ماذا لو؟ (2) ثعلبان يمسكان مثلث بعبدا دمشق المخيمات

الأخبار 05 سبتمبر 2005 0

ينقطع التيار الكهربائي ليل الثلاثاء الماضي. تمتلئ المدينة عتمة، رطوبة، غباراً.
تصحو المدينة صباحاً. يجدها اهلها ملأى بالشائعات، يميناً، يساراً، منازل، مكاتب، شوارع، ارصفة.
عشرات الاسماء تنزل إلى التداول، الصفة: موقوف للإشتباه به.
الأربعاء صباحاً، انجلت الحقيقة. أربعة من جنرالات الأمن اللبناني السوري حوّلوا من لجنة التحقيق الدولية ألى المحقق العدلي اللبناني ومدعي عام التمييز سعيد ميرزا لاستكمال التحقيق معهم.
غرف اعتقالهم في مقرّ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مجهّزة منذ أيام. جهّزت لمجهولين. دخل إليها الضباط الأكثر شهرة في السنوات الأخيرة.
الذين يعرفون المفاوضات التي سبقت المداهمات، يروون ان القضاء اللبناني الممثل بالمدّعي العام التمييزي أصر على حقه في المشاركة بالتحقيق وبنتائجه تنفيذاً للإتفاق المعقود بين رئيس اللجنة ووزير العدل.
رئيس اللجنة الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس قال بصراحة الى طاولة اجتماعات وزارة العدل: أولاً يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار اننا قادمون الى هنا على قاعدة قرار من مجلس الأمن يشكك باستقلالية القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية العاملة بأمرته.
نحن نثق بشكل أكيد بمدّعي عام التمييز الجديد. لكن اطلاع الجانب اللبناني على مجريات التحقيق يفترض ان القاضي سيعتمد في المتابعة والتدقيق على أجهزة أمنية لا نثق بها.
أجاب الجانب اللبناني أنه لا يستطيع إصدار مذكرات توقيف او إطلاق سراح دون معرفة مسبباتها ومعطياتها. البروتوكول المعقود بين وزارة العدل اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية لا ينفذ بشكل سليم.
بعد طول جدل عاد القاضي ميليس الى صيغة تقول بأنه سيأتي بالمشتبهين الرئيسيين. إذا ثبت لديه ما يدينهم أو ما يدين بعضهم، يحوّلهم الى القاضي العدلي. اذا ثبت العكس يطلق سراحهم بمذكرة من الجانب اللبناني دون استكمال للتحقيق. نفّذت العملية بدقة شديدة وسرية أشد. تم التحقيق في مقرّ اللجنة الدولية. أفرج عن النائب السابق ناصر قنديل. أحيل الضباط الأربعة الى القضاء اللبناني.
بعد أربعة أيام من التحقيقات المتواصلة معهم أصدر المحقق العدلي مذكرة بتوقيفهم. مزيد من الإدانة يتجاوز الإشتباه. التهمة: التخطيط لعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
يذهب من يذهب. يبقى سعيد ميرزا في مكتبه يراجع أوراقه. هذا ليس تحقيقاً. إنه جريمة دولية.
ميرزا لقب تشريف إيراني
من هو سعيد ميرزا؟
قاضٍ جنائي منذ 35 عاما.
يجلس الى المتهم لساعات طوال. يدور حوله، يدخل الى رأسه. يشعره أنه بريء. التحقيق مسألة إجرائية فقط. يحمل إليه بنفسه فنجان القهوة. يخطئ المتهم بكلمة. ساعات التحقيق طويلة تجعله لا يكرر نفس التعبير مرة عاشرة. معلومة تظهر فجأة. خطأ في لون فرش السيارة. الجلوس في مقعدها ألامامي أو الخلفي. يقع المتهم فريسة صبره.
عنيد. صبور دون ملل. قادر في مهنته دون ادّعاء. يمتلك الكثير من مزايا برج الأسد الذي ينتمي إليه. صارم صامت. حازم هادىء. عصامي ينتمي الى عائلة صغيرة عدداً متوسطة الحال. درس في المدارس الرسمية ثم في الجامعة اللبنانية حيث انهى إجازته في الحقوق. عمل في حرف مختلفة وهو في صفوفه الثانوية حين انتقل الى الدراسة الليلية، ثم موظفاً في مصلحة الشؤون الجغرافية أثناء دراسته الجامعية. عند انتهائها استقال ودخل إلى معهد القضاء.
