وقرار المحكمة الدولية، وبينهم الكثير من القرارات، التي بلغت الخمسة عشر قرارا، خلال 30 شهرا، وبالتالي، نحن نخوض صراعا كبيرا، مع قوى كبرى ، ولسنا في وضع طبيعي، ومع ذلك نحن نربح ونتقدّم ، وبرأيي نحن بخير.

س- نحن بانتظار موقف من”حزب الله” يتعلق بمسألة مشاركته في مؤتمر الحوار في سان كلو ونتساءل: هل فعلا الفرنسيين جديون في الدعوة الى هذا الحوار وفعاليته؟ في حين إستبَقَت فرنسا هذا الحوار بموقفين أثارا الإستغراب : الأول للسفير الفرنسي الذي خرج عن كل الأعراف الدبلوماسية عندما قال “نعم نحن نؤيد 14 آذار” ، والثاني موقف الرئيس الفرنسي ساركوزي عندم وصف في قصر الإليزيه “حزب الله” بالمنظمة الإرهابية؟
ج- يبدو ان هناك ثلاثة مواضيع، الأول موقف الرئيس الفرنسي وموقف السفير والحوار.
إذاً، لنأخذ كل موقف أو تصريح حيث كان ، بمعنى ان الرئيس الفرنسي كان في إستقبال مجموعة من أهالي الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى “حزب الله” و”حماس” ، فعمليا ما قاله ساركوزي لا أعتقد أنه غلطة، ولكن أعتقد ان فيه الكثير من الملاطفة لضيوفه ، ولكن أكثر مما يلزم.

أولا: معروف ان “حزب الله” ليس حزبا إرهابيا وهو منذ 25 سنة الى اليوم، لم ينفذ أي عملية خارج الأراضي اللبنانية المحتلة، ولكن قد يكون لدى الفرنسيين معلومات لا نعرفها، وقرأنا في الصحف مؤخرا، ان شخصا لبنانيا تابعا للحزب إعتقل في العراق، ويقوم بالإشراف على التدريب، للقيام بعمليات ضد الجيش الأميركي، ربما يكون الأمر غير صحيح، ولكن إذا كان الرئيس الفرنسي قد إستند الى هذه الواقعة، فهذا يعطي لكلامه مبّررا، وربما ساركوزي يملك معلومات غير متوفرة لدينا.

على كل حال، هناك سبب آخر، وهو ان الرئيس الفرنسي وصل الى الحكم منذ فترة قصيرة، وبطبيعة الحال أي رئيس جديد بدأ تجربة الصح والخطأ يدلي بآراء، ثم يتراجع عنها، ثم يعد لها.

س- وهل المطلوب أن يجرّب بنا؟
ج- طبعا، وبطبيعة الحال المواضيع الحارة هي دائما موضع الحديث، لذلك أعتقد انه من المبكر القول، بأن هذا الموقف من الرئيس الفرنسي جدي.

إذاً أنا أرى ان على “حزب الله” أن يذهب ويشارك في سان كلو، على الأقل لكي يدافع عن قضيته.

س- لقد صدر توضيح من الخارجية الفرنسية يقول، ان”حزب الله” قوة مهمة في الحياة السياسية اللبنانية؟
ج- ان الخارجية الفرنسية بهذا التوضيح تؤكد حقيقة واقعة، بأن الحزب قوة مهمة في الحياة السياسية، بإعتقادي ان “حزب الله” يطمح بأكثر من ذلك، ولكن لا أعتقد ان هناك مجالا للحصول على أكثر من هذ التوضيح، سوى كلام لطيف قد يصدر عن أي مسؤول غدا صباحا، ولكن حتى لو لم يحصل هذا الأمر ، لو كان لي رأي عليه ، أقترح أن يذهبوا ويشاركوا ويدافعوا عن قضيتهم، ويتحدثوا مع الإعلام الفرنسي ويُبدوا رأيهم ويشاركوا في الحوار.

س- هل تعتقد ان الحزب سيشارك؟
ج- لا أعرف ، ولكن أعتقد ان صوت الدفاع عن القضية سيتغلّب في النهاية، بصرف النظر عن إنتظارهم لنتائج جدية من الحوار.

