مـراكـش مــرة أخــرى…

مقالات 23 فبراير 2009 0

الساعة السابعة والنصف مساءً بتوقيت ولاية كاليفورنيا. أمشي في بولفار “والشير” الذي يشق مدينة لوس أنجلوس متجهاً إلى الفندق الذي صوّرت فيه جوليا روبرتس مع ريتشار غير فيلمهما الشهير Pretty ” Woman” أو المرأة الجميلة.
هدوء تام في الشارع. سيارة تمر كل 5 دقائق متمهلة. لا تسمع صوتاً لإنسان ولا ترى أحداً في الشارع. واجهات المحلات المضاءة تعرض ما لديها إنما دون فرح ولا بهجة. فقط تخفيض في الأسعار. إلى يمين البولفار وقبل الفندق ثلاثة مخازن كبرى واضح من الخارج أنها مفتوحة للزبائن. لكن لا أحد يدخل، وكذلك لا أحد يخرج.
أصل الى مدخل الفندق. أعطيه ظهري وأنظر الى الشارع المقابل.”روديو درايف” شارع المشاهير الذين نتفرج على صورهم. منازلهم في “هوليود” ضاحية المدينة وتبضعهم من “روديو درايف” المنتشر على يمينه ويساره ومحيطه أهم المحلات الممتلئة بآخر ما حققه مصممو الأزياء وأغلى ما صنعه فنانو المجوهرات.
الشارع مطفأ، ما عدا مطعمين صغيرين عند مدخله يتناول فيهما الناس العشاء الهامس. لا صوت ولا ضوء مبهراً للعين ولا إشارة توحي بأن هذه هي المنطقة التي مشت عليها أقدام الشهيرات قبل المشاهير. والجميلات قبل الوسيمين.
تغيرت الصورة عن المدينة الأميركية من ذاكرة قبل عشرات السنوات. لكن الأيام العشرة التي أمضيتها هناك برفقة زوجة باحثة عن شيء لا تريد شراءه، على عكس الشائع من عادات السيدات. هذه الأيام لم تعطني إلا صورة المدينة الهادئة حتى لا أقول الباردة والمكونة من ضواحٍ.
صحيح أن هناك مطاعم يجتمع فيها الناس ليلاً. لكن هذه ليست إشارة حياة لمدينة تسكن ذاكرتك بضجيجها وجمالها وشهيراتها.
تذكّرت الصديق الذي أشرف على رحلتنا سوياً إلى مدينة مراكش في المغرب، في الموعد نفسه تقريباً من السنة الماضية. فهمت في لوس انجلوس لماذا يدمن الغربيون على هذه المدينة المغربية المجنونة، إذ ليس فيها الشمس الدافئة فقط. بل الأهم أن فيها الحياة الصاخبة التي لا تتوقف 24 ساعة في اليوم.
روائح البهارات في الأسواق القديمة. “المدينة بتسكين الميم كما يسمّيها أهلها”. الألوان الحيّة في كل شيء حولك. قماش. خشب. فضة. مفروشات. بهارات. طعام تدعوك رائحته الزكية إلى نبش مصدرها. بشر من كل الأعمار والمقاسات والجنسيات لا يتعبون من الدوران حول الأسواق القديمة. فيلات تاريخية قديمة تحولت إلى فنادق صغيرة. لا ترى من خارجها إلا الباب فإذا بك حين تدخل تجد نفسك في “بحيرة” من الذوق في كل ما تراه إلى الحد الذي يجعلك تعتقد أنه ليس في الداخل من بشر يعكرون صفو الجمال القديم المجدّد. بينما الحقيقة أن غرف الفندق الصغير مليئة بالمقيمين فيها الحريصين على ألا يزعجهم صوت يأتي من الخارج. هم يقررون متى يخرجون من الباب الصغير إلى الفضاء الذي لا نهاية له من الألوان التي تبهر بصرك والروائح التي تتعمد زيارة مصادرها في “البسطات” العالية الصغيرة. يقف البائع في منتصف مربعات بهاراته محاطاً بها من كل جانب، لا تعرف كيف دخل بينها ولا كيف تماهى مع ألوانها. لا تشعر بالضجيج حولك إذ أنه جزء من طبيعة المشهد.
دعي الباشا المصري باعتباره من أصحاب السوابق “المراكشية” الى سهرة يقيمها رجل أعمال مغربي كبير في منزله في منطقة “يوريكا” أي “وجدتها” المليئة بالأشجار، مما جعلها أرقى المناطق للسكن قبل منطقة “النخلة” الجديدة التي يلفظ المراكشيون اسمها بالفرنسية.
لم أجد حرجاً في زمالته إلى السهرة دون دعوة. إذ أنني الغريب الذي يريد أن يرى مجموعة كبيرة من النخبة في مكان واحد.
صاحب الدعوة يسألني فور وصولنا عن الريّس عدنان قصَّار. لم أستغرب إذ أنني أعلم أنه كالعلم اللبناني بين رجال الأعمال في كثير من مدن العالم. فقد شهدت انتشاره في أربع عواصم غربية فضلاً عن اسطمبول. قاعات الاستقبال في المنزل مفتوحة على الحديقة المحاطة بخيمة سوداء مخططة بالأبيض على عكس تنوع ألوان الخيم المغربية. وذلك لإظهار اللون الأبيض في كل ما حولنا من طاولات وورد وإضاءة بالشموع العالية.
في نهاية السهرة عرفت لماذا يحكى عن السحر المغربي الذي تخافه الأمهات. وتهرب منه الزوجات بما يتبقى من رجالهن.
لا يتعلق الأمر كما هو شائع بالسحرة الذين يدّعون تلبية رغباتك أو قراءة مستقبلك، لأن ما حصل للباشا المصري ولي يثبت أن السحر كان حولنا دون سحرة. دارت الساعات حولنا لأجد نفسي مستمعاً للشعر من الصديق المصري إذا سمحت له اعتراضات زوجتانا على ما نفعل.
ودّع ثلاثاً من الحاضرات. قال عن الأولى إنها بلون الشمس التي مهما بهرك ضوؤها لا تستطيع بعاداً عن دفئها. وصف الثانية أنها بلون جبال الأطلس في النهار: سمرة صافية لا تستطيع إلا أن تشهق أمام “مجرى العطر” منها على حد وصف الصديق الشاعر الذي صار في موقع لا تجوز تسميته. أما الثالثة فتحمّل مسؤولية القول عنها بأنها “ألوان حياتي”: انتصاب في القامة والشعر ينافس الليل سواداً.
لن أكمل. أردت أن أقول فقط إن السحر هناك ليس من الغيب بل هو حاضر فيهن. والباشا المصري ينشد لمستمع واحد قادم من لبنان.
نهـاد…