تأخر عشر سنوات عن تسلم منصب المدّعي العام التمييزي.
رشّحه الرئيس رفيق الحريري لهذا المنصب في العام 95.
تمهّل وزير العدل حينها الدكتور بهيج طبارة في إجراءات التعيين. تعرف خلالها العميد غازي كنعان إلى القاضي عدنان عضّوم بواسطة قاضِ صغير في القضاء والقدر. لا أتذكّر اسمه. يلبس قمصان هاواي الحريرية الى عمله في وزارة العدل. عيّن عضّوم مدّعياً عاماً تمييزيا. أخرج القاضي ميرزا صمته وصبره من الدرج. تسلح بهما. مارس عمله المعتاد متنقلاً بين المناطق والقضايا.
ذهب لشكر الرئيس الحريري على ترشيحه في قريطم في العام 95، استذكرا سوياً أنهما كانا رفاق مظاهرات. التاريخ 1963. مضى على افتراقهما حين التقيا 32 سنة. ألآن يحمل هو قضيته شهيداً على كتفيه.
كلمة ميرزا الايرانية تعني لقبا يمنح لتشريف الأمراء والأطباء. ظهوره الإعلامي نادر. اجتماعياته محدودة.
****
الثعلب الالماني
هذا هو الثعلب الثاني. الثعلب الأول ديتليف ميليس. يقف الاثنان على باب التاريخ الواسع تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي. صحيح ان ميليس سجل نقطة مبكرة عندما عمل على قضية تفجير ملهى “لابل” الليلي في برلين. فاذا بليبيا تدفع حتى الآن ثمن حصارها ومن ثم مصالحتها للمجتمع الدولي بعد إدانة مسؤولين منها في عملية تفجير الملهى. ديتليف ميليس وسعيد ميرزا يجيبان اليوم على أسئلة أول جريمة سياسية عربية يسّمى فاعلوها. يتهمون. يدانون. تحقيق دولي. تحقيق لبناني. ثعلبان هادئان. يملكان الثقة بالنفس. الوقت. الصبر. الاحتراف. التقنية. البساطة الظاهرة. القرار المختبىء. الصمت الكافي للانقضاض على فريستهما في الوقت المناسب. يتوازيان قدرة ونجاحا. من يسبق من في الوصول الى الحقيقة ؟
مشكلة ثقة؟
ليس هناك من سباق. المحقق الدولي المشهود له بالكفاءة لا يثق بالجانب اللبناني. الأخير واثق من مقدرته. يريد تأكيدها دون اشتباك سياسي. دون تشكيك بالتحقيق الدولي. حصل على حقه وفرصته الآن. المحقق ميرزا نجح في تحقيقات كثيرة. لم يسلم في حياته المهنية تحقيقاً منقوصاً يحتمل الاجتهاد والتأويل فكيف لتحقيق في اغتيال زعيم عربي. دولي الانتشار. كيف يمكن لتحقيق »رفيق الحريري شهيداً« أن يستقرّ على مكتب المدعي العام سعيد ميرزا دون نجاح نهائي؟
الثعلب الآخر يظهر في مؤتمره الصحافي قدرة كبيرة على الحياد وقدرة أكبر على التكتيك القضائي السياسي. يخرج من جيبه ورقة العجز عن اتهام أحد. يتبرأ من قدرته على إدانة أحد. يقول باسماً بهدوء أوصيت بتوقيف دائم للجنرالات الاربعة المشتبه بهم.
يضيف بابتسامة أكثر حضوراً هم متهمون بالتخطيط لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
بحياد بريء. متهمون بالتخطيط لعملية الاغتيال. توصية بتوقيف دائم. ماذا تحتاج اكثر من ذلك للاتهام المباشر؟
لا يتبع تكتيكه في المؤتمر الصحافي فقط، بل في تحقيقاته ايضا.
حقق مع مائة شخص. استمع الى عشرات المتطوعين للشهادة. حقق مع الضباط الاربعة. تركهم أحرارا. سمح لاثنين منهم بالسفر.