س- هل تتوقع أن يمهّد حوار الصف الثاني في سان كلو، الى إيجاد صيغة للقاء أركان الحوار على مستوى الصف الأول، لمتابعة البحث في ما سيتوصل إليه مؤتمر سان كلو ، خاصة وان هناك معلومات عن ان فرنسا، قد تدعو الى عقد طاولة حوار للصف الأول في باريس، يشارك فيه أطراف إقليمية؟
ج- أنا لا اتوقع أن يمهّد مؤتمر سان كلو ، ولا ان يحصل إجتماع الصف الأول في فرنسا.
أولا: إذا كان هذا الؤتمر سيُعقد، يجب أن يُعقد في لبنان.
ثانيا: إذا أحبت فرنسا أن تشارك في رعاية هذا الحوار، باستطاعتها أن تشارك في لبنان، هذا في ما خص حوار الصف الأول.

أما سان كلو فأعتقد إنه من باب ردّ التحية للرئيس الفرنسي ، أو بتعبيرغير لائق لإنقاذ ماء وجه السياسة الخارجية الفرنسية، التي إلتزمت بأنه يجب أن يكون لها دور في الحوار، وبالتالي هذا الأمر سيتم ، ولكن لن يؤدي الى نتائج أو إيجابيات حاسمة، في أي موضوع من المواضيع، وكل القوى التي ستشارك تعرف هذا الأمر. ولكن إذا كانت فرنسا قد دعت الى هذا المؤتمر، فلماذا نرفض؟. علما ان سويسرا كانت قد دعت الى مثل هذ المؤتمر، شاركت فيه قوى لبنانية، لذلك يعتبر هذا المؤتمر نوعا من الحوار المتعلق بالأبحاث ، لا بالنتائج.

س- لنفترض ان الأميركيين دعوا الى هكذا إجتماع ، هل كان بالإمكان أن يصدر عنه نتائج ما؟
ج- أيضا لا أعتقد ذلك، فالوضع في المنطقة مُعقّد جدا أكثر بكثير مما نتصور، وبرأيي ان أكثر ما قد نتوصل إليه الآن أو إن أكثر ما يجب أن نسعى إليه الآن، هو هدنة وليس تسوية ، لأن التسوية تحتاج الى مشاركة قوى إقليمية كبرى ، وهذا الأمر غير مُتاح اليوم في المنطقة، وبالتالي على اللبنانيين المعنيين أو المراقبين، أكثر ما يجب أن يسعوا إليه هو إستمرار الهدنة على ما هي عليه بدون إنفجارات سياسية أو أمنية، وأن تستمر الأمور كما هي الى أن يحين وقت الإنتخابات الرئاسية بحيث لا أعتقد ان هذا الإستحقاق سيتم بدون أن تكون قد حصلت تسوية ما في المنطقة ، وهذا غير متوفر الآن.

س- تقول صحيفة الثورة السورية اليوم ، ان حل الأزمة يمر في دمشق، وان الحل قد يصبح ممكنا، إذا توقف السفير فيلتمان عن وضع العصي في الدواليب؟
ج- ممكن أن يكون هذ الأمر منطقيا بدون أن تقوله صحيفة الثورة، وبدون إعطائنا دروسا في كيفية الحصول على حلنا.

أيضا لو كان الحل اللبناني يأتي عن طريق سوريا، لكان هذ الأمر تمّ منذ سنتين ونصف وباعتقادي هذا كلام فارغ وبلا طعمة.

س- أيضا يُقال نحن أقفلنا أبوابنا أمام السوريين؟
ج- طبعا، لم يقصّر أحد من الجهتين في هذا الموضوع، ولكن سوريا دولة كبيرة، وليست حزبا لبنانيا، أو تجمعا لبنانيا في نظام أمني مركزي، هي دولة كبرى جارة للبنان، وبالتالي مسؤوليتها أكبر بكثير من مسؤوليتنا، وهي من خلال كلام صحيفة الثورة تتصرّف بقلّة مسؤولية، وليس وفق مسؤولية جدية. هذا كلام لا يجوز أن يُقال على اساس أن عناصر القوة زادت عندي وبالتالي الحل عندي.

