مؤتمر إطلاق المنظمة العربية للإدارات الانتخابية: وصلنا إلى نهاية النفق

كلمات 08 يونيو 2015 0

أصحاب المعالي ، أيها السيدات والسادة،
هذا الاجتماع هو ليس مناسبة كريمة فقط بل هو فرصة للبنان ان يكون المؤتمر معقوداً في بيروت للبحث في الانتخابات.
إن للقائنا رمزيته الملفتة ودلالاته المتعلقة بالزمان والمكان والمضمون. فهو فرصة لوضع شؤون وشجون منطقتنا العربية على حدى وأخذ استراحة التفكير من المشاكل والأزمات التي تعاني منها هذه المنطقة، والحريق الطائفي والمذهبي الذي يداهمنا، والصراعات القبلية والعشائرية والعائلية التي تحاصرنا من أجل التأمل والمناقشة بين الخبراء حول الوسائل والخطوات التي يجب اتخاذها من أجل تطوير عمل وأداء مؤسساتنا الرسمية المعنية بإدارة الانتخابات والإشراف على حسن سير العملية الانتخابية.

تستنبط معظم الأزمات والصراعات والحروب والتحديات التي تحدق بنا وبمنطقتنا العربية معانيها ومفرداتها من الماضي القريب أو البعيد. كثير منا أصبح أسير لماضينا وخلافاتنا التاريخية. نحن نختلف ونتقاتل في ما بيننا من أجل الماضي وإملاءاته. لهذا السبب، تتجلى أكثر وأكثر أهمية هذا اللقاء الذي يجبرنا أن نذهب مخيرين نحو التطلع إلى المستقبل والتفكير بآليات فضلى لتطوير أداء مؤسساتنا الدستورية والشرعية وتثبيت قواعد الحكم الديمقراطي في بلادنا. أهمية هذا اللقاء أيضاً انه فرصة للبحث باستراتيجيات وخطط مستقبلية تعمل على تعزيز المؤسسات المعنية بالانتخابات من أجل تمتين ثقة شعوبنا بالمؤسسات الدستورية وتعزيز ثقتهم بالعملية الانتخابية والنتائج المترتبة عنها.

أصحاب المعالي ، أيها السيدات والسادة،

إن اختياركم لبنان لعقد مؤتمركم هذا، وللإعلان عن إطلاق الشبكة العربية للإدارات الانتخابية ليس تفصيلاً عابراً أو مجرد صدفة. لطالما كان لبنان ملتقى النخب العربية المختلفة بكل تشعباتها وتنوعاتها. ولطالما كان لبنان أيضاً هو الراعي والحاضن للمبادرات الرسمية وغير الرسمية الجدية التي تهدف إلى تطوير المؤسسات وتعزيز استقلاليتها من أجل خدمة الشعوب وتأمين مقومات العيش الكريم اليمقراطي للشعوب العربية.
على الرغم من ذلك، ليس خافياً على أحد حجم التحديات السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية التي يواجهها لبنان والأخطار المحدقة ببلدنا وبميثاق العيش المشترك وبمؤسساتنا الدستورية. منذ العام 2005 ولبنان يصمد بوجه التحديات والتعقيدات المحلية والإقليمية والدولية، بدءا بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومروراً بالعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، ولاحقاً أحداث السابع من أيار عام 2008، وصولاً إلى الحرب في سوريا وتداعياتها على لبنان، وانخراط فريق لبناني وازن فيها.
لقد نجح لبنان حتى الآن بتخفيف التداعيات الأمنية للحرب السورية عليه، حتى الآن مرة اخرى، وذلك من خلال ما نسميه في لبنان “الحفاظ على التوازن السياسي”. التوازن السياسي هنا ترجمته عملياً، اضعاف العملية الديموقراطية التي هي في العالم الحديث آلية لادارة التوازنات السياسية والاجتماعية المتغيرة وليس الحفاظ عليها وتثبيتها.
نحن لا نزال نعاني كما تعلمون جميعاً منذ اكثر من عام من الفراغ الرئاسي في لبنان، ما شكل تداعيات على عمل وإنتاجية المؤسسات الدستورية اللبنانية، وجعل الحكومة الحالية المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لا تزال تعمل، هي مرشحة اليوم للشلل الموقت أو النصفي. بالطبع لقد انعكس هذا الفراغ الرئاسي والشلل المؤسساتي في لبنان على معظم المؤسسات الرسمية وبالأخص على إقتصادنا الوطني، وعلى البنية التحتية ونوعية الخدمات العامة. وقد كنا مرغمين وللمرة الثانية منذ العام 2013 على تأجيل موعد الانتخابات التشريعية في لبنان بسبب التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف ببلدنا.