بالتأكيد طلب من السلطات المعنية مراقبتهما خلال وجودهما في الخارج.
رجعا الى بيروت مرتاحي البال، متأكدين من براءتهما.
التعليق بالصدفة
عين ديتليف ميليس رئيساً للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري صدفة.
للصدفة هنا معنى آخر. عندما اتخذ مجلس الامن الدولي قراره 1595 بتشكيل لجنة للتحقيق الدولي في الجريمة، طلب الامين العام كوفي انان من الدائرة القانونية في الامم المتحدة ترشيح محقق او اكثر لهذه المهمة بحيث يختار واحدا من اثنين حسب كفاءتهما. بعد ايام عادت إليه الدائرة القانونية باسم واحد: المحقق الفرنسي المشهور جان لوي بروغير الذي يتولى الآن باسم فرنسا التحقيق في مقتل الشهيد سمير قصير.
تردد الامين العام. تعيين محقق فرنسي في التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري يمكن ان يسبب كلاماً كثيراً عن تدخل فرنسي رسمي في التسمية. العلاقة بين عائلة الرئيس الشهيد والرئيس الفرنسي جاك شيراك تبرر ذلك. خاصة وان فرنسا هي احدى دولتين اقترحتا القرار 1559 وما تبعه من قرارات. طلب انان من الدائرة القانونية العودة الى ترشيح اسم آخر. لا يكون اميركياً او فرنسيا.
عاد البحث مجددا. محترفو التحقيق في هذه القضايا قلّة في العالم. خاصة وان المهمة المطلوبة هي في العالم العربي وهذا بحد ذاته اختصاص.
جاء من يهمس في أذن الامين العام للامم المتحدة ان رئيس مكتب التنسيق لمحاربة الجرائم المنظمة والارهاب التابع للاتحاد الاوروبي ومقرّه برلين محقق ممتاز يفوق الفرنسي قدرة وله خبرة في التعاطي مع متطرفي الشرق الاوسط. عمل سابقاً مدعياً عاماً لبرلين حيث المدعي العام يتبع رئيس الدولة وليس وزير العدل. اسمه ديتليف ميليس. نجح بعد عشر سنوات من التحقيق اثبات مسؤولية ليبيا عن تفجير نادٍ ليلي يرتاده جنود اميركيون في المانيا.
تأكد الامين العام من المعلومات التي سمعها. عينه محققاً اول في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وارتاح الى خياره.
بين 10 أوائل مهددين أمنياً
الاجتماع الاول بين انان وميليس حدث بعد يومين من تعيينه. الاجتماع الثاني سيحصل خلال يومين في نيويورك سيسلم ميليس انان النسخة الاصلية من كامل التحقيقات التي أجراها والنتائج التي وصل إليها معلومات واستنتاجا.
لماذا الاستعجال؟
أولاً: يعتبر القاضي الالماني انه توصل الى حقيقة التخطيط والتنفيذ لعملية اغتيال الرئيس الحريري خلال فترة قياسية.
ثانياً: ان ديتليف ميليس مصنف الآن امنياً انه بين العشرة الاول من المعرضين للخطر في العالم. وهذا ما يستوجب درجة عالية جداً من الاحتياط. لذلك سلّم مبّكراً النسخة الاصلية من تقريره تحسباّ لما قد يحدث.
ثالثاً : هناك تداعيات سياسية كبيرة لما في تقريره من حقائق. للامين العام وحده حق ميزانها وتقرير نتائجها وكيفية التعامل مسبقاً مع هذه النتائج. كذلك للامين العام تقرير من له الحق في الاطلاع على هذه المعطيات ومناقشتها قبل تقديم التقرير الى مجلس الامن الدولي مجتمعاً في الوقت المناسب. بعد ان يقرر المحقق ميليس الاسابيع التي يحتاجها تمديداً لعمل اللجنة.
بالتأكيد سيشعر الامين العام بالراحة والاعتزاز لاختياره المحقق الالماني بدلاً من زميله الفرنسي.
ليس بسبب المدة القياسية التي انهى فيها معظم عمله بل ايضاً لان الملف الذي سيستلمه مليء بالحقائق التي تجعل من السهل عليه اقناع العالم بنتيجة التحقيق.