على كل حال، أنا أعتقد ان هذا كلام فارغ المضمون، وبرأيي أنه لا يوجد في لبنان من يعتقد ان هناك تسوية بدون تفاهم سوري- لبناني، ولكن كيفية طرح الموضوع ومناقشته يستند الى أي قواعد والى أي مفاهيم هذا هو الموضوع الرئيسي. نحن لا نستطيع تغيير الجغرافيا أو ان ننقل سوريا من جوارنا. ولكن لا النظام السوري تعامل معنا ، بطريقة نستطيع التوصل فيها الى أي تسوية تاريخية معه ،ولا بعض الأحزاب اللبنانية تعاطت مع سوريا على إنها دولة كبرى.

لكن أعود وأقول، مسؤولية الدولة أكبر بكثير من مسؤولية الأفراد، والتجمعات أو الأحزاب، وما يحدث من جانب سوريا، في مسألة إمكانية تسوية تاريخية في العلاقات اللبنانية – السورية هو ظلم وتجبّر وقسوة وحدّة وخالٍ من الصدر الكبير الذي تعودنا عليه من سوريا، وخالٍ من الحكمة التي تعودنا عليها من سوريا.

وبالتالي هل معقول انه بعد مجيء عمرو موسى، هذا كل ما نراه من سوريا، كلام في صحيفة الثورة.

س- لماذا نرمي كل اللوم على سوريا، وهناك أطراف في لبنان مرتبطة إرتباطا مباشرا بالدولة السورية وبالسياسة السورية، وما يحول دون تفاهم اللبنانيين هو إرتباط هؤلاء بمحاور إقليمية؟
ج- أنا أعتقد أننا جزء من المنطقة، ويجب علينا إيجاد حلول لمشاكلنا ، مع الأخذ بعين الإعتبار وضعنا وجغرافيتنا وعلاقاتنا وجيراننا، وتحديدا سوريا. وأكيد لا أقصد إسرائيل بطبيعة الحال. طبعا هناك جهات لبنانية مُلتزمة بسياسة سوريا بلبنان، وهذا أكيد ، وأيضا هناك إتهامات فارغة بأن جهات أخرى مُلتزمة بسياسة أخرى في لبنان ، من هي هذه السياسة الأخرى هل الأميركيين والفرنسيين أو السعوديين؟.

أولا مشروع السعودية مشروع إعتدال ، ودور السعودية يجمع ولا يفرّق. أما الأميركيين والفرنسيين فأعتقد إننا أخذنا منهم دعما، تمثل بحركتهم في مجلس الأمن الدولي، الذي أوصلنا الى عدد من القرارات الدولية المهمة في تاريخنا، وفي حياتنا ، وفي سياستنا.

أما عن ان هناك ناس تلتزم السياسة الأميركية في المنطقة، فأنا لا أعرف، بعض الناس يؤيدون السياسة الأميركية في المنطقة ، والبعض يؤيدون إيران.

س- وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل سيزور طهران، التي أعطت رأيها حسب بعض المصادر الصحفية، بأنها لا تستطيع الضغط على سوريا لاستخدام نفوذها في لبنان، توصلاً الى حل توافقي داخلي في لبنان، كذلك أبلغت انها غير قادرة على الضغط على “حزب الله” ايضا ؟
ج- إذا كانت غير قادرة على الضغط على حليفتها في المنطقة سوريا ، وإذا كانت غير قادرة على الضغط على “حزب الله” وهي الراعية الأساسية لهذا الحزب، إذاً ماذا نريد منها في السياسة ما دامت غير قادرة؟.

س- ما جدوى زيارة الفيصل لطهران؟
ج- سعود الفيصل سيبحث في طهران الوضع في فلسطين، وفي العراق أولا ورابعا، وفي لبنان خامسا وفلسطين سادسا، باعتقادي ان السعوديين يتصرفون على قاعدة ان هناك ضرورة للتفاهم مع الإيرانيين على عنوانين:
العنوان الأول يتعلق بالوضع في العراق، لأن إيران دولة جارة للعراق، ومن حقها الطبيعي وبالأعراف الدبلوماسية والسياسية، أن تناقشها في مصالحها السياسية في العراق، وهل يمكن تأمينها، أو الخلاف معها، أو الإتفاق معها.