لكننا رغم كل ذلك لا نزال نملك بقايا من فرادة وتميز لبنان في محيطه العربي كوطن مفترض للتنوع والحريات والإعتدال والعيش المشترك، فقد بقي لدينا مساحات مشتركة لا بأس بها للحوار والتلاقي لتخفيف الاحتقان المذهبي والطائفي، ولو على قاعدة مجالس طائفية، وما الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله وورقة “إعلان النوايا” بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وغير ذلك من الحوارات التي تأخذ شكل تعطيل توافقي للديمقراطية. هناك عوامل محددة نعمل عليها لكي نمنع استبدال عمل المؤسسات، بمؤسسات حوارات المذاهب أو السياسات هنا وهناك. رغم كل شيء لا يزال هناك الكثير من الحرية في الاعلام والاستقلال في القضاء ولا تزال البنية التحتية للادارة رغم كل ما يقال عنها بخير.
وانا هنا سأتحدث عن تجربتي منذ اكثر من سنة من ولايتي في وزارة الداخلية وبوزارات اخرى، وجدت بنية تحتية جدية تعمل فقط من اجل الدولة وللدولة فقط لا غير. أما الامر الثاني الذي اؤكد عليه ان هناك صراعا قديما ونقاشا دائما بقدرة القطاع الخاص على التحرك وحريته بالتصرف وابداعه، استطيع ان اقول له ان بعد تجربتي ان في الادارة اناس لا يقلون كفاءة ولااستقامة ولا نزاهة ولا يقلون ابتكارا عن القطاع الخاص على عكس كل ما يشاع. انا لا اقول ان الوضع مثالي ولا اقول ان موظف الدولة همه تقدم الدولة او تحقيق نتائج يخدم فيها المواطن على نحو كامل، لكن الغالبية العظمى من الموظفين خصوصا وان من بينهم سيدات مدراء عامين، يعملن فعلا بعقل الدولة ويعملن من اجل امكانية تقدم الادارة التي يعملون بها. ليسوا جميعا كذلك لكن بعد اربعون عاما من الاضرابات والمشاكل ومن الحروب والصراعات السياسية التي لا تنتهي، لا يزال وضع لبنان ووضع الحريات فيه احسن بكثير بكثير من الدول العربية.
سأقول هنا من موقع المحلل السياسي وليس من موقعي الوزاري ويقال انني صاحب خبرة طويلة في التحليل انا اعتقد اننا اصبحنا في آخر النفق، الضوء اصبح قريبا جدا، سواء في لبنان ام في المنطقة المحيطة بنا، ولكن الاهم قبل كل شيء ان الناس جلسوا وقرروا التفكير بعقلهم ووضعهم سلاحهم وعضلاتهم جانبا بعدما تبين ان السلاح في كل مكان لم يتمكن من حسم اي موقف لا في العراق ولا في سوريا ولا في ليبيا ولا في اليمن. نسمع كل يوم عن تلة وقلعة وطريق وشارع ولا مرة سنرى ان ايا من الاسلحة الموجودة والتي تستعمل استطاع ان يبني نظاما مواليا له ايا كان النظام وايا كان من بيده السلاح.