الخطوة الثانية التي يسعى إليها المحقق الالماني هي استخدام معطيات تحقيقه في محكمة دولية تنشأ لهذا الغرض. الارجح انه سينجح في مسعاه بعد قليل من الوقت وكثير من الإقناع. إذ انه مقتنع بان محكمة اخرى تقوم بهذا الدور في لبنان ستتعرض لضغوطات سياسية وامنية تجعل من الصعب عليها اتمام مهمتها بنزاهة وتجرّد ونجاح. فإذا نجح القضاة اللبنانيون في الخلاص من الضغط السياسي. لن يستطيعوا تجاوز الضغط الامني.
****
صاحب قضية
من هو ديتليف ميليس؟
انه ليس قاضي تحقيق محترف من الدرجة الاولى فحسب. انه صاحب قضية في مكافحة الارهاب الدولي. وهو يعتبر نجاح اي تحقيق يقوم به تعطيلاً لارهاب مقبل اكثر مما هو الكشف عن مرتكبي ارهاب حصل.
يشدد ميليس على دور القضاء الدولي والقانون في محاربة إرهاب الدول. اتخذ موقفاً صارماً في اتجاه عملية الحادي عشر من ايلول الارهابية في نيويورك.
أبدى استعداده لمحاربة هذا الارهاب انطلاقاً من موقعه.
ديتليف ميليس محقق طموح. عاد عليه نجاحه في كشف منفذي تفجير ملهى (لا بل) بتقدم كبير على الصعيد الوظيفي. نال شهرةً دولية واسعة. برليني. متزوج. مواليد العام 1948.
يقال ان لديه طموحاً سياسياً في بلده او في اوروبا الموحدة لذلك تجده يعلن دائماً ان محاربة الارهاب قضيته. بذلك يحاكي الهوى الدولي المندفع في هذه السياسة ويفتش عن محترفين قادرين على تسويق سياستهم في محاربة الارهاب من اي جهة أتى. المحقق الالماني واحد من هؤلاء المحترفين الدوليين.
التكتيك الذي اتبعه في لبنان. أظهره ثعلباً أبرص. متمكنً من عمله. هادىء الى حد البراءة. لطيف الى حد الاتهام. يدير فريقاً من 130 شخصا في فندق مونتفردي دون ان تسمع لهم حساً او ترى لهم وجهاً. حتى ان بعض التحقيقات تمت من خلال صوت محقق دون ان يرى الشاهد وجهه. يغامر البعض بالقول ان عناصر التحقيق اكتملت. وان زيارة ميليس الى دمشق في العاشر من الشهر الحالي هي لتظهير الصورة وليس لاخذها قبل ان تذهب لتطبع في مجلس الامن الدولي.
المتهمون الاربعة في لبنان من عتاة النظام الامني اللبناني السوري. أولهم المدير العام للامن العام المساعد السابق لمدير المخابرات. المنظّر الاستراتيجي والسياسي للرئيسين اميل لحود وبشار الاسد في الموضوع اللبناني.
استقبله الرئيس الاسد بعد استقالته للدلالة على مكانته عند نظامه وللخدمات التي قدمها للنظام السوري منذ العام 1990.
الثاني قائد الحرس الجمهوري اللصيق الامني لرئيس الجمهورية اللبنانية.
ينسّق مع الامن السوري في الكثير من المهمات. يطلع رئيسه المباشر على كل ما يقوم به او يطلب منه او حتى يفكر فيه.
الثالث مدير المخابرات. يشتهر بقدرته على التنفيذ دون مناقشة. يمسكون عليه ملفات شخصية كثيرة من القياس الصغير والوسط. لا يتحمل حجمه مقاسات كبيرة.
الرابع مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي بعد خدمة 6 سنوات في البقاع مسؤولاً امنياً عن المنطقة. الضباط الذين عملوا في البقاع امتازوا بأمرين: التعاطي المباشر مع مسؤول الامن السوري مما يعطيهم حظوة واسعة الإطار، والامر الثاني انهم يترقون بسرعة البرق تجاوزاً للقوانين والاعراف. عمل قائداً للحرس الحكومي بين العامين 92 98 وشهوراً من عام ألفين. اصبح بعد تعيينه مديراً عاماً من أصحاب المواعيد الاسبوعية الثابتة في القصر الجمهوري صوتاً وصورة.