العنوان الثاني يتعلق بالفتنة المذهبية بين السُنة والشيعة، والتنسيق في هذا الموضوع ، قد نجح في ما بينهما، أما في النقطة الأولى فلم ينجح لأن القرار ليس بيدهما، وهو أكبر منهما، والمشكلة أكبر منهما، وبالتالي دخلوا في مشكل أكبر بكثير .

لقد قرأت اليوم ان هناك هجوما من الأميركيين والسوريين ومن السعوديين بنفس الوقت. الجديد في هذا الأمر، هو الهجوم الأميركي، لأن أميركا كانت تدعم المالكي، ولكن تبيّن انه لا يستطيع تنفيذ سياستهم، ولا يستطيع التوصل الى النتائج المطلوبة، لا في مجلس النواب ولا في موضوع النفط، وتبيّن انه مُرتبك ولا يستطيع تنفيذ أي أمر. لذلك يجب الا تنتظر الكثير، وفي نفس الوقت يجب عدم تصغير الأمور.

أنا أريد أن اقول ان أي جهد يفيدنا، وأي تحرّك يفيدنا، لكن لا توجد حلول الآن. أن أكثر ما نستطيعه قبل أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في المواجهة الإيرانية – الأميركية، هو الحفاظ على الهدنة ونقطة على السطر.

س- أيضاً هناك معلومات، أن السعودية لا تملك تصوراً جاهزاً للحل في لبنان الآن في رأيك؟
ج- يا سيدتي الحل في لبنان أمر بسيط جداً، إذا كان هناك ميزان قوى يفرضه، والحل في لبنان سهل جداً وليس إختراعاً، وكل عناصر الحل موجودة في كلام كل الناس في لبنان، ولكن هذا الأمر يحتاج الى تغيير في ميزان القوى الحالي ، والأمر لا يتعلق بما يُقال حول عدم وجود تصوّر لدى السعودية ، بالعكس ، السعودية تعرف جيدا ما هي طبيعة الحل في لبنان، لكن السؤال هل تستطيع فرض الحل؟ أنا أقول انها لا تستطيع ذلك، وما دامت لا تستطيع فهي ستنتظر تعديلا ما، في ميزان القوى في المنطقة قد يطرأ، لتدخل على هذا الأمر وتنفّذ الحل هي وقوى أخرى.

لقد كانت العلاقات السورية – السعودية في آذار أفضل بكثير من الآن، وكانت السعودية تعتقد ان باستطاعتها التدخل في مسألة المحكمة الدولية، وان الرئيس الأسد سينفذ وعودا قطعها لها بشأن المحكمة الخ. ولكن لم يحصل شيء من كل هذه الوعود، وتبيّن في النهاية ، وهذا واضح، بأن هناك إلتزاما سوريا بالسياسة الإيرانية، أو بالمشروع الآخر الذي تحدثنا عنه، فتدهورت العلاقات السورية- السعودية وبالتالي كيف يمكن أن نطلب من السعودية الآن، أن تتدخل مع السوريين أو مع حلفائهم في لبنان للتوصل الى حل؟.

س- تتحدث عن مواجهة إيرانية- أميركية، ولكن اليوم إذا بحثنا في الوضع الأميركي أو وضع الرئيس بوش في المنطقة ، نلاحظ ان هناك خسارة ولا يوجد ربح في العراق ، وفي فلسطين وفي أفغانستان ، كيف تنظر الى هذا الآن؟
ج- هناك مشكلة أكيدة بتصرّف الإدارة الأميركية، في مناطق يعتقد انها مناطق نفوذ لها في الشرق الأوسط كفلسطين ولبنان والعراق، ولكن هذا لا يعني تراجع الدور الأميركي. أنا أقرأ في الصحف الأميركية يوميا، تصريحات لمسؤولين في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ، تدعو للإنسحاب من العراق، ولكن هذا لن يحدث، لأن الجيش الأميركي موجود هناك لسببين:
– الأول: يتعلق بمنابع النفط لحمايتها أو الإشرف عليها، أو الوجود الى جانب منابع النفط.
– الثاني: يتعلق بالأمن الإسرائيلي، بمعنى قوات الطوارىء واليونيفيل.