أصحاب المعالي والسعادة، أيها السيدات والسادة،

إن الغاية المرجوة من تطوير وتعزيز المؤسسات والإدارات المعنية بالإنتخابات هي تعزيز ثقة المواطنين بالنتائج المترتبة عن العملية الانتخابية. فتطوير أداء الإدارات المولجة تنظيم الانتخابات يساعد على تعزيز شرعية الأنظمة السياسية ويساعد على تحقيق تطلعات الشعوب ويرسخ لثقافة الديمقراطية والحريات وترسيخ ثقافة الديمقراطية. وأنا ازعم ان أحد المكونات العميقة للازمات التي نمر بها وتمر بها المنطقة، هو التآكل المستمر لثقافة الديمقراطية بشكل عام وثقافة القبول والاعتراف بنتائج الانتخابات بشكل خاص.
إن أحد أسباب تأجيل الانتخابات التشريعية في لبنان وأحد أسباب الفراغ الرئاسي في لبنان هو إصرار قوى سياسية على تحديد نتائج الانتخابات قبل حصولها إما بحسم النتائج سلفا من باب التوافق واما من خلال تفصيل قانون للانتخابات يحسم معظم نتائجها عبر تقسيمات سياسية تستفيد منها تنظيمات أو جهات دون غيرها. وقد شهدنا تداعيات الانقضاض على نتائج الانتخابات في العراق على مسار العملية السياسية في هذا البلد الشقيق وسقوطه في حريق الحرب المذهبية.
أما في سوريا، فقد واجه النظام الشعب بأبشع أدوات العنف والتهجير والبراميل عندما انتفض الشعب السوري مطالباً بتغيير معادلة التسلط مقابل الاستقرار، فكان ما كان من خيار تدمير سوريا على أن يُعطى الشعب حريته. ولكن كلنا امل بأن حرية السوريين كل السوريين ستنتصر. واستعيد معكم في هذا السياق عبارة الكاتب الشهيد سمير قصير الذي أحيينا منذ ايام ذكرى مرور عشر سنوات على استشهاده حين قال: حين يزهر ربيع بيروت إنما يعلن آوان الورد في دمشق. ولو كان بيننا اليوم لقال أنه حين يزهر ربيع دمشق إنما يعلن آوان الورد في بيروت. وسيزهر ربيع دمشق وربيع بيروت وغيرهما باذن الله.
نظراً لأهمية تطوير الإدارات الانتخابية، أولينا في وزارة الداخلية والبلديات أهمية خاصة لموضوع إطلاق المنظمة العربية للإدارات الانتخابية وشارك ممثلون عن الوزارة في النشاطات التحضيرية التي عملت على تطوير هذه الفكرة ووضعت خطوات عملية لوضع فكرة المنظمة موضع التنفيذ. هذا اول الطريق ولكن بالتأكيد هذا اساس لمرحلة في العالم العربي تكون قاعدتها بيروت بعد استرداد صحتها الديمقراطية ويكون كل نتائج ما يجري في العالم العربي بين الدول التي تشهد حروبا واشتباكات الآن للعودة الى طاولة المفاوضات عندما نذهب الى طاولة مفاوضات لا يمكن ان يكون العنوان الرئيسي الا الانتخابات واي نتيجة لاي مفاوضات تعني الانتخابات وتعني مزيدا من الديمقراطية ولو بالتدريج بسبب عشرات السنوات التي مرت على الشعوب الشقيقة من دون اجراء اي انتخابات جدية.

أود في هذه المناسبة توجيه التحية والشكر إلى جميع من عمل على إنجاح هذه المبادرة وخصوصاً اللجنة التحضيرية لهذه المنظمة بالإضافة إلى توجيه الشكر إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي دعم هذا المؤتمر والمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية وعلى رأسها سعادة المديرة العامة السيدة فاتن يونس التي بذلت كل ما في وسعها لإنجاح هذا اللقاء.

وفي النهاية نتمنى لكم وللقيمين على هذه المنظمة كل التوفيق بمبتغاهم، ولزوار لبنان إقامة هنيئة وسعيدة.
وشكراً