وضع الكلام في نصابه يفترض التالي. هذه الجريمة مخططة ومنفذة من قبل النظام الامني اللبناني السوري. من سيظهر في صورة المتهم من الآن فصاعداً سيكون من صغار المنفذين. هذا في لبنان. ماذا عن دمشق؟ للحديث صلة.
فقدان المشروعية
اين رئيس الجمهورية؟
تصدر رئاسة الجمهورية بيانات شبه يومية تؤكد ان الرئيس لحود باقٍ في القصر الجمهوري حتى نهاية ولايته بعد سنتين من الان. تتجاهل البيانات حقائق أخرى كثيرة أهمها ان العماد لحود فقد مشروعيته الدولية عندما اتهم المحقق الالماني أربعة ضباط من عتاة جهازه الأمني والسياسي لسنوات طويلة ما عدا اللواء الحاج المنضم حديثاً.
فقد الرئيس لحود مشروعيته اللبنانية بعد إصدار المحقق العدلي مذكرة توقيف بحق الضباط الاربعة بتهمة القتل والمشاركة بالقتل والتخطيط للقتل وحيازة السلاح.
الرئيس لحود فاقد لمشروعيته الشعبية منذ الرابع عشر من شباط تاريخ اغتيال الرئيس الحريري. في الرابع عشر من آذار جاء الشعب اللبناني بغالبيته ليوقع على فقدانه لمشروعيته الشعبية.
البطريرك صفير الذي اكد منذ أسابيع بقاء لحود حتى نهاية ولايته الممددة، بدأ يعد العدّة لمرحلة ما بعد نهاية التحقيق. لا يريد تحمل مسؤولية “مسيحية” المحّرض على القتل في وجه “إسلامية” الشهيد الحريري. يشغل عقله واتصالاته على إيجاد المخرج المناسب.
العماد عون يعمل في السياسة. لا عواطف. يطلب التنسيق من خصومه. وهو ما سيحصل. إذاً الرئيس لحود امام خيار بين أمرين لا ثالث لهما. إما الانضمام الى دائرة المحقَّق معهم بصفة المشتبه به أو الاستقالة.
صحيح ان المحقق ميليس اعلن انه لا يشتبه بالرئيس لحود. لكنه فعل ذلك مع غيره. كانوا أبرياء فإذا بهم صاروا موقوفين ومدانين.
سفير دولة كبرى مطّلع على أجزاء من التحقيق أو بشكل أدق على اتجاهات الاتهام يقول انها مثلّث. رأسه في بعبدا، زاويته اليمين في دمشق، والزاوية اليسرى في المخيمات حيث مجموعات موالية لسوريا جغرافياً و سياسياً.
هذا يفترض أنّ العمل الأوّل للحكومة الأولى بعد انتخابات الرئاسة هو سلاح المخيّمات وقانون انتخابات جديد تحضيرًا لانتخابات مبكّرة في صيف 2006 .
مسألة العلاقات اللبنانية السورية تأتي في المرحلة الثانية من العمل. بعد أن تكون انتهت المرحلة الأولى سورياً من نتائج تحقيق جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
ببساطة نحن نشهد الآن مرحلة كتابة جديدة لتاريخ لبنان وسوريا. البعض يسمّيها مؤامرة. الآخر يقول عنها أي المرحلة مخططا أميركيا. كثيرون يرون فيها تقدمًا وتجددًا. للنظام السياسي والقضائي اللبناني.
يعترف الوزير غازي العريضي بصفحات التاريخ الجديد التي تكتب للبنان وسوريا. لكنه يتخوف من ربع الساعة الأخير. هذا طبيعي في بلدين أخذا طابعاً أمنياً لسنوات طويلة جدا. حيث لا يستطيع صاحب قرار الجريمة التفريق بين السياسة والأمن في ربع الساعة الأخير من التغيير المتوقع.