فهل يعتقد أي عاقل انها ستتخلى عن هذين العنوانين؟ هذا الكلام غير منطقي عندما نقول أو نسمع ان الجيش الأميركي سينسحب، لأن معنى ذلك إنتهاء السياسة الأميركية في المنطقة من الآن وحتى 20 سنة وهذا لن يحصل، الإنسحاب لن يحصل وأنا متأكد من ذلك، لأن الأمر مخالف لكل الطبيعة السياسية في المنطقة ، من غير الوارد أبدا تحويل المنطقة الى فيتنام وهذا غير ممكن عمليا.

اليوم دخلت حاملة طائرات أميركية ثالثة الى مياه الخليج ، فإذا كانت ستنسحب لماذا ترسل حاملة طائرات؟ الخيار الوطني الإستراتيجي الأميركي يقول، ببقاء الجيش الأميركي حيث هو، متي يربح أو متى يخسر؟، هذه مسألة أخرى ، ولكنه سيبقى. وقد سمعنا وزير الدفاع الأميركي غيتس عندما قال “نحن باقون في المنطقة لفترة طويلة الأمد”.

س- في تصريح للعربية اليوم، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت “نريد التفاوض مع سوريا لإجراء مباحثات معهم، ولكن السوريين يرفضون التفاوض؟
ج- أولا عندما ذهب اولمرت الى واشنطن أو قبل أن يذهب الى واشنطن بحوالي الشهر، قال”ان الضغوط الأميركية منعتنا من التفاوض مباشرة مع سوريا”، فكيف يقول اليوم ان سوريا لا تريد التفاوض، أنا أعتقد ان هذا الكلام غير دقيق، وبرأيي انه حتى لو رغب السوريون بالتفاوض ، الحكومة الإسرائيلية غير مهيأة الآن للتفاوض، لأن القرار في المنطقة يميل الى عدم التفاوض، لقد إنتهت فترة المفاوضات والتسويات، ولم تعد موجودة ، الموجود الآن هو الهدنة الى حين إتخاذ قرار بشأن المواجهة في المنطقة، وأي كلام آخر هو تضييع وقت.

س- المسؤول في مجموعة الأزمات الدولية الذي قال ان “العاصفة قادمة الى لبنان”، قال أيضا “في حال كان السوريون هم من قتل رفيق الحريري سينهون لبنان، وان معركة المحكمة بالنسبة الى النظام السوري مسألة حياة أو موت، ومن المستحيل ان يقبل بها، وان الوضع في لبنان لن يهدأ قبل صلح عربي- إسرائيلي، تكون سوريا محاورا فيه لأنه بإمكانها تخريب الأوضاع في العراق والأراضي الفلسطينية؟
ج- أولا، كلمة إنهاء لبنان لو كانت سوريا تستطيع إنهاء لبنان لفعلت ذلك منذ زمن، لبنان يتمتع بمناعة وبمقدرة، وأهله على قدر المسؤولية، وباعتقادي هذا الأمر تبسيط وكأن لبنان كذبة يمكن رفعه عن الطريق متى شئنا، هذا كلام سخيف ، لبنان صيغة جدية واناس جديون ومناعة جدية، إستمرت 30 سنة رغم كل الحروب، والمشاكل ولبنان باقٍ، لأن شعبه شعب قدير وجدي، قد تكون هناك مشكلة بين مجموعاته السياسية، هذه الأمور موجودة دائما لا جديد فيها ولكن لبنان باقٍ.

أما مسألة الصلح العربي- الإسرائيلي التي تحدث عنها فأنا لا أرى ان الامور تسير بهذا الإتجاه، إلا نتيجة حرب، وربما المفاوضات يجب أن تحصل نتيجة حرب، فهناك مشاكل كما يقال لا يمكن حلها إلا على السخن ولن تحل على البارد.

أما أن هناك صلحا عربيا – إسرائيليا شاملا يبدأ بسوريا ويكمّل مع لبنان، فأنا لا أرى ان ميزان القوى الآن يسير أيضا بهذا الإتجاه سريعا، وهذا يحتاج الى وقت طويل جدا.

س- تتحدث عن ميزان القوى، ولكن نعرف ان بعض أقطاب المعارضة يراهنون أيضا على تطورات في المنطقة، لصالح هذه المعارضة، ولصالح بعض المحاور، لذلك نسمع بعض التصاريح العنيفة، وهناك مراهنات أيضا على ان الأميركيين يغرقون في وحول الشرق الأوسط، وغزة كانت تحولا مفصليا، وسيطرة “حماس” ما رأيك بذلك؟
ج- أنا لا أهتم بهذا الكلام العنيف لا من الموالاة ولا من المعارضة، وأنا لا أحب هذا الكلام الذي يحتوي كبائر على قضايا صغيرة، وباعتقادي ان الأيام القادمة ستبيّن لصالح من سيتغيّر ميزان القوى .

س- قالت وزيرة الخارجية الأميركية ان العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، تزداد صعوبة مع بلد تتفاقم خطورته، وإتهمت إيران بدعم “حزب الله” و”حماس” ولم تستبعد أي خيار لردع إيران، ما رأيك بذلك؟
ج- الإيرانيون لاينفون دورهم ولا ينفون مشروعهم، ولا ينفون رغبتهم ، ولا أرى جديدا في ما قالته الوزيرة رايس وماذا فعلت؟.

س- صحيفة الفاينشال تايمز أكدت اليوم ، ان لدى الإستخبارت الغربية معلومات على إنطلاق بعض العمليات التي تنفذها القاعدة في العراق، وفي أماكن أخرى في العالم ؟
ج- إعتقد ان الأميركيين يفتشون عن أسباب وهم يحدّدون أسبابا مسبقة لفشل المفاوضات السياسية.

على كل حال هذا ليس بجديد ، هذا الدور الإيراني ليس جديدا، وعدم إمكانية التفاهم مع إيران أيضا ليس جديدا. ولكن ما أعرفه انه لا مجال لنجاح المفاوضات السياسية بين إيران وأميركا.

ولكن يجب أن يُحسم هذا الصراع بين المشروعين، قبل أن نصل الى أي تسوية إستراتيجية وأساسية في لبنان، وقبل أن نستطيع أن نُجري ما يمكن تسميته تسوية تاريخية في العلاقات بين لبنان وسوريا. لأنه لا يمكن للبنان، أن يعيش كبلد بدون أن يكون له علاقات طبيعية وسوية ومحترمة مع سوريا، لأنها منفذنا البري والجارة العربية الكبرى ، ولكن هذا الأمر لن يتم، إلابعد حسم الصراع الأكبر بين المشروعين الأميركي والإيراني. كيف يحسم؟ هذا جواب آخر.

س- هل تعتقد ان هذه السياسة الأميركية، هي سياسة أي إدارة اميركية قادمة، بعد مغادرة بوش للبيت الأبيض؟
ج- طبعا، منابع النفط وأمن إسرائيل، هي سياسة كل مواطن أميركي وليس كل إدارة.

س- تتحدث عن ان المطلوب هدنة أو صيانة الهدنة القائمة، أين إدارة هذه الهدنة؟
ج- الإدارة موجودة وهي الحكومة اللبنانية، ولكن مُختلف على مسألة توسيعها وبأية شروط ، وكل النقاش الذي قام به أمين عام الجامعة العربية، قائم على تثبيت القدرة على إدارة الهدنة، ولم يصل الى نتيجة ، ويبدو من زيارته الى السعودية ودمشق إنه لم يصل الى نتيجة.

س- هل تعتقد ان عمرو موسى امين عام الجامعة العربية، مُطّلع على تفاصيل الوضع اللبناني؟
ج- طبعا.. طبعا ولبنان مُغري بالنجاح، وأي مسؤول في العالم يجب أن ينجح في لبنان، لأنه إذا نجح في لبنان، فسيحصل على شهادة بأنه إستطاع النجاح في أصعب بلد في العالم، هذا مغرٍ لأمين عام الجامعة.

س- ذكرت “السفير” اليوم ان السفير فيلتمان قبل مغادرته الى تركيا في إجازة خاصة، إستخرج آراء بعض القوى السياسية بمبادرة، ركيزتها إنتخاب رئيس توافقي لمدة سنتين ، يليه تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحضّر لإنتخابات نيابية عام 2009 هل هذه ملهاة؟
ج- أعتقد ان هذه رغبات، لأن السفير الأميركي يعرف انه لا مجال الآن لانتخاب رئاسي، إلا باتفاق أكبر من المعروض علينا في رئاسة الجمهورية تحديدا، لأن كلا المشروعين لا يسلّم برئيس للآخر، وكلا المشروعين لا يسلّم برئيس توافقي لمدة ست سنوات، فاقترح السفير الأميركي رئيسا لمدة سنتين. ولكن ما هو مطروح جديا من قبل الرئيس الأميركي، وأنا سمعت ذلك من الرئيس بري، ان السفير فيلتمان زاره وسأله وناقش معه في مسألة توسيع الحكومة، ضمن أي شروط ، وهذا كل ما عرضه.