وليد بك على عادته دقة، توقيتاً، خياراً واضحا. قدرة كبيرة على إيصال الرسالة. قامة سياسية تحمي ما يقول. »عروبة لبنان لا تخضع لنتائج التحقيق. هي طبيعة وأصالة هذا البلد. نحن لسنا ولن نكون شركاء بما يحدث في سوريا. لسنا ثأريين ولا هواة انتقام. نريد لعروبة سوريا ان تكون بخير ايضا. لن نغيّر حدودنا السياسية العربية بسبب تقرير ديفيد ميليس أو غيره. يكررها مرات ليعلم الجميع أنها ليست نزوة كلام كما تعودوا القول عن كلامه. يخطب الأحد في جمهور ما. يكلم وفداً يوم الاثنين. يستقبل سفيراً يوم الثلاثاء ويتحدث. تحتار ايهما تعتمد. هذه المرة توجه واحد كل أيام الاسابيع المقبلة. عروبة لبنان. اتفاق الطائف. الخروج بكل الجهد الممكن من التأثير في تطورات التحقيق في سوريا. التأكيد على عروبتها أيضاً.
سعد الحريري يسمّي في باريس والده الشهيد بالزعيم العربي. بداية خطاب سياسي يحتاجه جمهور الحريري بعد ظهور نتائج التحقيق. هو موعد قريب جداً.
الحساب في وجه القاتل وليس القتيل
الامير سلطان بن محمد آل سعود الكبير، واحد من كبار رجال الأعمال السعوديين.
ربما هو الوحيد الذي يستحق لقب الأمير العصامي. بدأ حياته تاجر شنطة وصل إلى القمة بصمت دون إعلان ولا إعلام. يقول على غداء اقامه على شرفه السفير الناشط الدكتور عبد العزيز الخوجه، “اعتقال الضباط الاربعة الكبار، المفاتيح السياسية والأمنية في عهد الرئيس لحود، يعطي مؤشرات جديدة أهمها ان المجتمع الدولي قادر على الحساب عندما يقرّر”.
الحساب في وجه القاتل وليس القتيل. لقد تعودنا على سماع أنباء هرب القتلة من فعلتهم وكأن هذا أمر عادي أو قرار مشروع. تحقيق اللجنة الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يؤكد أن هذه المرحلة انتهت.
ثانياً: تقرير اللجنة الدولية وتوصيتها باعتقال المتهمين بالتخطيط يؤشر على أن موجة القتل السياسي ستتوقف ليس في لبنان فقط بل في دائرة أوسع من لبنان وسوريا.
ثالثاً: هذا الاجراء يطمئن العرب ولا يخيفهم. يطمئنهم إلى حياتهم ويضمن استثماراتهم في حال رغبوا في لبنان.
رابعاً: العالم أصبح بحجم كف اليد. لا يغتال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، أو من يماثله في أي بلد عربي. وننتظر ان ينتهي الحديث عن الجريمة بعد أيام. العالم كله متأهب للإمساك بهذه القضايا للدفاع عما يمثله الشهيد السياسي أيا تكن صفته أو بلده. الإعلام الدولي والعربي الفضائي لن يترك بيتاً الا ويدخل إليه دفاعاً عن هذه القضايا.
الرئيس الشهيد رفيق الحريري غالٍ على اللبنانيين والعرب والمسلمين. لكنه سيعطي باغتياله ونتائج التحقيق عن عملية الاغتيال لكل من قتلة الفكر والسياسة درساً لن ينسوه طويلاً. هذه فضيلة تضاف الى فضائل الرئيس الحريري وهو شهيد.
هناك نكتة مصرية تقول أن اثنين من الشباب أرادا مقابلة شخص ثالث. وجدا عنوانه. ذهبا الى العنوان. وجدا أن العمارة التي يسكنها مؤلّفة من مائة طابق.
المصعد معطّل. وهو في الطابق السبعين. اتّكلا على الله وبدآ بالصعود. بعد ساعة صرخ متقدّمهما للثاني: حسنين هناك خبران الأوّل سيّء والثاني جيّد. بأيّهما أبدأ. أجاب حسن بالجيّد.
الخبر الجيّد أننا على بعد طابق واحد من الطابق السبعين.
وما الخبر السيّء؟
اننا أخطأنا في العنوان.
الراوي الرئيس نجيب ميقاتي. الاستنتاج القول لقادة هذه المرحلة من السياسة اللبنانية أن يتأكّدوا من العنوان السياسي لمبنى لبنان قبل الصعود الى الطابق السبعين، ويكتشفوا انه ليس العنوان المطلوب.