أما الحديث عن رئيس لمدة سنتين وحكومة موسعة وإنتخابات ، فلا أعتقد ان هناك مشروعا بهذا الحجم، المشروع الجدي هو إدارة الهدنة، ولكن بدون رئيس جمهورية، لأن رئيس الجمهورية يعني تسوية، وإنتخاب رئيس جهورية يعني الوصول الى مرحلة التسوية، والحد الأقصى الممكن الوصول اليه، في ظل الهدنة ، هو توسيع الحكومة ، او توسيع الإدارة المشرفة على هذه الهدنة.

– تقول أنك إلتقيت الرئيس بري ، هل هو متفائل بالوصول الى شيء ما؟
ج- الرئيس بري متفائل دائما ، وهو من الناس الذي يملك طبيعة تقول بأنه طالما أنت تعمل يجب أن تكون متفائلا.

س- هل رأيته إيجابيا بتفكيره وبطريقة مقاربته للأمور؟
ج- طبعا، طبعا هو إيجابي ايضا بحركته، وهو يحب النجاح في مساعيه، ويرغب أن يستمر في التقدّم الى الأمام، ولكن أحيانا قد لا يصل ولكنه يستمر في التقدّم.

س- ما مدى تأثيره على “حزب الله؟
ج- ما مدى تأثير المشروع المطروح فهذه ليست مسألة شخصية، فيجب أولا أن يكون موافقا على المشروع المطروح أمامه، لكي يقاتل من أجله سواء مع الحزب أو غير الحزب، ولكن لم أجد أمامه مشروعا يصلح بما فيه الكفاية، ليقاتل الآخرين من اجله ، ولكنه حليف إستراتيجي ووضعه يسمح له بكل بساطة أن يكون حليفا إستراتيجيا.

وباعتقادي، ان الجهد الذي بذله، والمفاوضات التي قادها، هو والرئيس السنيورة أثناء الحرب في تموز، تؤكد انه حليف إستراتيجي.

س- الإعتصام كان وسيلة ضغط على حكومة السنيورة، هل مازالت المعارضة تؤمن بهذه الوسيلة؟
ج- في المفهوم الديموقراطي ، إعتبرت في بادىء الأمر، ان من حقهم أن يعتصموا، وهذه وسيلة تعبير سياسية سلمية، وكنت أسمع كلام الأكثرية ، بأن هذا إحتلال أو مستوطنات، وكنت أغضب من هذا الكلام، ولكن بعد مرور ثمانية أشهر على هذا الإعتصام، أنا أرفض ذلك اليوم، ولا أعتبره وسيلة تعبير ديموقراطية. وما يحصل الآن في الوسط التجاري أمر غير إنساني، وظلم وتجبّر وقهر، ينال أرزاق الناس ومصالحها، وبالتالي ما الصالح من هذا الإعتصام؟ فإذا كان لإسقاط الرئيس السنيورة، فوالله لو إستمر الإعتصام عشر سنوات لن تسقط شعرة من رأسه، فإنتشاره اللبناني أكبر، وإنتشاره العربي حدّث ولا حرج، وإنتشاره الدولي أكبر وأكبر وأكبر.. وبالتالي أصبح الإعتصام وسيلة لإلحاق الأذى بالناس فقط.

حتى الرئيس بري الذي ناقشته في هذا الموضوع منذ فترة، قال أنا على الحياد، إلا بموضوع واحد وهو المقاومة. جيد ولكن أين المقاومة في الوسط التجاري؟ إذاً أنت طرف ولست على الحياد، أنت طرف في موضوع المقاومة وليس في موضوع الإعتصام لثمانية أشهر حتى الآن. فهناك آلاف الناس تعطّلت مصالحهم وهذا لا يجوز. أنا سأضع موضوع الحزب جانبا لأن له قراءة سياسية أو مفاهيم مختلفة عن الآخرين، ولكن أنا أعتبر الرئيس بري مسؤولا مدنيا تجاه هؤلاء الناس المعطّلة مصالحهم ، وأعتبر أيضا الجنرال عون أكبر مسؤول عن إنهاء هذا الموضوع، حرام ما يحصل هذا ظلم وقهر للناس.

س- هل تعتقد ان الإتصال الهاتفي الذي أجراه النائب سعد الحريري مع النائب ميشال عون، يشكّل إختراقا للجدار السياسي المرتفع بين المعارضة والموالاة؟
ج- أنا أعتبره إتصالا طبيعيا كان يجب أن يحصل، وحصل لا أكثر ولا أقل. أنا إلتقيت العماد عون ووجدت انه يتطلع الى الأمر بجدية، وتبيّن أيضا ان العماد عون في موضوع مخيم نهر البارد إتخذ موقفا مخالفا لحلفائه ، وهو يرى ان الموضوع الوحيد الذي يربطه بهذا التوجه السياسي، هي ورقة التفاهم ، ولكنه يعتبر ان الإتصال مع الشيخ سعد إتصالا جديا والمناقشة جدية ، ولا شيء يمنع من المناقشة مستقبلا.

س- هل تلتقي الشيخ سعد الحريري ، وهل أنت على علاقة معه؟
ج- طبعا، أنا ألتقيه وأتكلم معه بشكل عادي، واتناقش معه ، وهو بالنسبة لي زعيم كتلة “تيار المستقبل” وبالتالي إذا كنت أريد أن أكمل بالكتابة السياسية فلا خيار أمامي إلا أن ألتقيه ، أيضا أنا أحب أن ألتقيه.

س- بيان مجلس المطارنة الموارنة، وما جاء عن محاولات لأسلمة البلد، وهذا البيان أحدث عاطفة سياسية خاصة أنه صدر عشية الإنتخابات الرئاسية، ويعيد الى الأذهان الإنتخابات النيابية عام 2005، عندما سحبت بكركي الغطاء عن قرنة شهوان، وكانت بالنتيجة خسارة مدوية لمرشحي القرنة، وموجة شعبية عارمة صبت عند العماد عون، هل ترى ان هذه المقارنة صحيحة؟
ج- أعتقد ان موضوع الإنتخابات ونتائجها أصبحت وراءنا. أنا أقدّر البطريرك صفير تقديرا عاليا، ولكن لا أريد أن أقول اني غير موافق ، أريد أن أقول ان كل هذا الكلام هو كلام مريض.

أنا حضرت الإجتماع الذي تم بين الرئيس رفيق الحريري رحمه الله والبطريرك صفير والمطارنة الكرام، ودام سبع ساعات، حيث دار النقاش حول عدد كبير من المواضيع مما لا يزال بعضها مطروحا الآن.

خلال الجلسة قال أحد المطارنة المحترمين، ان هناك خللا في بعض مناصب الفئة الأولى التي يشغلها المسلمون بالوكالة، بعد شغورها ، ففوجىء الرئيس الحريري الذي لم يكن يعلم بهذا الأمر، وطلب من مستشاره داوود صايغ أن يتصل بالدكتور حس شلق رحمه الله، رئيس مجلس الخدمة المدنية. وبعد الإتصال تبيّن ان كل هذه المعلومة غير صحيحة، وان المناصب الشاغرة التي يشغلها مسيحيون بالوكالة ، هي مناصب سُنية، فطبعا إنتهى الحديث عند هذا الوضع.

الآن في الوقائع التي ذكرها بيان بكركي، ارى ان روايتهم شبيهة برواية مناصب الفئة الأولى التي ذكرتها ولم تكن صحيحة.

على كل رأيي ان نتجاوز هذا الموضوع ، ونعود الى ما قبله تماما من موقف للبطريرك صفير من موضوع رئاسة الجمهورية وبمسؤوليته عن الإنتخابات وبمسؤوليته عن الحكومة، وعن الإستقرار، وعن حياة اللبنانيين وبمسؤوليته عن أوضاع اللبنانيين الإقتصادية . لذلك فلننسَ هذا البيان ونمحه من الذاكرة.